لَا يُؤْمِنُ
أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يحب لنفسه...
للدكتور النابولسي
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعىل أصحابه وآله الطيبين الطاهرين.
أيها الإخوة الأكارم، حديث اليوم حديث موجز، وقد تكون البلاغة في الإيجاز، وإيجاز النبي عليه الصلاة والسلام من نوع الإيجاز الغني، فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أنس بن مالك رضي الله خادم رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
)متفق عليه( وكلكم يعلم أن أعلى درجات الحديث ما اتفق عليه الشيخان، الإمام البخاري، والإمام مسلم. وفي رواية أخرى أوردها الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ
قال د النابولسي الحقيقة أن الإيمان قد يوجد[قلت المدون: كيف يوجد الإيمان وقد بت النبي صلي الله عليه وسلم بقوله لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، والدكتور النابولسي يعرف تمام المعرفة أن النبي إذا نفي الإيمان فقد نفاه فعلا وانما بقيت فيما أستشعر بقايا ميثاق واثق به نفسه أن يتبع السلف فيما يذهبون ويقولون... ولذلك استخدم أسلوب تقريب وجهات النظر فهو يمسك العصا من الوسط فيقول : الحقيقة أن الإيمان قد يوجد قلت وماذا لو لم يوجد، وقد هنا استخدمها الدكتور تفيد التقليل خاصة لقوله ولكن قد يكون غير كاف لنجاة صاحبه لأنه ألحاقها بفعل مضارع بعدها و خلاصة ذلك : أن قد: تفيد، مع الماضي، أحد ثلاثة معان: التوقع، والتقريب، والتحقيق. ومع المضارع أحد أربعة معان: التوقع، والتقليل، والتحقيق، والتكثير.
إن تأويلات السلف في هذا المجال وهو مجال المنفي عنهم الإيمان لمخالفات بعينها هي تأويلات قلبت حقيقة الألفاظ الشرعية من النفي إلي الإثبات أي من نفي الإيمان عمن ارتكبوها ولا يصلح قبول سورين متباينين لعبارة واحدة فسور لفظ النبي ص النافي للايمان عمن نفي عنهم الإيمان حتي يحبوا لأخوتهم ما يحبون لأنفسهم هو الأصل وهو أي السور هذا اختص بكونه مميزا لملفوظ العبارة القاطعة بالنفي ولا يصلح استبدال السور الأصلي بسور أوسع لأن أي تغيير في محيط سور اللفظ هو تغيير حقيقي للفظ نفسه فالسور الأصلي هو الحق والسور الواسع محيطه المؤول وهو الباطل والذي هو[ لا يكتمل ايمان أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه] صياغة مصنوعة بشرية
أما قول الدكتور النابولسي ولكن قد يكون غير كاف لنجاة صاحبه هو قول لا قرار له وهو أمام قول عظيم من عظماء البشرية ونبي الله المعصوم من كل خطأ ]
قال الدكتور النابولسي : فأي إنسان أقر بوجود الله فهو مؤمن [قلت المدون : ليس هذا القول مسلما به إلا إذا كان علي سبيل التورية والمداراه .. فالكافر يُقر بوجود الله والمشرك يقر بوجود الله والكتابي يقر بوجود الله ومع هذا فقد تسمي المشرك مشركا وليس مؤمنا وتسمي الكافر كافرا وليس مؤمنا وتسمي الكتابي كتابيا حكم الله فيه بالكفر ولم يتسمي مؤمنا]
قال الدكتور النابولسي:"ولكن يا ترى هذا الإقرار وحده يكفي؟ لا يكفي، فإذا قال عليه الصلاة والسلام: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ)) قد يكون مؤمنا،[قلت المدون يحاول الدكتور النابولسي جاهدا أن يوفق بين آراء المتأولين ] فيقول: ولكن لا يؤمن الإيمان الذي يجعله يرقى في درجات القرب، لا يؤمن الإيمان الذي ينجيه من عذاب الله، فالإيمان واسع جدا، دائرتة واسعة جدا، فإذا أقررت أن الله سبحانه وتعالى موجود فقد دخلت فيها، ولكن لا بد من التحرك إلى مركزها، في مركزها الأنبياء، وحول الأنبياء الصديقون، كبار المؤمنين، فلا يؤمن أحدكم بمعنى أنه لا يبلغ الدرحة الكاملة من الإيمان، أو الدرجة المنجية من الإيمان، أو الدرجة التي ترقى به في الإيمان إلا إذا فعل كذا وكذا.[أقولها صراحة للدكتور النابولسي جانبك الصواب فالنبي يوب قاطع لا مواربة فيه ولا تورية لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ ولم يدور كما دار الدكتور النابولسي فنفي الإيمان هو نفي لجوهر وبيان الدكتور النابولسي هو عن عرض وشتان بين الجوهر والعرض حيث تكلم(ص) عن شيء ورحت أنت تلف حواليه من بعيد ولم تقصده مباشرة وتكلم المعصوم عن جوهر معاقب بعرض عقابا أخرجه هو من الإيمان ولم يخرج العرض من الايمان مستبقيا للجوهر]
(لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)
المستوحي من الصورة
1.لا يؤمن هي أداة نفي داخلة علي فعل المضارع يؤمن
2. هي لفظ مسور بسور النفي المطلق لا يصلح فيه استثناء ولا تأويل ومحيطه مكون من شقين الشق الأول لا النافية وهي تنفي بتا لا ترددا ولا استثناءا بصفة خلقها الغريزي الفطريقال تعالي{وعلم آدم الأسماء كلها...الآيات في سورة البقرة} ومفاد سورها ومحيط مدلولها والنفي الذي جري علي شأنها هو نفي الإيمان عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه ولا يقبل سورها الفطري أي زيادة عليها كما لا يقبل أي نقصٍ فيها والحقيقة أنها نافية لكل مدلول الإيمان كما هو واضخ ولا تأويل.أما الشق الثاني فهو فعل مضارع (يؤمن) دخلت عليه لا النافية فعدمته وجودا وأنهته تحسبا {لا يؤمن}
قال الدكتور النابولسي : هذا الكلام فسره المفسرون، ومن جملة ما قالوا: " المقصود من جملة خصال المؤمنين الواجبة أن يحب المرء لأخيه المؤمن، والحقيقة هذا قيد، وهناك من يفسر هذا الحديث تفسيرا أوسع، حتى يحب لأخيه في الإنسانية، ما يحب لنفسه[قلت المدون ليفسر ما يؤيد وليقل ما يؤيد فإن الحقَ لا يزحزه عن سوره شيءٌ ، وما قيمة عبارة : في الإنسانية وهي مقولة لبشرٍ مخلوقٍ دَاخَلَ الله تعالي وحشر نفسه وضاعةً واستكبارا إلي منطقة التشريع الإلهي المحرمة علي البشر غير محمد صلي الله عليه وسلم فقام وكبَّر في سور اللفظ الرباني حتي استخرج لفظا لكلمة وعبارة مؤلفة لم يحطها الله ولا رسوله بمحيط الحق المقصود مباشرة من الله ورسوله ]
............
قال النابولسي [الآن هذا الحديث يعد قاعد أصولية في الإيمان، أي أنت لن تكون
مؤمنا على النحو الذي يرضي الله، لن تكون مؤمنا في الدرجة التي تنجو بها من عذاب
الله، لن تكون مؤمنا في المستوى الذي يقبله الله عزوجل إلا إذا أحببت لغيرك(قصد
النابولسي بالغير هنا كل الفئات الموضوعه في المستطيل الأحمر التالي)، يقصد ما
تحبه لنفسك ] لأخيك، إنْ في الإنسانية، و إنْ في الإسلام، و إنْ في
الإيمان، و إنْ فيمن حولك، على كل كلما وسعت الدائرة فأنت أرقى، لأن النبي (صلي الله عليه وسلم)بعثه الله رحمة مهداة، و نعمة
مزجاة، وقد تجدون بعض الدول المتقدمة التي تهيئ لشعوبها مستوى معيشيا مرتفعا جدا،
و راقيا جدا، و لكن هذا على حساب بقية الشعوب، أنت لا ترضى عن هذا المجتمع الذي
يعيشه أفراده في هذا المستوى الرفيع على حساب أنقاض شعوب أخرى، هذه نظرة ضيقة، لا
ترضى عن مجتمع إلا إذا قام على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. فلذلك النبي (صلي الله عليه وسلم)، والحقيقة قبل أن نتابع الحديث له
إضافة، (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ
حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) وحتى يكره لأخيه ما يكره
لنفسه، إذا كنت تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك فأنت في المستوى
الذي يرضي الله عزوجل. النبي(صلي الله عليه وسلم)
فيما رواه أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:( وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا)(ابن
ماجه)
قلت المدون أنشأ الدكتور النابولسي قضية كلامية لا قرار لها فهي مكررة بأكثر بيانا في تأويلات النووي
ما سيأتي هو كلام لا قيمة له بعد رفضه والتزامه الحرفي بقصد الله ورسوله وما أراه إلا مشي علي درب سلفه ولو كان بعض الدرب خاطئا (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)
هذا الذي يُسأل عن شاب من أجل الزواج، فيسأله السائل:
بالله عليك، أنشدك الله، هل ترضاه لابنتك ؟ واللهِ الذي لا إله إلا هو لو قال له:
نعم، أو بلى، أرضاه لابنتي، وهو في الحقيقة لا يرضاه لابنته فقد غش الله ورسوله،
وقد غش عامة المسلمين، انطلاقا من هذا الحديث، أتزوجه ابنتك ؟ أتقبله لابنتك ؟
ادرس الوضع، لو جاءك هذا الخاطب هذا الخاطب يريد ابنتك هل تقبل به، أم أن لك
اعتراضات كثيرة على أخلاقه، وعلى دينه وعلى سلوكه ؟ إن كنت لا ترضاه لنفسك فلا
ينبغي أن تقول بسذاجة، وأن تلقي الكلام على عواهنه، وألا تدقق في الأمر، تقول: إنه
إنسان آدمي، ما معنى آدمي ؟ هذه الكلمة لا معنى لها، إلا أنه منسوب إلى بني آدم،
يعني يمشي على رجلين، هذا معنى آدمي، هل ترضاه لابنتك فعلا ؟ هذا الحديث دقيق، هذا
الطعام الذي تبيعه هل تأكله أنت ؟ نفسك هل تستسيغ أن تأكله، إنك تشهد كيف يُصنع، و
كيف يُطبخ، وكيف يعالَج بالمواد، و تبيعه في مطعم، هل تأكله أنت، هذا الشيء الذي
تركبه عند الناس هل تفعله في بيتك ؟ هل تمدد هذه التمديدات في بيتك ؟ شيء دقيق
جدا، هذا المقياس يدخل معنا في المصالح والحرف والمهن في الصناعات، هذا الشيء الذي
تصنعه تقبله لنفسك، تشتريه أنت في هذا المستوى، لذلك هذا الذي يتوهم أن الدين صلاة
وصيام وحج وزكاة، وانتهى الأمر فقد وقع في وهم كبير، الدين أعظم من ذلك، الدين
يقوم على هذه العبادات، لأنه يقوم على أسس أخلاقية.
إذًا: كما يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((... وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا))
أنا مرة التقيت مع خياط، لفت نظري دخله كبير، عنده
بيتان، بيت للضيوف، فيه كل الغرف والأسرة والمرافق، فسألته: أنت ورثت هذين البيتين
؟ قال: لا، هذا من جهدي، ومن عملي، قال لي: لي شيخ نصحني أن أخيط الثوب كما أخيطه
لنفسي، قلت: واللهِ هذه نصيحة ثمينة، وقال: بفضل هذه النصيحة أقبل الناس علي، أن
أخيط الثوب كما أخيطه لنفسي، هذا سؤال، لا تلتفت إلى الربح السريع، لا تلتفت إلى
أمن تصبح غنيا في وقت قصير، التفت إلى نصيحة المسلمين، أصحاب المهن، أصحاب
الصناعات، أصحاب التجارات، أصحاب الخبرات، هل ترضى أنت لبيتك هذا ؟ لو طبقنا هذا
الحديث واللهِ لا أزيد ولا أبالغ لحلّت كل مشكلاتنا، وفي الدرس الماضي قلت لكم:
عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، وفي هذا الدرس: أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا.
لذلك المؤمن يراقب الله عزوجل، لو أتاه طفل صغير ليشتري لحما يعطيه اللحم
الذي يأكله هو، هذا الطفل ليس بإماكنه أن يراقبه، ولا أن يقيم عمله، ولا أن يوجهه،
لكن القصاب المؤمن لا يعطيه إلا الشيء الذي يرضى الله عنه، حتى إنهم قالوا: إن
عظمة الدين أن كل علاقة بين اثنين الله بينهما، أخطر شيء، وأعظم ما في الدين أن
أية علاقة بين اثنين، بين زوجين، الزوج يتقي الله في زوجته، والزوجة تتقي الله في
زوجها، والبائع يتقي الله فيمن يبيعه، والمشتري يتقي الله فيمن يشتري منه، أحيانا
يكون البائع مغدورا، أعطاك صنفا مكان صنف خطأ، أخطأ معك في الحساب، البائع قد يغفل
عن مصلحته.
أخ طريم من إخواننا اشترى حاجة من بائع، ولم يدخل في علم هذا البائع أن الأسعار قد
ارتفعت أربعة أمثال نظرا لارتفاع الرسوم، وبعد أن اشترى هذه الحاجة عاد إليه، وقال
له: إنني سأعلمك أن الضرائب قد ارتفعت ألاربعة أمثال هذه الحاجة، عندئذ قال له:
أعطني الفرق، فأعطاه الفرق، بعد يومين بفضل الله عزوجل عاد كل شيء إلى ما كان
عليه، فالإنسان امتحن، فالمشتري يتقي الله فيمن يشتري منه، والمشتري المؤمن يتمنى
أن يربح عليه أخوه، كيف يعيش إذًا ؟ الصانع يتقي الله فيما يصنع، المزارع يتقي
الله فيما يزرع، هناك أدوية، تعالج بعض المزروعات ببعض الأدوية لها آثار في الصحة،
فاية علاقة بين اثنين الله بينهما، حتى لو تعاملت مع طفل صغير، حتى لو تعامل
الصغير مع الكبير، والضعيف مع القوي، والقوي مع الضعيف، الخبير مع الساذج، قال عليه
الصلاة والسلام:
((غبن المسترسل ربا))
المسترسل الغشيم – باللغة الدارجة – غبن المسترسل حرام، إذًا:
((... وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا))
وفيما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث مُعَاذٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الْإِيمَانِ قَالَ:
((أَنْ تُحِبَّ لِلَّهَ، وَتُبْغِضَ لِلَّهِ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ: وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا، أَوْ تَصْمُتَ))
(أحمد)
موطن الشاهد للمرة الثالثة:
((وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ)).
بل إن النبي e جعل دخول الجنة، و نهاية الآمال منوط بأن تحب للناس ما تحب لنفسك، قال e فيما رواه الإمام أحمد عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ))
(أحمد)
هذا الحديث رواه سيدنا أبو ذر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ))
(مسلم)
لأن سينا عمر رضي الله عنه عيّن واليا، أعطاه كتاب التولية، وقال له: خذ عهدك، وانصرف إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال، فاختر لنفسك، إن وجدنا أمينا ضعيفا استبدلناك لضعفك، وسلمتك من معرتنا أمانتك، وإن وجدناك خائنا قويا استهنا بقوتك، وأوجعنا ظهرك، وأحسنا أدبك، وإنْ جمعت الجرمين جمعنا عليك المضرتين , العزل والتأديب، وإن وجدناك أمينا قويًّا زدناك في عملك، ورفعنا لك ذكرك، وأوطأنا لك عقبك، قال تعالى:
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾
(القصص)
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ))
الإنسان لو تأمر على اثنين وكان ضعيفا يستحي، القوي منهما منهما يجره إلى خانته، و الضعيف منهما يستحي، إذًا يقع في الظلم وهو لا يدري، لكن الذي يتولى أمر اثنين يجب أن يكون حازما قوي الشخصية، وقافا عند حدود الله، ولا تأخذه في الله لومة لائم، لا يستحي من الناس إلى الدرجة التي يسكت فيها عن الحق،
((لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ))
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال لي النبي e:
((يا علي إني أرضى لك ما أرضاه لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقرأ القرآن وأنت جنب، ولا وأنت راكع، ولا وأنت ساجد))
موطن الشاهد، أن يا علي إني أتمنى لك ما أتمناه
لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، أما هذا الذي يقوله الناس: ماذا تريد من وجع الرأس
؟ لا دخل لك، عليك بنفسك، هذه إذا قالها الإنسان وسط من يحبه، ومع من يستمع إليه
فقد خان الله ورسوله، لأن الدين هو النصيحة.
يروى أن أحد المؤمنين اسمه محمد بن واسع كان يبيع حمارا له، قال له رجل:
أترضاه لي ؟ قال: لو رضيته ما بعته، وقع في حرج.
أعرف شخصا ذكر لي قصة لا تزال مؤثرة في نفسي، عنده سيارة فيها عيب
خطير، فباعها، وقال لي: بعتها، وهو فرح، وكأنه انتصر على من اشتراها، قال لي
بالضبط: ألبساناه لواحد، عبارة أحفظها تماما، وكان وقتها في طرطوس سيارات تباع
مباشرة، فذهب إلى هناك، واشترى مركبة تروق له، اختارها من حيث اللون المناسب،
والقوة المناسبة، وجاء بها إلى الشام، بعد أن أجرى معاملات تسجيلها زارني، وقد
رأيته واجما، قال لي: ضُربت سيارتي ضربا قاسيا جدا، وهو متألم، في خامس يوم، كان
في حي المخيم، فوقع في حادث، لكنه حادث وجيع، فقلت له: تذكر ما قلته لي بالأمس،
يجب أن تحب للناس ما تحب لنفسك، إذا أعلمت عن عيبها فلا مانع، فهناك من يشتريها
بعيبها، حينما تخفي العيب إذا أنت رضيت أن تكون هذه لإنسان، وأنت لا ترضاها لنفسك،
قال لبائع الحمار: أترضاه لي ؟ قال: لو رضيته لك لم أبعه، فيه عيوب.
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى))
(مسلم)
هذا الحديث يستنبط منه قطعا أن المؤمن يسره ما يسر
أخاه المؤمن، و يريد للمؤمن ما يريده لنفسه، ويؤلمه ما يؤلم أخاه.
الآن دخلنا في موضوع أساسي ومتعلق بهذا الديث، الإنسان إذا تمنى أن يكون
متفردا عن الناس، أن يصل على مرتبة لا يرقى إليها أحد، قال بعض العلماء في تفسير
قوله تعالى:
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾
(القصص)
العلو في الأرض أن تتمنى أن تكون دائما فوق الناس، أن تتمنى أن تكون أعلى من مستواهم، تنزعج لو أن أحدا اقترب منك، أو كاد أن يصل إلى مستواك، إن في العلم الصالح، وإن في الغنى، وإن في الزواج، تحب أن تكون فوق الناس، قال تعالى:
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾
وقد قيل لنبي e: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون من أجود من شراك نعل صاحبه، فهل يدخل في هذه الآية ؟ يتمنى أن يلبس شيئا متميزا، يحب إذا ارتدى شيئا لا أحد يكون في مستواه، إذا وجد اثنين يلبسان مثله يشمخ بأنفه، ويقول: هذا اللباس أكل عليه الدهر وشرب، وينزعه، فسئل e وقيل له: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون من أجود من شراك نعل صاحبه، فهل يدخل في قوله تعالى:
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾
أجاب النبي e إجابة دقيقة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ حُبِّبَ إِلَيَّ الْجَمَالُ، وَأُعْطِيتُ مِنْهُ مَا تَرَى حَتَّى مَا أُحِبُّ أَنْ يَفُوقَنِي أَحَدٌ إِمَّا قَالَ: بِشِرَاكِ نَعْلِي، وَإِمَّا قَالَ: بِشِسْعِ نَعْلِي، أَفَمِنْ الْكِبْرِ ذَلِكَ ؟ قَالَ:
((لَا، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ، وَغَمَطَ النَّاسَ))
(أبو داود)
أي حينما ترى أنك إذا تعارض الحق مع أهوائك وشهواتك
فأنت أكثر من أن تنصاع للحق، لو جاءتك نصيحة من طفل صغير، كبرت عليك نفسك.
مرة الإمام أبو حنيفة كان يمشي في الطريق، ورأى طفلا صغيرًا على وشك أن يقع
في حفرة، فقال: با غلام إياك أن تشقط، قال له هذا الطفل: بل أنت يا إمام إياك أن
تسقط، إني إن سقطت وحدي، وإنك إن سقطت سقط العالم معك، لأنه قدوة، و مثل أعلى، كل
الناس متعلقون بك، كل الناس يعجبهم ما تصنع، فإذا سقطت من عين الله سقط الناس معك،
بمعنى أحبطت طموحهم، وأربكت تصورهم، وأوقعتهم في خلل، فمن علامة المتواضع أنه يقبل
النصيحة من أي إنسان، ولو كان صغير الشأن، بطر الحق ردّ الحق، ألاّ ترضى بهذا الحق
؟ هذا الحق يتعارض مع ما أنت عليه، إذًا ترفضه، ترى أنك أكبر منه، أو ترى أنك أكبر
من هذا الناصح، وغمط الناس أي أن تظلمهم.
قال بعض العلماء: المسلم الحق، المؤمن الحق إذا رأى في أخيه المسلم نقصا في
دينه اجتهد في إصلاحه، يرى أخاه في وضع لا يرضي الله، فيقول: لا دخل لي، لا أريد
أن أزعجه، لا، أنت مخلص، على انفراد، دون تشهير، التشهير فضيحة، هناك نصيحة، وهناك
فضيحة، يجب أن تختار النصيحة، لا أن تختار الفضيحة، فبقدر الإمكان بينك وبينه، قل
له: هذه لا تجوز، هذا التعامل لا يجوز، هذه العلاقة لا تجوز، هذه النزهة لا تجوز،
هذا الموقف لا يجوز، أنت بهذا ضعضعت ثقة المسلمين.
بعض السلف الصالح كان يقول: أهل المحبة له نظروا بنور الله عطفوا على أهل
المعاصي، مقتوا أعمالهم، ولم يمقتوهم، لأنك إذا عرفت الله عزوجل يجب أن يتسع صدرك
لكل الناس، أبو حنيفة النعمان – كما قلت لكم سابقا – له جار مغنٍّ، والغناء – كما
تعلمون حرام، ولا سيما إذا كان من امرأة، قولا واحدا، بالإجماع، لو أن المرأة
قالت: أشهد أن لا إله إلا الله فصوتها عورة، لذلك النبي e أمرها إذا أخطأ الإمام في
الصلاة أن تصفق، لا أن تقول: سبحان الله، الرجال يقولون: سبحان الله، أما المرأة
فتصفق، لأن صوتها عورة وهي في الصلاة، وهي تقرأ القرآن، فكيف إذا غنت، وكسرت صوتها
و ألانته ؟ فأبو حنيفة النعمان له جار مغنٍّ، كان طوال الليل يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعو ليوم كريهة و طعان خلس
في أحد الأيام لم يسمع صوته، أيقن أنه موقوف، فذهب
وشفع له عند صاحب الشرطة، وخلّصه، وفي طريق العودة قال له: يا فتى هل أضعناك ؟
وكانت توبته على يده، فالداعية إلى الله عزوجل نفَسه طويل، وأُفقه واسع، و صدره
رحب، يتسع حتى للعصاة، ولكن لا يمقتهم، بل يمقت عملهم.
سيدنا عمر لما دخل عمير بن وهب على سيدنا رسول الله، وقال: واللهِ دخل عمير
على النبي e
والخنزير أحبُّ إلي منه، و خرج من عنده وهو أحب إلي من بعض أولادي، هذا أخوك في
الله، كان منحرفا، كان عاصيا، فلما عاد إلى الله دخل في قلبك.
الآن هناك موضوع ثالث، إذا رأيت فضيلة دينية في إنسان، هل هناك ما يمنع أن
تتمنى أن تكون فيها ؟ قيل: لا، بالعكس، يجب أن تغار في هذا المجال، لقوله تعالى:
﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾
(المطففين)
ولقوله تعالى:
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)﴾
(الصافات)
فالتنافس في أمر الآخرة محمود.
الآن موضوع آخر، لو أن إنسانا سبقك في أمور الدين يجب أن تغار منه، يجب أن
تغبطه، أو يجبأن تحسده كما قال النبي e، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ))
(متفق عليه)
والحسد هناك كما قال شراح الحديث بمعنى الغبطة، أي تتمنى أن تكون في مستواه من دون أن تزول النعمة عن أخيك، أما الحسد فأن تتمنى زوالها عن أخيك للتحول إليك، هذه صفة ذميمة، فالنبي e قال:
(( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ))
عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ، يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ عِلْمًا وَلَا مَالًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ ))
(ابن ماجه، وأحمد)
أحيانا تجد غنيا مؤمنا ينفق على اليتامى والأرامل وعلى الشباب، وفي موضوع الزواج، وموضوع المعالجات الجراحية، كلما قصده إنسان لباه، يعمل ليلا نهارا في خدمة الخلق، أنت أحيانا تقول: ليتني غني مثله، تتمنى أن تكون مثله، تقول: آه لو أنني أملك كما يملك لأنفقته كما ينفق، قال لمن تمنى ذلك:
((فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ))
لأن نية المؤمن خير من عمله، ونية الكافر شر من عمله،
أحيانا الكافر يقول: لو معي مال لبنيت مسبحا، وبنيت (شالي).
إذا رأيت أحدا فاقك في الدنيا فلا ينبغي أن تتمنى أن تكون مثله، لقوله تعالى
في قصة قارون حين خرج على قومه في زينته:
﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)﴾
(القصص)
بالمناسبة، أنا أقول لكم الآن: قل لي ماذا تتمنى أقل
لك من أنت، بالضبط ماذا تتمنى ؟ أحيانا المؤمن يتمنى أن يكون إيمانه عاليا، صلاته
متقنة، وإقباله جيّدا، ذكره يقظًا، يفهم القرآن كله، أن يكون عالما، أن يكون
داعية، أن يسخره الله في خدمة الخلق، قل لي ماذا تتمنى أقل لك من أنت، وهناك إنسان
إذا أراد أن يحلم فإنه يحلم ببيت مساحته كذا، وجهته كذا، مركبة نوع كذا، وموديل
كذا، فعلى هوى الخيال، خيالك أين يسير ؟ اعلم أنك معه، قل لي ماذا تتمنى أقل لك من
أنت.
أما قوله تعالى:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
(النساء: من الآية 32)
فسِّر هذا بالحسد،
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
حتى إن الإمام الغزالي رحمه الله يقول: ليس في الإكان
أبدع مما كان، أي ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني، هذا الذي أنت فيه هو أكمل ما
يكون بالنسبة إليك، هذا الذي يرضيك.
إذًا يجب أن تحزن أيها المؤمن لفوات الفضائل الدينية، ولا يجب أن تحزن لفوات
الدنيا، فسيدنا الصدِّيق t
لم يندم على شيء فاته من الدنيا قط.
الآن عندنا خاتمة لهذا الموضوع، بعض المواقف المشرفة لبعض العلماء.
قال محمد بن واسع لابنه: " أمّا أبوك يا بني فلا كثّر الله في المسلمين
مثله "، لماذا يدعو على نفسه، كان لا يرضى عن نفسه، فكيف يحب للمسلمين أن
يكونوا مثله، يتمنى أن يكون الناس أرقى منه، هذا المؤمن.
إلا أن هناك حالة خاصة، إذا خصّ الله إنسانا بشيء تفوق به، وذكره لللناس
ليقتدوا به، أو ليتحمسوا، أو ليغاروا، فهذه على حسب النية، فالنبي e حينما كان يقول:
((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ))
(الترمذي)
أنا لا أفتخر، لكنني أعلمكم الحقيقة.
سيدنا ابن مسعود قال: " ما أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني "، طبعا
لنيته أن يتعلم الناس منه.
ابن عباس يقول:
((إني لأمر على الآية في كتاب الله، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم))
الإمام الشافعي يقول:
((وددت أن الناس تعلموا هذا العلم، ولم يُنسب إليّ))
فهو منكر لذاته
(( وددت أن الناس تعلموا هذا العلم، ولم يُنسب إليّ))
يعني من دون أن ينسب إلي.
هذا الحديث مرة ثانية يعد من أصول طريق الإيمان، يعد من قواعد
الإيمان، الحديث رواه أنس بن مالك خادم لارسول الله e، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))
(متفق عليه)
هذا الحديث العظيم لا تختصره إذا كان عندك تفاحة
كبيرة قلت لأخيك: خذ هذه، وهكذا قال النبي e، الأمر أعمق من ذلك، أمر
التفاحة سهل عليك، وأن أحببتها، ولكن خذها أنت، الحديث أعمق من ذلك، في مصلحتك
وحرفتك، أنت نجار، أنت كهربائي، أنت صانع صاحب مهنة، الشيء الذي ترضاه لنفسك،
اصنعه للناس، الشيء الذي تشتهي أن تأكله بعه لهم، الشيء الذي تلبسه بعه إياهم، إلا
إذا كان هناك بضاعة مستواها متدنٍّ، و سعرها رخيص جدا، وأبلغت ذلك، أما في الأصل
فينبغي أن تحب للناس ما تحب لنفسك.
الأن كمقدمة قبل أن نتحدث عن علَم من الأعلام الحقيقة أن أحب في هذا الدرس
درس الأحد أن أعطيكم نماذج من صفوة البشر، اليوم مع أحد أولياء الله الصالحين، هو
من أهل القرب، قد نجد أهل العلم، و قد نجد أهل الجهاد، و قد نجدأهل السخاء والبر،
والآن مع علَم من أعلام القرب.
بشر الحافي كلكم تسمعون به، كان رجلا مسرفا على نفسه، غارقا في المعاصي
والشرب والقيان والغناء، وما إلى ذلك، يروى أنه طًُرق بابه، الذي طرق الباب طبعا
فتح له خادمه، قال له: قل لسيدك: إن كان حرًّا فليفعل ما يشاء، وإن كان عبدا فما
هكذا تصنع العبيد، هذا كان في حال سكر وغيبوبة وشراب ومعصية، بلغت هذه الكلمة من
نفسه مبلغا بليغا، فصحا من سكرت، ولحق بهذا الطارق حافيا، حتى سمي بشر الحافي.
والآن مع بعض من قصصه وأقواله، هذاغ الإنسان يكنى أبا نصر، قال لي بشر ابن
الحارث الحافي: أحدثك عن بدوّ أمري، قال: بينما أنا أمشي رأيت قرطاسا على وجه
الأرض فيه اسم الله، ورقة عليها اسم الله تعالى، فنزلت إلى النهر فغسلته، وكنت لا
أملك من الدنيا إلا درهما فيه خمسة دوانق، فاشتريت بأربعة دوانيق مسكا، وبدانق ماء
ورد، وجعلت أتتبع اسم الله تعالى في القرطاس، وأطيبه، ثم رجعت إلى منزلي فنمت،
فأتاني آت في منامي فقال: يا بشر، كما طيبت اسمي لأطيبن اسمك، وكما طهرته لأطهرن
قلبك، قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾
(الحج)
أحيانا تباع ليس في بلادنا، في بعض بلاد الغرب تباع أحذية في أسفلها كلمة (الله)، أو في أسفلها صورة الكعبة، فالإنسان يجب أن ينتبه، لأنه:
﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾
له كلمة رائعة جدا، ونحن في أمسّ الحاجة إليها، يقول
هذا العارف بالله: " أنا عشت إلى زمن إن لم أعمل فيه بالجفاء لم يسلم ديني
"، أي في زمن الفتن والاختلاط إذا كان لطيفا كثيرا، هذه صافحتها، وهذه ابتسمت
في وجهها، وهذه استحييت منها، وهذا أخذك إلى غداء فيه غنالء وطرب و نساء، تقول:
أنا من طبعي أن أستحي، إذا كنت تستحي فقد ذهب دينك إذًا، فنحن في زمن لا ينفع معه
إلا بعض الجفاء، وشيء من الجمود، تقول: واللهِ استححيت فصافحتها، استحييت فذهبت
معهم، هذه السهرة غير لائقة، كلمة استحييت ذهب بها دينك، فقال: " نحن زمن إن
لم نعمل فيه بالجفاء لم يسلم ديننا "، كلمة (لا) لصديق يحرجك رائعة جدا،
لزوجة طائشة أروع، لشريك يريد أن يأكل مالا حراما أشد روعة، كلمة (لا).
في بعض مناجاته كان بشر الحافي يقول:
((لقد شهرني ربي في الدنيا، فليته لا يفضحني يوم القيامة))
القضية ليست سهلة، أن تكون مشهورا، أن يشار إليك بالبنان، أن يعرفك الناس جميعا، قال:
(( لقد شهرني ربي في الدنيا، فليته لا يفضحني يوم القيامة، وما أقبح مثلي يُظَنّ بي ظن، وأنا على خلافه))
هنا نقطة مهمة جدا، إذا كنت مظنة صلاح، والناس يظنونك شيئا ممتازا، يظنون فيك الأمانة والورع، والصدق والاستقامة، والتقوى والصلاح، والإقبال والأحوال، والانضباط في بيتك وعملك وسفرك وحضرك، من الفضيحة الكبرى أن تكون في مستوى أقل من ظن الناس بك، فكان يقول:
((وما أقبح مثلي يُظَنّ بي ظن، وأنا على خلافه))
قال:
((ينبغي أن أكون أكثر مما يظن بي))
لهذا كنت أقول لكم ": أربعة أدعية أتفاعل معها
تفاعلا عجيبا، بعض هذه الأدعية: اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولا فيه رضاك ألتمس به
أحدا سواك، أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، أعوذ بك أن يكون أحد أسعد
بما علمتني مني، أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك.
كان يقول هذا العارف بالله:
((غنيمة المؤمن غفلة الناس عنه، وإخفاء مكانه عنهم))
كثرة الظهور تقصم الظهور، فإذا كنت خافيا عن الناس،
ولم يعرف الناس مكانك فهذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها.
له دعاء رائع، يقول فيه:
((اللهم استر، واجعل تحت الستر ما تحب، فربما سترت على ما تكره))
فان الله ستره، ولكن ستره على المعاصي، البطولة أن يسترك الله على الطاعات
((اللهم استر، واجعل تحت الستر ما تحب، فربما سترت يا رب على ما تكره ))
وكان يقول:
((يا أخي بادر بادرْ، فإن ساعات الليل والنهار تذهب الأعمار))
أبلغ كلمة قالها سيدنا عمر بن عبد العزيز:
((الليل والنهار يعملان فيك))
انظر إلى صورتك قبل خمس وعشرين سنة، ثلاثين سنة، تجد اختلافا كبيرا جدا، من فعل هذا فيك ؟ تعاقب الليل والنهار،
((الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما ))
الصالحات، حتى يكون الوقت مستثمرا، وليس منفقا.
ماتت أخت بشر، فأشار إشارة لطيفة، لكنها ليست قاعدة، قال:
(( إن العبد إذا قصّر في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه))
أحيانا ربنا عزوجل من تكريمه للعبد أن يجعل عمر زوجته
مقارنا لعمره، أحيانا تموت قبيله، تختلف حياته، إن تزوج كان أهله ضده، وأولاده
ضده، وإن لم يتزوج لم يجد من يخدمه، ولا من يؤنس وحشته، ولا من يسكن إليه، فمن
إكرام الله للعبد أن يجعل عمره متقاربا مع عمر زوجته.
يقال: إن بشر بن الحارث لقيه رجل فجعل يقبله ويقول: يا سيدي يا أبا نصر،
فلما ولّى تغرغرت عينا بشر بالدموع، وقال: " رجل أحب رجلا على خير توهمه، لعل
المحب قد نجا، والمحبوب لا يُدرى ما حاله "، هذا إنسان ظن فيه الصلاه
فأحبَّه، نفذ، " لعل المحب قد نجا، والمحبوب لا يُدرى ما حاله "، لقيه
رجل فجعل يقبله ويقول: يا سيدي يا أبا نصر، فلما ولّى تغرغرت عينا بشر بالدموع،
وقال:
((رجل أحب رجلا على خير توهمه، لعل المحب قد نجا، والمحبوب لا يُدرى ما حاله))
مرة وقف بشر على بائع فاكهة، فنظر إلى هذه الفاكهة
مليا، فقيل له: أتشتهي منها شيئا ؟ قال: لا، واللهِ، ولكنني نظرت في هذا الذي
يُطعَم هذه الفاكهة كيف يعصي الله ؟ الشفافية، يأكل البرتقال والتفاح وما شاكل
ذلك، يشتري، معه مال، يضع الفاكهة على الطاولة، ويأكل، ويدعو الناس إلى الطعام،
كيف يعصي الله ؟ كيف تتقوى على معصيته برزقه ؟
مرة قال له رجل: مالي أراك يا بشر مغموما ؟ لماذا أنت مغموم منقبض ؟ قال:
" ما لي لا أكون مغموما، وأنا رجل مطلوب ؟ "، إذا كان الواحد مطلوبا لا
ينام الليل، الله عزوجل يطلب الإنسان، يوقفه، ويجري معه تحقيقا دقيقا، يحاسَب على
كل حركة وسكنة وكل نظرة، وعلى كل درهم أنفقه وكسبه، قال له: مالي أراك يا بشر
مغموما ؟ قال: وكيف لا أكون مغموما، وأنا رجل مطلوب ؟ لعدالة الله عزوجل.
ألا تعرفون هذا الذي طاف حول الكعبة وقال: يا رب اغفر لي ذنبي، ولا أظنك تفعل،
كان وراءه رجل فقال: سبحان الله ! ما أشد يأسك من رحمة الله ! قال له: ذنبي عظيم،
قال: فما ذنبك ؟ دخل بيتا، وقتل رجلا، وطلب من زوجته أن تعطيه كل ما تملك، أعطته
دنانير ذهبية، فقتل ابنها الأول، فلما رأته جادة في قتل الثاني أعطته درعا مذهبًا،
تسلمها، وتأملها، وأُعجِب بها، فإذا عليها بيتان من الشعر:
إذا جار الأمير وحاجبــــاه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويـــــل لقاضي الأرض من قاضي السمـاء
وقع مغشيا عليه من وقته، وتوجه إلى الكعبة، وهو يقول:
رب اغفر لي، ولا أظنك تفعل، قال: " وكيف لا أكون مغموما، وأنا رجل مطلوب ؟
".
قال بعضهم: كنت عند بشر إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة، الإنسان كلما كان
جبانا في الفتوى فهذه فضيلة، الفتوى خطيرة جدا، جسر إلى جهنم، قال: جاءه رجل فسأله
عن مسألة، أطرق مليا، ثم رفع رأسه، فقال:
((اللهم إنك تعلم أني أخاف أن أتكلم، اللهم إنك تعلم أني أخاف أن أسكت، اللهم إنك تعلم أني أخاف أن تأخذني فيما بين السكوت والكلام))
إن تكلم بجهل قد وقع في غضب الله، وإن كان يعلموسكت - أكثر راحة له – أيضا وقع في غضب الله، وإذا أحب أن يحيّر الآخرين، لا تكلم ولا سكت، فالقضية دقيقة جدا، قال:
(( اللهم إنك تعلم أني أخاف أن أتكلم، اللهم إنك تعلم أني أخاف أن أسكت، اللهم إنك تعلم أني أخاف أن تأخذني فيما بين السكوت والكلام ))
مرة دخل إلى بيته، وتأمل مليا، وقال
:((تفكرت في بشر النصراني، وبشر اليهودي، وبشر المجوسي، فقلت: من سبق منك حتى خصك الله بهذا الهدى ؟ تفكرت في فضل الله علي، وحمدته على أن جعلني من خاصته، وألبسني لباس أحبائه ))
أعداء الله بَشَر، يزنون، ويشربون الخمر، ويعتدون، و ينغمسون في الملاهي، و يتحدون، نعمة الهدى أعظم نعمة، مادام الله عزوجل قد ألبسك ثوب أحبائه، وخصك بالهدى، لذلك اقرأ الآين، ولو ألف مرة، فلا مانع، قال تعالى:
﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾
(النساء)
قال له أحدهم: يا بشر، أحب أن أخلو معك، قال: إذا شئت، فبكَّرت يوما فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها، ولم يره بشر، صلى فيها أربع ركعات، لا أحسن أن أصلي مثلها، فسمعته يقول في سجوده:
(( اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف، يعني المكانة العلية، وإنك تعلم أن الفقر أحب إلي من الغنى، وإنك تعلم أني لا أوثر على حبك شيئا ))
فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء، فلما سمعني قال: " اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن هذا هنا ما تكلمت شيئا، هناك ناس يحبون أن يُروا وهم يبكون، و يناجون ربهم عزوجل، يقولون: أحوال اليوم تجنِّن، قرأت القرآن فبكيت حتى شبعت، يحب أن الناس يتعرفون إلى مكانته عند الله عزوجل، وعلامة القرب إخفاء الأحوال مع الله عزوجل، قال:
((اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن هذا هنا ما تكلمت))
أحمد بن حنبل كان معاصرا له، سئل مسألة في الورع، فقال: أنا أجيب عن هذه
المسألة، أستغفر الله، هذا أحمد بن حنبل، لا يحل أن أتكلم في مسألة في الورع وأنا
آكل من غلة بغداد، يبدو أن فيها شبهة، وبشر يصلح أن يجيبك عنها، فإنه كان لا يأكل
من غلة بغداد، ولا من طعام السواد، هو الذي يصلح أن يتكلم في الورع، هذا كلام أحمد
بن حنبل.
له كلمة، بشر رضي الله عنه:
((ليس من المودة أن تحب ما يبغض حبيبك))
شخص يبغضه الله لمعصية، لانحراف، لتهاون في صلاة،
فإذا أحببته فليس هذا من المودة مع الله عزوجل، ليس من المودة مع الله أن تحب ما
يبغضك حبيبك.
يقول بشر:
((بحسبك أن أقواما موتى تحيا القلوب بذكرهم، وأن قوما أحياء تعمى الأبصار بالنظر إليهم))
بالمناسبة عوّد نفسك أن تذكر الصالحين، وفي رأسهم
النبي e
وأصحابه الكرام، والتابعون والعلماء الأجلاء، الصادقون، في ذكر الصالحين تتنزل
الرحمة، تسرّ، و يتغير حالك، تتمنى أن تكون مثلهم، تنطلق إلى السعي في طريقهم،
تتشوق لن تكون في مستواهم، تتأسى بهم، تندفع إلى طاعة الله، أما إذا ذكرت اللؤماء،
أهل البغي والعدوان، أهل الفسق و الفجور، ينعقد المجلس، أو يقوم مَن في المجلس عن
أنتن من جيفة حمار، فعوّد نفسك أن الصالحين إذا ذُكروا تنزلت على الناس الرحمة.
قال بشر:
(( أيكون الرجل مرائيا في حياته مرائيا بعد موته ؟، قالوا: كيف هذا يا بشر ؟ قال: يحب أن يكثر الناس على جنازته))
يا ترى إذا متُّ ماذا يحدث بعد موتي ؟ يمشي في جنازتي
نصف مليون، كم عددهم ؟ هذا يحب الرياء بعد موته.
وقال بشر:
(( ما أقبح أن يُطلب العالم فيقال: هو بباب الأمير))
توفي بشر رحمه الله تعالى، هكذا تروي الروايات، خرجت
جنازته بعد صلاة الصبح، ولم يُجعل في قبره إلا في الليل، كان نهار صائف – أي في
أيام الصيف – لم يستقر في القبر إلا في العتمة.
ولما مات ابن حنبل قال ابن خزيمة: بت في ليلتي فرأيته في النوم قلت: يا إمام
ما فعل الله بك ؟ قال
((غفر لي، وتوّجنى، وألبسني نعلين من ذهب))
وقال: يا أحمد لقولك: القرآن كلامي " - هو دخل
السجن ثماني سنوات لأنه أصر أن القرآن كلام الله - فقال: يا إمام فما فعل بشر ؟
وكان الاثنان ميتين، قال: بخ بخ، مَن مثل بشر ؟ تركته بين يدي الجليل، و بين يديه
مائدة من الطعام والشراب، و يقال له: كل يا بشر، يا من لم تأكل، واشرب يا من لم
تشرب، وانعم يا من لم تنعم "، رحمه الله، ورضي عنه.
الدنيا ليس فيها شيء، كل شيء زائلة، الدنيا ساعة فاجعلها طاعة، فهذا الإنسان
أخلص له، هذا لأهل القرب، أحيانا شخص أبرز ما فيه أنه عالم جليل، وهناك إنسان قدم
خدمات كبرى للمجتمع، هذا الإنسان نموذج لأهل القرب، لذلك إذا اقترب الإنسان من
الله عزوجل ذاق حلاوة لا يعرفها إلا من فقدها.
والحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق