82. ب نو+المقحمات

** ب نوشيرك 8.

 الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام /الفتن ونهاية العالم /المقحمات ا. /قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة  /الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين الملتاعين. /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها /عياذا بالله الواحد./  لابثين فيها أحقابا /المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر/  /أمَاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما /ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات /العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا /مدونة تخفيف

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

الخميس، 17 أبريل 2025

ج4.وج5. كتاب : توجيه النظر إلى أصول الأثر المؤلف : طاهر الجزائري الدمشقي

ج4.وج5. كتاب : توجيه النظر إلى أصول الأثر


المؤلف : طاهر الجزائري الدمشقي 

 

الوحدان وهو معلول من ثلاثة أوجه أحدها أن عثمان هو ابن أبي سليمان والآخر أن عثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه
والثالث قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم -
وأبو سليمان لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم -

ولم يره وقد خرجت شواهده في التلخيص
والجنس الخامس من العلل أن يكون روي بالعنعنة وسقط منه راو دل عليه طريق أخرى محفوظة
ومثاله ما حدثنا به أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا بحر بن نصر قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن أبن شهاب عن علي بن الحسين عن رجال من الأنصار أ هم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ذات ليلة فرمي بنجم فاستنار فذكر الحديث بطوله
قال أبو عبد الله علة هذا الحديث أن يونس على حفظه وجلالة محله قصر به وإنما هو عن ابن عباس قال حدثني رجال من الأنصار
هكذا رواه ابن عيينة ويونس في سائر الروايات وشعيب بن أبي حمزة وصالح بن كيسان والأوزاعي وغيرهم عن الزهري وهو مخرج في الصحيح
والجنس السادس من العلل أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره ويكون المحفوظ ما قابل الإسناد
ومثاله ما حدثنا به أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى قال حدثنا أبو العباس الثقفي قال حدثنا حاتم بن الليث الجوهري قال حدثنا حامد بن أبي حمزة السكري قال حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال حدثني أبي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال قلت يا رسول الله

مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا قال كانت لغة إسماعيل قد درست فجاء بها جبريل عليه السلام إلي فحفظنيها
قال أبو عبد الله لهذا الحديث علة عجيبة حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس الضبي من أصل كتابه قال أخبرنا أحمد بن علي بن رزين الفاشاني من أصل كتابه قال حدثنا علي بن خشرم قال حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال بلغني أن عمر بن الخطاب قال يا رسول الله إنك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن لغة إسماعيل كانت قد درست فأتاني بها جبريل فحفظنيها
والجنس السابع من علل الحديث أن يختلف على رجل في تسمية من روى عنه أو عدم تسميته
ومثاله ما حدثنا به الشيخ أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال أخبرنا أبو بكر يعقوب بن يوسف المطوعي قال حدثنا أبو داود سليمان بن محمد المباركي قال حدثنا أبو شهاب عن سفيان الثوري عن الحجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -
المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم
قال أبو عبد الله وهكذا رواه عيسى بن يونس ويحيى بن الضريس عن الثوري فنظرت فإذا له علة أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد المحبوبي بمرو قال حدثنا أحمد بن سيار قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن الحجاج بن فرافصة عن رجل عن أبي سلمة قال سفيان أراه ذكر أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم
والجنس الثامن من علل الحديث أن يكون الراوي عن شخص قد أدركه وسمع منه ولكنه لم يسمع منه ذلك الحديث
ومثاله ما حدثنا به أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن

إسحاق الصغاني قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كان إذا أفطر عند أهل بيت قال أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار
ونزلت عليكم السكينة
قال أبو عبد الله قد ثبت من غير وجه رواية يحيى بن أبي كثير عن أنس إلا أنه لم يسمع منه هذا الحديث وله علة أخبرنا أبو العباس قاسم بن قاسم السياري وأبو محمد الحسن بن حليم المروزيان بمرو قالا حدثنا أبو الموجه قال أخبرنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا هشام عن يحيى بن أبي كثير قال حدثت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان إذا أفطر عن أهل بيت قال أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار
وصلت عليكم الملائكة
والجنس التاسع من علل الحديث أن يكون للحديث طريق معروف فيروي أحد رجاله الحديث من غير ذلك الطريق فيقع في الوهم
ومثاله ما أخبرنا به أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح السهمي قال حدثنا سعيد بن كثير بن عفير قال حدثني المنذر بن عبد الله الحزامي عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
كان إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم تبارك اسمك وتعالى جدك وذكر
الحديث بطوله
قال أبو عبد الله لهذا الحديث علة صحيحة والمنذر عبد الله أخذ طريق الجادة فيه حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله العلوي النقيب بالكوفة قال حدثنا الحسين بن الحكم الحبري قال حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال حدثنا عبد العزيز بن سلمة قال حدثنا عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه كان إذا افتتح الصلاة فذكر الحديث بغير هذا اللفظ وهذا مخرج في
الصحيح لمسلم

الجنس العاشر من علل الحديث أن يروى الحديث مرفوعا من وجه موقوفا من وجه
ومثاله ما أخبرنا به أحمد بن علي بن الحسن المقرئ قال حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي قال حدثنا أبي عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من ضحك في صلاته يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء
قال أبو عبد الله الحاكم لهذا الحديث علة صحيحة أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الرحمن السبيعي بالكوفة قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان قال سئل جابر عن الرجل يضحك في الصلاة قال يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء
قال أبو عبد الله فقد ذكرنا علل الحديث على عشرة أجناس وبقيت أجناس لم نذكرها وإ ما جعلتها مثالا لأحاديث كثيرة معلولة ليهتدي إليها المتبحر في هذا العلم فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم انتهى كلام الحاكم
وقد ألفت في علل الحديث كتب وأجلها كتاب ابن المديني وان أبي حاتم والخلال وأجمعها كتاب الدارقطني
وقد وقفت على أحد هذه الكتب وهو كتاب الإمام أبي محمد عبد الرحمن ابن الإمام أبي حاتم فرأيته من الكتب الجليلة المقدار التي لا يستغني عن الاطلاع عليها وتكرار النظر إليها من أراد الإشراف على هذا النوع الذي هو من أغمض الأنواع فضلا عمن يحب أن يعد نفسه لاتباع آثار الواقفين على أسراره
قال في مقدمة الكتاب حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد قال سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول قال عبد الرحمن بن مهدي معرفة الحديث إلهام
قال ابن نمير وصدق لو قلت له من أين قلت لم يكن له جواب
وسمعت أبي يقول قال عبد الرحمن بن مهدي إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة
وسمعت

أبي يقول مثل معرفة الحديث كمثل فص ثمنه مئة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم
وقد أحببت أن أورد منه أمثلة سهلة المأخذ ليقف الطالب على مسلك جهابذة القوم في ذلك فإنه جم الفائدة وهاك ما أردنا إيراده

بيان علل أخبار رويت في الطهارة
1 - سألت أبي عن حديث رواه داود بن أبي هند عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
غسل يوم الجمعة واجب في كل سبعة أيام
قال أبي هذا خطأ إنما هو ما رواه الثقات عن أبي الزبير عن طاوس عن أبي هريرة موقوف
2 - سمعت أبي ذكر حديثا رواه عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كانت له خرقة يتمسح بها
فقال إني رأيت في بعض الروايات عن عبد العزيز أنه كان لأنس بن مالك خرقة وموقوف أشبه ولا يحتمل أن يكون مسندا

3 - سألت أبي وحدثنا عن محمد بن إكليل عن إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم عن قيس بن خالد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

إذا سقط الذباب في شراب أحدكم فلغمسه ثم ليطرحه فإن أحد جناحيه داء
والآخر دواء
فقال أي هذا حديث مضطرب الإسناد
4 - سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال لا يقرأ الجنب والحائض شيئا من القرآن
قال أبي هذا خطأ إنما هو عن ابن عمر قوله
باب علل أخبار رويت في الصلاة
6 - سمعت أبي يقول كتبت عن ثابت بن موسى عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار
قال أبي فذكرت لابن نمير فقال الشيخ لا بأس به والحديث منكر
قال أبي الحديث موضوع
7 - سمعت أبي يقول حديث ابن مسعود في التطبيق منسوخ لأن في حديث ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم -
طبق
ثم أخبر سعد فقال صدق أخي قد كنا نفعل ثم أمرنا بهذا يعني بوضع اليدين على الركبتين
8 - سألت أبي عن الحديث الذي رواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن

أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم -

إذا كنتم ثلاثة فأحقكم بالإمامة أقرؤكم
ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أتيت النبي صلى الله عليه وسلم -
في نفر فقال إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم
قلت لأبي قد اختلف الحديثان فقال حديث أوس بن ضمعج قد فسر الحديثين
9 - سألت أبي عن حديث أوس بن ضمعج عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم -
فقال قد اختلفوا في متنه رواه فطر والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن
ضمعج عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة
ورواه شعبة والمسعودي عن إسماعيل بن رجاء لم يقولوا أعلمهم بالسنة
قال أبي كان شعبة يقول إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان من حسن حديثه وكان يهاب هذا الحديث يقول حكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
لم يشاركه أحد قال أبي شعبة أحفظ من كلهم قال أبو محمد عبد الرحمن أليس
قد رواه السدي عن أوس بن ضمعج قال إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم عن السدي وهو شيخ أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث وأخاف أن لا يكون محفوظا
10 - سألت أبي عن حديث رواه الأنصاري عن سعيد بن راشد عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
من أذن فهو يقيم
قال أبي هذا حديث منكر وسعيد ضعيف الحديث وقال مرة متروك الحديث
11 - سمعت أبي وذكر حديثا رواه محمد بن الصلت عن أبي خالد الأحمر عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
في افتتاح الصلاة سبحانك اللهم وبحمدك وأنه كان يرفع يديه إلى حذو أذنيه
فقال هذا حديث

كذب لا أصل له ومحمد بن الصلت لا بأس به كتبت عنه
12 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد عن الأوزاعي عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من فاتته صلاة العصر وفواتها أن تدخل الشمس صفرة فكأنما وتر أهله وماله
قال أبي التفسير من قول نافع
13 - سألت أبي عن حديث رواه ابن حمير عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
قال من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام
قال هذا حديث منكر جدا
14 - سألت أبي عن حديث رواه يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -
إذا رأى رجلا مغير الخلق خر ساجدا لله
قال أبي هذا حديث منكر
15 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه يزيد بن هارون عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ما بين المشرق والمغرب قبلة
قال أبو زرعة هذا وهم الحديث حديث ابن عمر موقوف
16 - سمعت أبا زرعة وحدثنا عن عباد بن موسى عن طلحة بن يحيى الأنصاري عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس قال إذا عرف

الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة
فسمعت أبا زرعة يقول الصحيح عن الزهري فقط قوله

علل أخبار رويت في الزكاة والصدقات
17 - سمعت أبي يقول لا أعلم روى الثوري عن إبراهيم بن أبي حفصة إلا حديثا واحدا عن سعيد بن جبير قال الخال يعطى من الزكاة
18 - وسئل أبو زرعة عن حديث رواه القواريري عن يزيد بن هارون عن حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال ما أدي زكاته فليس كنزا
قال أبو زرعة هكذا رواه القواريري والصحيح موقوف
19 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه محمد بن المثنى أبو موسى عن محمد بن عثمة عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال فيما سقت السماء والبعل العشر وفيما سقت العيون والنواضح والسواني
نصف العشر
قال أبو زرعة الصحيح عن ابن عمر موقوف
علل أخبار رويت في الصوم
20 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن حرب الأبرش عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ليس من البر الصيام في السفر
قال أبي هذا حديث منكر ولم يروه غير محمد بن حرب

21 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن مجاشع بن عمرو عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين
قال أبي هذا حديث منكر ومجاشع ليس بشيء
22 - سألت أبي عن حديث رواه عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش عن أنس قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فمنا الصائم ومنا المفطر وكان من صام في أنفسنا أفضل وكان المفطرون هم
الذين يعملون ويعينون ويستقون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ذهب المفطرون بالأجر
قال أبي هذا حديث منكر
23 - سألت أبي عن حديث رواه عبد العزيز الدراوردي عن زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فوجده قد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلنا أسنة قال ليس بسنة
ورواه محمد بن عبد العزيز بن مجبر عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك فذكر الحديث قال فقلت سنة فقال نعم سنة قال أبي حديث الدراوردي أصح
علل أخبار رويت في المناسك
24 - سألت أبي عن حديث رواه أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن عبد الكريم بن مالك عن عكرمة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه قال لرجل يسوق بدنة اركبها قال أبي عكرمة عن أنس ليس له نظام وهذا
حديث لا أدري ما هو

@ 619 @

علل أخبار رويت في الجنائز
30 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه الدراوردي عن كثير بن زيد عن زينب ابنة نبيط عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -
علم قبر عثمان بن مظعون بصخرة
قال أبو زرعة هذا خطأ يخالف الداراوردي فيه يرويه حاتم وغيره عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب وهو الصحيح
31 - سئل أبي عن حديث رواه هدبة عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال
من غسل ميتا فليغتسل
ومن حمله فليتوضأ
قال أبي هذا خطأ إنما هو موقوف على أبي هريرة لا يرفعه الثقات
32 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن المنهال الضرير عن يزيد بن زريع عن معمر عن أبي إسحاق عن أبيه عن حذيفة قال النبي صلى الله عليه وسلم - من غسل ميتا فليغتسل
قال أبي هذا حديث غلط ولم يبين غلطه
33 - سألت أبي عن حديث رواه ابن أبي بزة عن مؤمل عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال ما من مسلم يموت فيصلي عليه أمة من الناس يبلغون مئة فيشفعون فيه إلا
شفعوا
قال أبي هذا حديث باطل
علل أخبار رويت في البيوع
34 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه نهى أن يستأجر الأجير حتى يعلم أجره
ورواه الثوري عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد موقوف قال أبو زرعة الصحيح موقوف عن أبي سعيد لأن الثوري أحفظ

35 - سألت أبي عن حديث رواه عبد الكريم بن الناجي عن الحسن بن مسلم عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من حبس العنب أيام القطاف ليبيع من يهودي أو نصراني كان له من الله
مقت
قال أبي هذا حديث كذب باطل
قلت تعرف عبد الكريم هذا قال لا قلت فتعرف الحسن بن مسلم قال لا ولكن تدل روايتهم على الكذب
36 - سألت أبي عن حديث رواه ابن وهب عن ابن لهيعة عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أنه قال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله
فسمت أبي يقول هذا حديث منكر ودراج في حديثه صنعة
علل أخبار رويت في النكاح
37 - سمعت أبي يقول سمعت أبا نعيم وحدثنا عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال لا نكاح إلا بولي
فقال أبو نعيم أخطأ فيه فسمعت أبي يقول إنما هو الحكم عن علي قوله
38 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه بقية عن إسحاق أبي يعقوب المدني عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
من سعادة المرء أن تكون زوجته موافقة وأولاده أبرارا وإخوانه صالحين وأن
يكون رزقه في بلده
قال أبو زرعة هذا حديث منكر
39 - سألت أبا زرعة عن حديث روي عن همام عن قتادة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ص

قال لا تنكح المرأة على خالتها ولا على عمتها
قال أبو زرعة هذا خطأ إنما هو همام عن يحيى نفسه
40 - سمعت أبي يقول سألت أحمد بن حنبل عن حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال لا نكاح إلا بولي
وذكرت له حكاية ابن علية فقال كتب ابن جريج مدونة فيها أحاديثه ومن حدث عنه ثم لقيت عطاء ثم لقيت فلانا فلو كان محفوظا عنه لكان هذا في كتبه ومراجعاته
41 - سئل أبي عن حديث رواه ابن أبي مليكة العرب بعضها لبعض أكفاء إلا حائكا أو حجاما
قال باطل أنا نهيت ابن أبي شريح أن يحدث به ونهيته عن حديث آخر
علل أخبار رويت في الحدود
42 - سألت أبي عن حديث رواه الحسن عن يحيى الجشني عن زيد بن واقد عن مكحول عن جبير بن نفير عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أقيموا الحدود في الحضر والسفر على القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله
لومة لائم
ثم قال أبي هذا حديث حسن إن كان محفوظا
43 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال لا يستفاد من الجرح حتى يبرأ
قال أبو زرعة هو مرسل مقلوب
44 - سألت أبي عن حديث رواه معاذ بن خالد العسقلاني عن زهير بن محمد عن يزيد بن زياد عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أن النبي

الحارثي عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

لا شفعة لغائب ولا لصغير
فقال أبو زرعة هذا حديث منكر لا أعلم أحدا قال بهذا الغائب له شفعة والصبي حتى يكبر فلم يقرأ علينا هذا الحديث
باب علل أخبار رويت في اللباس
49 - سألت أبا زرعة عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم -
في تختمه أفي يمينه أصح أم في يساره قال في يمينه الحديث أكثر ولم يصح
هذا ولا هذا
50 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال لا تدخل الملائكة بيتا فيها جلد نمر
قال أبي هذا حديث منكر
51 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه بقية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه لم يكن يرى بالقز والحرير للنساء بأسا فقال أبو زرعة هذا حديث منكر
قلت تعرف له علة قال لا
52 - وسألت أبي عن حديث رواه سهل بن عثمان عن العقيلي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أمه قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم -
على عقيل فوهب له خاتما أهداه إلى رسول الله ص
- النجاشي مثل الفلكة فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فيه قل هو الله أحد والمعوذتين
قال أبي هذا حديث منكر والعقيلي هو ابن عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه ليس بشيء
53 - وسألته عن حديث رواه شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن مهاجر السامي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
من لبس

ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة
قال أبي هذا الحديث موقوف أصح
54 - وسألته عن حديث روي عن عبد الرحمن بن المهاجر قال رأيت في يد أنس خاتما من ذهب
قال أبي هو شيخ كوفي ليس بمشهور روى عنه أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء وأبو معاوية الضرير

باب علل أخبار رويت في الأطعمة
55 - سألت أبي عن حديث رواه تميم بن زياد عن أبي جعفر الرازي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه قال نعم الإدام الخل
قال أبي هذا حديث منكر بهذا الإسناد
56 - وسئل أبو زرعة عن حديث كان رواه قديما عن عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي عن ابن أبي فديك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال إذا قرب إلى أحدكم الحلواء فليأكل منها ولا يردها
فامتنع أبو زرعة من أن يحدثنا به وقال هذا حديث منكر
57 - وسئل عن حديث رواه عبيد الله بن عائشة عن عبد الرحمن بن حماد بن عمران عن موسى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وفي يده سفرجلة فألقاها إلي وقال إنها تجم الفؤاد
قال أبو زرعة هذا حديث منكر
علل أخبار رويت في أمور شتى
58 - سمعت أبي يقول وذكر حديثا حدثه به بشار بن عمر الخراساني

بمصر سنة ست عشرة ومئتين قال حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال ملعون ملعون من أحاط على مشربة أو باعد مقربة
فسئل حميد الطويل ما المشربة قال بئر ماء يشرب منه الناس فضرب عليه خباءه أو قببه
وأما المقربة فطريق كان يختصره فقطعه عن ممر الناس
قال أبي هذا حديث منكر
59 - سمعت أبي حدثنا عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن يحيى بن سلام عن عثمان بن مقسم عن نعيم بن المجمر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن أكذب الكاذبين الصناع
قال أبي هذا حديث كذب وعثمان هو البري ويحيى بن سلام هو الذي روى عنه عبد الحكم بصري وقع إلى مصر
60 - سألت أبي عن حديث رواه المسيب بن واضح عن يوسف بن أسباط عن الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال مداراة الناس صدقة
قال أبي هذا حديث باطل لا أصل له ويوسف بن أسباط دفن كتبه
61 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن عمر الدمشقي عن مكحول عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يوم خيبر جعلت له مأدبة وأكل متكئا واطلى بالنورة وأصابته الشمس ولبس
البرطلة
قال أبي هو عمر بن موسى الوجيهي وهذا حديث باطل
62 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن سليمان بن أبي داود عن زهير بن محمد عن الوضين بن عبد الرحمن عن جنادة عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة
قال أبي هذا حديث موضوع

63 - سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال رأيت علي بن الحسين يخضب بالسواد وأخبرني أن أباه كان يخضب به
قال أبي هذا حديث منكر وكان الزهري رجلا قصيرا وكانت أسنانه مشبكة بالذهب وكان يخضب بالسواد
64 - سمعت أبي وحدثنا عن بسام بن خالد عن شعيب بن إسحاق عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا بلغكم عني حديث يحسن بي أن أقوله فأنا قلته وإذا بلغكم عني حديث لا
يحسن بي أن أقوله فليس منس ولم أقله قال أبي هذا حديث منكر الثقات لا يرفعونه
65 - سألت أبي عن حديث رواه سليمان بن شرحبيل عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
نهى عن حلق القفا إلا عند الحجامة
قال أبي هذا حديث كذب هذا الإسناد يمكن أن يكون دخل لهم حديث في حديث
قال أبي رأيت هذا الحديث في كتاب سليمان بن شرحبيل فلم أكتبه وكان سليمان عندي في حيز لو أن رجلا وضع له لم يفهم وكذلك هشام بن عمار كل ما دفع إليه قرأه وكذا كان هشام بن خالد كانوا لا يميزون وكان دحيم يميز ويضبط حديث نفسه
66 - سألت أبي عن حديث رواه عاصم بن إبراهيم الداري عن محمد بن سليمان الصنعاني عن منذر بن النعمان الأفطس عن وهب بن منبه عن عبد الله بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم -
لا تتمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا
قال أبي هذا حديث منكر وبهذا الإسناد اشفعوا فلتؤجروا
قال أبي هذا أيضا منكر

67 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو ثابت محمد بن عبيد الله عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أن تهدم الآجام
قال إنما هي زينة الدنيا
قال أبو زرعة هكذا قال أبو ثابت وإنما هو عبد الله بن نافع يعني عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
68 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو سعيد محمد بن أسعد عن زهير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة حجام أو شربة عسل أو حبات سوداء
أو لذعة من نار توافق داء وما أحب أن أكتوي
قال أبو زرعة هذا حديث منكر
69 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه محمد بن مصفى عن بقية عن رافع أو رويفع عن أبي الزبير عن جابر قال قال لا تقصوا الأظفار في أرض العدو فإنه أشد للقبضة وأحل للعقدة
قال أبو زرعة هذا حديث منكر وأبي لم يحدث به
70 - سمعت أبي يقول روى ابن أخت عبد الرزاق عن عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن الأعمش عن خيثمة عن عبد الله قال جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها
قال أبي هذا حديث منكر وكان ابن أخت عبد الرزاق يكذب
71 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه سويد بن سعيد عن عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر

قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -

من قال في ديننا برأيه فاقتلوه
قال أبو زرعة سمعت يحيى بن معين يقول وقد قيل له روى سويد هذا الحديث فقال ينبغي أن يبدأ بسويد فيستتاب
72 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه يوسف بن عدي عن حفص بن غياث عن ليث عن عطاء عن ابن عباس رفعه قال إذا غابت الشمس فكفوا صبيانكم حتى تذهب فحمة العشاء فإنها ساعة تنتشر فيها الشياطين
فقال أبو زرعة هذا حديث منكر
73 - سألت أبي عن حديث رواه داود بن رشيد عن بقية عن معاوية بن يحيى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال من حدث بحديث فعطس عنده فهو حق
قال أبي هذا حديث كذب
74 - سألت أبي عن حديث رواه أبو بكر بن أبي عتاب الأعين عن أبي صالح عن الليث عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وبني تميم فقيل من هو يا
رسول الله فقال أويس القرني
قال أبي هذا الحديث ليس هو في كتاب أبي صالح عن الليث نظرت في أصل الليث وليس فيه هذا الحديث ولم يذكر أيضا الليث في هذا الحديث خبرا ويحتمل أن يكون سمعه من غير ثقة ودلسه ولم يروه غير أبي صالح
75 - سألت أبي عن حديث رواه العلاء بن عمرو الحنفي عن يحيى بن يزيد الأشعري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه قال أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي
فسمعت أبي يقول هذا حديث كذب

76 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن محمد بن أبي جميلة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

لو شاء الله أن لا يعصى ما خلق إبليس
فسمعت أبي يقول هذا حديث منكر ومحمد مجهول
77 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن حبيب بن عمر عن أبيه عن ابن عمر عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أنه قال ينادي مناد يوم القيامة ليقم خصماء الله وهم القدرية
فقال هذا حديث منكر وحبيب بن عمر ضعيف الحديث مجهول لم يرو عنه غير بقية
هذا وفيما أوردناه من الأمثلة كفاية في تعريف الطالب بمسلك جهابذة القوم غير أن رأينا أن نرفعه إلى ما فوق تلك الدرجة فأوردنا له أمثلة أخرى فوق تلك وهاك ما أردنا إيراده
1 - سمعت أبا زرعة يقول في حديث رواه الفريابي عن مالك بن مغول عن سيار بن الحكم عن شهر بن حوشب عن محمد بن عبد الله بن سلام قال قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال إن الله عز و جل قد أحسن الثناء عليكم في الطهور فقال ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا )
وذكر الاستنجاء بالماء
ورواه سلمة بن رجاء عن مالك بن مغول عن سيار عن شهر عن محمد بن عبد الله بن سلام قال قال أبي قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ورواه أبو خالد الأحمر عن داود بن أبي هند عن شهر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
مرسلا فسمعت أبا زرعة يقول الصحيح عندنا والله أعلم عن محمد بن عبد الله
بن سلام فقط ليس فيه عن أبيه

2 - سمعت أبي يقول في حديث رواه ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن حنش الصنعاني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كان يخرج ليبول فيتمسح بالتراب فقال يا رسول الله الماء منك قريب فقال ما
أدري لعلي لا أبلغه
فقال أبي لا يصح هذا الحديث ولا يصح في هذا الباب حديث
3 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم -
اغتسلت من جنابة فجاء النبي ص
- فقالت له فتوضأ بفضلها وقال الماء لا ينجسه شيء
ورواه شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن ميمونة فقال الصحيح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
بلا ميمونة
4 - سألت أبا زرعة عن حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير فقلت إنه يقول عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ورواه الوليد بن كثير فقال عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء
قال أبو زرعة ابن إسحاق يمكن أن يقضى له
قلت له ما حال محمد بن جعفر فقال صدوق فقلت لأبي إن حجاج بن حمزة حدثنا عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير فقال عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
فقال أبي محمد بن عباد بن

ص -

قال من خصى عبده خصيته
قال أبي هذا حديث منكر
علل أخبار رويت في الأحكام والأقضية
45 - قبل لأبي يصح حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
في اليمين مع الشاهد فوقف وقفة فقال ترى الدراوردي ما يقول يعني قوله قلت
لسهيل فلم يعرفه
قلت فليس نسيان سهيل دافعا لما حكى عنه ربيعة وربيعة ثقة والرجل يحدث بالحديث وينسى قال أجل هكذا هو ولكن لم نر أن يتبعه متابع على روايته وقد روى عن سهيل جماعة كثيرة ليس عند أحد منهم هذا الحديث قلت إنه يقول بخبر الواحد قال أجل غير أني لا أدري لهذا الحديث أصلا عن أبي هريرة أعتبر به وهذا أصل من الأصول لم يتابع عليه ربيعة
46 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم -
قضى بشاهد ويمين
فقالا هو صحيح قلت يعني أنه يروى عن ربيعة هكذا قلت فإن بعضهم يقول عن سهيل عن أبيه عن زيد بن ثابت قالا وهذا أيضا صحيح جميعا صحيحين
47 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه إبراهيم بن الليث عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن أبيه وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال الشفعة ما لم تقع الحدود فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
قال أبو زرعة هذا حديث باطل فامتنع أن يحدث به وقال اضربوا عليه
48 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن عائشة عن محمد بن الحارث

جعفر ثقة ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة والحديث بمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه
5 - سألت أبي عن حديث رواه عيسى بن يونس عن الأحوص بن حكيم عن رشدين بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا ينجس الماء إلا ما غلب عليه طعمه ولونه
فقال أبي يوصله رشدين بن سعد يقول عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ورشدين ليس بقوي والصحيح مرسل
6 - سألت أبي عن حديث رواه عن عياش عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال كان آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار فسمعت أبي يقول هذا حديث مضطرب المتن إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم - أكل كتفا ولم يتوضأ
كذا رواه الثقات عن ابن المنكدر عن جابر
ويحتمل أن يكون شعيب حدث به من حفظه فوهم فيه
7 - سمعت أبي وذكر حديثا رواه مروان الفزاري عن محمد بن عبد الرحمن بن مهران عن سعيد المقبري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لولا أن يثقل على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل
قال أبي إنما هو عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
8 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه وكيع بن الجراح عن الأعمش عن أبي إسحاق عن حارثة عن خباب شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - الرمضاء فلم يشكنا
قال أبو زرعة أخطأ فيه وكيع إنما هو على ما رواه شعبة وسفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب عن النبي ص

9 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن آدم عن الحسن بن عياش عن ابن أبجر عن الأسود عن عمر أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود
هل هو صحيح أو يرفعه وحديث الثوري عن الزبير بين عدي عن إبراهيم عن الأسود عن عمر أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلغا منكبيه فقط
فقالا سفيان أحفظ
وقال أبو زرعة هذا أصح يعني حديث سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود عن عمر
10 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ابن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار قال رأى ابن عمر رجلا يعبث في الصلاة بالحصى فقال إذا صليت فلا تعبث واصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فذكر الحديث فقالا هكذا رواه ابن أبي زائدة وإنما هو مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي عن ابن عمر قلت لهما الوهم ممن هو فقالا من ابن أبي زائدة قال أبو زرعة ابن أبي زائدة قلما يخطئ فإذا أخطأ أتى بالعظائم
11 - وسمعته وذكر حديثا رواه مروان الفزاري عن سهل بن عبد الله المروزي عن عبد الملك بن مهران عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من أكل الطين فكأنما أعان على قتل نفسه
قال أبي هذا حديث باطل وسهل بن عبد الله وعبد الملك بن مهران مجهولان

12 - وسمعته وذكر حديثا رواه إبراهيم بن عيينة عن عمرو بن منصور عن الشعبي عن ابن عمر قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم -

في غزوة تبوك بجبنة فدعا بسكين فسمى وقطع
قال أبي جابر الجعفي يقول عن الشعبي عن ابن عباس
وكلاهما ليس بصحيح وهو منكر
13 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه القعنبي عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم -
سئل عن السمن الجامد تقع فيه الفأرة فقال خذوها وما حولها فألقوها
قال أبو زرعة هذا الحديث في الموطأ مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم -
مرسل وقال أبي الصحيح من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
14 - وسألت أبي عن الحديث الذي رواه داود بن رشيد عن سلمة بن بشر بن صيفي عن عباد بن بشر السامي عن أبي عقال عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أثردوا ولو بالماء
قال أبي حدثنا النفيلي بهذا الحديث عن عباد بن كثير الرملي عن عبد الرحمن السندي عن أنس بن مالك قال أبي عباد بن كثير الرملي هذا مضطرب الحديث ظننت أنه أحسن حالا من عباد بن كثير البصري فإذا هو قريب منه
15 - سألت أبا زرعة عن حديث يحيى بن اليمان عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم -
عطش حول الكعبة فاستسقى فأتي بشراب من السقاية فشمه فقطب فقال علي ذنوبا
من زمزم فصبه عليه ثم شربه

قال أبو زرعة هذا إسناد باطل عن الثوري عن منصور
وهم فيه يحيى بن اليمان وإنما ذاكرهم سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة مرسل
ولعل الثوري إنما ذكره تعجبا من الكلبي حين حدث بهذا الحديث مستنكرا من الكلبي
16 - سألت أبي عن حديث رواه هيثم بن جميل عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم -

أن يتنفس في الإناء قال أبي إنما يروونه عن شريك عن عبد الكريم الجزري عن
عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
17 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن مسلم بن زياد عن مكحول قال سمعت ابن عمر يقول ما أمر عمر بن الخطاب بشرب الطلاء قط ولا سقاه قط
سمعت أبي يقول هذا وهم
مكحول لم يسمعه من ابن عمر
علل أخبار رويت في الزهد
18س - ألت أبي عن حديث رواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن يزيد بن خمير عن سليمان بن مرثد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
قال أبي كذا حدثنا مسلم وحدثنا أبو عمر الحوضي عن سفيان عن يزيد بن خمير عن سليمان عن ابن ابنة أبي الدرداء عن أبي الدرداء قال لو تعلمون
موقوف
قال أبي وهذا أشبه وموقوف وأصحاب شعبة لا يرفعون هذا الحديث

19 - سألت أبي عن حديث رواه سويد بن عبيد العزيز عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ألا أخبركم بملوك أهل الجنة كل ضعيف متضعف ذي طمرين لا يؤبه له لو
أقسم على الله لأبره
فقال أبي هذا حديث خطأ إنما يروى عن أبي إدريس كلامه فقط
20 - سمعت أبي يقول كان محمد بن ميمون المكي أميا مغفلا قيل لأبي إن محمد بن ميمون الخياط المكي روى عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن شعبة عن ابن إسحاق عن قيس بن أبي حازم عن عتبة بن غزوان قال لقد رأيتنا وأنا سابع سبعة ما لنا طعام إلا الأسودين الحديث بطوله فقال أبي هذا حديث باطل بهذا الإسناد وما أبعد أن يكون قد وضع للشيخ فإنه كان أميا
علل أخبار رويت في المناسك
21 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن ابن جريج قال أحسن ما سمعت في بيض النعامة حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال في بيض النعام في كل بيضة صيام يوم أو إطعام مسكين
قال أبي هذا حديث ليس بصحيح عندي ولم يسمع ابن جريج من أبي الزناد شيئا يشبه أن يكون ابن جريج أخذه من إبراهيم بن أبي يحيى
22 - سألت أبي عن حديث رواه همام عن قتادة عن عزراة عن الشعبي أن الفضل بن عباس حدثه وأن أسامة بن زيد حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان يلبي حتى رمى جمرة العقبة
هل سمع الشعبي منهما فقال لا يحتمل وينبغي أن يكون بينهما أحد ولكن كذا حدث به همام فلا أدري ما هذا الأمر

23 - سألت أبي عن حديث رواه يعقوب بن سفيان عن عمرو بن عاصم عن عبيد الله بن الوازع عن ليث بن أبي سليمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنه كان إذا سافر وركب قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا
وذكر الحديث
فقال هذا حديث ليس له أصل بهذا الإسناد

علل أخبار رويت في الغزو والسير
24 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء بن زبر أنه سمع أبا سلام الأسود قال سمعت عمرو بن عبسة قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم -
إلى بعير من المغنم فلما سلم أخذ وبرة من جنب البعير فقال ولا يحل لي من
غنائمكم هذه إلا الخمس والخمس مردود فيكم
قال أبي ما أدري ما هذا لم يسمع أبو سلام من عمرو بن عبسة شيئا إنما يروي عن أبي أمامة عنه
25 - سمعت أبي وذكر حديثا رواه عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن يزيد عن أبي العلاء بن اللجلاج عن أبي هريرة قوله لا يجمع الله غبارا في سبيل الله ودخان جهنم في منخري عبد مسلم الحديث
قال أبي قال لنا أبو صالح عن الليث
وإنما هو صفوان بن أبي يزيد
وأرى أن بين عبيد الله بن أبي جعفر وبين صفوان سهيل بن أبي صالح
26 - سألت أبي عن حديث رواه سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه قال لرسول مسيلمة لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك
ورواه أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن ابن معين السعدي عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبي الثوري أحفظ من أبي بكر

27 - سألت أبي عن حديث رواه الفضل بن موسى عن شريك عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ما من غادر إلا وله لواء غدر يوم القيامة
قال أبي من رفع هذا الحديث فقد غلط رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمارة عن علي موقوف
ورواه زهير عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن علي قال أبي عمارة أشبه
28 - سألت أبي عن حديث رواه أبو إسحاق الفزاري عن رجل من أهل الشام عن أبي عثمان عن أبي خداش قال كنا في غزاة فنزل الناس منزلا فقطع الناس الطريق ومدوا الحبال على الكلأ فلما رأى ما صنعوا قال سبحان الله لقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
غزوات فسمعته يقول الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار
قال أبي هذا الرجل من أهل الشام هو عندي بقية بن الوليد وأبو عثمان هو عندي حريز بن عثمان وأبو خداش لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم -
إنما حكى عن رجل من أصحاب النبي ص
-
وكذلك حدثنا أبو اليماني وعلي بن الجعد عن حريز كما وصفت وإنما لم يسمه أبو إسحاق لأنه كان حيا في ذلك الوقت
29 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن المبارك الصوري عن

الهيثم بن حميد عن حفص بن غيلان عن مكحول قال دخلت أنا وابن أبي زكريا وسليمان بن حبيب على أبي أمامة بحمص فسلمنا عليه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

قد بلغ ما أمر به فبلغوا عني ما تسمعون
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم -
يقول من خرج في سبيل الله فهو ضامن على الله إن توفاه الله أدخله الجنة
وإن رده فبما نال من أجر أو غنيمة والخارج من بيته إلى المسجد ضامن على الله تعالى إن توفاه الله أدخله الجنة وإن رده فبما نال من أجر أو غنيمة والداخل بيته بسلام ضامن على الله
قال أبي هذا حديث خطأ مكحول لم ير أبا أمامة
30 - سألت أبي عن حديث رواه بشر بن المفضل عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن جابر بن عبد الله قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
في غزوة تبوك فكانت تدعى غزوة العسرة فبينما هو يسير إذا هو بجماعة في ظل
شجرة قال ما هذه الجماعة قالوا يا رسول الله رجل صام فجهده الصوم قال ليس البر أن تصوموا في السفر
قال أبي روى هذا الحديث شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم -
31 - سألت أبي عن حديث عمرو بن أبي قيس عن منصور عن أبي بكر بن حفص عن أبي صالح عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه عاد عبد الله بن رواحة فما تحول عبد الله عن مكانه فقال النبي ص
- من شهداء أمتي قالوا القتيل في سبيل الله قال القتل في سبيل الله شهادة والبطن شهادة والغرق شهادة الحديث

قال أبي ورواه سعيد عن أبي بكر بن حفص عن أبي الفصيح أبو أبي المصبح عن ابن السمط عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال أبي وهذا أشبه ليس لأبي صالح معنى لم يضبط عمرو وضبط شعبة
وهذا حديث من حديث أهل الشام وهو أبو المصبح المقرائي عن شرحبيل بن السمط عن عبادة
32 - سألت أبي عن حديث رواه صالح بن موسى الطلحي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
الزموا الجهاد تصحوا وتستغنوا قال أبي هذا حديث باطل وصالح الطلحي ضعيف
الحديث
علل أخبار رويت في البيوع
33 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه نهى أن يستأجر الأجير حتى يعلم أجره ورواه الثوري عن حماد عن إبراهيم
عن أبي سعيد موقوف قال أبو زرعة الصحيح موقوف عن أبي سعيد لأن الثوري أحفظ
34 - سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن عون عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن جابر قال قضاني رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وزادني قال أبي كذا حدثنا عمرو بن عون وأحسبه قد غلط إنما يروى هذا
الحديث عن مسعر عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال أبي ولا يعرف هذا الحديث من حديث عمرو عن جابر ولا يحتمل أن يكون عن عمرو عن جابر

35 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه محمد بن عباد عن عبد العزيز الدراوردي عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه فقالا هذا خطأ إنما هو
كلام أنس
قال أبو زرعة كذا يرويه الدراوردي ومالك بن أنس مرفوعا والناس يروونه موقوفا من كلام أنس
36 - سألت أبي عن حديث رواه مسلم بن خالد عن علي بن يزيد بن ركانة عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم -
لما أمر بإخراج بني النضير جاء أناس منهم فقالوا يا رسول الله إنما أمرت
بإخراجنا ولنا على الناس ديون فقال النبي صلى الله عليه وسلم - فضعوا وتعجلوا
قال أبي رواه ابن جريج عن ابن ركانة عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم -
لم يذكر داود بن الحصين ولم يذكر ابن عباس قال أبي لا يمكن أن يكون مثل الحديث متصلا
37 - سألت أبي عن حديث رواه عباس الخلال عن سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا بشر بن عون قال حدثنا بكار بن تميم عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - عباد الله لا تمنعوا فضل ماء ولا نار ولا كلأ فإن الله عز و جل جعلهم متاعا للمقوين وقوة للمستمتعين قال أبي هذا حديث منكر
38 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن ابن ثوبان عن أبيه عن طاوس عن عبد الله بن عمر أنه باع سرجا فقدم المبتاع فرده ورد معه درهمين

أو ثلاثة فقال ابن عمر لو باع لعله كان يخسر فيه أكثر من ذلك
قال أبي هذا خطأ إنما هو ثوبان عن ليث عن طاوس
39 - سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار عن اليمان بن عدي الحضرمي عن الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -

أيما امرئ أفلس وعنده مال امرئ بعينه لم يقبض منه شيئا فهو أحق بعين ماله
فإن كان قبض منه شيئا فهو أسوة الغرماء
وأيما امرئ مات وعنده مال امرئ بعينه اقتضى منه شيئا أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء
قال أبي هذا خطأ إنما هو الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم -
واليمان هذا شيخ ضعيف الحديث
40 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن زرعة بن عبد الله الزبيدي عن عمران بن أبي الفضل عن نافع عن ابن عمر قال قيل يا رسول الله ما يجمل بالعرب من التجارة قال بيع الإبل والبقر والغنم قيل يا رسول الله فما يجمل بالموالي قال بيع البز وإقامة الحوانيت
قال أبي هذا حديث باطل وزرعة وعمران جميعا ضعيفان
41 - وسألت أبي فقلت له فإن إسماعيل بن عياش روى هذا الحديث

عن عمران بن أبي الفضل عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قيل له ما يحسن بالعرب من التجارة قال الإبل قيل فما يحسن بالموالي
من التجارة قال البز والخز قال أبي وهذا الحديث باطل موضوع وكأن ذلك من عمران
42 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن حمير قال حدثني الأوزاعي قال حدثني ثابت بن ثوبان قال حدثني مكحول عن أبي قتادة قال كان عثمان يشتري الطعام ويبيعه قبل أن يقبضه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم -
إذا ابتعت فاكتل وإذا بعت فكل قال أبي هذا حديث منكر بهذا الإسناد
43 - سألت أبي عن حديث رواه سويد بن عبد العزيز عن حميد الطويل عن أنس قال استعار بعض آل رسول الله صلى الله عليه وسلم -
قصعة فضاعت فضمنها رسول اله ص
-
قال أبي هذا حديث باطل ليس فيه استعار
وهم فيه سويد بن عبد العزيز
ولفظ هذا الحديث غير هذا اللفظ شبه الكذب
إنما الصحيح ما حدثناه الأنصاري عن حميد عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم -
عند بعض أمهات المؤمنين فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد رسول الله
فسقطت القصعة فانكسرت فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم - الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى وجعل يجمع فيه الطعام ويقول غارت أمكم كلوا وحبس الرسول حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها ودفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها

44 - سألت أبي عن حديث رواه يعقوب الزهري عن عبد العزيز بن مسيح الأسدي أخبرني قتادة عن عيينة بن عاصم بن سعر بن نقادة عن أبيه حدثني أبي وعمومتي عن نقادة قال قلت لرسول الله إني رجل مغفل فأين أسم ولم أرك تسم في الوجه قال في موضع الجرير من السالفة
قال فوسم نقادة هناك حلقة هديه فوسم بها رجل من بني يربوع فاستعدى عليه نقادة بعض الخلفاء فقال دخل معي في ميسم أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فقضى عليه أن لا يسم ميسمه فقطع الحلقة فسميت بتيراء بني يربوع
قال أبي هذا حديث منكر وهؤلاء مجهولون قال أبو محمد قال بعض أهل العربية الجرير من السالفة الزمام والسالفة صفحة العنق
والمغفل رجل له إبل أغفال
وهي التي لا سمات عليها وواحدها غفل
45 - سألت أبي عن حديث رواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم -
الشفعة فيما لم يقسم
فإذا قسم ووقعت الحدود فلا شفعة
قال أبي الذي عندي أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم -
هذا القدر إنما جعل النبي ص
- الشفعة فيما لم يقسم قط ويشبه أن يكون بقية الكلام هو كلام جابر فإذا قسم ووقعت الحدود فلا شفعة
والله أعلم
قلت له وبما استدللت على ما تقول قال لأنا وجدنا في الحديث إنما جعل

النبي صلى الله عليه وسلم -

الشفعة فيما لم يقسم
تم المعنى فإذا وقعت الحدود فهو كلام مستقبل ولو كان الكلام الأخير عن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان يقول إنما جعل النبي ص
- الشفعة فيما لم يقسم
وقال إذا وقعت الحدود
فلما لم نجد ذكر الحكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم -
في الكلام الأخير استدللنا أن استقبال الكلام الأخير من جابر لأنه هو
الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث
وكذلك نص حديث مالك عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم -
قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا أوقعت الحدود فلا شفعة فيحتمل في هذا
الحديث أن يكون الكلام الأخير كلام سعيد وأبي سلمة ويحتمل أن يكون كلام ابن شهاب
وقد ثبت في الجملة قضاء النبي صلى الله عليه وسلم -
بالشفعة فيما لم يقسم في حديث ابن شهاب وعليه العمل عندنا
46 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه إبراهيم بن أبي الليث عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن أبيه وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال الشفعة ما لم تقع الحدود فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
قال أبو زرعة هذا حديث باطل فامتنع أن يحدث به وقال اضربوا عليه
47 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه عبيد الله بن محمد التيمي المعروف بابن عائشة عن محمد بن الحارث الحارثي عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال الشفعة كحل العقال
قال أبو زرعة هذا حديث منكر ولم يقرأه علينا في كتاب الشفعة وضربنا عليه
48 - سألت أبي عن حديث رواه هشام بن عمار بآخره عن

إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -

في الضب وقصة خالد بن الوليد
قال أبي هذا خطأ إنما هو الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن ابن عباس عن خالد بن الوليد عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قلت لأبي وفي حديث إسماعيل عن ابن جريج
قال فأتي النبي صلى الله عليه وسلم -
بإناء فشرب وعن يمينه ابن عباس وعن يساره خالد بن الوليد فقال النبي ص
- لابن عباس أتأذن لي أن أسقي خالدا فقال ابن عباس ما أحب أن أوثر بسور النبي صلى الله عليه وسلم -
على نفسي فتناول ابن عباس فشربه
قال أبي هذا من حديث عبيد الله بن عبد الله ولا من حديث أبي أمامة بن سهل وإنما هو حديث الزهري عن أنس
قال أبو محمد وفي هذا الحديث بعد هذا الكلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم -
من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه ومن سقاه
الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإني لا أعلم يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن
قال أبي ليس هذا من حديث الزهري إنما هو من حديث علي بن زيد بن جدعان عن عمر بن حرملة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبي وأخاف أن يكون قد أدخل على هشام بن عمار لأنه لما كبر تغير
49 - سألت أبي عن حديث رواه تميم بن زياد عن أبي جعفر الرازي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه قال نعم الإدام الخل
قال أبي هذا حديث منكر بهذا الإسناد
50 - سمعت أبي ورأى في كتابي عن هارون بن إسحاق عن محمد بن بشر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه سئل عن أكل الضب فقال ما أنا بآكله ولا محرمه
فسمت أبي

يقول هذا حديث فيه وهم وإنما هو عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
51 - سألت أبي عن حديث رواه الفضل بن دكين عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهري عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة
فقال هذا خطأ إنما هو إبراهيم بن إسماعيل بن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة ليس للزهري معنى كذا رواه الدراوردي وهذا الصحيح موقوف قيل قد رفعه عبيد الله بن موسى عن إبراهيم بن إسماعيل فقال هو خطأ إنما هو موقوف
52 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه أبو الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

بين العبد والكفر ترك الصلاة
فقال أبو زرعة هذا خطأ رواه بعض الثقات من أصحاب حماد فقال حدثنا حماد قال حدثنا عمرو بن دينار أو حدثت عنه عن جابر
موقوف
قلت لأبي زرعة الوهم ممن هو قال ما أدري يحتمل أن يكون حدث حماد مرة كذا ومرة كذا
قلت فبلغك أنه توبع أبو الربيع في هذا الحديث فقال ما بلغني أن أحدا تابعه
وقال أبي رواه بعضهم مرفوعا بلا شك وهو أبو الربيع وبعضهم بالشك غير مرفوع وكأن بالشك غير مرفوع أشبه
53 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي عن سلمان قال لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم
قلت ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أوس بن ضمعج عن سلمان قلت أيهما الصحيح فقالا سفيان أحفظ من شعبة وحديث الثوري أصح
54 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه المعتمر بن سليمان عن أبيه عن قتادة عن أنس قال كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم -
حين

حضرة الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم
قال أبي نرى أن هذا خطأ والصحيح حديث همام عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبو زرعة رواه سعيد بن أبي عروبة فقال عن قتادة عن سفينة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
وقال وابن أبي عروة أحفظ وحديث همام أشبه زاد همام رجلا
55 - سألت أبي عن حديث رواه أبو الطاهر بن السرح قال حدثنا أشعث بن شعبة عن حنش بن الحارث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت رأيت الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وهو محرم
فقال حدثنا أبو نعيم قال لنا حنش عن عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ولم يقل عن أبيه
قلت لأبي أيهما أشبه قال أبو نعيم أثبت ولا أبعد أن يكون قال لهم مرة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
56 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه سعيد بن خثيم عن حنظلة عن سالم عن أبيه أنه كان إذا نظر إلى رجل يريد السفر يقول أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يودع ثم يقول أستودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك
قالا وهم سعيد في هذا الحديث
وروى هذا الحديث الوليد بن مسلم فوهم فيه أيضا فقال عن حنظلة عن سالم عن القاسم عن ابن عمر والصحيح عندنا والله أعلم عن حنظلة عن عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن إسماعيل بن جرير عن قزعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبو زرعة حدثنا أبو نعيم قال لنا عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن

إسماعيل بن جرير عن قزعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه كان إذا ودع رجلا قال أستودع الله دينك وأمانتك
ذاكرت به أبي قال حدثنا أبو نعيم عن عبد العزيز هذا الحديث
57 - سئل أبي عن حديث أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال أبو بكر للنبي ص -
ما شيبك قال شيبتني هود
الحديث متصل أصح كما رواه شيبان أو مرسل كما رواه أبو الأحوص قال مرسل أصح
قلت لأبي روى بقية عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
فقال هذا خطأ ليس فيه ابن عباس
58 - سألت أبي عن حديث رواه رواد بن الجراح قال حدثنا أبو سعد الساعدي قال سمعت أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يقول الناس مستوون كأسنان المشط ليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله
قال أبي هذا حديث منكر وأبو سعد مجهول
59 - سمعت أبي وذكر حديثا حدثنا به عن زكرياء بن يحيى الوقاد قال قرئ على عبد الله بن وهب قال قال الثوري قال مجالد قال أبو الوداك قال أبو سعيد الخدري قال عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
قال أخي موسى يا رب أرني الذي كنت أريتني في السفينة فأوحى الله تبارك وتعالى إليه يا موسى إنك ستراه فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتاه الخضر وهو فتى طيب الريح حسن بياض الثياب مشمرها فقال سلام عليك ورحمة الله

يا موسى بن عمران إن ربك يقرأ عليك السلام ورحمة الله فقال موسى هو السلام ومنه السلام وإليه السلام والحمد لله رب العالمين الذي لا أحصي نعمه ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته
فقال موسى عليه السلام أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك فقال الخضر يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع فلا تلم جلساءك إذا حدثتهم واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك واعزف عن الدنيا فانبذها وراءك فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار وإنما جعلت بلغة للعباد ليتزودوا منها للمعاد وذكر الحديث
قال أبي هذا حديث باطل كذب
قلت وذكرت هذا الحديث لأبي الجنيد الحافظ فقال هو موضوع
60 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه بقية عن معاوية بن يحيى الطرابلسي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال إن المعونة تنزل من الله على قدر المؤونة وإن الصبر ينزل من الله
بقدر الشكر
قال أبي كنت معجبا بهذا الحديث حتى ظهرت لي عورته فإذا هو معاوية عن عباد بن كثير عن أبي الزناد
قال أبو زرعة الصحيح ما رواه الدراوردي عن عباد بن كثير عن أبي الزناد فبين معاوية بن يحيى وأبي الزناد عباد بن كثير وعباد ليس بالقوي
61 - سألت أبي عن حديث رواه إسحاق بن خالد الأعسم عن إبراهيم بن رستم قال حدثنا أبو حفص العبدي عن إسماعيل بن سميع عن

أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان ويدخلوا في
الدنيا فإذا خالطوا السلطان ودخلوا في الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم واجتنبوهم
فقال أبي هذا حديث منكر يشبه أن يكون في الإسناد رجل لم يسم وأسقط ذلك الرجل
وهنا انتهى ما أردنا إيراده من كتاب علل الحديث لابن أبي حاتم الرازي وهو من الأئمة المشهورين قال الذهبي في الميزان عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي الحافظ الثبت ابن الحافظ الثبت يروي عن أبي سعيد الأشج ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهما وكان ممن جمع بين علو الرواية ومعرفة الفن وله الكتب النافعة ككتاب الجرح والتعديل والتفسير الكبير وكتاب العلل
وما ذكرته لولا ذكر أبي الفضل السليماني له وبئس ما صنع فإنه قال ذكر أسامي الشيعة من المحدثين الذين يقدمون عليا على عثمان الأعمش النعمان شعبة بن الحجاج عبد الرزاق عبيد الله بن موسى عبد الرحمن بي أبي حاتم
وكان والده أبو حاتم من كبار الحفاظ البارعين في معرفة العلل ويظهر لك ذلك من هذا الكتاب فإن ما ذكر فيه إلا قليلا مأخوذ عنه ومقتبس منه وكان جاريا في مضمار أبي زرعة والبخاري
وذكر بعض أهل الأثر أن بعض الأجلاء من أهل الرأي سأل أبا حاتم عن أحاديث فقال في بعضها هذا خطأ دخل لصاحبه حديث في حديث وهذا

باطل وهذا منكر وهذا صحيح
فسأله من أين علمت هذا هل أخبرك الراوي بأنه غلط أو كذب فقال لا ولكني علمت ذلك
فقال له الرجل أتدعي الغيب فقال ما هذا ادعاء غيب قال فما الدليل على قولك فقال أن تسأل غيري من أصحابنا فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف
فذهب الرجل إلى أبي زرعة وسأله عن تلك الأحاديث بعينها فاتفقا فتعجب السائل من اتفاقهما من غير مواطأة فقال أبو حاتم أفعلمت أنا لم نجازف ثم قال والدليل على صحة قولنا أنك تحمل دينارا بهرجا إلى صيرفي فإن أخبرك أنه يهرج وقلت له أكنت حاضرا حين بهرج أو هل أخبرك الذي بهرجه بذلك يقول لك لا ولكن علم رزقنا معرفته
وكذلك إذا حملت إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج يعرف ذا من ذا
ونحن نعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه وأن يكون كلاما يصلح أن يكون كلام النبوة ونعرف سقمه ونكارته بتفرد من لم تصح عدالته
وهذه المسألة ليست من المسائل الغامضة فإن كل من اشتغل بفن من الفنون وتفرغ له وسلك مسلك أهله وصرف عنايته إليه قد يحكم في مسائله بحكم لا يتيسر له إقامة الدليل الظاهر عليه وإن كان له في نفس الأمر دليل ربما كان أقوى من الأدلة الظاهرة إلا أن العبارة تقصر عنه ولذلك ترى المشاركين له في تلك الحال يحكمون بمثل حكمه في الغالب
ومن ثم اتفق الجهابذة من العلماء على أنه يرجع في مسائل كل فن إلى أهله المعنيين بأمره
وعلى ذلك فلا يستغرب أن يقال إنه يجب في الحديث أن يرجع فيه إلى أئمة المشهورين الذين تفرغوا له وصرفوا أعمارهم في تحصيله والبحث عن غوامضه وعلله وأحوال رجاله فإذا ثبت اتفاقهم على شيء ثبوتا بينا لم يسغ العدول عنه ومن سلك مسلكهم تبين له مثل ما تبين لهم
( لا تقل قد ذهبت أربابه ... كل من سار على الدرب وصل )

صلة تتعلق بالضعيف وهي تشتمل على ثلاث مسائل
المسألة الأولى اتفق العلماء على أنه لا يجوز ذكر الموضوع إلا مع بيان في أي نوع كان وأما غير الموضوع من الضعيف فقد اختلفوا فيه
1 - فذهب قوم إلى جواز الأخذ به والتساهل في أسانيده وروايته من غير بيان لضعفه إذا كان من غير الأحكام والعقائد مثل فضائل الأعمال والقصص
وممن نقل عنه جواز التساهل في ذلك عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل
أما ابن مهدي فإنه نقل عنه أنه قال إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
في الحلال والحرام والأحكام شددنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال وإذا
روينا في الفضائل والثواب والعقاب تساهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال
وأما أحمد بن حنبل فقد نقل عنه قال الأحاديث الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى تجيء شيء فيه حكم وقال ابن إسحاق رجل تكتب عنه هذه الأحاديث يعني المغازي ونحوها وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا وقبض أصابع يديه الأربع
وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن للأخذ بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها عند من سوغ ذلك ثلاثة شروط
أحدها أن يكون الضعيف غير شديد الضعف فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه
وقد نقل بعضهم الاتفاق على ذلك
الثاني أن يندرج تحت أصل معمول به
الثالث أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط
وقد ذكر هذين الشرطين ابن عبد السلام وابن دقيق العيد

ويظهر من الشرط الثالث أنه يلزم بيان ضعف الضعيف الوارد في الفضائل ونحوها كي لا يعتقد ثبوته في نفس الأمر مع أنه ربما كان غير ثابت في نفس الأمر
ومن نظر في الأحاديث الضعيفة نظر إمعان وتدبر تبين له أنها إلا القليل منها يغلب على الظن أنها غير ثابتة في نفس الأمر
وقد ذكر ابن حزم ما يقرب من ذلك حيث قال إننا قد أمنا ولله الحمد أن تكون شريعة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو ندب إليها أو فعلها عليه الصلاة و السلام فتضيع ولم تبلغ إلى أحد من أمته إما بتواتر أو بنقل الثقة عن الثقة حتى تبلغ إليه وأمنا أيضا قطعا أن يكون الله تعالى يفرج بنقلها من لا تقوم الحجة بنقله من العدول وأمنا أيضا قطعا أن تكون شريعة يخطئ فيها راويها الثقة ولا يأتي بيان جلي واضح بصحة خطئه فيه
وأمنا أيضا قطعا أن يطلق الله عز و جل من قد وجبت الحجة علينا بنقله على وضع حديث فيه شرع يسنده إلى من تجب الحجة بنقله حتى يبلغ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وكذلك نقطع ونبت بأن كل خبر لم يأت قط إلا مرسلا أو لم يروه قط إلا مجهول أو مجروح ثابت الجرحة فإنه خبر بالك بلا شك موضوع لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذ لو جاز أن يكون حقا لكان ذلك شرعا صحيحا غير لازم لنا لعدم قيام الحجة
علينا فيه
قال علي وهذا الحكم الذي قدمنا إنما هو فيما نقله من اتفق على عدالته كالصحابة وثقات التابعين ثم كشعبة وسفيان ومالك وغيرهم من الأئمة في عصرهم وبعدهم إلينا وإلى يوم القيامة وفي كل من ثبتت جرحته كالحسن بن عمارة

وجابر الجعفي وسائر المجروحين الثابتة جرحتهم
وأما من اختلف فيه فعدله قوم وجرحه آخرون فإن ثبتت عندنا عدالته قطعنا على صحة خبره وإن ثبتت عندنا جرحته قطعنا على بطلان خبره وإن لم يثبت عندنا شيء من ذلك وقفنا في ذلك وقطعنا ولا بد حتما على أن غيرنا لا بد أن يثبت عنده أحد الأمرين فيه وليس خطؤنا نحن إن أخطأنا وجهلنا إن جهلنا حجة على وجوب ضياع دين الله تعالى بل الحق ثابت ومعروف عند طائفة وإن جهلته أخرى والباطل كذلك أيضا كما يجهل قوم ما نعلمه نحن أيضا
والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء
ولا يصح الخطأ في خبر الثقة إلا بأحد ثلاثة أوجه إما تبين الراوي واعترافه بأنه أخطأ فيه
وإما شهادة عدل على أنه سمع الخبر مع راويه فوهم فيه
وإما بأن توجب المشاهدة بأنه خطأ
هذا وجزم ابن حزم بجرح الراويين المذكورين إنما هو مبني على المشهور من أمرهما عند جمهور المحدثين وقد ترجم كلا منهما الذهبي في الميزان
فقال في ترجمة الأول منهما الحسن بن عمارة ت ق الكوفي الفقيه مولى بجيلة عن ابن أبي مليكة وعمرو بن مرة وخلق وعنه السفيانان ويحيى القطان وشبابة وعبد الرزاق
قال ابن عيينة كان له فضل وغيره أحفظ منه
وقال شعبة روى الحسن بن عمارة أحاديث عن الحكم فسألنا الحكم عنها فقال ما سمعت منها شيئا
وقال النضر بين شميل قال الحسن بن عمارة إن الناس كلهم في حل مني ما خلا شعبة
وقال الدولابي أبو بشر حدثني أبو صالح بن عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني حدثنا أبي وسألته عن قصة شعبة والحسن بن عمارة فقال كان ابن عمارة موسرا وكان الحكم بن عتيبة مقلا فضمه إلى نفسه فكان الحكم يحدثه ولا يمنعه فحدثه بقريب من عشرة آلاف قضية عن شريح وغيره وسمع شعبة عن

الحكم شيئا يسيرا فلما توفي الحكم قال شعبة للحسن من رأيك أن تحدث عن الحكم بكل ما سمعته قال نعم ما أكتم شيئا قال فقال من أراد أن ينظر إلى أكذب الناس فلينظر إلى الحسن بن عمارة فقبل الناس منه وتركوا الحسن بن عمارة
قال ابن أبي رواد دخلت أنا وشعبة على الحسن نعوده في مرضه فدار شعبة فقعد وراء الحسن من حيث لا يراه فجعل الحسن يقول الناس كلهم من قبلي في حل ما خلا شعبة ويومئ إليه
توفي سنة ثلاث وخمسين ومئة وكان من كبار الفقهاء في زمانه ولي قضاء بغداد
وقال في ترجمة الثاني منهما جابر بن يزيد د ت ق ابن الحارث الجعفي الكوفي أحد علماء الشيعة له عن أبي الطفيل والشعبي وخلق وعنه شعبة وأبو عوانه وعدة قال ابن مهدي عن سفيان كان جابر الجعفي ورعا في الحديث ما رأيت أورع منه في الحديث
وقال شعبة صدوق
وقال يحيى بن أبي كثير عن شعب كان جابر إذا قال أنبأنا وحدثنا وسمعت فهو من أوثق الناس
وقال وكيع ما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابرا الجعفي ثقة
وقال ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول قال سفيان الثوري لشعبة لئن تكلمت في جابر الجعفي لأتكلمن فيك
وقال جرير بن عبد الحميد لا أستحل أن يحدث عن جابر الجعفي كان ممن يؤمن بالرجعة
وقال يحيى بن يعلى المحاربي طرح زائدة حديث جابر الجعفي وقال هو كذاب يؤمن بالرجعة
وقال عثمان بن أبي شيبة أنبأنا أبي عن جدي قال إن كنت لآتي جابرا الجعفي في وقت ليس فيه خيار ولا قثاء فيحول حول خوخة ثم يخرج إلي بخيار أو ثقاء فيقول هذا من بستاني
وقال ابن حبان كان جابر سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ كان يقول إن عليا يرجع إلى الدنيا
وقال ابن عدي حدثنا علي بن الحسن بن فديد أنبأنا عبيد الله بن يزيد بن العوام سمعت إسحاق بن مطهر سمعت الحميدي سمعت سفيان سمعت جابرا الجعفي يقول انتقل العلم الذي كان في النبي صلى الله عليه وسلم -

إلى علي ثم انتقل من علي إلى الحسن ثم لم يزل حتى بلغ جعفرا
قال

ابن عدي وعامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة
2 - وذهب قوم إلى عدم جواز الأخذ بالحديث الضعيف في أي نوع كان وقد أشار إلى ذلك العلامة عبد الرحمن المعروف بأبي شامة في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث حيث قال وقد أملى في فضل رجب الشيخ الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن يعني ابن عساكر مجلسا وهو السادس بعد الأربع مئة من أماليه وقد سمعناه من غير واحد ممن سمعه عليه ذكر فيه ثلاثة أحاديث كلها منكرة
أحدها حديث صلاة الرغائب الذي بينا حاله
والثاني حديث زائدة بن أبي الرقاد قال حدثنا زياد النميري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان
قال الحافظ تفرد به زائدة عن زياد بن مأمون البصري عن أنس
قلت وقال الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي زائدة بن أبي الرقاد منكر الحديث وزياد بن ميمون البصري أبو عمار متروك الحديث
وقال أبو عبد الله البخاري الإمام زياد بن ميمون أبو عمار البصري صاحب الفاكه عن أنس تركوه
الحديث الثالث حديث منصور بن زيد بن زائدة بن قدامة الأسدي عن موسى بن عمران عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
إن في الجنة عينا أو قال نهرا يقال له رجب ماؤه أحلى من العسل وأبيض من
اللبن فمن صام يوما من رجب شرب من ذلك النهر
قال الحافظ أبو القاسم تفرد به منصور عن موسى
ثم قال منتقدا على الحافظ المذكور وكنت أود أن الحافظ لم يذكر ذلك فإن فيه تقريرا لما فيه من الأحاديث المنكرة فقدره كان أجل من أن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
بحديث يرى أنه كذب ولكنه جرى في ذلك على عادة جماعة من أهل الحديث
يتساهلون في أحاديث فضائل الأعمال وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ بل ينبغي أن يبين أمره إن علم وإلا

دخل تحت الوعيد فق قوله ص -

من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين
3 - وقد نقل في حكم الحديث الضعيف قول ثالث وهو أنه يؤخذ به في الأحكام أيضا إذا لم يوجد في الباب غيره وقد نسب ذلك إلى أحمد بن حنبل واشتهر عنه غاية الاشتهار
وقد كان أناس من المتكلمين يتعجبون من هذا القول غاية التعجب بناء على أن أحكام الدين ينبغي أن تكون مبنية على أساس متين
وكان أناس من غيرهم يعجبون بهذا القول ويعدونه أمارة على فرط الاتباع والتباعد عن الابتداع وكان بينهما فريق آخر التزم في ذلك الصمت متمثلا بقول من قال
( فبعضنا قائل ما قاله حسن ... وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر )
وقد حاول العلامة ابن تيمية إزالة الإشكال من أصله فقال في كتاب منهاج السنة النبوية إن قولنا إن الحديث الضعيف خير من الرأي ليس المراد به الضعيف المتروك لكن المراد به الحسن كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث إبراهيم الهجري ممن يحسن الترمذي حديثه أو يصححه
وكان الحديث في اصطلاح من قبل الترمذي إما صحيح وإما ضعيف والضعيف نوعان ضعيف متروك وضعيف ليس بمتروك فتكلم أئمة الحديث بذلك الاصطلاح فجاء من لا يعرف اصطلاح الترمذي فسمع قول بعض أئمة الحديث الضعيف أحب إلي من القياس فظن انه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل الترمذي وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح
وهو في ذلك من المتناقضين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه

وقد ذكر كثير من المؤلفين ممن كان بعد العلامة المذكور قول الإمام أحمد من غير أن يفسروه بما فسره به فكأنهم لم يطلعوا على ما قاله أو لم يظهر لهم ذلك فإن بعضهم كان يميل إلى إثبات كل ما روي على أي وجه كان
ويدلك على ذلك قول بعضهم إن الحديث الضعيف إذا تلته الأمة بالقبول ينزل منزلة المتواتر حتى إنه ينسخ به القرآن
واستدل على ذلك بأن حديث لا وصية لوارث قد جعلوه ناسخا لآية الوصية مع أن بعض الأئمة قال إن أهل الحديث لا تثبته لكن لما تلقته الأمة بالقبول صار في حكم المتواتر
ولا يخفى أن هذا قول مستغرب جدا
وقد ذكرنا فيما مضى أن بعض العلماء الأعلام قال إن الوصية للوالدين والأقربين إنما نسختها آية المواريث كما اتفق على ذلك السلف فإن الله تعالى قال بعد ذكر الفرائض ( تلك حدود الله ) الآية
فأبان أنه لا يجوز أن يزاد أحد على ما فرض الله له
وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة و السلام إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث
وإلا فهذا الحديث إنما رواه أبو داود ونحوه من أصحاب السنن وليس في الصحيحين
وإذ كان من أخبار الآحاد فلا يجوز أن يجعل ناسخا للقرآن
وبالجملة فلم يثبت أن شيئا من القرآن نسخ بسنة بلا قرآن
وذكرنا أيضا أن ابن حزم ذهب إلى أن ذلك الحديث متواتر فإنه قال قد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع قد صح بما فيه متيقنا منقولا جيلا فجيلا فإذا كان ذلك علمنا أنه منقول نقل كافة كنقل القرآن فاستغني عن ذكر السند فيه وكان ورود ذلك المرسل وعدم وروده سواء ولا فرق وذلك نحو لا وصية لوارث
المسألة الثانية قد نشأ من رواية الأحاديث الضعيفة من غير بيان لضعفها ضرر عظيم عرفه من عرفه وجهله من جهله
وقد شدد النكير مسلم في مقدمة صحيحه على من فعل ذلك وذلك حيث قال وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي رواه الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثير يطول الكتاب بذكره

على استقصائه وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا
وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب
فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته كان آثما بفعله ذلك عاشا لعوام المسلمين إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها
مع أن الأخبار الصحيحة من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع
ولا أحسب كثيرا ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها من التوهن والضعيف إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام ولأن يقال ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألف من العدد
ومن ذهب في العلم هذا المذهب وسلك هذا الطريق لا نصيب له فيه وكان بأن يسمى جاهلا أولى من أن ينسب إلى علم
انتهى كلام الإمام مسلم
وإنما قصر مسلم غشهم على عوام المسلمين مع أن كثيرا من خواصهم قد لحقهم من ذلك ما لحق عوامهم لأن الخواص كان يمكنهم أن يقفوا على حقيقة الأمر ولكنهم قصروا فكأنه جعلهم هم الغاشين لأنفسهم فإن كثيرا منهم كان إذا رأى حديثا قد ذكره أحد أولئك الغاشين للأمة في دينها من غير بيان لحاله فإن كان موافقا لرأيه أو لرأي من يهوى أن ينتصر له كيف ما كان الحال بادر لنقله ونشره والاستشهاد به من غير بحث عنه مع معرفته بأن في كثير مما يروى الموضوع والضعيف الذي اشتد ضعفه

وإن كان مخالفا لرأيه من يحب أن ينتصر له فإن وجده غير قابل للتأويل على وجه يوافق ما يذهب إليه تركه وكثيرا ما يخطر في باله أن مخالفه ربما وقف عليه واستند إليه فيعد له حينئذ تأويلا ربما كان هو أول الضاحكين على نفسه منه وذلك استعدادا لهجوم الخصم قبل أن يهجم عليه
وإن وجده قابلا للتأويل على وجه يوافق ما يهواه تساوى عنده الحالات وسكنت نفسه
ومن نظر في الكتب المؤلفة في تخرج الأحاديث المذكورة في كثير من كتب الكلام أو الفقه أو الأصول أو التفسير رأى من كثرة الأحاديث الضعيفة الواهية التي يوردونها للاحتجاج أمرا هائلا وقد حكم أهل البصيرة من العلماء الأعلام بأن هؤلاء الذين يوردونها للاستشهاد بها لا يعذرون إلا من لم يقصر منهم في البحث والاجتهاد فإنه إذا أخطأ بعد ذلك لم يكن ملوما
وقد تعرض كثير من العلماء الذين وقفوا على الضرر الذي نشأ من نشر الأحاديث الضعيفة في الأمة من غير إشارة إلى ضعفها لبيان ذلك وقد أحببت أن أورد شيئا من ذلك على طريق التلخيص
قال الحكيم المحقق أبو الريحان البيروني في الكتاب الذي ألفه في تحقيق ما ينسب لأهل الهند من مقالة في مبحث صورة السماء والأرض إن القرآن لم ينطق في هذا الباب وفي كل شيء ضروري بما يحوج إلى تعسف في تأويل وإنما هو في الأشياء الضرورية معها حذو القذة بالقذة وبإحكام من غير تشابه ولم يشتمل أيضا على شيء مما اختلف فيه وأيس من الوصول إليه
وإن كان الإسلام مكيدا في مبادئه بقوم من مناوئيه أظهروه بانتحال وحكوا لذوي السلامة في القلوب من كتبهم ما لم يخلق الله منه فيها شيئا لا قليلا ولا كثيرا فصدقوهم وكتبوها عنهم مغترين بنفاقهم وتركوا ما عندهم من الكتاب الحق لأن قلوب العامة إلى الخرافات أميل فتشوشت الأخبار لذلك
ثم جاءت طامة أخرى من جهة الزنادقة كأصحاب ماني كعبد الكريم بن أبي العوجاء وأمثاله فشككوا ضعاف الغرائز في الواحد الأول من جهة التعديل

والتجوير وأمالوهم إلى التثنية وزينوا عندهم سيرة ماني حتى اعتصموا بحبله
وهو رجل غير مقتصر على جهالاته في مذهبه دون الكلام في هيئة العالم بما ينبئ عن تمويهاته وانتشر ذلك في الألسنة وانضاف إلى ما تقدم من المكايد اليهودية فصار رأيا منسوبا إلى الإسلام سبحان الله عن مثله والذي يخالفه ويتمسك بالحق المطابق للقرآن فيه موسوما بالكفر والإلحاد محكوما على دمه بالإراقة غير مرخص في سماع كلامه وهو دون ما يسمع من كلام فرعون ( أنا ربكم الأعلى ) ( وما علمت لكم من إله غيري ) وتطاول العصبية ربما يميل عن الطريقة المثلى للحمية والله يثبت قدم من يقصده ويقصد الحق فيه
وقال الحافظ ابن حزم في كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل ذكر فصول يعترض بها جهلة الملحدين على ضعفاء المسلمين
قال أبو محمد إنا لما تدبرنا أمر طائفتين ممن شاهدنا في زماننا هذا وجدناهما قد تفاقم الداء بهما فإما إحداهما فقد جلت المصيبة فيها وبها وهم قوم افتتحوا عنفوان فهمهم وابتدؤا دخولهم إلى المعارف بطلب علم العدد وبرهانه وطبائعه ثم تدرجوا إلى تعديل الكواكب وهيئة الأفلاك وفيما دون ذلك من الطبيعيات وعوارض الجو ومطالعة شيء من كتب الأوائل وحدودها التي نصبت في الكلام وما مازج بعض ما ذكرنا من آراء الفلاسفة في القضاء بالنجوم وأنها ناطقة مدبرة وكذلك الفلك
فأشرقت هذه الطائفة من أكثر ما طالعت مما ذكرنا على أشياء صحاح يراهنها ضرورية لائحة ولم يكن معها من جودة القريحة وصفاء النظر ما تعلم به أن من أصاب في عشرة آلاف مسألة مثلا جائز أن يخطئ في مسألة واحدة لعلها أسهل من المسائل التي أصاب فيها فلم تفرق هذه الطائفة بين ما صح مما طالعوه بحجة برهانية وبين ما في أثناء ذلك وتضاعيفه مما لم يأت عليه من ذكره من الأوائل إلا بإقناع أو بشغب أو بتقليد ليس معه شيء مما ذكرنا

فحملوا كل ما أشرفوا عليه محملا واحدا وقبلوه قبولا مستويا فسرى فيهم العجب وتداخلهم الزهو وظنوا أنهم قد حصلوا على مباينة العالم في ذلك وللشيطان موالج خفية ومداخل لطيفة فتوصل إليهم من باب غامض وهو إصغار كل شيء من علوم الديانة التي هي الغرض المقصود من كل ذي لب والتي هي نتيجة العلوم التي طالعوا لو عقلوا سبلها ومقاصدها
فلم يعبأوا بآية من كتاب الله الذي هو جامع علوم الأولين والآخرين والذي لم يفرط فيه من شيء والذي من فهمه كفاه ولا بسنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

التي هي بيان الحق ونور الألباب
ولم تلق هذه الطائفة من حملة الدين إلا أقواما لا عناية عندهم بشيء مما قدمناه
وإنما عنيت من الشريعة بأحد ثلاثة أوجه إما بألفاظ ينقلون ظاهرها ولا يعرفون معانيها ولا يهتمون بفهمها وإما بمسائل من الأحكام لا يشتغلون بدلائلها ومنبعثها وإنما حسبهم منها ما أقاموا به8 جاههم وحالهم وإما بخرافات منقولة عن كل ضعيف وكذاب وساقط لم يهتبلوا قط بمعرفة صحيح منها من سقيم ولا مرسل من مسند ولا ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم -
مما نقل عن كعب الأحبار ووهب بن منبه عن أهل الكتاب
فنظرت الطائفة الأولى إلى هذه الآخرة بعين الاستهجان والاحتقار والاستجهال فتمكن الشيطان منهم وحل فيهم حيث أحب فهلكوا وضلوا واعتقدوا أن دين الله لا يصح منه شيء ولا يقوم عليه دليل فاعتقد أكثرهم الإلحاد واستعمال الفرائض والعبادات وآثروا الراحات وركوب اللذات وقصدوا كسب المال كيف تيسر وظلم العباد وتدين الأقل منهم بتعظيم الكواكب فأسفت نفس المسلم الناصح لهذه الملة وأهلها على هلاك هؤلاء المساكين وخروجهم عن جملة المؤمنين بعد أن غذوا بلبان الإسلام ونشئوا في حجور أهله

وأما الطائفة الثانية فهم قوم ابتدؤا الطلب بحديث النبي صلى الله عليه وسلم -

فلم يزيدوا على طلب علو الإسناد وجمع الغرائب دون أن يهتموا بشيء مما
كتبوا ويعملوا به وإنما تحملوه حملا لا يزيد عن قراءته دون تدبر معانيه ودون أن يعلموا أنهم المخاطبون به وأنه لم يأتي هملا ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم - عبثا بل أمرنا بالتفقه فيه والعمل به بل أكثر هذه الطائفة لا يعمل عندهم إلا بما جاء من طريق مقاتل بن سليمان والضحاك بن مزاحم وتفسير الكلبي وتلك الطبقة وكتب البدء التي إنما هي خرافات موضوعات ولدها الزنادقة تدليسا على الإسلام وأهله
فأطلقت هذه الطائفة كل اختلاط لا يصح مثل أن الأرض على حوت والحوت على قرن ثور والثور على الصخرة والصخرة على عاتق ملك والملك على الظلمة والظلمة على ما لا يعلمه إلا الله عز و جل
فنافرت هذه الطائفة كل برهان ولم يكن عندهم أكثر من قولهم نهينا عن الجدال
وليت شعري من نهاهم عنه والله يقول في كتابه المنزل على نبيه المرسل ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) وأخبر تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا ( يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا )
وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أصول البراهين وقد نبهنا عليها في غير ما موضع من كتابنا هذا
وحض تعالى على التفكر في خلق السموات والأرض ولا يصح الاعتبار في خلقهما إلا بمعرفة هيآتهما وانتقال الكواكب في أفلاكهما واختلاف حركاتها في التغريب والتشريق ونحو ذلك
وكذلك معرفة الطبائع وامتزاج العناصر وعوارضها وتركيب أعضاء الحيوان من عصبه وعضله وعظامه وعروقه وشرايينه واتصال أعضائه بعضها ببعض وقواه المركبة
فمن أشرف على ذلك وعلمه رأى عظيم القدرة وتيقن أن كل ذلك صنعة ظاهرة وإرادة خالق مختار

ثم زاد قوم منهم فأتوا بالأفيكة التي يقشعر منها وهي أن أطلقوا أن الدين لا يؤخذ بحجة فأقروا عيون الملحدين وشهدوا أن الدين لا يثبت إلا بالدعاوي والغلبة
وهذا خلاف قول الله عز و جل ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )
هذا قول الله عز و جل وما جاء به نبيه ص -

وفي تلك الكفاية والغناء عن قول كل قائل
وقد حاج ابن عباس الخوارج وما علمنا أحدا من الصحابة نهى عن الاحتجاج فلا معنى لرأي من جاء بعدهم فكان كلام هذه الطائفة مغريا للطائفة الأولى بكفرها إذ لم يروا في خصومهم في الأغلب إلا من هذه صفته
ثم زادت هذه الثانية غلوا في الجنون فعابوا كتبا لا علم لهم بها ولا طالعوها ولا رأوا منها كلمة ولا قرؤوها ولا أخبرهم عما فيها ثقة كالكتب التي فيها هيئة الأفلاك ومجاري النجوم والكتب التي جمعها أرسطاطاليس في حدود الكلام
قال أبو محمد وهذه الكتب كلها سالمة مفيدة دالة على توحيد الله عز و جل وقدرته عظيمة المنفعة في انتقاد جميع العلوم وعزم منفعة الكتب التي ذكرنا في الحدود ففي مسائل الأحكام الشرعية بها يعترف كيف التوصل إلى الاستنباط وكيف تؤخذ الألفاظ على مقتضاها وكيف يعرف الخاص من العام والمجمل من المفسر وبناء الألفاظ بعضها على بعض وكيف تقديم المقدمات وإنتاج النتائج وما يصح من ذلك صحة ضرورية أبدا وما يصح مرة ويبطل أخرى وما لا يصح البتة وضرب الحدود التي من شذ عنها كان خارجا عن أصله ودليل الخطاب ودليل الاستقراء وغير ذلك مما لا غناء بالفقيه المجتهد لنفسه ولأهل ملته عنه
قال أبو محمد فلما رأينا عظم المحنة فيما تولد في الطائفتين اللتين ذكرنا رأينا من عظيم الأجر وأفضل العمل بيان هذا الباب المشكل بحول الله تعالى وقدرته وتأييده فنقول وبه عز و جل نتأيد ونستعين إن كل ما صح ببرهان أي شيء كان فهو في القرآن وكلام النبي عليه الصلاة و السلام منصوص مسطور يعلمه كل

من أحكام النظر وأيده الله تعالى بفهم وأما كل ما عدا ذلك مما لا يصح ببرهان وإنما هو إقناع أو شغب فالقرآن وكلام النبي عليه الصلاة و السلام منه خاليان والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد ومعاذ الله أن يأتي كلام الله سبحانه وتعالى أو كلام نبيه عليه الصلاة و السلام بما يبطله عيان أو برهان إنما ينسب هذا إلى القرآن والسنة من لا يؤمن بهما ويسعى في إبطالهما ( ويأبى الله إلا أن يتم نروه ولو كره الكافرون )
ولسنا من تفسير الكلبي ومن جرى مجراه في شيء ولا نحن من نقل المتهمين في شأن إنما نحتج بما نقله الأئمة الثقات الأثبات من رؤساء المحدثين مسندا فمن فتش الحديث الصحيح وجد فيه كل ما قلنا والحمد لله رب العالمين
انتهى ما تعلق الغرض بإيراده
وقد تعرض حجة الإسلام أبو حامد الغزالي لبيان عظم الضرر الذي نشأ من هاتين الطائفتين في كتاب المنقذ من الضلال ونحا في كلامه قريبا من منحى ابن حزم في ذلك فارجع إليه إن شئت
هذا ومن شدد النكير على أولئك المحدثين الذين يروون الأحاديث الضعيفة من غير بيان ضعفها حتى حصل من الضرر ما حصل جمهور المتكلمين على الاختلاف فرقهم
وقد ذكر ابن قتيبة في مقدمة كتاب تأويل مختلف الحديث ما قاله المتكلمون من القدرية في ذلك
فإن قيل إن هؤلاء لا يقولون بالحديث فيكف يسمع كلامهم في أهله وهم أشد الناس عداوة لهم يقال بأن هؤلاء لا يتوقعون في وجوب الأخذ بالحديث إذا كان متواترا أو كان غير متواتر إلا أنه احتف به من القرائن ما يدل على صحته وإنما يتوقفون في الأخذ بالحديث إذا كان مرويا من طريق الآحاد ولم تقم قرينة على صحته وأما الأحاديث الضعيفة فلا يقولون بها أصلا وقد نحا منحاهم المتكلمون

منا ومن نظر في كتب الكلام أو الأصول تبين له أنهم لا ينكرون الأخذ بالحديث مطلقا كما توهمه عبارة أناس يريدون التنفير منهم مع أن التنفير منهم يمكن أن يحصل بغير الافتراء عليهم ونسبة ما لا يقولون بهم إليهم
المسألة الثالثة قد عرفت أن العلماء الأعلام قد أنكروا إنكارا شديدا على الذين يروون الأحاديث الضعيفة من غير بيان لضعفها وأما من رواها مع بيان ضعفها فلم ينكروا عليه وذلك لأن رواية كثير من علماء الحديث للأحاديث الضعيفة لم تكن تخلو عن فائدة مهمة
قال العلامة النووي في شرح مسلم قد ذكر مسلم في هذا الباب أن الشعبي روى عن الحارث الأعور وشهد أنه كاذب وعن غيره حدثني فلان وكان متهما وعن غيره الرواية عن المغفلين والضعفاء والمتروكين فقد يقال لم حدث هؤلاء الأئمة عن هؤلاء مع علمهم بأنهم لا يحتج بهم
ويجاب عنه بأجوبة أحدها أنهم رووها ليعرفوها وليبينوا ضعفها لئلا يلتبس في وقت عليهم أو على غيرهم أو يتشككوا في أمرها
الثاني أن الضعيف يكتب حديثه ليعتبر به أو يستشهد كما قدمناه في فصل المتابعات ولا يحتج به على انفراده
الثالث أن روايات الراوي الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض وذلك سهل عليهم معروف عندهم وبهذا احتج سفيان الثوري حين نهى عن الرواية عن الكلبي فقيل له أنت تروي عنه فقال أنا أعلم صدقه من كذبه
الرابع أنهم قد يروون عنهم أحاديث الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال والقصص والزهد ومكارم الأخلاق ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر

الأحكام
وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله وعلى كل حال فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا يحتجون به على انفراده في الأحكام فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين ولا محقق من غيرهم من العلماء
وأما فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك واعتمادهم عليه فليس بصواب بل قبيح جدا وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به فإنهم متفقون على أنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام وإن كان لا يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفا والله أعلم
تنبيه إذا أردت نقل الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول الله كذا أو فعل كذا لإشعار ذلك بالجزم بل قل فيه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أنه قال كذا أو فعل كذا أو بلغنا عنه كذا أو جاء عنه كذا أو روى بعضهم
عنه كذا وما أشبه ذلك من الصيغ التي لا تشعر بالجزم
ومثل الضعيف ما يشك في صحته وضعفه وخلاف ذلك منكر عند القوم يستحق صاحبه اللوم
قال النووي في مقدمة شرح صحيح البخاري قال العلماء المحققون من المحدثين وغيرهم إذا كان الحديث ضعيفا لا يقال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أو فعل أو أمر أو نهى أو حكم وشبه ذلك من صيغ الجزم
وكذا لا يقال روى أبو هريرة أو قال أو ذكر أو أخبر أو حدث أو نقل أو أفتى وشبه ذلك وكذا لا يقال ذلك في التابعين فمن بعدهم
فما كان ضعيفا فلا يقال فيه شيء من ذلك بصيغة الجزم وإنما يقال في

الضعيف بصيغة التمريض فيقال روي عنه أو نقل أو ذكر أو حكي أو يقال أو يروى أو يحكى أو يعزى أو جاء عنه أو بلغنا عنه
قالوا وإذا كان الحديث أو غيره صحيحا أو حسنا عن المضاف إليه فيقال بصيغة الجزم ودليل هذا كله أن صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه فلا يطلق إلا فيما صح وإلا فيكون في معنى الكاذب عليه وهذا التفصيل مما تركه كثير من الناس من المصنفين في الفقه والحديث وغيرهما ومن غيرهم
وقد اشتد إنكار الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي على من خالف هذا من العلماء وهذا التساهل من فاعله قبيح جدا فإنهم يقولون في الصحيح بصيغة التمريض وفي الضعيف بالجزم وهذا خروج عن الصواب وقلب للمعاني والله المستعان
وقد اعتنى البخاري رضي الله عنه بهذا التفصيل في صحيحه فيقول في الترجمة الواحدة بعض الكلام بتمريض وبعضه بجزم مراعيا ما ذكرنا وهذا ما يزيدك اعتقادا في جلالته وتحريه وروع واطلاعه وتحقيقه وإتقانه

@ 670 @

الفصل السابع في رواية الحديث بالمعنى وما يتعلق بذلك
اختلف العلماء في رواية الحديث بالمعنى فذهب قوم إلى عدم جواز ذلك مطلقا منهم ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي وغيرهم ويروى ذلك عن ابن عمر وذهب الأكثرون إلى جواز ذلك إذا كان الراوي عارفا بدقائق الألفاظ بصيرا بمقدار التفاوت بينها خبيرا بما يحيل معانيها فإذا أبدل اللفظ الذي بلغه بلفظ آخر يقوم مقامه بحيث يكون معناه مطابقا لمعنى اللفظ الذي بلغه جاز ذلك
وقد تعرض لهذه المسألة علماء الأصول ولما كانت من المسائل المهمة جدا أحببت أن أورد من عباراتهم هنا ما يكون فيه كفاية لمطالع كتابنا قال الأستاذ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع باب القول في حقيقة الرواية وما يتصل بها والاختيار في الرواية أن يروي الخبر بلفظه لقوله ص -
نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمع قرب حامل فقه إلى ما
هو أفقه منه
فإن أورد الرواية بالمعنى نظر فإن كان ممن لا يعرف معنى الحديث لم يجز لأنه لا يؤمن أن يغير معنى الحديث
وإن كان ممن يعرف معنى الحديث نظر فإن كان ذلك في خبر محتمل لم يجز أن يروي بالمعنى لأنه ربما نقله بلفظ لا يؤدي مراد الرسول ص -
فلا يجوز أن يتصرف فيه وإن كان خبرا ظاهرا ففيه وجهان من أصحابنا من قال
لا يجوز لأنه ربما كان التعبد باللفظ كتكبير الصلاة والثاني أنه يجوز وهو الأظهر

لأنه يؤدي معناه فقام مقامه ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال إذا أصبت المعنى فلا بأس
وهذا الحديث قد رواه ابن منده في معرفة الصحابة والطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي قال قلت يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أوديه كما أسمعه منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا فقال إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلال وأصبتم المعنى فلا بأس
فذكر ذلك للحسن فقال لولا هذا ما حدثنا
وذكر بعض أهل الأثر أن أناسا من المجوزين للرواية بالمعنى استأنسوا بحديث مرفوع فيه قلنا يا رسول الله إنا نسمع منك الحديث فلا نقدر أن نؤديه فقال إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى لا بأس
قال وهو حديث مضطرب لا يصح بل ذكره الجوزقاني وابن الجوزي في الموضوعات وفي ذلك نظر
وقال الغزالي في المستصفى نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ أما العالم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل والظاهر والأظهر والعام والأعم فقد جوز له الشافعي ومالك وأبو حنيفة وجماهير الفقهاء أن ينقله على المعنى إذا فهمه
وقال فريق لا يجوز له إلا إبدال اللفظ بما يرادفه ويساويه في المعنى كما يبدل القعود بالجلوس والعلم بالمعرفة والاستطاعة بالقدرة والإبصار بالإحساس بالبصر والحظر بالتحريم وسائر ما لا يشك فيه وعلى الجملة ما لا يتطرق إليه

تفاوت بالاستنباط والفهم وإنما ذلك فيما فهمه قطعا لا فيما فهمه بنوع استلال يختلف فيه الناظرون
ويدل على جواز ذلك للعالم الإجماع على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم إذا جاز إبدال العربية بعجمية ترادفها فلأن يجوز إبدال عربية بعربية ترادفها وتساويها أولى وكان سفراء رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في البلاد يبلغونهم أوامره بلغتهم وكذلك من سمع شهادة الرسول ص
- فله أن يشهد على شهادته بلغة أخرى وهذا لأنا نعلم أنه لا تعبد في اللفظ وإنما المقصود فهم المعنى وإيصاله إلى الحق وليس في ذلك كالتشهد والتكبير وما تعبد فيه باللفظ
فإن قيل فقد قال ص -
نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع
ورب حامل فقد ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
قلنا هذا هو الحجة لأنه ذكر العلة وهو اختلاف الناس في الفقه فما لا يختلف الناس فيه من الألفاظ المترادفة فلا يمنع منه
وهذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد وإن أمكن أن تكون جميع تلك الألفاظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -
في أوقات مختلفة لكن الأغلب أنه حديث واحد ونقل بألفاظ مختلفة فإنه روي
رجم الله امرأ ونضر الله امرأ
وروي ورب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه غير فقيه وكذلك الخطب المتحدة والوقائع المتحدة رواها الصحابة رضي الله عنهم بألفاظ مختلفة فدل ذلك على الجواز
وقال الفخر الرازي في المحصول يجوز نقل الخبر بالمعنى وهو مذهب الحسن البصري وأبي حنيفة خلافا لابن سيرين وبعض المحدثين ولكن بشرائط ثلاث إحداها أن لا تكون الترجمة قاصرة عن الأصل في إفادة المعنى
وثانيها أن لا يكون فيها زيادة ولا نقصان
وثالثها أن تكون الترجمة مساوية للأصل في الجلاء

والخفاء لأن الخطاب يقع تارة بالمحكم وتارة بالمتشابه لحكم وأسرار استأثر الله بعلمها فلا يجوز تغييرها عن وصفها
لنا وجوه الأول أن الصحابة نقلوا قصة واحدة بألفاظ مختلفة مذكورة في مجلس واحد ولم ينكر بعضهم على بعض فيه وذلك يدل على قولنا
الثاني أنه يجوز شرح الشرع للعجم بلسانهم فإذا جاز إبدال العربية بالعجمية فبأن يجوز إبدالها بعربية أخرى أولى ومن أنصف علم أن التفاوت بين العربية وترجمتها بالعربية أقل مما بينها وبين العجمية
الثالث أنه روي عنه عليه السلام أنه قال إذا أصبتم المعنى فلا بأس
وعن ابن مسعود أنه كان إذا حديث قال قال رسول الله كذا أو نحوه
الرابع وهو الأقوى أنا نعلم بالضرورة أن الصحابة الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في ذلك المجلس بل كما سمعوها يذكرونها وما ذكروها إلا بعد الأعصار
والسنين وذلك يوجب القطع بتعذر روايتها على تلك الألفاظ
احتج المخالف بالنص والمعقول
أما النص فقوله عليه الصلاة و السلام رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها
قالوا وأداؤه كما سمع هو أداء اللفظ المسموع
ونقل الفقيه إلى من هو أفقه منه معناه والله أعلم أن الأفطن ربما فطن بفضل فقهه من فوائد اللفظ بما لم يفطن له الراوي لأنه ربما كان دونه في الفقه
وأما المعقول فيمن وجهين
الأول أنا لما جربنا رأينا أن المتأخر ربما استنبط من فوائد بآية أو خبر ما لم يتنبه له أهل الأعصار السالفة من العلماء المحققين فعلمنا أنه لا يجب في كل ما كان من فوائد اللفظ أن يتبنه له السامع في الحال وإن كان فقيها ذكيا نفسه فلو جوزنا النقل بالمعنى فربما حصل التفاوت العظيم مع أن الراوي يظن أن لا تفاوت

الثاني أنه لو جاز للراوي تبديل لفظ الرسول بلفظ نفسه كان للراوي الثاني تبديل اللفظ الذي سمعه بلفظ نفسه بل هذا أولى لأن تبديل لفظ الراوي أولى بالجواز من تبديل لفظ الشارع وإن كان ذلك في الطبقة الثالثة والرابعة فذلك يقضي إلى سقوط الكلام الأول لأن الإنسان وإن اجتهد في تطبيق الترجمة لكن لا ينفك عن تفاوت وإن قل فإذا توالت هذه التفاوتات كان التفاوت الأخير تفاوتا فاحشا بحيث لا يبقى بين الكلام الأخير وبين الأول نوع مناسبة
والجواب عن الأول أن من أدى كلام الرجل فإنه يوصف بأنه أدى كما سمع وإن اختلف الألفاظ وهكذا الشاهد والترجمان يقع عليهما الوصف بأنهما أديا كما سمعا وإن كان لفظ الشاهد خلاف لفظ المشهود عليه ولغة المترجم غير لغة المترجم عنه
وعن الثاني والثالث ما تقدم قبل
وقال القرافي في شرح تنقيح الفصول في الأصول ونقل الخبر بالمعنى عند أبي الحسين وأبي حنيفة والشافعي جائز خلافا لابن سيرين وبعض المحدثين بشروط أن لا تزيد الترجمة ولا تنقص ولا تكون أخفى ولا أجلى لأن المقصود إنما هو إيصال المعاني فلا يضر فوات غيرها
ومتى زادت عبارة الراوي أو نقصت فقد زاد في الشرع أو نقص وذلك حرام إجماعا ومتى كانت عبارة الحديث جلية فغيرها بعبارة خفية فقد أوقع في الحديث وهنأ يوجب تقديم غيره عليه بسبب خفائه فإن الأحاديث إذا تعارضت في الحكم الواحد يقدم أجلاها على أخفاها فإذا كان أصل الحديث جليا فأبدله بخفي فقد أبطل منه مزية حسنة تخل به عند التعارض
وكذلك إذا كان الحديث خفي العبارة فأبدلها بأجلى منها فقد أوجب له حكم التقديم على غيره وحكم الله لا يقدم غيره عليه عند التعارض فقد تسبب بهذا التغيير في العبارة إلى تغيير حكم الله تعالى وذلك لا يجوز
فهذا هو مستند هذه

الشروط فإذا حصلت هذه الشروط فحينئذ يجري الخلاف في الجواز أما عند عدمها فلا يجوز إجماعا
حجة الجواز أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسمعون الأحاديث ولا يكتبونها ولا يكررون عليها ثم يروونها بعد السنين الكثيرة ومثل هذا يجزم الإنسان فيه بأن نفس العبارة لا تنضبط بل المعنى فقط ولأن أحاديث كثيرة وقعت بعبارات مختلفة وذلك مع اتحاد القصة وهو دليل جواز النقل بالمعنى ولأن لفظ السنة ليس متعبدا به بخلاف لفظ القرآن فإذا ضبط المعنى فلا يضر فوات ما ليس بمقصود
حجة المنع قوله عليه الصلاة و السلام رحم الله أو نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه إلى من ليس بفقيه
فقوله فأداها كما سمعها يقتضي أن يكون اللفظ المؤدى كاللفظ المسموع عملا بكاف التشبيه
والمسموع في الحقيقة إنما هو اللفظ وسماع المعنى تبع له والتشبيه وقع بالمسموع فلا يشبهه حينئذ إلا المسموع أما المعنى فلا وذلك يقتضي أنه عليه الصلاة و السلام أوجب نقل مثل ما سمعه لا خلافه وهو المطلوب
قال صاحب ميزان العقول في الأصول مسألة نقل الحديث بالمعنى هل يجوز أم لا أجمعوا أنه إذا كان لفظا مشتركا أو مجملا أو مشكلا فإنه لا يجوز إقامة لفظ آخر مقامه
أما إذا كان لفظا ظاهرا مفسرا فإقامة لفظ آخر مثله بأن قال قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم -

على رأس الركعتين في صلاة الظهر مكان ما روي أنه جلس على رأس الركعتين هل
يجوز فعند أصحابنا يجوز وهو ظاهر مذهب الشافعي وقد روي عن الحسن البصري كذلك
وقال بعض أصحاب الحديث إنه لا يجوز
وقيل هو اختيار ثعلب من أئمة اللغة وحجة هؤلاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فإنه قال نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها
ولأن النبي عليه الصلاة و السلام مخصوص بكمال الفصاحة والبلاغة كما روي أنه قال أنا أفصح العرب ولا فخر
وروي

عنه أنه قال أوتيت خمسا لم يؤتهن أحدا قبلي وذلك منها وأوتيت جوامع الكلم
وإذا كان الأمر كذلك فلا شك أن في النقل إلى لفظ آخر احتمال الاختلال في المعنى فيجب الاقتصار على اللفظ المنصوص عليه ولهذا الطريق لا يجوز نقل القرآن بالمعنى فكذا هذا
ووجه قول العامة ما روي عن عبد الله بن مسعود وغيره أن النبي عليه الصلاة و السلام قال هكذا أو نحوا منه أو قريبا منه
وهذا نقل بالمعنى وقد اشتهر عن الصحابة أنهم قالوا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بكذا ونهانا عن كذا
وهذا نقل من حيث المعنى وإجماع الصحابة حجة
والمعنى في المسألة هو أن الامتناع إما أن يكون لأجل اللفظ أو لأجل المعنى والأول فاسد فإن سنة النبي عليه الصلاة و السلام وضعت لبيان الأحكام وهو الغرض وهذا لا يختص بلفظ دون لفظ ولأنه لم يتعلق شيء من الغرض بلفظ الحديث لأنه ليس بمعجز ولا يتعلق الثواب وجواز الصلاة به بخلاف القرآن فإنه معجز وقد تعلق بتلاوته الثواب وجواز الصلاة
فلئن كان لا يجوز نقل القرآن من لفظ إلى لفظ فلم ذا لا يجوز في الحديث مع أن ثم جاء النقل بطريق الرخصة أيضا كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه سمع رجلا يقول طعام اليتيم
ولم يمكنه أن يقول طعام الأثيم
فقال له قل طعام الفاجر فلأن يجوز في الحديث أولى
وإن كان لأجل المعنى فالمعنى لا يختلف ولا يختل بالنقل إلى لفظ مثله في المعنى نحو قولهم قعد مكان جلس ولهذا كان نقل كلمة الشهادة من اللفظ المروي بالعربية إلى كل لسان جائز لما كان الغرض هو المعنى دون اللفظ فكذا هذا بخلاف الأذان والتشهد حيث لا يجوز النقل عن ألفاظهما إلى غيرهما لأن الشرع جاء بتلاوة ألفاظهما وعلق بهما الثواب الخاص على أن الأذان شرع للإعلام وإنه لا يحصل إلا بالألفاظ المعروفة ولهذا لم يجوزوا النقل من اللفظ المشترك والمجمل إلى لفظ آخر لما فيه من احتمال الإخلال بالمعنى

وأما الحديث فنقول لا حجة في الحديث لأن من نقل الحديث بالمعنى من كل وجه يقال إنه أدى كما سمع فإنه يقال للمترجم من لغة إلى لغة قد أدى كما سمع
على أن المراد بالحديث إذا كان لفظ الحديث مشتركا أو مشكلا أو مجملا يمكن احتمال الخلل فيه بالنقل إلى لفظ آخر ونحن نمنع النقل في مثل هذا الموضع لهذا الوهم وفي الحديث ما يدل عليه فإنه قال فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه
وما لا يشتبه من الألفاظ ولا يختلف اجتهاد المجتهدين فيه يستوي فيه الفقيه وغير الفقيه والكامل في الفقيه والناقص
وقال بعض علماء الحنابلة تجوز رواية الحديث بالمعنى المطابق للفظ للعارف بمقتضيات الألفاظ الفارق بينها ومنع منه ابن سيرين لقوله عليه الصلاة و السلام فأداها كما سمعها ولقوله عليه الصلاة و السلام للبراء حين قال ورسولك الذي أرسلت
قال قل ونبيك الذي أرسلت
ولنا جواز شرح الحديث والشهادة على الشهادة العربية بالعجمية وعكسه فهذا أولى ولأن التعبد بالمعنى لا باللفظ بخلاف القرآن ولأنه جائز في غير السنة فكذا فيها إذ الكذب حرام فيهما والراوي بالمعنى المطابق مؤد كما سمع
ثم المراد منه من لا يفرق وليس الكلام فيه
وفائدة قوله عليه الصلاة و السلام للبراء ما ذكر عدم الالتباس بجبريل أو الجمع بين لفظتي النبوة والرسالة
قال أبو الخطاب ولا يبدل لفظا بأظهر منه إذ الشارع ربما قصد إيصال الحكم باللفظ الجلي تارة وبالخفي أخرى
قلت وكذا بالعكس وهو أولى
وقد فهم هذا من قولنا المعنى المطابق
والله أعلم
وقال ابن حزم فصل قال علي وحكم الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير إلا في حال واحدة وهي أن يكون المرء

قد تثبت فيه وعرف معناه يقينا فيسأل فيفتي بمعناه وموجبه فيقول حكم رسول الله بكذا ونهى عن كذا وحرم كذا والواجب في هذه القضية ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم -

وهو كذا وكذلك الحكم فيما جاء من الحكم في القرآن ولا فرق
وجائز أن يخبر المرء بموجب الآية وبحكمها بغير لفظها وهذا ما لا خلاف فيه من أحد في أن ذلك مباح كما ذكرنا
وأما من حدث وأسند القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم -
وقصد التبليغ لما بلغه عن النبي ص
- فلا يحل له إلا تحري الألفاظ كما سمعها لا يبدل حرفا مكان آخر وإن كان معناهما واحدا ولا يقدم حرفا ولا يؤخر آخر وكذلك من قصد تلاوة آية أو تعلمها ولا فرق
وبرهان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم -
علم البراء بن عازب دعاء وفيه ونبيك الذي أرسلت
فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على النبي صلى الله عليه وسلم -
قال وبرسولك الذي أرسلت فقال النبي ص
- لا وبنبيك الذي أرسلت
فأمره عليه الصلاة و السلام أن لا يضع لفظة رسول في موضع لفظة نبي وذلك حق لا يحيل معنى وهو عليه السلام رسول ونبي
فكيف يسوغ للجهال المغفلين أن يقولوا إنه عليه الصلاة و السلام كان يجيز أن يوضع في القرآن مكان عزيز حكيم غفور رحيم أو سميع عليم
وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا والله يقول مخبرا عن نبيه ( ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ) ولا تبديل أكثر من وضع كلمة مكان أخرى
أم كيف يسوغ إباحة القراءة المفروضة في الصلاة بالأعجمية مع ما ذكرنا ومع إجماع الأمة أن إنسانا لو قرأ أم القرآن فقدم آية على أخرى أو قال الشكر للصمد مولى الخلائق وزعم أن ذلك في القرآن لعد ممن يفتري على الله الكذب ومع قوله تعالى ( لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين )
ففرق تعالى

بينهما وأخبر أن القرآن إنما هو باللفظ العربي لا العجمي وأمر بقراءة القرآن في الصلاة فمن قرأ بالأعجمية فلم يقرأ القرآن بلا شك
واحتج بعضهم في ذلك بقوله تعالى ( وإنه لفي زبر الأولين ) وبخطابه تعالى لنا بالعربية حاكيا كلام موسى عليه السلام
قال علي وهذا لا حجة لهم فيه لأن الذي في زبر الأولين إنما هو معنى القرآن لا القرآن ولو كان القرآن في زبر الأولين لما كان محمد ص -

مخصوصا به ولا كانت له فيه آية
وهذا خلاف النص
وأما حكايته تعالى لنا كلام موسى وغيره بلغتنا فلم يلزمنا تعالى بقراءة ألفاظهم بنصها ولا نمنع نحن تفسير القرآن بالأعجمية لمن يترجم له وإنما نمنع من تلاوته في الصلاة أو على سبيل التقرب بتلاوته إلى الله تعالى بغير اللفظ الذي أنزل به لا بكلام أعجمي ولا بغير تلك الألفاظ وإن وافقتها في العربية ولا بتقديم تلك الألفاظ بعينها ولا بتأخيرها وإنما نجيز الترجمة التي أجازها النص على سبيل التعليم والإفهام فقط لا على سبيل التلاوة التي يقصد بها القربة وبالله تعالى التوفيق
ومن حدث بحديث فبلغه إلى غيره كما بلغه إياه غيره وأخذ عنه فليس أن يكرره أبدا فقد أدى ما عليه بتبليغه
وأما اللحن في الحديث فإن كان شيئا له وجه في لغة بعض العرب فليروه كما سمعه ولا يبدله ولا يرده إلى أفصح منه ولا إلى غيره وإن كان شيئا لا وجه له في لغة العرب البتة فحرام على كل مسلم أن يحدث باللحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فإن فعل فهو كاذب عليه لأنا قد أيقنا أنه عليه السلام لم يلحن قط وفرض
عليه أن يصلحه ويبشره يكشطه من كتابه ويكتبه معربا ويحدث به معربا ولا يلتفت إلى ما وجد في كتابه من لحن ولا إلى ما حدثه به شيوخه ملحونا
ولهذا لزم من طلب الفقه أن يتعلم النحو واللغة وإلا فهو ناقص منحط

لا تجوز له الفتيا في دين الله عز و جل وكان ابن عمر يضرب ولده على اللحن
وقد روي عن شعبة أو عن حماد بن سلمة الشك مني أنه قال من حدث عني بلحن فقد كذب علي
وكان شعبة وحماد وخالد بن الحارث وبشر بن المفضل والحسن البصري لا يلحنون البتة
وبالله التوفيق
وقال ابن المطهر الحلي في نهاية الوصول في البحث الحادي عشر في نقل الحديث بالمعنى اختلف الناس في أنه هل يجوز نقل الحديث المروي عن النبي عليه الصلاة و السلام بالمعنى فجوزه الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد والحسن البصري وأكثر الفقهاء وبعض المحدثين
والمجوزون شرطوا أمورا ثلاثة الأول أن لا تكون الترجمة قاصرة عن الأصل في إفادة المعنى
الثاني أن لا يكون فيها زيادة ولا نقصان
الثالث أن تكون الترجمة مساوية للأصل في الجلاء والخفاء لأن الخطاب قد يقع بالمحكم والمتشابه لحكمة خفية فلا يجوز تغييرها عن وصفها
والمانعون جوزوا إبدال اللفظ بمرادفه ومساويه في المعنى كما يبدل القعود بالجلوس والعلم بالمعرفة والاستطاعة بالقدرة والحظر بالتحريم
وبالجملة ما لا يتطرق إليه تفاوت في الاستنباط والفهم وإنما ذلك فيما فهم قطعا لا فيما فهم بنوع من الاستدلال الذي يختلف فيه الناظرون
واتفقوا على منع الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ وإنما الخلاف في العالم الفارق بين المحتمل وغيره والظاهر والأظهر والعام والأعم
والوجه الجواز لنا وجوه الأول الصحابة نقلوا قصة واحدة مذكورة في مجلس واحد بألفاظ مختلفة ولم ينكر بعضهم على بعض فيه وهو يدل على قبوله وفيه نظر لأنه حكاية حال فلعلهم عرفوا أن الراوي قصد نقل المعنى ونبه بما يدل عليه
الثاني يجوز شرح الشرع للعجمي بلسانه وهو إبدال العربية بالعجمية فبالعربية أولى ومعلوم أن التفاوت بين العربية وترجمتها أقل مما بينها وبين العجمية

وفيه نظر فإن السامع للترجمة يعلم أن المسموع ليس كلام النبي عليه الصلاة و السلام
الثالث روي عنه عليه الصلاة و السلام إذا أصبتم المعنى فلا بأس
وفيه نظر إذ المراد نفي البأس في العمل بمقتضى ما دل عليه الحديث لا النقل عنه
الرابع كان ابن مسعود إذا حدث قال قال رسول الله كذا أو نحوه
وفيه نظر إذ الفرق واقع بين ما إذا أطلق أو قال كذا أو نحوه فإن فيه تصريحا بنقل المعنى وأن اللفظ منه
الخامس نعلم قطعا أن الصحابة لم يكتبوا ما نقلوه ولا كرروا عليه بل كما سمعوا أهملوا إلى وقت الحاجة بعد مدد متباعدة وذلك يوجب القطع بأنهم لم ينقلوا نقس اللفظ بل المعنى
السادس اللفظ غير مقصود لذاته وإنما القصد المعنى واللفظ أداة في استعلامه فلا فرق لإثبات ذلك المعنى بأي لفظ اتفق
واحتج المخالف بوجوه الأول قوله عليه الصلاة و السلام نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
وأداؤه كما سمع هو أداء اللفظ المسموع ونقل الفقه إلى من هو أفقه منه معناه أن الأفقه قد يتفطن بفضل معرفته من فوائد اللفظ لما لا يتفطن إليه غير الفقيه الذي رواه
الثاني التجربة دلت على أن المتأخر يستخرج من فوائد ألفاظ النبي عليه الصلاة و السلام ما لم يسبقه المتقدم إليه فعرفنا أن السامع لا يجب أن يتنبه لفوائد اللفظ في الحال وإن كان فقيها ذكيا فجاز أن يتوهم في اللفظ المبدل أنه مساو للآخر وبينهما تفاوت لم يتفطن له
الثالث لو جاز للراوي تبديل لفظ الرسول بلفظ من عنده لجاز للراوي عن الراوي تبديل لفظ الأصل بل هو أولى فإن تبديل لفظ الراوي أولى من تبديل

لفظ الشارع ولو جاز ذلك لجاز للثالث الراوي عن الثاني وللرابع الراوي عن الثالث وهكذا وذلك يستلزم سقوط الكلام الأول بالكلية فإن المعبر إذا ترجم وبالغ في المطابقة تعذر عليه الإتيان بلفظ ليس بينه وبين اللفظ الأول تفاوت بالكلية فتنتفي المناسبة بين كلام النبي عليه الصلاة و السلام وكلام الراوي الأخير
والجواب أن من أدى المعنى بتمامه يوصف بأنه أدى كما سمع وإن اختلفت الألفاظ ولهذا يوصف الشاهد والمترجم بأداء ما سمعا وإن عبرا بلفظ مرادف على أن هذا الحديث حجة لنا فإنه عليه الصلاة و السلام ذكر العلة وهي اختلاف الناس في الفقه فما لا يختلف فيه الناس كالألفاظ المترادفة لا يمنع منه
على أن هذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد يروى رحم الله امرأ ونضر الله امرأ ورب حامل فقه لا فقه له وغير فقيه
وهذه الألفاظ وإن أمكن أن يكون جميعها قول الرسول في أوقات مختلفة لكن الأغلب أنه حديث واحد
وقد رأيت بعض من ألف في أصول الحديث أو أصول الفقه قد أطال في بيان ما قيل في هذه المسألة فأحببت أن أورد من كلامهم هنا ما يزيد المسألة جلاء فأقول
ذهبت طائفة من العلماء إلى أنه لا تجوز الرواية بالمعنى مطلقا ونقل ذلك عن كثير من المحدثين والفقهاء وأهل الأصول وهو مذهب الظاهرية ونقل عن عبد الله بن عمر وجماعة من التابعين منهم ابن سيرين وبه قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني وأبو بكر الرازي
قال القرطبي وهو الصحيح من مذهب مالك ويدل على ذلك قوله لا أكتب إلا على رجل يعرف ما يخرج من رأسه وذلك في جواب من قال له لم لم تكتب عن الناس وقد أدركتهم متوافرين وكذلك تركه الأخذ عمن لهم فضل وصلاح إذا كانوا لا يعرفون ما يحدثون به
قال بعض العلماء وفي هذا إشارة إلى انتشار الرواية بالمعنى في عصره وقد

كان الحديث في الصدور فخشي مالك أن يخلطوا فيما يحدثون به فترك الرواية عنهم لذلك ولو كانوا يحفظون لفظ الحديث لم يترك الأخذ عنهم
ونقل البيهقي والخطيب وغيرهما عن مالك أنه منع الرواية بالمعنى في الحديث وأجاز ذلك في غيره
وقد شدد بعض المانعين من الرواية بالمعنى أعظم تشديد حتى لم يجيزوا أن يبدل حرف بآخر وإن كان معناهما واحدا ولا أن تقدم كلمة على أخرى وإن كان المعنى لا يختلف في ذلك بل زاد بعضهم في التشديد فمنع من تثقيل خفيف أو تخفيف ثقيل ونحو ذلك ولو خالف اللغة الفصحى
وذلك لما في تبديل اللفظ المروي من خوف الدخول في الوعيد حيث نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم - لفظا لم يقله ولأن النبي عليه الصلاة و السلام قد أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا وغيره ولو كان من أرباب الفصاحة والبلاغة لا يبلغ درجته
وكثيرا ما يظن الراوي بالمعنى أنه قد أتى بلفظ يقوم مقام الآخر ولا يكون كذلك في نفس الأمر كما ظهر ذلك في كثير من الأحاديث
وانظر إلى ما وقع لشعبة مع جلالته وإتقانه فإنه سمع عن إسماعيل بن علية حديث النهي عن أن يتزعفر الرجل فرواه عنه بالمعنى بلفظ نهي عن التزعفر
فأنكر إسماعيل ذلك عليه لدلالة روايته على العموم مع أن الرواية في الأصل إنما تدل على اختصاص النهي بالرجال فانتبه إسماعيل لما لم يتنبه له شعبة مع أن رواية شعبة عنه إنما هي من قبيل رواية الأكابر عن الأصاغر
ولأنه عليه الصلاة و السلام قد رد على من علمه ما يقول إذا أخذ مضجعه إذ قال ورسولك فقال عليه الصلاة و السلام لا ونبيك
ولأنه عليه الصلاة و السلام قال نضر الله امرأ سمع منا حديثا فأداه كما سمعه
وقد اعتنى مسلم في صحيحه ببيان اختلاف الرواة حتى في حرف من المتن ربما لا يتغير به المعنى بخلاف البخاري
وقال بعضهم كان ينبغي أن يكون هذا المذهب هو الواقع ولكن لم يتفق ذلك

وذهب جمهور العلماء إلى جواز الرواية بالمعنى لمن يحسن ذلك بشرط أن يكون جازما بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه
وهؤلاء المجيزون
منهم من شرط أن يأتي بلفظ مرادف كالجلوس مكان القعود أو العكس
ومنهم من شرط أن يكون ما جاء به مساويا للأصل في الجلاء والخفاء
وقال أبو بكر الصيرفي إذا كان المعنى مودعا في جملة لا يفهمها العامي إلا بأداء تلك الجملة فلا تجوز رواية تلك الجملة إلا بلفظها
ومنهم من شرط أن لا يكون الحديث من قبيل المتشابه كأحاديث الصفات وقد حكى بعضهم الإجماع على هذا وذلك لأن اللفظ الذي تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم -

لا يدري هل يساويه اللفظ الذي تكلم به الراوي ويحتمل ما يحتمله من وجوه
التأويل أم لا
ومنهم من شرط أن لا يكون الحديث من جوامع الكلم كقوله عليه الصلاة و السلام إنما الأعمال بالنيات
وقوله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
وقوله البينة على المدعي ونحو ذلك
وقال بعض العلماء للرواية بالمعنى ثلاث صور أحدها أن يبدل اللفظ بمرادفه كالجلوس بالقعود وهذا جائز بلا خلاف
وثانيها أن يظن دلالته على مثل ما دل عليه الأول من غير أن يقطع بذلك فهذا لا خلاف في عدم جواز التبديل فيه
وثالثها أن يقطع بفهم المعنى ويعبر عما فهم بعبارة يقطع بأنها تدل على ذلك المعنى الذي فهمه من غير أن تكون الألفاظ مترادفة
فهذا موضع الخلاف والأكثرون على أنه متى حصل القطع بفهم المعنى مستندا إلى اللفظ إما بمجرده أو إليه مع القرائن التحق بالمترادف

وقد تبين من البحث في هذه المسألة والتتبع لما قيل فيها أن للمجيزين للرواية بالمعنى ثمانية أقوال
القول الأول قول من فرق بين الألفاظ التي لا مجال للتأويل فيها وبين الألفاظ التي للتأويل فيها مجال فأجاز الرواية بالمعنى في الأولى دون الثانية نقل ذلك أبو الحسين القطان عن بعض أصحاب الشافعي
ويقرب من هذا القول قول من فرق بين المحكم وغيره كالمجمل والمشترك فأجاز الرواية بالمعنى في الأول دون الثاني
القول الثاني قول من فرق بين الأوامر والنواهي وبين غيرهما فأجاز الرواية بالمعنى في الأولى دون الثانية
قال الماوردي والروياني وشرط الرواية بالمعنى أن يكون ما جاء به مساويا للأصل في الجلاء والخفاء وإلا فيمتنع كقوله ص -

لا طلاق في إغلاق
فلا يجوز التعبير عن الإغلاق بالإكراه وإن كان هو معناه لأن الشارع لم يذكره كذلك إلا لمصلحة
وجعلا محل الخلاف في غير الأوامر والنواهي وجزما بالجواز فيهما ومثلا الأمر بقوله عليه الصلاة و السلام اقتلوا الأسودين الحية والعقرب
فيجوز أن يقال أمر بقتلهما والنهي بقوله عليه الصلاة و السلام لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء
فيجوز أن يقال نهي عن بيع الذهب بالذهب إلا سواء بسواء
القول الثالث قول من فرق بين من يستحضر لفظ الحديث وبين من لا يستحضر لفظه بل نسيه وإنما بقي في ذهنه معناه فأجاز الرواية بالمعنى للثاني دون الأول وذلك لأنه كان مأمورا بأداء الحديث كما سمعه وذلك إنما يكون بروايته باللفظ فلما عجز عن ذلك بسبب نسيانه لم يبق في وسعه إلا روايته بالمعنى فإذا أتى بلفظ يؤدي ذلك المعنى فقد أتى بما في وسعه قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
وهذا القول أقوى الأقوال لأن الرواية بالمعنى إنما أجازها من أجازها من العلماء الأعلام للضرورة ولا ضرورة إلا في هذه الصورة وإلا فلا يظن بذي كمال

في العقل والدين أن يجيز تبديل الألفاظ الواقعة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

مع استحضاره لها بألفاظ من عنده ثم ينسبها إلى النبي ص
- بلفظ صريح في صدورها منه
قال الماوردي في الحاوي لا تجوز الرواية بالمعنى لمن يحفظ اللفظ لزوال العلة التي رخص فيها بسببها وتجوز لغيره لأنه تحمل اللفظ والمعنى وعجز عن أحدهما فلزمه أداء الآخر لا سيما إن كان في تركه كتم للأحكام فإن لم ينسه لم يجز أن يورده بغيره لأن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم -
من الفصاحة ما ليس في غيره
القول الرابع قول من فرق بينهما غير أنه عكس الحكم فأجاز الرواية بالمعنى لمن يستحضر اللفظ لتمكنه حينئذ من التصرف فيه بإيراد ألفاظ تقوم مقام تلك الألفاظ في المعنى ولم يجزها لمن لا يستحضر اللفظ لعدم تمكنه من ذلك ولم يكتف بوجود المعنى في الذهن لاحتمال أن يكون ذلك المعنى أزيد مما يدل عليه اللفظ الذي نسيه أو أنقص منه ولذا منع العلماء من وضع العام في موضع الخاص والمطلق في موضع المقيد ومن العكس وذلك لاشتراطهم أن يكون ما جاء الراوي مساويا للأصل
القول الخامس قول من أجاز الرواية بالمعنى بشرط أن يقتصر في ذلك على إبدال اللفظ بمرادفه مع بقاء تركيب الكلام على حاله وذلك لأن تغيير تركيب الكلام كثيرا ما يخل بالمرام بخلاف إبدال اللفظ بمرادفه فإنه يفي بالمقصود من غير محذور فيه وهو قول قوي وقد ادعى بعض العلماء أن هذا جائز بلا خلاف
ومثال ذلك إبدال القتات بالنمام والعكس
قال مسلم في صحيحه حدثنا شيبان بن فروخ وعبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي قالا حدثنا مهدي وهو ابن ميمون قال حدثنا واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث فقال حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يقول لا يدخل الجنة نمام

حدثنا علي بن حجر السعدي وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير قال فجاء حتى جلس إلينا فقال حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول لا يدخل الجنة قتات
القول السادس قول من فرق بين من يورد الحديث على قصد الاحتجاج أو الفتيا وبين من يورده لقصد الرواية فأجاز الرواية بالمعنى للأول دون الثاني
القول السابع قول من أجاز الرواية بالمعنى للصحابة خاصة وذلك لأمرين أحدهما كونهم من أرباب اللسان الواقفين على ما فيه من أسرار البيان
وثانيهما سماعهم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم -
مع مشاهدتهم لأفعاله ووقوفهم على أحواله بحيث وقفوع على مقصده جملة فإذا
رووا الحديث بالمعنى استوفوا المقصد كله
على أنهم لم يكونوا يروون بالمعنى إلا حيث لم يستحضروا اللفظ وإذا رووا بالمعنى أشاروا في أكثر الأحيان إلى ذلك فصارت النفس مطمئنة لما يروونه بالمعنى بخلاف من بعدهم فإنهم لم يكونوا في درجتهم في معرفة اللسان والوقوف بالطبع على أسرار البيان مع عدم سماعهم لشيء من أقواله عليه الصلاة و السلام ولا مشاهدتهم لشيء من أفعاله ولا وقوفهم على حال من أحواله
وقد حكى هذا القول الماوردي والروياني وجزما بأنه لا يجوز لغير الصحابي الرواية بالمعنى وجعلا الخلاف في المسألة في الصحابي دون غيره
وقد استدل على أن بعض الصحابة كانوا يروون الأحاديث بالمعنى كما روي عن بعض التابعين أنه قال لقيت أناسا من الصحابة فاجتمعوا في المعنى واختلفوا علي في اللفظ فقلت ذلك لبعضهم فقال لا بأس به ما لم يخل معناه حكاه الشافعي
وبما روي عن جابر بن عبد الله عن حذيفة أنه قال إنا قوم عرب نورد الأحاديث فنقدم ونؤخر
وبما روي عن بعض الصحابة كابن مسعود أنه كان يقول في بعض ما يرويه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
كذا أو نحوه

بالمقصود فكيف تسوغ الرواية بالمعنى فيه مطلقا مع أن كثيرا من العلماء قد شددوا في أمر العلم يريدون بذلك ما يتعلق بالاعتقاد ما لم يشددوا في غيره فقالوا لا يقبل فيه إلا الدليل القطعي وذلك إما آية صريحة فيه أو حديث متواتر كذلك أو دليل عقلي ليس فيه شبهة
وقد تعرض الأستاذ الأجل أبو الحسين أحمد بن فارس لأمر الرواية بالمعنى في رسالته التي سماها مأخذ العلم فقال في باب القول في اللحن ذهب أناس إلى أن المحدث إذا روى فلحن لم يجز للسامع أن يحدث عنه إلا لحنا كما سمعه وقال آخرون بل على السامع أن يرويه إذا كان عالما بالعربية معربا صحيحا مقوما بدليل نقوله وهو أنه معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان أفصح العرب وأعربها وقد نزهه الله عز و جل عن اللحن وإذا كان كذا فالوجه أن يروى كلامه مهذبا من كل لحن وكان شيخنا أبو الحسن علي بن إبراهيم القطان يكتب الحديث على ما سمعه لحنا ويكتب على حاشية كتابه كذا قال يعني الذي حدثه والصواب كذا وهذا أحسن ما سمعت في هذا الباب
فإن قيل قائل فما تقول في الذي حدثكموه علي بن إبراهيم عن محمد بن يزيد حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن عبد السلام عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بالخيف من منى فقال نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها كما سمع فرب حامل
فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أن يبلغ المبلغ كما سمع
قيل له إنما أراد أن يبلغه في صحة المعنى واستقامة المراد به من غير زيادة ولا نقصان يغيران المعنى فأما أن يسمع اللحن فيؤديه فلا
وبعد فمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان لا يلحن فينبغي أن تؤدى مقالته عنه في صحة كما سمع منه

وقال في باب الإجازة واعلم أن جماعة من الناس سلكوا فيما تقدم ذكرنا له مسلكا لعل غيره أسهل منه وأقرب من التعمق والتنطع فقالوا إن حدث المحدث جاز أن يقال حدثنا وإن قرئ عليه لم يجز أن يقال حدثنا ولا أخبرنا وإن حدث جماعة لم يجز للمحدث عنه أن يقول حدثني وإن حدث بلفظه لم يجز أن يتعدى ذلك اللفظ وإن كان قد أصاب المعنى
قال أحمد بن فارس وهذا عندنا شديد لا وجه له لأن من العلماء من كان يتبع اللفظ فيؤديه ومنهم من كان يحدث بالمعنى وإن تغير اللفظ وبلغنا أن الحسن كان يحدث عن المعاني والتثبت حسن لكن أهل العلم قد يتساهلون إذا أدوا المعنى ويقولون لو كان أداء اللفظ واجبا حتى لا يغفل منه حرف لأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بإثبات ما يسمعونه منه كما أمرهم بإثبات الوحي الذي لا يجوز تغيير معناه
ولا لفظه فلما لم يأمرهم بإثبات ذلك دل على أن الأمر بالتحديث أسهل وإن كان أداء ذلك باللفظ الذي سمعه أحسن
وبالله التوفيق
وقال في باب الفرق بين قول المحدث حدثنا وبين قوله أخبرنا ذهب أكثر علمائنا إلى أنه لا فرق بين قول المحدث حدثنا وبين قوله أنبأنا
وذهب آخرون إلى أن قوله حدثنا دال على أنه سمعه لفظا وأن قوله أنبأنا يدل على أنه سمعه قراءة عليه وهذا عندنا باب من التعمق والأمر في ذلك كله واحد
سمعت علي بن أبي خالد يقول ما سمعت محمد بن أيوب يقول في حديثه إلا أنبأنا وما سمعناه يقول حدثنا وابن أيوب عندنا من كبار المحدثين والذي حكيناه عنه دليل على ما قلناه من أن التحديث والإخبار واحد
فأما العرب فلا فرق عندهم بين قول القائل حدثني وبين قوله أخبرني وقد سمى الله تعالى كتابه حديثا مرة ونبأ مرة والنبأ هو الخبر ثم عن الشاعر يقول مرة هذا ومرة هذا
أنشدني أبي قال أنشدني أبو إسحاق الخطيب
( وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا )

وأنشدنيه غيره وحدثتماني
وأنشدني الطيب بن محمد التميمي قال أنشدنا القصباني لكعب بن سعد الغنوي
( وحدثتماني إنما الموت بالقرى ... فكيف وهاتا هضبة وقليب )
وأنشدني غيره وخبرتماني
وقال الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر وأما الرواية بالمعنى فالخلاف فيها شهير والأكثر على الجواز ومن أقوى حججها الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى وقيل إنما تجوز في المفردات دون المركبات وقيل إنما تجوز لمن يستحضر اللفظ ليتمكن من التصرف فيه وقيل إنما تجوز لمن كان يحفظ الحديث فنسي لفظه وبقي معناه مرتسما في ذهنه فله أن يرويه بالمعنى لمصلحة تحصيل الحكم منه بخلاف من كان مستحضرا للفظه
وجميع ما تقدم يتعلق بالجواز وعدمه
ولا شك أن الأولى إيراد الحديث بألفاظه دون التصرف فيه قال القاضي عياض ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع لكثير من الرواة قديما وحديثا والله الموفق
وأشار بعض من أمعن النظر في هذه المسألة إلى أن الأدلة التي يوردها المجيزون للرواية بالمعنى إنما تدل على جواز ذلك للضرورة
وذلك إذا لم يستحضر الراوي لفظ الحديث وإنما بقي في ذهنه معناه ومع ذلك فقد كان المحتاطون في الأمر يشيرون إلى أن الرواية إنما كانت بالمعنى
قال ابن الصلاح ينبغي لمن يروي حديثا بالمعنى أن يتبعه بأن يقول أو كما قال أو نحو هذا وما أشبه ذلك من الألفاظ روي ذلك من الصحابة عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس

قال الخطيب والصحابة أرباب اللسان وأعلم الخلق بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر
وأما استدلالهم بالإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به وأنه إذا جاز ذلك بلغة أخرى فجوازه بالعربية أولى ففيه أمران
الأمر الأول أن ذلك إنما أجيز للضرورة وهو شرح الشرع لمن لا يحسن العربية بلسانه الذي يحسنه لا سيما إن كان ممن دخل في الدين حديثا ولم يكن له إلمام بالعربية فإنه يعرف الدين أولا بلغته ثم يؤمر بأن يتعلم من العربية ما يعرف به ما يلزمه من أمر الدين رأسا من غير احتياج إلى ترجمة وذلك تقديما للأهم على المهم
قال الإمام الشافعي في الرسالة في أصول الفقه فإن قال قائل ما الحجة في أن كتاب الله محض بلسان العرب لا يخالطه فيه غيره فالحجة فيه كتاب الله قال الله تبارك وتعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )
فإن قال قائل فإن الرسل قبل محمد ص -

كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة وإن محمدا ص
- بعث إلى الناس كافة
فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قومه خاصة ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه أو ما أطاقوه منه ويحتمل أن يكون بعث بألسنتهم
فإن قال قائل فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم قال الشافعي فالدلالة على ذلك بينة في كتاب الله عز و جل في غير موضع فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض فلا بد أن يكون بعضهم تبعا لبعض وأن يكون الفضل في اللسان المتبع على التابع
وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي صلى الله عليه وسلم -
ولا يجوز والله تعالى أعلم أن يكون أهل لسانه أتباعا لأهل لسان غير لسانه
في

حرف واحد بل كل لسان تبع للسانه وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه
وقد بين الله تعالى ذلك في غير آية من كتابه قال الله عز ذكره ( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) وقال ( وكذلك أنزلناه حكما عربيا ) وقال ( وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها ) وقال تعالى ( حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )
ثم قال فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ويتلو به كتاب الله تعالى وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه أن يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا فيما افترض عليه لا متبوعا
الأمر الثاني أن استدلالهم بما ذكر غير ظاهر وذلك أنهم إن أرادوا أن الحديث حيث جاز إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة الأعجمية على طريق الترجمة يكون إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة العربية على طريق الرواية بالمعنى أولى بالجواز ورد عليهم القرآن فإنهم أجازوا إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة الأعجمية على طريق الترجمة ولم يجز أحد إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة العربية على طريق الرواية بالمعنى
ولهم أن يقولوا إن بينهما فرقا من وجهين
أحدهما أن القرآن معجز والإعجاز فيه يتعلق باللفظ والمعنى فإذا أجيز إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة العربية على طريق الرواية بالمعنى وقع إخلال بأمر الإعجاز من وجه مع حصول الالتباس على كثير من الناس مع عدم الاضطرار إلى ذلك

فإن أشكل شيء منه على من يعرف العربية أزيل إشكاله بطريق التفسير أو التأويل بخلاف إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة الأعجمية على طريق الترجمة لمن لا يحسن العربية فإنه مع الاضطرار إلى ذلك ليس فيه ما ذكر من الالتباس
وأما الحديث فإنه ليس كذلك فلا محذور في إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى سواء كانت من اللغة العربية أو الأعجمية
الثاني أن القرآن متواتر مشهور عند الأمة بحيث لا يخفى أمره على أحد منهم فلا داعي لروايته بالمعنى لأنها إنما أجيزت للضرورة وإن أطلق الإجازة أناس لم يمعنوا النظر في المسألة ولا ضرورة تلجئ إلى ذلك في القرآن
وأما الحديث فكثير منه من قبيل أخبار الآحاد التي يختص بمعرفتها فرد أو بضع أفراد فإذا منع من لا يستحضر اللفظ من روايته بالمعنى ربما ضاع كثير من الأحكام المهمة التي وردت فيه فسوغ الجمهور ذلك إلا أنه يقال إن كثيرا ممن منع الرواية بالمعنى كأهل الظاهر قد جروا على طريقة قويمة لا يضيع فيها شيء من الأحكام وقد سبق ذكرها في مقالة ابن حزم
وقال الطيبي في الخلاصة في أصول الحديث قال في شرح السنة
ذهب قوم إلى اتباع لفظ الحديث منهم ابن عمر وهو قول القاسم بن محمد وابن سيرين ورجاء بن حيوة ومالك بن أنس وابن عيينة وعبد الوارث ويزيد بن زريع ووهب وبه قال أحمد ويحيى
وذهب جماعة إلى الرخصة في نقله بالمعنى منهم الحسن والشعبي والنخعي
قال ابن سيرين كنت أسمع الحديث من عشرة اللفظ مختلف والمعنى واحد
وقال سفيان الثوري إن قلت إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني فإنما هو المعنى
وقال وكيع إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس

وقال ابن الصلاح من ليس عالما بالألفاظ ومقاصدها ولا خبيرا بما يخل بمعانيها لا تجوز له الرواية بالمعنى بالإجماع بل يتعين اللفظ الذي سمعه وإن كان عالما بذلك فقد منعه قوم من أصحاب الحديث والفقه والأصول وقالوا لا يجوز إلا بلفظه
وقال قوم لا تجوز في حديث النبي صلى الله عليه وسلم -

وتجوز في غيره
وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف تجوز في الجميع إذا قطع بأداء المعنى وهذا في غير المصنفات أما المصنف فلا يجوز تغيير لفظه أصلا وإن كان بمعناه
أقول قول من ذهب إلى التفصيل هو الصحيح لأنه صلوات الله وسلامه عليه أفصح من نطق بالضاد وفي تراكيبه أسرار ودقائق لا يوقف عليها إلا بها كما هي فإن لكل تركيب من التراكيب معنى بحسب الفصل والوصل والتقديم والتأخير لو لم يراع ذلك لذهب مقاصدها بل لكل كلمة مع صاحبتها خاصية مستقلة كالتخصيص والإجمال وغيرهما
وكذا الألفاظ التي ترى مشتركة أو مترادفة إذ لو وضع كل موضع الآخر لفات المعنى الذي قصد به ومن ثم قال صلوات الله وسلامه عليه نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
رواه أبو داود والترمذي عن ابن مسعود

وكفى بهذا الحديث لفظا ومعنى شاهد صدق على ما نحن بصدده فإنك إن أقمت مقام كل لفظة ما يشاكلها أو يرادفها اختل المعنى وفسد

فإنك لو وضعت موضع نضر الله رحم الله أو غفر الله وما شاكلهما أبعدت المرمى فإن من حفظ ما سمعه وأداه من غير تغيير فإنه جعل المعنى غضا طريا ومن بدل وغير فقد جعله مبتذلا ذاويا
وكذا لو أنبت امرأ مناب العبد فات المعنى لأن العبودية هي الاستكانة والمضي لأمر الله ورسوله بلا امتناع ولا استنكاف من أداء ما سمع إلى من هو أعلم منه
وخصت المقالة بالذكر من بين الكلام والخبر لأن حقيقة القول هو المركب من الحروف المبرزة ليدل على وجوب أداء اللفظ المسموع
وإرداف وعاها حفظها مشعر بمزيد التقرير لأن الوعي إدامة الحفظ وعدم النسيان
وفي رواية أخرى فأداها كما سمعها
أوثر أداها على رواها وبلغها ونحوهما دلالة على أن تلك المقالة مستودعة عنده واجب أداؤها إلى من هو أحق بها وأهلها غير مغيرة ولا متصرف فيها
وكذا تخصيص ذكر الفقه دون العلم للإيذان بأن الحامل غير عار من العلم إذ الفقه علم بدقائق مستنبطة من الأقيسة والنصوص ولو قيل غير عالم لزم جهله
وكذا تكرير رب وإناطة كل بمعنى يخصها فإن السامع أحد رجلين إما أن لا يكون فقيها فيجب عليه أن لا يغيرها لأنه غير عارف بالألفاظ المتشاكلة فيخطئ فيه أو يكون عارفا بها لكنه غير بليغ فربما يضع أحد المترادفين موضع الآخر ولا يقف على رعاية المناسبات بين لفظ ولفظ
فإن المناسبة لها خواص ومعان لا يقف عليهما إلا ذو دربة بأساليب النظم كما قررناه في شرح التبيان في قسم الفصاحة والله أعلم

واعلم أن الحديث المروي بالمعنى إنما يستشهد به فيما يتعلق بأصل المعنى فقط فاستدلال بعضهم بنحو تقديم كلمة على أخرى فيه أو نحو ورود العطف فيه بالفاء دون الواو أو بالعكس ليس في محله
وكذلك استدلال بعضهم به في الأمور المتعلقة بالألفاظ وتركيبها وذلك لأن كثيرا ممن كان يروي بالمعنى كان لا يهتم حين الرواية بمراعاة ذلك بل كان بعضهم ليس له وقوف تام على اللغة العربية فضلا عن أسرارها التي يختص بمعرفتها أناس من أئمة اللسان

وقد ذكر العلامة جلال الدين السيوطي حكم الأحاديث المروية بالمعنى عند علماء العربية في كتاب الاقتراح في أصول النحو فقال فصل
وأما كلامه ص -

فيستدل منه بما ثبت أنه قاله على اللفظ المروي وذلك نادر جدا وإنما يوجد
في الأحاديث القصار على قلة أيضا فإن غالب الأحاديث مروية بالمعنى وقد تداولتها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها فرووها بما أدت إليه عبارتهم فزادوا ونقصوا وقدموا وأخروا وأبدلوا ألفاظا بألفاظ ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مرويا على أوجه شتى بعبارات مختلفة ومن ثم أنكر على ابن مالك إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث
وقال أبو حيان في شرح التسهيل قد أكثر هذا المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب وما رأيت أحدا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من أئمة البصريين والكسائي والفراء وعلي بن مبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفيين لم يفعلوا ذلك وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد وأهل الأندلس
وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال إنما ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم بأن ذلك لفظ الرسول ص -
إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية وإنما كان
ذلك لأمرين
أحدهما أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه ص -
لم تنقل بتلك الألفاظ جميعها نحو ما روي من قوله زوجتكها بما معك من
القرآن
ملكتكها بما معك
خذها بما معك
وغير ذلك من الألفاظ الواردة في هذه القصة
فنعلم يقينا أنه ص -
لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ بل نجزم

بأنه قال بعضها إذ يحتمل أنه قال لفظا مرادفا لهذه الألفاظ غيرها فأتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه إذ المعنى هو المطلوب ولا سيما مع تقادم السماع وعدم ضبطه بالكتابة والاتكال على الحفظ
والضابط منهم من ضبط المعنى وأما ضبط اللفظ فبعيد جدا لا سيما في الأحاديث الطوال وقد قال سفيان الثوري إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني إنما هو المعنى
ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى
الأمر الثاني أنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون ذلك وقد وقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب
ونعلم قطعا من غير شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كان أفصح الناس فلم يكن ليتكلم لا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها
وأجزلها وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز وتعليم الله ذلك له من غير معلم والمصنف قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر متعقبا بزعمه على النحويين وما أمعن النظر في ذلك ولا صحب من له التمييز وقد قال لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وكان ممن أخذ عن ابن مالك قلت له يا سيدي هذا الحديث رواية الأعاجم ووقع فيه من روايتهم ما يعلم أنه ليس من لفظ الرسول ص - فلم يجب بشيء
قال أبو حيان وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول المبتدئ ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول كالبخاري ومسلم وأضرابهما فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث
انتهى كلام أبي حيان بلفظه
وقال أبو الحسن بن الضائع في شرح الجمل تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث واعتمدوا

في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

لأنه أفصح العرب
قال وكان ابن خروف يستشهد بالحديث كثيرا فإن كان على وجه الاستظهار والتبرك بالمروي فحسن وإن كان يرى أن من قبله أغفل شيئا وجب عليه استدراكه فليس كما رأى
انتهى
ومثل ذلك قول صاحب ثمار الصناعة النحو علم يستنبط بالقياس والاستقراء من كتاب الله تعالى وكلام فصحاء العرب فقصره عليهما ولم يذكر الحديث
نعم اعتمد عليه صاحب البديع فقال في أفعل التفضيل لا يلتفت إلى قول من قال إنه لا يعمل لأن القرآن والأخبار والأشعار نطقت بعمله ثم أورد آيات
ومن الأخبار حديث ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم
ومما يدل على صحة ما ذهب إليه ابن الضائع وأبو حيان أن ابن مالك استشهد على لغة أكلوني البراغيث بحديث الصحيحين يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار
وأكثر من ذلك حتى صار يسميها لغة يتعاقبون
وقد استدل به السهيلي
ثم قال لكني أقول إن الواو فيه علامة إضمار لأنه حديث مختصر رواه البزار مطولا مجودا قال فيه إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار
وقال ابن الأنباري في الإنصاف في منع أن في خبر كاد وأما حديث كاد الفقر أن يكون كفرا
فإنه من تغييرات الرواة لأنه ص -
أفصح من نطق بالضاد
انتهى كلام السيوطي
وحديث كاد الفقر أن يكون كفرا
ضعيف قال بعض المحدثين أخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب عن أنس مرفوعا كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر
وفي لفظ أن يسبق القدر
وفي سنده يزيد الرقاشي وهو ضعيف وله شواهد ضعيفة

فروع لها تعلق بالرواية بالمعنى
الفرع الأول للعلماء في اختصار الحديث وهو حذف بعضه والاقتصار في الرواية على بعضه أقوال
القول الأول المنع من ذلك مطلقا بناء على المنع من الرواية بالمعنى لأن حذف بعض الحديث ورواية بعضه ربما أحدث الخلل فيه والمختصر لا يشعر
قال عتبة قلت لابن المبارك علمت أن حماد بن سلمة كان يريد أن يختصر الحديث فينقلب معناه قال فقال لي أوفطنت له
وروى يعقوب بن شيبة عن مالك أنه كان لا يرى أن يختصر الحديث إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وقال أشهب سألت مالكا عن الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد قال ما كان منها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فإني أكره ذلك وأكره أن يزاد فيها وينقص منها وما كان من قول غير رسول
الله ص - فلا أرى بذلك بأسا إذا كان المعنى واحدا
وكان عبد الملك بن عمير وغيره لا يجيزون أن يحذف منه حرف واحد فإن كان لشك فهو سائغ كان مالك يفعله كثيرا
القول الثاني الجواز مطلقا وينبغي تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعلقا يخل حذفه بالمعنى كالاستثناء والشرط فإن كان كذلك لم يجز بلا خلاف وهو ظاهر
القول الثالث أنه إن لم يكن رواه التمام قبل ذلك هو أو غيره لم يجز وإن كان قد رواه على التمام قبل ذلك هو أو غيره جاز
القول الرابع أنه يجوز ذلك للعالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله غير متعلق به بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه
وهذا ينبغي أن يجوز حتى عند من لم يجز الرواية بالمعنى لأن المحذوف والمروي حينئذ يكونان بمنزلة خبرين منفصلين وهو الصحيح كما قال ابن الصلاح
ولا فرق

في هذا بين أن يكون قد رواه قبل على التمام أولا
ومحل جواز روايته مختصرا ما إذا كان الراوي رفيع المنزلة مشهورا بالضبط والإتقان بحيث لا يظن به زيادة ما لم يسمعه أو نقصان ما سمعه بخلاف من ليس كذلك
قال الخطيب إن من روى حديثا على التمام وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث لقلة ضبطه وكثرة غلطه فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه
وقال سليم الرازي إن من روى بعض الخبر ثم أراد أن ينقل تمامه وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة وكتمانها
قال ابن الصلاح من هذا حاله فليس له من الابتداء أن يروي الحديث غير تام إذا كان قد تعين عليه أداء تمامه لأنه إذا رواه أولا ناقصا أخرج باقيه عن حيز الاحتجاج به ودار بين أن لا يرويه أصلا فيضيعه رأسا وبين أن يرويه متهما فيه فتضيع ثمرته لسقوط الحجة فيه
وممن ذهب إلى جواز اختصار الحديث مسلم وقد أشار إلى ذلك في مقدمة صحيحه حيث قال
ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت عنه وتأليفه على شريطة سوف أذكرها وهو أنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي
موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقول مقام حديث تام فلا بد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن ولكن تفصيله ربما عسر من جملته

فإعادته بهيئته إذا ضاق ذلك أسلم
فأما ما وجدناه بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فصله إن شاء الله تعالى
قال بعض الشراح عند قوله أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث هذه مسألة اختلف العلماء فيها وهي رواية بعض الحديث فمنهم من منعه مطلقا بناء على منع الرواية بالمعنى ومنعه بعضهم وإن جازت الرواية بالمعنى إذا لم يكن رواه هو أو غيره بتمامه قبل هذا وجوزه جماعة مطلقا ونسبه القاضي عياض إلى مسلم
والصحيح الذي ذهب إليه الجمهور والمحققون من أصحاب الحديث والفقه والأصول التفصيل وجواز ذلك من العارف إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة بتركه سواء جوزنا الرواية بالمعنى أم لا وسواء رواه قبل تاما أم لا
هذا إن ارتفعت منزلته عن التهمة فأما من رواه تاما ثم خاف إن رواه ثانيا ناقصا أن يتهم بزيادة أولا أو نسيان لغفلة وقلة ضبط ثانيا فلا يجوز النقصان ثانيا ولا ابتداء إن كان قد تعين عليه أداؤه
وأما تقطيع المصنفين الحديث الواحد في الأبواب فهو بالجواز أولى بل يبعد طرد الخلاف فيه وقد استمر عليه علم الأئمة الحفاظ الجلة من المحدثين وغيرهم من أصناف العلماء
وهذا معنى قول مسلم أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن
وقوله إذا أمكن يعني إذا وجد الشرط الذي ذكرناه على مذهب الجمهور من التفصيل
وقوله ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئته إذا

ضاق ذلك أسلم
يعني ما ذكرنا وهو أنه لا يفصل إلا ما ليس مرتبطا بالباقي وقد يعسر هذا في بعض الأحاديث فيكون كله مرتبطا بالباقي أو يشك في ارتباطه ففي هذه الحالة يتعين ذكره بتمامه وهيئته لكون أسلم مخافة من الخطأ والزلل والله أعلم
وقد تعرض ابن الصلاح في مبحث اختصار الحديث لحكم تقطيعه فقال وأما تقطيع المصنف متن الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب فهو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد وقد فعله مالك والبخاري وغير واحد من أئمة الحديث ولا يخلو من كراهية والله أعلم
وممن نسب إليه فعل ذلك أحمد وأبو داود والنسائي وقد أشكل نسبة ذلك إلى مالك وأحمد
أما مالك فلما نقل أشهب عنه أنه كان يكره النقص من الحديث وقد ذكرنا عبارته بلفظها قريبا وأما أحمد فلما نقل الخلال عنه أنه قال إنه ينبغي أن لا يفعل
وقد يجاب عن ذلك بأنهما ربما كانا يفرقان بين الرواية وغيرها فيمنعان ذلك في حال الرواية ويجيزانه في حال الاستشهاد لا سيما إن كان المعنى المستنبط من القطعة التي يراد الاستشهاد بها مما يدق على الأفكار فإن إيرادها وحدها أقرب إلى الفهم وأبعد من الوهم
واختار بعض المحققين التفصيل في هذه المسألة فقال إن حصل القطع بأن المحذوف لا يخل بالباقي فلا كراهة في ذلك وإن لم يحصل ذلك فلا يخلو الأمر من كراهة إلا أن درجاتها تختلف باختلاف حاله في ظهور ارتباط بعضه ببعض وخفائه
وقد تباعد مسلم عن ذلك فإنه لكونه لم يقصد ما قصده البخاري من استنباط الأحكام أورد كل حديث بتمامه من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه مثل حديث فلان أو نحوه
الفرع الثاني إذا روى المحدث الحديث بإسناد ثم أتبعه بإسناد آخر وقال عند انتهائه مثله أو نحوه فهل للراوي عنه أن يقتصر على الإسناد الثاني ويسوق

لفظ الحديث المذكور عقيب الإسناد الأول في ذلك ثلاثة أقوال
أحدها المنع وهو قول شعبة فقد روي عنه أنه قال فلان عن فلان مثله لا يجزئ وروي عنه أنه قال قول الراوي نحوه شك
والثاني جواز ذلك إذا عرف أن الراوي لذلك ضابط متحفظ يذهب إلى تمييز الألفاظ وعد الحروف فإن لم يعرف منه ذلك لم يجز وهو قول سفيان الثوري
الثالث جواز ذلك في قوله مثله وعدم جواز ذلك في قوله نحوه وهو قول يحيى بن معين وعلى هذا يدل كلام الحاكم حيث يقول إن مما يلزم الحديثي من الضبط والإتقان أن يفرق بين أن يقول مثله أو يقول نحوه فلا يحل له أن يقول مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد ويحل له أن يقول نحوه إذا كان على مثل معانيه
وهذا على مذهب من لا يجيز الرواية بالمعنى فأما على مذهب من يجيزها فلا فرق بين مثله ونحوه
وكان غير واحد من أهل العلم إذا أراد رواية مثل هذا يورد الإسناد الثاني ثم يقول مثل حديث قبله متنه كذا ثم يسوقه وكذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه
وإذا ذكر المحدث إسناد الحديث وطرفا من المتن وأشار إلى بقيته بقوله الحديث أو وذكر الحديث ونحو ذلك فليس للراوي عنه أن يروي الحديث عنه بكماله بل يقتصر على ما سمع منه وهذا أولى بالمنع من المسألة التي قبلها لأن المسألة التي قبلها قد ساق فيها جميع المتن قبل ذلك بإسناد آخر وفي هذه الصورة لم يسبق إلا هذا القدر من الحديث
وسأل بعض المحدثين الأستاذ المقدم في الفقه والأصول أبا إسحاق الإسفرائيني عن ذلك فقال لا يجوز لمن سمع على هذا الوصف أن يروي الحديث بما فيه من الألفاظ على التفصيل
وسأل البرقاني الفقيه الحافظ أبا بكر الإسماعيلي عمن قرأ إسناد حديث على

الشيخ ثم قال وذكر الحديث فهل يجوز أن يحدث بجميع الحديث فقال إذا عرف المحدث والقارئ ذلك الحديث فأرجو أن يجور ذلك والبيان أولى أن يقول كما كان
والطريقة المثلى أن يقتص ما ذكره الشيخ على وجهه فيقول قال وذلك الحديث بطوله ثم يقول والحديث بطوله هو كذا وكذا ويسوقه إلى آخره
وهذا الفرع مما تشتد إلى معرفته حاجة المعتنين بصحيح مسلم لكثرة تكرر مثله ونحوه ونحو ذلك فيه
الفرع الثالث قال ابن الصلاح إذا كان الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثر وبين روايتيهما تفاوت في اللفظ والمعنى واحد كان له أن يجمع بينهما في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما خاصة ويقول أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان أو وهذا لفظ فلان قال أو قالا أخبرنا فلان أو ما أشبه ذلك من العبارات
ولمسلم صاحب الصحيح مع هذا في ذلك عبارة أخرى حسنة مثل قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج كلاهما عن أبي خالد قال أبو بكر حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش وساق الحديث فإعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له
فأما إذا لم يخص لفظ أحدهما بالذكر بل أخذ من لفظ هذا ومن لفظ ذاك وقال أخبرنا فلان وفلان وتقاربا في المعنى قالا أخبرنا فلان
فهذا غير ممتنع على مذهب تجويز الرواية بالمعنى
وقول أبي داود صاحب السنن حدثنا مسدد وأبو توبة قالا حدثنا أبو الأحوص مع أشباه لهذا في كتابه يحتمل أن يكون من قبيل الأول فيكون اللفظ لمسدد ويوافقه أبو توبة في المعنى ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني فلا يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن كليهما وهذا الاحتمال يقرب في قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل المعنى واحد قالا حدثنا أبان

وأما إذا جمع بين جماعة رواة قد اتفقوا في المعنى وليس ما أورده لفظ كل واحد منهم وسكت عن البيان لذلك فهذا مما عيب به البخاري أو غيره ولا بأس به على مذهب تجويز الرواية بالمعنى
وإذا سمع كتابا مصنفا من جماعة ثم قابل نسخته بأصل بعضهم دون بعض وأراد أن يذكر جميعهم في الإسناد ويقول واللفظ لفلان كما سبق فهذا يحتمل أن يجوز كالأول لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر أنه بلفظه ويحتمل أن لا يجوز لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها بخلاف ما سبق فإنه اطلع على رواية غير من نسب اللفظ إليه وهو على موافقتهما من حيث المعنى فأخبر بذلك والله أعلم
هذا وما ذكره ابن الصلاح من أن إعادة مسلم لذلك أحد الراويين خاصة يشعر بأن اللفظ المذكور له هو الظاهر المتبادر إلى الذهن مع احتمال أن تكون الإعادة لمجرد بيان أن الراوي الذي أعيد ذكر اسمه ثانيا قد صرح بالتحديث دون الراوي الذي لم يعد ذكر اسمه فينبغي الانتباه لذلك
وقد استبعد بعضهم ما ذكره ابن الصلاح من أن قول أبي داود حدثنا مسدد وأو توبة المعنى قالا حدثنا الأحوص فيه احتمال لئلا يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن كليهما وذلك لأنه يدل على أن المأتي به حينئذ هو لفظ ثالث غير لفظي من روى عنهما مع أن الغالب المعروف في مثل ذلك أن المحدث لا بد أن يورد الحديث بلفظ مروي له برواية واحدة والباقي بمعناه
وقال بعضهم هذا أمر غير مستبعد وقصارى الأمر فيه أن يكون ملفقا منهما والتلفيق قد جرى عليه كثير من المحدثين
ومنه نوع قد ذكره القوم في آخر مبحث صفة الرواية كما ذكروا الرواية بالمعنى في أثنائه ولنورد ذلك لمناسبته لما نحن فيه فنقول قالوا وإذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من شيخ آخر فخلطه وعزاه جملة إليهما مبينا أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر من غير تمييز لما سمعه من كل شيخ من الآخر جاز

ومن أمثلة ذلك حديث الإفك في الصحيح من رواية الزهري فإنه قال حدثني عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قال وكل قد حدثني طائفة من حديثها ودخل حديث بعضهم في بعض وأنا أوعى لحديث بعضهم من بعض فذكر الحديث
وما من شيء من ذلك الحديث المروي على تلك الصفة إلا وهو في الحكم كأنه رواه عن أحد الرجلين على الإبهام حتى إذا كان أحدهما مجروحا لم يجز الاحتجاج بشيء من ذلك الحديث لأنه ما قطعه منه إلا ويجوز أن تكون عن ذلك الراوي المجروح ولا يجوز لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد الراويين ويروي الحديث عن الآخر وحده بل يجب ذكرهما جميعا مقرونا بالإفصاح
وكثيرا ما يستعمل التلفيق أرباب المغازي والسير
وقد انتقدوا التلفيق على الزهري وهو أول من فعل ذلك فقالوا كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر والأمر فيه سهل إذا كان الكل ثقات
وأما ما عيب به البخاري فليس بعيب عند الجمهور الذي يجيز الرواية بالمعنى هذا عبد الله بن وهب لم يتأخر البخاري ولا غيره من الأئمة عن التخريج له مع كونه كان يفعل ذلك وأما حماد فإن البخاري لم يترك الاحتجاج به لكونه كان يفعل ذلك بل لكونه قد ساء حفظه ولذا لم يخرج له في الأصول واقتصر مسلم فيما قاله الحاكم على روايته عن ثابت مع أنه كان من الأئمة الأثبات الموصوفين بأنهم بلغوا درجة الأبدال فتفريق البخاري بينه وبين ابن وهب إنما يرجع لما يتعلق بالإتقان والحفظ فإن ابن وهب كان أشد إتقانا لما يرويه وأحفظ
وما قيل من أن البخاري كان لا يعرج على البيان ولا يلتفت إليه هو مبني على الغالب وإلا فقد عرج على البيان في بعض الأحيان كقوله في تفسير البقرة حدثنا يوسف بن راشد حدثنا جرير وأبو أسامة واللفظ لجرير فذكر حديثا
وفي الصيد والذبائح حدثنا يوسف بن راشد أخبرنا وكيع ويزيد بن هارون واللفظ ليزيد
وقد رأيت هنا أن أستطرد لأربع مسائل

المسألة الأولى قد ذكرنا فيما سبق أنه قد ثبت ترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم فيما يتعلق بأمر الصحة وأما ما يتعلق بغير ذلك فربما كان في صحيح مسلم ما يرجح به على صحيح البخاري وقد عرفت في هذا الفرع أن من روى عن اثنين فأكثر وكان بين روايتيهما تفاوت في اللفظ والمعنى واحد فله أن يجمع بينهما في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما غير أن الأولى في ذلك أن يعين صاحب اللفظ الذي اقتصر عليه وأن مسلما التزم ذلك بخلاف البخاري فإنه جرى على خلاف الأولى في ذلك في أكثر المواضع
وقد ذكر بعض المعتنين بصحيح مسلم شيئا من هذا القبيل فأحببت إيراده
1 - فمن ذلك كونه أسهل متناولا من حيث إنه جعل لكل حديث موضعا واحدا يليق به وجمع فيه طرقه وأورد أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فصار استخراج الحديث منه ومعرفة طرقه المتعددة وألفاظه المختلفة سهلا
بخلاف البخاري فإنه يذكر تلك الوجه المختلفة في أبواب متفرقة وكثير منها يذكره في غير الباب الذي يتبادر إلى الذهن أنه أولى به لأمر ما قصده البخاري فصار استخراج الحديث منه فضلا عن معرفة طرقه المتعددة وألفاظه المختلفة صعبا حتى إن كثيرا من الحفاظ المتأخرين قد نفوا رواية البخاري لأحاديث هي فيه

حيث لم يجدوها في مظانها
2 - ومن ذلك اعتناؤه بالتمييز بين حدثنا وأخبرنا وتقييده ذلك على مشايخه في روايته وكان من مذهبه الفرق بينهما وأن حدثنا لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة وأخبرنا لما قرئ على الشيخ وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه وجمهور أهل العلم بالمشرق وروي هذا المذهب عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب والنسائي وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث
وذهبت جماعة إلى أنه يجوز أن يقال فيما قرئ على الشيخ حدثنا وأخبرنا وهو مذهب الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وهو مذهب البخاري وجماعة من المحدثين
وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز إطلاق حدثنا ولا أخبرنا في القراءة ويقال إنه قول ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم
قال بعض الحفاظ أجود العبارات في القراءة على الشيخ أن يقال قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به
ويتلو ذلك أن يقال حدثنا فلان قراءة عليه وأخبرنا قراءة عليه
3 - ومن ذلك اعتناؤه بضبط اختلاف لفظ الرواة في الحديث كقوله حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان قال أو قالا حدثنا فلان
وقد يكون الاختلاف في حرف
ثم إن الاختلاف في اللفظ قد يكون مما يتغير به المعنى وقد يكون مما لا يتغير به المعنى
وما يتغير به المعنى قد يكون التغير فيه خفيا بحيث لا ينتبه له إلا الجهبذ النحرير
وقد التزم البيان في جميع ذلك بقدر الإمكان
4 - ومن ذلك تحريه في مثل قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا

سليمان يعني ابن بلال عن يحيى وهو ابن سعيد
فلم يستجز رضي الله عنه أن يقول سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد لكونه لم يقع في روايته منسوبا فلو قاله منسوبا لكان مخبرا عن شيخه أنه أخبره بنسبته مع أنه لم يخبره بها
وهذا مما يشاركه فيه البخاري كما يظهر من قول بعض أهل الأثر ليس للراوي أن يزيد في نسب غير شيخه ولا صفته على ما سمعه من شيخه لئلا يكون كاذبا على شيخه فإن أراد تعريفه وإيضاحه وإزالة اللبس المتطرق إليه لمشابهة غيره فطريقه أن يقول قال حدثني فلان يعني ابن فلان أو الفلاني أو هو ابن فلان أو الفلاني أو نحو ذلك فهذا جائز حسن قد استعمله الأئمة
وقد أكثر البخاري ومسلم منه في الصحيحين غاية الإكثار حتى إن كثيرا من أسانيدهما يقع في الإسناد الواحد منها موضعان أو أكثر من هذا الضرب كقوله في أول كتاب البخاري في باب من سلم المسلمون من لسانه ويده قال أبو معاوية حدثنا داود هو ابن أبي هند عن عامر قال سمعت عبد الله هو ابن عمرو
وكقوله في كتاب مسلم في باب منع النساء من الخروج إلى المساجد حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن يحيى وهو ابن سعيد
ونظائره كثيرة

وإنما يقصدون بهذا الإيضاح كما ذكرنا أولا فإنه لو قال حدثنا داود أو عبد الله لم يعرف من هو لكثرة المشاركين في هذا الاسم ولا يعرف ذلك في بعض المواطن إلا الخواص والعارفون بهذه الصفة وبمراتب الرجال فأوضحوه لغيرهم وخففوا عنهم مؤونة النظر والتفتيش
وهذا الفصل نفيس يعظم الانتفاع به فإن من لا يعاني هذا الفن قد يتوهم أن قوله يعني وقوله هو زيادة لا حاجة إليها وأن الأولى حذفها
وهذا جهل قبيح والله أعلم
5 - ومن ذلك سلوكه الطريقة المثلى في رواية صحيفة همام بن منبه نحو قوله حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن همام قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فذكر أحاديث منها قال رسول الله ص
- إذا توضأ أحدكم فليستنشق الحديث
ووجه ذلك يظهر مما ذكره ابن الصلاح حيث قال النسخ المشهورة المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام بن منبه عن أبي هريرة رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ونحوها من النسخ والأجزاء منهم من يجدد ذكر الإسناد في أول كل حديث منها ويوجد هذا في كثير من الأصول القديمة وذلك أحوط
ومنهم من يكتفي بذكر الإسناد في أولها عند أول حديث منها أو في كل مجلس من مجالس سماعها ويدرج الباقي عليه ويقول في كل حديث بعده وبالإسناد أو وبه وذلك هو الأغلب الأكثر
وإذا أراد من كان سماعه على هذا الوجه تفريق تلك الأحاديث ورواية كل حديث منها بالإسناد المذكور في أولها جاز ذلك عند الأكثرين منهم وكيع بن الجراح ويحيى بن معين وأبو بكر الإسماعيلي وهذا لأن الجميع معطوف على الأول

فالإسناد المذكور أولا في حكم المذكور في كل حديث وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله
ومن المحدثين من أبى إفراد شيء من تلك الأحاديث المدرجة بالإسناد المذكور ورآه تدليسا وسأل بعض أهل الحديث الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني الفقيه الصولي عن ذلك فقال لا يجوز
وعلى هذا من كان سماعه على هذا الوجه فطريقه أن يبين ويحكي ذلك كما جرى كما فعله مسلم في صحيحه في صحيفة همام بن منبه نحو قوله حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة وذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له تمن الحديث
وهكذا فعل كثير من المؤلفين والله أعلم
واعلم أنه لا يظهر وجه لقول من منع إفراد شيء من تلك الأحاديث المدرجة بالإسناد المذكور إلا أن يقال إن باب الرواية مبين على الاتباع وهو لم يرو على هذا الوجه من التفريق فيكون ذلك من قبيل الابتداع وهو بعيد
وأما البخاري فإنه سلك طريقا آخر وهو أنه يقدم أول حديث من الصحيفة المذكورة وهو حديث نحو الآخرون السابقون
ثم يعطف عليه الحديث الذي يريد إيراده وطريق مسلم أوضح ولذا قل من اطلع على مقصد البخاري في ذلك وقد حمل ذلك بعضهم على أن يبحثوا على وجه المطابقة بين الحديث الأول والترجمة فلم يأتوا بما فيه طائل
على أن البخاري لم يطرد عمله في ذلك فإنه أورد في كثير من المواضع بعضا من الأحاديث الواقعة في الصحيفة المذكورة ولم يصدر شيئا منها بالحديث المشار إليه

وهذا الحديث هو أول حديث في صحيفة شعيب أيضا ويشير إلى ذلك قول البخاري في باب لا تبولوا في الماء الراكد
حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول نحن الآخرون السابقون وبإسناده قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم
وهاتان الصحيفتان قل أن يوجد في إحداهما حديث إلا وهو في الأخرى
6 - ومن ذلك اعتناؤه في إيراد الطرق وتحويل الأسانيد بإيجاز العبارة مع حسن البيان
7 - ومن ذلك ترتيبه للأحاديث على نسق يشعر بكمال معرفته بدقائق هذا العلم ووقوفه على أسراره وهو أمر لا يشعر به إلا من أمعن النظر في كتابه مع معرفته بأنواع العلوم التي يفتقر إليها صاحب هذه الصناعة كأصول الدين وأصول التفسير وأصول الحديث وأصول الفقه ونحو أصول الفقه الفقه وعلوم العربية وأسماء الرجال ودقائق علم الإسناد والتاريخ مع الذكاء المفرط وجودة الفكر ومداومة الاشتغال به ومذاكرة المشتغلين به متحريا للإنصاف قاصدا للاستفادة والإفادة

وقد أشار بعض العلماء إلى الوجوه التي ظهرت له في ترجيح صحيح مسلم فقال والذي يظهر لي من كلام أبي علي أنه إنما قدم صحيح مسلم لمعنى آخر غير ما نحن بصدده من الشرائط المطلوبة في الصحة بل ذلك لأن مسلما صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه فكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق بخلاف البخاري فإنه ربما كتب الحديث من حفظه ولم يميز ألفاظ رواته ولهذا ربما يعرض له الشك وقد صح عنه أنه قال رب حديث سمعنه بالبصرة فكتبته بالشام
ولم يتصد لما تصدى له البخاري من استنباط الأحكام ليبوب عليها حتى لزم من ذلك تقطيعه للحديث في أبوابه بل جمع مسلم الطرق كلها في مكان واحد واقتصر على الأحاديث دون الموقوفات فلم يعرج عليها إلا في بعض المواضع على سبيل الندرة تبعا لا مقصودا فلهذا قال أبو علي ما قال مع أني رأيت بعض أئمتنا يجوز أن يكون أبو علي ما رأى صحيح البخاري وعندي في ذلك بعد والأقرب ما ذكرته وأبو علي المذكور هو أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم وقد نقل عنه ابن مندة أنه قال ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم
وقال بعض شراح كتاب البخاري بعد أن بين رجحانه على ما سواه من كتب الحديث من جهة الصحة وأكثر ما فضل به كتاب مسلم عليه أنه يجمع المتون في موضع واحد ولا يفرقها في الأبواب ويسوقها تامة ولا يقطعها في التراجم ويحافظ على الإتيان بألفاظها ولا يروي بالمعنى ويفردها ولا يخلط معها شيئا من أقوال الصحابة ومن بعدهم
وقد ذكرنا ذلك فيما سبق
المسألة الثانية جرت عادة كتبة الحديث باختصار بعض ألفاظ الأداء في الخط دون النطق

فمن ذلك حدثنا فإنهم يقتصرون في كتابتها على ثنا وهي الثاء والنون والألف وقد يحذفون الثاء ويقتصرون على الضمير وحده وهو نا
ومن ذلك أخبرنا فإنهم يقتصرون في كتابتها على أنا
وقد التزموا في الغالب تحريف الألف الأخيرة منهما إلى جهة اليمين ليحصل التمييز بينها وبين ما يشابهها في الصورة مما ليس برمز وقد يزيد بعضهم الراء فتصير أرنا وكأن الذي زادها خشي أن يظن أنها مختصرة من أنبأنا وإن جرت عادتهم بعدم اختصارها كما يشاهد فيما لا يحصى من الكتب
ومن ذلك قال ونحو فقد جرت العادة بحذفه فيما بين رجال الإسناد خطا وذكره حال القراءة لفظا مثال ذلك قول البخاري حدثنا صالح بن حيان قال قال عامر الشعبي فإن الكاتب يحذف أحدهما وأما القارئ فإنه ينبغي له أن يلفظ بهما معا
ولو لم يلفظ القارئ بما تركه الكاتب يكون مخطئا غير أن هذا الخطأ لا يؤثر في صحة السماع فقد قال بعض الحفاظ إن الظاهر أن السماع صحيح للعلم بالمقصود ويكون هذا من قبيل الحذف لدلالة الحال عليه
ومما قد يغفل عنه من ذلك ما إذا كان في الإسناد قرئ على فلان أخبرك فلان فينبغي للقارئ أن يقول فيه قيل له أخبرك فلان
وقد وقع في بعض ذلك قرئ على فلان حدثنا فلان فينبغي أن يقال فيه قرئ على فلان قال حدثنا فلان وقد جاء هذا مصرحا به خطا في بعض الكتب ويصح في الصورة الثانية أن يقال قرئ على فلان قيل له قلت حدثنا فلان إلا أن ما ذكر من قبل أخصر
ومن عرف اللغة العربية لم يعسر عليه أن يأتي في كل موضع بما يقتضيه
ومن ذلك أنه قد جرت العادة بحذفه في الخط دون اللفظ وذلك كقول البخاري حدثنا الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عون
والأصح أنه سمع
وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر وأرادوا أن يجمعوا بينهما فقد جرت عادة أهل الحديث إذا انتقلوا من إسناد إلى إسناد أن يكتبوا بينهما ح
وهي حاء مفردة مهلمة وهي مأخوذة من التحول إشارة إلى التحول من إسناد إلى إسناد آخر

وقد توهم بعض الناس أنها خاء معجمة إشارة إلى أنه إسناد آخر أو إشارة إلى الخروج من إسناد إلى إسناد
وسبب ذلك أن المتقدمين لم يتكلموا فيها بشيء وأول من تكلم عنها ابن الصلاح
واختار بعض الحفاظ كونها مأخوذة من حائل لكونها حائلة بين الإسنادين وأنه لا يتلفظ بها وأنكر ما قاله بعضهم من كونها مأخوذة من لفظ الحديث وكان إذا وصل إليها يقول الحديث وكأن هذا الإنكار مبني على كون الحديث لم يذكر
وهذه الحاء الدالة على التحول من إسناد إلى إسناد هي في صحيح مسلم أكثر منها في صحيح البخاري
واختار ابن الصلاح أن يقول القارئ عند الانتهاء إليها حا ويستمر في قراءة ما بعدها وهو أحوط الوجوه وأعدلها وعلى ذلك جرى جل أهل الحديث
وقد كتب بعض الحفاظ في موضعها عوضا منها صح
وحسن إثبات صح هنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط ولئلا يركب الإسناد الثاني على الإسناد الأول فيجعلا إسنادا واحدا
المسألة الثالثة علم الحديث علم عظيم الشأن يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم فمن عزم على طلبه فليقدم إخلاص النية وليسأل الله أن يوفقه ويعينه عليه فإذا أخذ فيه فليجد في الطب وليحرص على التحصيل ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز
وقال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم براحة الجسم
وقال الشافعي لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل وغنى النفس فيفلح ولكن من طلبه بذلة النفس وضيف العيش وخدمة العلماء أفلح
وليبدأ بشيوخ بلده وينبغي أن يتخير المشهور منهم بطلب الحديث المشار إليه

بالإتقان له والمعرفة به وليأخذ المهم مما عندهم فقال قال أبو عبيدة من شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم
فإذا فرغ من ذلك فليرحل إلى غيره من البلاد إن ظهر له أن في ذلك فائدة فإن المقصود بالرحلة أمران أحدهما تحصيل علو الإسناد
والثاني لقاء الحفاظ والمذاكرة لهم والاستفادة منهم فإذا كان الأمران موجودين في بلده ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة بالنظر إلى ما يقصده
وإذا كانا موجودين في بلد الطالب وفي غيره استحبت له الرحلة ليجمع الفائدتين من علو الإسنادين وعلم الطائفتين
وسأل عبد الله بن أحمد أباه هل ترى لطالب العلم أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه أو يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع فيها فقال يرحل فيكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل المدينة ومكة يشام الناس يسمع منهم
والأصل في الرحلة ما روي عن جابر بن عبد الله أنه قال بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

لم اسمعه فابتعت بعيرا فشددت عليه رجلي وسرت شهرا حتى قدمت الشام فأتيت
عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فأتاه فقال له جابر بن عبد الله فأتاني فقال لي فقلت نعم فرجع فأخبره فقام يطأ ثوبه حتى لقيني فاعتنقني واعتنقته فقلت حديث بلغني عنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم - في القصاص ولم أسمعه فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه

فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول يحشر الله العباد أو قال الناس عراة غرلا بهما قلنا ما بهما قال ليس
معهم شيء ثم يناديهم ربهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قلنا كيف وإنما نأتي الله عراة غرلا بهما قال بالحسنات والسيئات
ورحلة موسى إلى الخضير معروفة وهي مذكورة على طريق التفصيل في الصحيح
ويكفي في أمر الرحلة قوله تعالى ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )
ولم يزل السلف والخلف من الأئمة يعتنون بالرحلة قال سعيد بن المسيب إن كنت لأغيب الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد
وقال الشعبي في مسألة كان يرحل فيما دونها إلى المدينة
وقال ابن مسعود لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه
وقال أبو العالية كنا نسمع عن الصحابة فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم
وليجل شيخه ومن يسمع منه فذلك من إجلال العلم ولا يثقل عليه ولا يضجره فإن ذلك يغير الأفهام ويفسد الأخلاق ويحيل الطباع
ومن فعل ذلك فإنه يخشى عليه أن يحرم الانتفاع
ولا يكن ممن يمنعه الحياء أو الكبر عن كثير من الاستفادة والاستزادة فقد قال مجاهد لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر
وقال وكيع لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه

وليحذر من كتمان شيء لينفرد به عن أضرابه فإن ذلك لؤم لا يصدر إلا من جهلة الطلبة الموصوفين بضعة النفس وفاعل ذلك جدير بأن لا ينتفع به
قال إسحاق بن راهويه قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع فوالله ما أفلحوا ولا نجحوا
وقال ابن عباس إخواني تناصحوا في العلم ولا يكتم بعضكم بعضا فإن خيانة الرجل في علمه أشد من خيانته في ماله
وقد روي عن بعض الأئمة أنهم فعلوا ذلك وهو محمول على كتم ذلك عمن لم يروه أهلا لا سيما إن كان ممن يحمله فرط التيه والإعجاب على المحاماة عن الخطأ والمماراة في الصواب
فال الخليل بن أحمد لأبي عبيدة معمر بن المثنى لا تردن على معجب خطأ فيستفيد منك علما ويتخذك به عدوا
ولا يقتصر على سماع الحديث وكتابته دون معرفته وفهمه فيكون ممن أتعب نفسه بدون أن يظفر بطائل قال الخطيب ولو لم يكن في الاقتصار على سماع الحديث وتخليده الصحف دون التمييز بمعرفة صحيحه من فاسده والوقوف على اختلاف وجوهه والتصرف في أنواع علومه إلا تلقيب المعتزلة القدرية من سلك تلك الطريقة بالحشوية لوجب على الطالب الأنفة لنفسه ودفع ذلك عنه وعن أبناء جنسه
وما أحسن قول القائل
( إن الذي يروي ولكنه ... يجهل ما يروي وما يكتب )
( كصخرة تنبع أمواهها ... تسقي الأرض وهي لا تشرب )
وليقدم العناية أولا بمعرفة مصطلح أهل الحديث وأحسن كتاب ألف في ذلك كتاب الحافظ أبي عمرو عثمان المعروف بابن الصلاح قال مؤلفه في آخر النوع الثامن والعشرين في معرفة آداب طالب الحديث ثم إن هذا الكتاب مدخل إلى هذا الشأن مفصح عن أصوله وفروعه شارح لمصطلحات أهله ومقاصدهم

ومهماتهم التي ينقص المحدث بالجهل بها نقصا فاحشا فهو إن شاء الله جدير بأن تقدم العناية به
وقد صار معول كل من جاء بعده
وقد جمع كثير من العلماء نكتا عليه تتضمن إما تقييد مطلق أو إيضاح مغلق أو غير ذلك من فائدة مهمة فينبغي للمعنيين بهذا الأمر الوقوف عليها وتوجيه النظر إليها
ثم ليبدأ بالصحيحين ثم بسنن أبي داود والنسائي والترمذي ثم بسائر ما تمس حاجة صاحب الحديث إليه من كتب المساند وأهمها مسند أحمد ومن كتب الجوامع المصنفة في الأحكام والمقدم منها هو موطأ مالك ومن كتب علل الحديث ومن أجودها كتاب العلل عن أحمد وكتاب العلل عن الدارقطني ومن كتب معرفة الرجال وتواريخ المحدثين ومن أفضلها تاريخ البخاري الكبير وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
وقد اقتفى فيه أثر البخاري ومن كتب الضبط لمشكل الأسماء ومن أكملها كتاب الإكمال لأبي نصر بن ماكولا
ولا يجهد نفسه في الطلب ولا يحملها ما لا تطيق ففي الحديث الصحيح خذوا من الأعمال ما تطيقون
وقال الزهري من طلب العلم جملة فاته جملة
وقال إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة له غلبك ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا تظفر به
ولا يغفل عن المذاكرة فإن لها نفعا جزيلا قال علي بن أبي طالب تذاكروا هذا الحديث وإلا تفعلوا يدرس
وقال عبد الله بن مسعود تذاكروا الحديث فإن حياته مذاكرته
وقال إبراهيم النخعي من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به ولو أن يحدث به من لا يشتهيه
وقال الخليل بن أحمد ذاكر بعلمك تذكر ما عندك وتستفد ما ليس عندك
وليشتغل بالتخريج والتأليف والتصنيف إذا استعد لذلك فقد قال بعض العلماء قلما يمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه ويستبين الخفي من فوائده إلا من جمع متفرقه وألف متشتته وضم بعضه إلى بعض واشتغل

بتصنيف أبوابه وترتيب أصنافه فإن ذلك الفعل مما يقوي النفس ويثبت الحفظ ويذكي القلب ويشحذ الطبع ويبسط اللسان ويجيد البيان ويكشف المشتبه ويوضح الملتبس ويكسب أيضا جميل الذكر ويخلده إلى آخر الدهر كما قال الشاعر
( يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم ... والجهل يلحق أمواتا بأموات )
والتأليف أعم من التخريج والتصنيف والانتقاء إذا التأليف مطلق الضم
والتخريج إخراج المحدث الأحاديث من الكتب وسوقها بروايته أو رواية بعض شيوخه أو نحو ذلك والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين وقد يطلق على مجرد الإخراج والعزو
والتصنيف جعل كل صنف على حدة وقد يطلق على مجرد الضم
والانتقاء إخراج ما يحتاج إليه من الكتب
وللعلماء في تصنيف الحديث وجمعه طريقان إحداهما التصنيف على الأبواب وهو تخريجه على أحكما الفقه وغيره وتنويعه أنواعا وجمع ما ورد في كل حكم وكل نوع في باب بحيث يتميز ما يتعلق بالصلاة مثلا عما يتعلق بالصيام
وأهل هذه الطريقة منهم من اقتصر على إيراد ما صح فقط كالشيخين ومنهم من لم يقتصر على ذلك كأبي داود والترمذي والنسائي
الثانية التصنيف على المساند وهو أن يجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه سواء كان صحيحا أو غير صحيح ويجعله على حدة وإن اختلفت أنواعه
وأهل هذه الطريقة
منهم من رتب أسماء الصحابة على حروف المعجم كالطبراني في المعجم الكبير والضياء المقدسي في المختارة التي لم تكمل
وهذا أسهل تناولا
ومنهم من رتبها على القبائل فقدم بني هاشم ثم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في النسب
ومنهم من رتبها على السبق في الإسلام فقدم العشرة ثم أهل بدر ثم أهل

الحديبية ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح ثم من أسلم يوم الفتح ثم أصاغر الصحابة سنا كالسائب بن يزيد وأبي الطفيل وختم بالنساء
وقد سلك ابن حبان في صحيحه طريقة ثالثة فرتبه على خمسة أقسام وهي الأوامر والنواهي والأخبار عما احتيج إلى معرفته كبدء الوحي والإسراء وما فضل به نبينا على سائر الأنبياء والإباحات وأفعال النبي عليه الصلاة و السلام مما اختص به
ونوع كل واحد من هذه الخمسة إلى أنواع
ولقد أغرب في ذلك كما أغرب بعض المحدثين في بيان سبب إغرابه حيث قال صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المساند ولهذا سماه التقاسيم والأنواع وسببه أنه كان عارفا بالكلام والنجوم والفلسفة ولهذا تلكم فيه ونسب إلى الزندقة وكادوا يحكمون بقتله ثم نفي من سجستان إلى سمرقند
والكشف من كتابه عسير جدا
وقد رتبه بعض المتأخرين على الأبواب وعمل له الحافظ أبو الفضل العراقي أطرافا وجرد الحافظ أبو الحسن الهيثمي زائده على الصحيحين في مجلد
ولهم في جمع الحديث طرق أخرى منها جمعه على حروف المعجم فيجعل مثلا حديث إنما الأعمال بالنيات في حرف الألف
وقد جرى على ذلك أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس وابن طاهر في أحاديث كتاب الكامل لابن عدي
ومنها جمعه على الأطراف وذلك بأن يذكر طرف الحديث ثم يجمع أسانيده إما مع عدم التقيد بكتب مخصوصة أو مع التقيد بها وذلك مثل ما فعل أبو العباس أحمد بن ثابت العراقي في أطراف الكتب الخمسة والمزي في أطراف الكتب الستة وابن حجر في أطراف الكتب العشرة
ومن أعلى المراتب في تصنيف الحديث تصنيفه معللا بأن يجمع في كل حديث طرقه واختلاف الرواة فيه فإن معرفة العلل أجل أنواع الحديث وبها يظهر إرسال ما يكون متصلا أو وقف ما يكون مرفوعا وغير ذلك من الأمور المهمة

وقال البخاري في صحيحه باب إذا أعتق عبدا مشتركا بين اثنين أو أمة بين الشركاء حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال من أعتق عبدا بين اثنين فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق
حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق
حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن

والذين صنفوا في العلل
منهم من رتب كتابه على الأبواب كابن أبي حاتم وهو أحسن لسهولة تناوله
ومنهم من رتب كتابه على المساند كالحافظ الكبير الفقيه المالكي يعقوب بن شيبة البصري نزيل بغداد أخذ عن أحمد وابن المديني وابن معين وتوفي في سنة اثنتين وستين ومئتين فإنه ألف مسندا معللا غير أنه لم يتم ولو تم لكان في نحو مئتي مجلد
والذي تم منه هو مسند العشرة والعباس وابن مسعود وعتبة بن غزوان وبعض الموالي وعمار
ويقال إن مسند علي منه في خمس مجلدات ويقال إنه كان في منزله أربعون لحافا أعدها لمن كان يبيت عنده من الوراقين الذي يبيضون المسند ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار
قال بعض المشايخ إنه لم يتم مسند معلل قط
هذا وقد جرت عادة أهل الحديث أن يفردوا بالجمع والتأليف بعض الأبواب والشيوخ والتراجم والطرق
أما الأبواب فقد أفرد بعض الأئمة بعضها بالتصنيف وذلك كباب رفع اليدين فقد أفرده البخاري بالتصنيف وكذلك باب القراءة خلف الإمام وكباب القضاء باليمين مع الشاهد فقد أفرده الدارقطني بالتصنيف وكباب القنوت فقد أفرده ابن مندة بالتصنيف وكباب البسملة فقد أفرده ابن عبد البر وغيره بذلك وغير ذلك
وأما الشيوخ فقد جمع بعض العلماء حديث شيوخ مخصوصين كل واحد منهم على انفراده فجمع الإسماعيلي حديث الأعمش وجمع النسائي حديث الفضيل بن عياض وجمع غيرهما غير ذلك
وأما التراجم فقد جمعوا ما جاء بترجمة واحدة من الحديث كمالك عن نافع عن ابن عمر وكسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وكهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ونحو ذلك

وأما الطرق فقد جمعوا طرق بعض الأحاديث وذلك كحديث قبض العلم
فقد جمع طرقه الطوسي وحديث من كذب علي متعمدا
فقد جمع طرقه بعض المحدثين وغير ذلك
المسألة الرابعة قد ذكرنا فيما سبق أن طالب علم الحديث ينبغي له أن يقدم العناية أولا بمعرفة مصطلح أهله ثم يبتدئ بالصحيحين ثم بسنن أبي داود والنسائي والترمذي ثم بسائر ما تمس حاجة طالب علم الحديث إليه ومن كتب المساند وكتب الجوامع المصنفة في الأحكام وكتب علل الحديث وكتب معرفة الرجال وتواريخ المحدثين وذكرنا ما يتعلق بالصحيحين على وجه يشرف الناظر فيه على حقيقة أمرهما ويعرف أن لصاحبيهما من الفضل ما لا يقدر قدرة إلا من عرف مقدار عنائهما فيما تصديا له وعنايتهما بإفادة الناس
وقد أحببنا أن ننبه الطالب هنا على أمور ينبغي له أن يقف عليها قبل الشروع فيها ليأخذ للأمر عدته من قبل فعسى أن يصبح بذلك عما قريب معدودا من ذوي الإتقان بل الإيقان عند أهل هذا الشأن
الأمر الأول قد قسم العلماء الحديث الصحيح باعتبار تفاوت درجاته في القوة إلى سبعة أقسام وفائدة هذا التقسيم تظهر عند التعارض والاضطرار إلى الترجيح
القسم الأول ما أحرجه البخاري ومسلم
القسم الثاني ما انفرد به البخاري عن مسلم
القسم الثالث ما انفرد به مسلم عن البخاري
القسم الرابع ما هو على شرطهما ولكن لم يخرجه واحد منهما

القسم الخامس ما هو على شرط البخاري ولكن لم يخرجه
القسم السادس ما هو على شرط مسلم ولكن لم يخرجه
القسم السابع ما ليس على شرطهما ولا شرط واحد منهما ولكنه صح عند أئمة الحديث
وكل قسم من هذه الأقسام يحكم له بالرجحان على ما بعده وهذا الحكم إنما يؤخذ به في الجملة ولذا قال إنه يسوغ أن يحكم برجحان حديث على حديث آخر يكون من القسم الذي هو أعلى منه في الدرجة إذا وجد له من زيادة التمكن من شروط الصحة ما يجعله أرجح منه وعلى ذلك فيرجح ما انفرد به مسلم إذا روي من طرق مختلفة على ما انفرد به البخاري إذا لم يرو إلا من طريق واحدة ويرجح ما أخرجه غيرهما إذا ورد بإسناد يقال فيه إنه أصح إسنادا على ما أخرجه أحدهما لا سيما إن كان في إسناده من فيه مقال
وقال بعض الحفاظ مؤيدا لذلك قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا وذلك كأن يتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث غريب ويخرج مسلم أو غيره حديثا مشهورا أو مما وصفت ترجمته بكونها أصح الأسانيد وبذلك يعلم أن مرادهم بترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم إنما هو ترجيح الجملة على الجملة لا ترجيح كل فرد من أحاديثه على كل فرد من أحاديث الآخر
وهنا أمر ينبغي الانتباه له وهو أن بعض العلماء يظنون أن صاحبي الصحيحين يكتفيان في التصحيح بمجرد النظر إلى حال الراوي في العدالة والضبط وعدم الإرسال من يغر نظر إلى غير ذلك وليس الأمر كما يظنون بل ينظرون مع ذلك إلى حال من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قلتها أو كونه من بلده ممارسا لحديثه أو غريبا عن بلد من أخذ عنه إلى غير ذلك من الأمور المهمة الغامضة التي لا يشعر بها إلا من أمعن النظر فيها مع البراعة في الحديث وأصوله
وقد أشار إلى ذلك بعض الحفاظ حيث قال مجيبا لمن سأله عن شرط البخاري

ومسلم لهذا رجال يروي عنهم يختص بهم ولهذا رجال يروي عنهم يختص بهم وهما مشتركان في رجال آخرين وهؤلاء الذين اتفقا عليهم عليهم مدار الحديث المتفق عليه وقد يروي أحدهم عن رجل في المتابعات والشواهد دون الأصل وقد يروي عنه ما عرف من طريق غيره ولا يروي ما انفرد به وقد يترك من حديث الثقة ما علم أنه أخطأ فيه فيظن من لا خبرة له أن لك ما رواه ذلك الشخص يحتج به أرباب الصحيح وليس الأمر كذلك
وعلم علل الحديث علم شريف يعرفه أئمة الفن كيحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري صاحب الصحيح والدارقطني وغيرهم وهي علوم يعرفها أصحابها
الأمر الثاني قد عرفت أن الخبر إن كان متواترا أفاد العلم قطعا وإن كان غير متواتر بل كان خبر آحاد لم يفد العلم قطعا غير أن في أخبار الآحاد ما يروى على وجه تسكن إليه النفس بحيث يفيد غلبة الظن وهي قد تسمى علما
وذهب بعض العلماء إلى أن أخبار الآحاد إذا كانت مخرجة في الصحيحين أو في أحدهما تفيد العلم قطعا لتلقي الأمة لهما بالقبول
وأنكر الجمهور ذلك وقالوا إن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قطعا ولو كانت مخرجة في الصحيحين أو أحدهما وتلقي الأمة لهما بالقبول إنما يفيد وجوب العمل بما فيهما بناء على أن الأمة مأمورة بالأخذ بكل خبر يغلب على الظن صدقه ولا يفيد أن ما فيهما ثابت في نفس الأمر قطعا
وذلك كالقاضي فإنه مأمور بالحكم بشهادة من كان عدلا في الظاهر وكونه مأمورا بذلك لا يدل على أن شهادة العدل لا بد أن تكون مطابقة للواقع وثابتة في نفس الأمر لاحتمال أن يكون قد شهد بخلاف الواقع إما لوهم وقع له إذا كان

عدلا في نفس الأمر أو لكذب لم يتحرج منه إذا كان عدلا فيما يبدو للناس فقط والقاضي على كل حال قد قام بما وجب عليه
وقد استثنى من ذهب إلى أن أخبار الآحاد إذا كانت مخرجة في الصحيحين أو في أحدهما تفيد العلم قطعا بعض الأحاديث من ذلك وهي الأحاديث التي تكلم فيها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره
قال وهي معروفة عند أهل هذا الشأن
فإذا عرفت هذا ظهر لك أنه يجب على من أراد أن يعرف الصحيحين على وجه الإتقان أن يعرف هذه الأحاديث التي انتقدت وينظر فيما أورد عليها فما لم يجد عنه جوابا سديدا غادره في المستثنى وما وجد عنه جوابا سديدا أخرجه منه وحكم له بالصحة إما في الظاهر والباطن إن كان ممن يأخذ بهذا المذهب أو في الظاهر فقط إن كان ممن يأخذ بمذهب الجمهور
وقد قسموا الأحاديث التي انتقدت عليهما ستة أقسام
القسم الأول ما تختلف الرواية فيه بالزيادة أو النقص من رجال الإسناد فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة وأعل المنتقد ذلك بالطريق الناقصة ينظر فإن كان الراوي قد سمعه فالزيادة لا تضر لأنه يكون قد سمعه بواسطة عن شيخه ثم لقيه فسمعه منه وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع والمنقطع من قسم الضعيف والضعيف لا يعل الصحيح
وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وأعل المنتقد ذلك بالطريق المزيدة ينظر فإن كان ذلك الراوي صحابيا أو ثقة غير مدلس فقد أدرك من روى عنه إدراكا بينا أو صرح بالسماع من طريق أخرى إن كان مدلسا اندفع الاعتراض وثبت عدم الانقطاع فيما صححه صاحب الصحيح وإلا ثبت الانقطاع وحينئذ يجاب أن صاحب الصحيح إنما يخرج مثل ذلك إذا كان له متابع وعاضد وحفته قرينة تقويه فيكون التصحيح قد وقع من حيث المجموع

وقد وقع في البخاري ومسلم من ذلك حديث الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في قصة القبرين وإن أحدهما كان لا يستبرئ من بوله
قال الدارقطني خالف منصور فقال عن مجاهد عن ابن عباس
وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاط طاوس
وقال الترمذي بعد أن أخرج الحديث رواه منصور عن مجاهد عن ابن عباس
وحديث الأعمش أصح يعني المتضمن للزيادة
قال الحافظ ابن حجر وهذا في التحقيق ليس بعلة لأن مجاهدا لم يوصف بالتدليس وسماعه من ابن عباس صحيح في جملة الأحاديث ومنصور عندهم أتقن من الأعمش مع أن الأعمش أيضا من الحفاظ فالحديث كيفما دار دار على ثقة والإسناد كيفما دار كان متصلا فمثل هذا لا يقدح في صحة الحديث إذا لم يكن راويه مدلسا وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا ولم يستوعب الدارقطني انتقاده
القسم الثاني ما تختلف الرواة فيه بتغيير بعض الإسناد فإن أمكن الجمع ولم يقتصر صاحب الصحيح على أحد الوجهين أو الأوجه لكون المختلفين متعادلين في الحفظ ونحوه لم يكن في ذلك شيء وذلك كما في حديث البخاري في بدء الخلق من حديث إسرائيل عن الأعمش ومنصور جميعا عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم -

في غار فنزلت والمرسلات
قال الدارقطني لم يتابع إسرائيل عن الأعمش عن علقمة أما عن منصور فتابعه شيبان عنه
وكذا رواه مغيرة عن إبراهيم عنه
وقد حكى البخاري الخلاف في ذلك
وإن لم يمكن الجمع وكان المختلفون متفاوتين في الحفظ ونحوه فإذا أخرج صاحب الصحيح الطريق الراجحة وأعرض عن غيرها أو أشار إليها لم يكن في ذلك شيء أيضا فإن مجرد الاختلاف غير قادح إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف
وفي البخاري من هذا حديث الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان يجمع بين قتلى أحد ويقدم أقرأهم

قال الدارقطني رواه ابن المبارك عن الأوزاعي عن الزهري مرسلا ورواه معمر عن الزهري عن أبي صعير عن جابر
ورواه سليمان بن كثير عن الزهري حدثني من سمع جابرا وهو حديث مضطرب
قال الحافظ ابن حجر أطلق الدارقطني القول بأنه مضطرب مع إمكان نفي الاضطراب عنه بأن يفسر المبهم بالذي في رواية الليث وتحمل رواية معمر على أنه سمعه من شيخين
وأما رواية الأوزاعي المرسلة فقصر فيها بحذف الواسطة
فهذه طريقة من ينفي الاضطراب عنه وقد ساق البخاري ذكر الخلاف فيه وإنما أخرج رواية الأوزاعي مع انقطاعها لأن الحديث عنده عن عبد الله بن المبارك عن الليث والأوزاعي جميعا عن الزهري فأسقط الأوزاعي عبد الرحمن بن كعب وأثبته الليث وهما في الزهري سواء وقد صرحا بسماعهما له منه فقبل زيادة الليث لثقته ثم قال بعد ذلك ورواه سليمان بن كثير عن الزهري عمن سمع جابرا وأراد بذلك إثبات الواسطة بين الزهري وبين جابر فيه في الجملة وتأكيد رواية الليث بذلك ولم يرها علة توجب اضطرابا
وأما رواية معمر فقد وافقه عليه سفيان بن عيينة فرواه عن الزهري عن ابن أبي صعير وقال ثبتني فيه معمر
فرجعت روايته إلى رواية معمر
القسم الثالث ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه عمن هو أكثر عددا أو اضبط فهذا لا يؤثر الإعلال به إلا إن كانت تلك الزيادة فيها منافاة بحيث يتعذر الجمع
أما إن كانت تلك الزيادة لا منافاة فيها فلا إذ تكون كالحديث المستقل إلا أن يتضح بالدلائل أن تلك الزيادة مدرجة من كلام بعض الرواة
ومثال ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من طريق ابن أبي عروبة وجرير بن حازم عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة من أعتق شقصا
وذكرا فيه الاستسعاء

قال الدارقطني فيما انتقده عليهما قد رواه شعبة وهشام وهما أثبت الناس في قتادة فلم يذكرا الاستسعاء ووافقهما همام وفصل الاستسعاء من الحديث وجعله من قول قتادة وهو الصواب
وقال الأصيلي وابن القطان وغيرهما من أسقط السعاية في الحديث أولى ممن ذكرها لأنها ليست في الأحاديث الأخر من رواية ابن عمر
وقال ابن عبد البر الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكروها
وقال غيره وقد اختلف فيها عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فتارة ذكرها وتارة لم يذكرها فدل على أنها ليست من متن الحديث كما قال غيره
قال مسلم في صحيحه في كتاب العتق حدثنا يحيى بن يحيى قال قلت لمالك حدثك نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل
فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق
وحدثناه قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعا عن الليث بن سعد
ح وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير بن حازم
ح وحدثنا أبو الربيع وأبو كامل قالا حدثنا حماد حدثنا أيوب
ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله
ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد

ح وحدثني إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية
ح وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة
ح وحدثنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب
كل هؤلاء عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث مالك عن نافع
وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما قال يضمن
وحدثني عمرو الناقد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال من أعتق شقصا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له
مال استسعي العبد غير مشقوق عليه
وحدثناه علي بن خشرم أخبرنا عيسى يعني ابن يونس عن سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد وزاد إن لم يكن له مال قوم عليه العبد قيمة عدل ثم يستسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه
حدثني هارون بن عبد الله حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت قتادة يحدث بهذا الإسناد بمعنى حديث ابن أبي عروبة وذكر في الحديث قوم عليه قيمة عدل

ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من أعتق شركا له في مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه فإن لم
يكن له مال يقوم عليه قيمة عدل على المعتق فأعتق ما أعتق
حدثنا مسدد حدثنا بشر عن عبيد الله اختصره
حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال ( من أعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد وكان له من المال ما
يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق ) قال نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق قال أيوب لا أدري أشيء قاله نافع أو شيء في الحديث
حدثنا أحمد بن مقدام حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة أخبرني نافع عن ابن عمر أنه كان يفتي في العبد أو الأمة يكون بين الشركاء فيعتق أحدهم نصيبه منه يقول قد وجب عليه عتقه كله إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ يقوم من ماله قيمة العدل ويدفع إلى الشركاء أنصباؤهم ويخلى سبيل المعتق يخبر ذلك ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ورواه الليث وابن أبي ذئب وابن إسحاق وجويرية ويحيى بن سعيد وإسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
مختصرا
باب إذا أعتق نصيبا في عبد وليس له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه على نحو الكتابة
حدثنا أحمد بن أبي رجاء حدثنا يحيى بن آدم حدثنا جرير بن حازم قال سمعت قتادة قال حدثني النضر بن أنس بن مالك عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -
( من أعتق شقيصا من عبد )

وحدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ( من أعتق نصيبا أو شقيصا في مملوك فخلاصه عليه في ماله إن كان له
مال وإلا قوم عليه فاستسعي به غير مشقوق عليه )
تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة اختصره شعبة
قال بعض شراح البخاري عند ذكر قوله تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة أراد المؤلف بهذا الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ وأن سعيد بن أبي عروبة تفرد به فاستظهر له برواية جرير بن حازم لموافقته ثم ذكر ثلاثة تابعوهما على ذكرها فنفى عنه التفرد
ثم قال واختصره شعبة وكأنه جواب عن سؤال مقدر وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة فكيف ترك ذكر الاستسعاء فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفا لأنه أورده مختصرا وغيره أورده بتمامه والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد
ورواية شعبة أخرجها مسلم والنسائي من طريق غندر عنه عن قتادة بإسناده ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم -
في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه وقال يضمن
ومن طريق معاذ عن شعبة بلفظ من أعتق شقصا من مملوك فهو حر من ماله
وقد اختصر ذكر السعاية هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه اختلف عليه في إسناده فمنهم من ذكر فيه النضر بن أنس ومنهم من لم يذكره
وذهب جماعة من العلماء إلى أن الاستسعاء مدرج في الحديث من كلام قتادة

كما رواه همام بن يحيى عن قتادة بلفظ أن رجلا أعتق شقصا من مملوك فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم -

عتقه وغرمه بقية ثمنه
قال قتادة إن لم يكن له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه
أخرجه الدارقطني والخطابي
وأبى ذلك جماعة منهم الشيخان فصححوا كون الجمع مرفوعا ورجح ذلك ابن دقيق العيد وذلك لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة فإنه كان أكثر ملازمة له وأخذا عنه من همام وغيره وهمام وشعبة وإن كانا أحفظ من سعيد لكن ما روياه لا ينافي ما رواه وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في زيادة سعيد فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع منه ما لم يسمعه غيره
وهذا كله لو انفرد سعيد وهو مع ذلك لم ينفرد
وما أعل به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به مردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ووافقه عليه كثيرون منهم أربعة قد تقدم ذكرهم وهمام هو الذي انفرد بفصل الاستسعاء من الحديث وجعله من قول قتادة فدل على أنه لم يضبطه كما ينبغي
وقد احتج من لا يقول بالاستسعاء بحديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
أخرجه مسلم
ووجه الدلالة فيه أن الاستسعاء لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه وأمره بالسعي في أداء بقية قيمته لورثة الميت
القسم الرابع ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف منهم وفي البخاري من ذلك حديثان
أحدهما حديث أبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده

قال كان للنبي ص -

فرس يقال له اللخيف
قال الدارقطني هذا ضعيف وقد ضعفه أحمد وابن معين وقال النسائي ليس بالقوي
لكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن عباس قال في الميزان أبي وإن لم ثبتا فهو حسن الحديث وأخوه عبد المهيمن واهي
وثانيهما في الجهاد من البخاري في باب إذا أسلم قوم في دار الحرب حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يسمى هنيا على الحمى
الحديث بطوله
قال الدراقطني إسماعيل ضعيف
قال في الميزان إسماعيل محدث مكثر فيه لين روى عن خاله مالك وأخيه عبد الحميد وأبيه وعنه صاحبا الصحيح وإسماعيل القاضي والكبار
قال أحمد لا بأس به
وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى صدوق ضعيف العقل ليس بذاك
وقال أبو حاتم محله الصدق مغفل
وقال النسائي ضعيف
وقال الدارقطني لا أختاره في الصحيح
وقال ابن عدي روى عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد
قال الحافظ ابن حجر أظن الدارقطني إنما ذكر هذا الموضع من حديث إسماعيل خاصة وأعرض عن الكثير من حديثه عند البخاري لكون غيره شاركه في تلك الأحاديث وتفرد بهذا فإن كان كذلك فلم ينفرد بهذا بل تابعه عليه معن بن عيسى فرواه عن مالك كرواية إسماعيل سواء
القسم الخامس ما حكم فيه بالوهم على بعض رواته
وهذا الحكم إنما يقبل إذا ظهر دليل يدل على وقوع الوهم وإلا نسب الوهم إلى من حكم بالوهم
قال بعض الحفاظ قد وقع في صحيح مسلم ألفاظ قليلة غلط فيها الراوي مثل ما روي إن الله خلق التربة يوم السبت وجعل خلق المخلوقات في الأيام

السبعة
فإن هذا الحديث قد بين أئمة الحديث مثل يحيى بن معين وعبد الرحمن بن مهدي والبخاري وغيرهم أنه غلط وأنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

بل صرح البخاري أنه من كلام كعب الأحبار
والقرآن قد بين أن الخلق كان في ستة أيام وثبت في الصحيح أن آخر الخلق كان يوم الجمعة فيكون أول الخلق يوم الأحد
وكذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم -
صلى الكسوف بركوعين أو ثلاثة
فإن الثابت المروي في الصحيحين وغيرهما عن عائشة وابن عباس وعبد الله بن عمرو وغيرهم أنه صلى كل ركعة بركوعين
ولهذا لم يخرج البخاري غير ذلك وضعف هو وغيره من الأئمة حديث الثلاثة والأربع فإن النبي صلى الله عليه وسلم -
إنما صلى الكسوف مرة واحدة
وفي حديث الثلاث والأربع أنه صلى صلاة الكسوف يوم مات إبراهيم ابنه
وحديث الركوعين كان في ذلك اليوم
فمثل هذا الغلط إذا وقع كان في نفس الأحاديث الصحيحة ما يبن أنه غلط والبخاري إذا روى الحديث بطرق في بعضها غلط في بعض الألفاظ ذكر معها الطرق التي تبين ذلك الغلط
وقال وكما أن أهل العلم بالحديث يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ فإنهم يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء يتبين لهم غلطه فيها بأمور يستدلون بها ويسمون هذا علم علل الحديث وهو من أشرف علومهم
وغلط الثقة الصدوق الضابط قد يعرف بسبب ظاهر وقد يعرف بسبب خفي
ومما وقع فيه الغلط ما في بعض طرق البخاري إن النار لا تمتلئ حتى ينشئ الله لها خلقا آخر
وهذا كثير والناس في هذا الباب طرفان
طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله

لا يميز بي الصحيح والضعيف فيشك في صحة أحاديث أو في القطع بها مع كونها معلومة قطعا عند أهل العلم بالحديث
وطرف ممن يدعي اتباع الحديث والعمل به كلما وجد لفظا في حديث قد رواه ثقة و رأى حديثا بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو يجعله دليلا في مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط فكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق وقد يقطع به فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب وقد يقطع به مثل ما يقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل
وقال محمد بن طاهر المقدسي سمعت أبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي ببغداد يقول قال لنا أبو محمد بن حزم ما وجدنا للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين لكل واحد مهما حديث تم عليه في تخريجه الوهم مع إتقانهما وحفظهما وصحة معرفتهما
فذكر من عبد البخاري حديث شريك عن أنس في الإسراء وأنه قبل أن يوحى إليه وفيه شق صدره
قال ابن حزم والآفة من شريك
والحديث الثاني عند مسلم حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس قال كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي ص -

ثلاث أعطنيهن قال نعم الحديث
قال ابن حزم هذا حديث موضوع لا شك في وضعه والآفة فيه من عكرمة بن عمار
وقد أشار شراح صحيح مسلم إلى أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال وقد امتعض بعضهم بما قاله ابن حزم فبالغ في التشنيع عليه وقال إنه كان هجاما على تخطئه الأئمة الكبار وإطلاق اللسان فيهم ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث
وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما وكان مستجاب الدعوة

وقال في الميزان عكرمة بن عمار العجلي اليمامي له رواية عن طاوس وسالم وعطاء ويحيى بن كثير وعنه يحيى القطان وابن مهدي وأبو الوليد وخلق روى أبو حاتم عن ابن معين أنه قال كان أميا حافظا
وقال أبو حاتم صدوق ربما يهم
وقال عاصم بن علي كان مستجاب الدعوة
وقال أحمد بن حنبل ضعيف الحديث وكان حديثه عن إياس بن سلمة صالحا
قال الحاكم أكثر مسلم الاستشهاد به
وقال البخاري لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه عن يحيى
وقال معاذ بن معاذ سمعت عكرمة بن عمار يقول أحرج على رجل يرى القدر إلا قام فخرج عني فإني لا أحدثه
وكانت البصرة عش القدرية
وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلا منكرا عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان وثلاثة أحاديث أخر بالإسناد
وأبو زميل بضم الزاي وفتح الميم واسمه سماك بن الوليد الحنفي اليمامي ثم الكوفي
القسم السادس ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن
وهذا لا يتعرتب عليه قدح في الأكثر وذلك أنه منه ما يمكن الجمع فيه
وما يمكن الجمع فيه هو في الحقيقة غير مختلف بل هو مؤتلف وما لا يمكن الجمع فيه فإنه يؤخذ فيه بالراجح إن تبين رجحان بعض الروايات على بعض
ويبقى الإشكال في نوع واحد منه وهو ما لم يمكن الجمع فيه ولا ظهر رجحان بعض الروايات فيه على بعض
وهذا لا سبيل فيه إلا التوقف وهذا فيما يظهر نادر جدا لأنه يبعد مع كثرة المرجحات أن لا يجد العالم النحرير مرجحا لإحدى الروايات على غيرها لا سيما بعد المبالغة في البحث والتتبع
ومن أمثلة القسم السادس حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وحديث جابر في قصة الجمل وحديثه في وفاء دين أبيه
وقد ذكرنا حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وما يتعلق بذلك على وجه التفصيل في بحث المضطرب

واعلم أن الدارقطني وغيره من أئمة النقد لم يتعرضوا لاستيفاء النقد فيما يتعلق بالمتن كما تعرضوا لذلك في الإسناد وذلك لأن النقد المتعلق بالإسناد دقيق غامض لا يدركه إلا أفراد من أئمة الحديث المعروفين بمعرفة علله بخلاف النقد المتعلق بالمتن فإنه يدركه كثير من العلماء الأعلام المشتغلين بالعلوم الشرعية والباحثين عن مسائلها الأصلية والفرعية ككثير من المفسرين والفقهاء وأهل أصول الفقه وأصول الدين
وقد وهم هنا أناس فظن بعضهم أن المحدث ليس له أن يتعرض للنقد من جهة المتن فكأنه توهم ذلك من جعلهم وظيفة المحدث التعرض للنقد من جهة الإسناد أنه يمنع من التعرض للنقد من جهة المتن
مع أن مقصودهم بذلك بيان أن النقد من جهة الإسناد هو من خصائصه لعدم اقتدار غيره على ذلك
فينبغي له أن لا يقصر فيما يطلب منه
فإذا قم بذلك فله أن يتعرض للنقد من جهة المتن إذا ظهر له في المتن علة قادحة فيه فحكمه حكم غيره فكما أن غيره له أن يتعرض للنقد من جهة المتن إذا ظهر له ما يوجبه فله هو ذلك إذا ظهر له ما يوجبه بل هو أرجح من غيره
وقد تعرض كثير من أئمة الحديث للنقد من جهة المتن إلا أن ذلك قليل جدا بالنسبة لما تعرضوا له من النقد من جهة الإسناد لما عرفت
فمن ذلك قول الإسماعيلي بعد أن أورد الحديث الذي رواه البخاري عن ابن أبي أويس عن أخيه عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة الحديث هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما بأبيه خزيا له مع إخباره بأن الله قد وعده أن لا يخزيه يوم يبعثون وأعلمه بأنه لا خلف لوعده
وقد أعل الدارقطني هذا الحديث من جهة الإسناد فقال هذا رواه إبراهيم بن

طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
وأجيب عن ذلك بأن البخاري قد علق حديث إبراهيم بن طهمان في التفسير فلم يهمل حكاية الخلاف فيه
وينبغي للناظر في الصحيحين أن يبحث عما انتقد عليهما من الجهتين فبذلك تتم له الدراية فيما يتعلق بالرواية
الأمر الثالث قد أشار مسلم في أول مقدمة صحيحه إلى الباعث له على تأليفه وإلى ما يريد أن يورده فيه من أقسام الحديث حيث قال
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على خاتم النبيين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أما بعد فإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك ذكرت أنك هممت بالفحص عن تعرف الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في سنن الدين وأحكامه وما كان منها في الثواب والعقاب والترغيب والترهيب
وغير ذلك من صنوف الإسناد بالأسانيد التي بها نقلت وتداولها أهل العلم فيما بينهم فأردت أرشدك الله أن توقف على جملتها مؤلفة محصاة
وسألتني أن ألخصها لك في التأليف بلا تكرار يكثر فإن ذلك زعمت يشغلك عما له قصدت من التفهم فيها والاستنباط منها وللذي سألت أكرمك الله حين رجعت إلى تدبره وما يؤول إليه الحال إن شاء الله عاقبة محمودة ومنفعة موجودة
وظننت حين سألتني تجشم ذلك أن لو عزم لي عليه وقضي له تمامه كان أول من يصيبه نفع ذلك إياي خاصة قبل غيري من الناس لأسباب كثيرة يطول بذكرها الوصف إلا أن جملة ذلك أن ضبط القليل من هذا الشأن وإتقانه أيسر على المرء من معالجة الكثير منه ولا سيما عند من لا تمييز عنده من العوام إلا بأن يوقفه على التمييز غيره

وإذا كان الأمر في هذا كما وصفناه فالقصد منه إلى الصحيح القليل أولى بهم من ازدياد السقيم وإنما يرجى بعض المنفعة في الاستكثار من هذا الشأن وجمع المكررات منه لخاصة من الناس من رزق فيه بعض التيقظ والمعرفة بأسبابه وعلله فذلك إن شاء الله يهجم بما أوتي من ذلك على الفائدة في الاستكثار من جمعه فإما عوام الناس الذين هم بخلاف معاني الخاص من أهل التيقظ والمعرفة فلا معنى لهم في طلب الكثير وقد عجزوا عن معرفة القليل
ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت عنه وتأليفه على شريطة سوف أذكرها وهو أنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي
موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام فلا بد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئته إذا طاق ذلك أسلم
فأما ما وجدنا بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فصله إن شاء الله تعالى
فأما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون ناقلها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوا لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك في حديثهم
فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم من حمال

الآثار ونقال الأخبار فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة
ثم ذكر أنه لا يخرج فيه الأحاديث المروية عن قوم هم عند أهل الحديث أو عند الأكثر منهم متهمون وكذلك من الغالب على حديثهم المنكر أو الغلط وأن علامة المنكر في حديث المحدث أن تخالف روايته رواية غيره من أهل الحفظ أو لا تكاد توافقها فإذا كان الأغلب من حديثه ذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله
ثم قال وقد شرحنا من مذهب الحديث وأهله بعض ما يتوجه به من أراد سبيل القوم ووفق لها وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحا عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح إن شاء الله تعالى
وبعد يرحمك الله فلولا الذي رأينا من سوء صنع كثير ممن نصب نفسه محدثا فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيرا مما يقذفون به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر عن قوم غير مرضيين ممن ذم الرواية عنهم أئمة الحديث مثل مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من الأئمة لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا إجابتك على ما سألت
وقد اختلف العلماء فيما ذكره مسلم هنا وهو أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام الأول ما رواه الحفاظ المتقنون
والثاني ما رواه المستورون المتوسطون في

الحفظ والإتقان
والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يتشاغل به ولا يعرج عليه
فقال بعضهم إن مسلما كان أراد أن يفرد لكل قسم من القسمين كتابا فاخترمته المنية قبل إخراج القسم الثاني وإنه إنما أتى بالقسم الأول
وقال بعضهم إن مسلما قد ذكر في كتابه حديث الطبقتين الأوليين وأتى بحديث الثانية منهما على طريق الإتباع للأولى والاستشهاد أو حيث لم يجد للطبقة الأولى شيئا وذكر فيه أقواما تكلم فيهم قوم وزكاهم آخرون ممن ضعف أو اتهم ببدعة وخرج حديثهم
وكذلك فعل البخاري وكذلك علل الحديث التي ذكر ووعد بأنه يأتي بها فقد جاء بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد والنقص والزيادة وذكر تصحيف المصحفين فيكون مسلم قد استوفى غرضه في تأليفه وأدخل في كتابه كل ما وعد به وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وأمعن النظر في كثير من الأبواب
وعلى هذا ينبغي لمن يشتغل بصحيح مسلم أن ينتبه إلى ذلك ليكون على بصيرة في أمره
ومن تدبر الأمور التي ذكرنا أن من يريد معرفة الصحيحين كما ينبغي ينبغي له أن يتنبه إليها ويبحث عنها تبين له أنه لا يوجد في مجموع شروحهما المشهورة ما يفي بذلك ولم يستغرب قول كثير من علماء المغرب شرح كتاب البخاري دين على الأمة
يعنون أن علماء الأمة لم يفوا بما يجب له من الشرح على الوجه الذي أشرنا إليه
وقد ذكر بعض أرباب الأخبار ممن أشرف من كل فن من الفنون المشهورة على طرف منها أن الناس إنما استصعبوا شرحه من أجل ما يحتاج إليه من معرفة

الطرق المتعددة ورجالها من أهل الحجاز والشام والعراق ومعرفة أحوالهم واختلاف الناس فيهم
وكذلك يحتاج إلى إمعان النظر في تراجمه فإنه يترجم الترجمة ويورد فيها الحديث بسند وطريق ثم يترجم أخرى وفيها ذلك الحديث بعينه لما تضمنه من المعنى الذي ترجم به الباب
وكذلك في ترجمة وترجمة إلى أن يتكرر الحديث في أبواب كثيرة بحسب معانيه واختلافها
وأن من شرحه ولم يستوف هذا لم يقف بحق الشرح وأن قول من قالوا شرح البخاري دين على الأمة
يعنون به أن أحدا من علماء الأمة لم يف بما يجب له من الشرح بهذا الاعتبار
ولا يخفى أن معرفة وجه الجمع بين الترجمة والحديث ليس من الأعراض التي تهم كثيرا طالب علم الحديث
على أن المواضع التي لم يظهر فيها وجه الجمع بين الترجمة والحديث هي قليلة جدا
وسبب ذلك يظهر مما ذكره الباجي في مقدمة كتابه في أسماء رجال البخاري حيث قال أخبرني الحافظ أبو ذر عبد بن أحمد الهروي قال حدثنا الحافظ

أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض
قال الباجي وإنما أوردت هذا هنا لما عني به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها وتكلفهم من ذلك من تعسف التأويل ما لا يسوغ
قال الحافظ ابن حجر قلت هذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر الجمع بين الترجمة والحديث وهي مواضع قليلة جدا ستظهر كما سيأتي إن شاء الله تعالى
فالذي يهم طالب علم الحديث لذاته كثيرا في كل باب إنما هو معرفة ما صح فيه من الحديث ومعرفة إسناده الذي تتوقف عليه صحته
وأما ما ذكره من معرفة الطرق المتعددة ورجالها ومعرفة أحوالهم واختلاف الناس فيهم فإن هذا أمر ليس بالصعب الوعر المسلك البعيد المدرك بل كثيرون ممن هم دون شراحه في معرفة علوم الحديث يحسنون ذلك ويقدرون على القيام بما يلزم من ذلك
على أن الشيخين لا سيما البخاري لم يكونا ينظران في التصحيح والتضعيف إلى مجرد الإسناد بل ينظران إلى أمور أخرى كما سبق بيانه
فالواجب في الشرح الوافي بالمرام أن يكون فيه وراء ما ذكر بيان درجة كل حديث فيه وبيان وجه الجمع بينه وبين غيره إذا كان معارضا له عند إمكان الجمع وبيان الراجح من المتعارضين عند عدم إمكان الجمع إلى غير ذلك من المطالب المهمة
ولنرجع إلى المقصود بالذات في هذا الفصل وهو الرواية بالمعنى فنقول لا خلاف في أن الأولى إيراد الحديث بلفظه دون التصرف فيه إلا أنه قد يضطر في بعض المواضع إلى الرواية بالمعنى وذلك فيما إذا لم يستحضر الراوي اللفظ وإنما بقي معناه في ذهنه فلو لم تجوز له الرواية بالمعنى ضاع الحكم المستفاد منه فكان في ذلك مفسدة لا سيما إن كان الحكم من الأحكام المهمة التي تضطر إلى

معرفتها الأمة فلم يكن بد من تجويز الرواية بالمعنى في هذه الصورة
وشرطوا أن يكون الراوي بالمعنى من العارفين بمدلولات الألفاظ الواقفين على ما يحيل معانيها بحيث إذا غير الألفاظ لم يتغير معنى الأصل بوجه من الوجوه
وشرط بعضهم مع ذلك أن يشير إلى أن روايته قد حصلت بالمعنى
إلا أنه بعد البحث والتتبع تبين أن كثيرا ممن روى بالمعنى قد قصر في الأداء ولذلك قال بعضهم ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع لكثير من الرواة قديما وحديثا
وقد نشأ عن الرواية بالمعنى ضرر عظيم حتى عد من جملة أسباب اختلاف الأمة قال بعض المؤلفين في ذلك في مقدمة كتابه إن الخلاف قد عرض للأمة من ثمانية أوجه
وجميع وجوه الخلاف متولدة منها ومتفرعة عنها
الأول منها اشتراك الألفاظ واحتمالها للتأويلات الكثيرة
الثاني الحقيقة والمجاز
الثالث الإفراد والتركيب
الرابع الخصوص والعموم
الخامس الرواية والنقل
السادس الاجتهاد فيما لا نص فيه
السابع الناسخ والمنسوخ
الثامن الإباحة والتوسيع
وقال في باب الخلاف العارض من جهة الرواية والنقل هذا الباب لا تتم الفائدة التي قصدناها منه إلا بمعرفة العلل التي تعرض للحديث فتحيل معناه فربما أوهمت فيه معارضة بعضه لبعض وربما ولدت فيه إشكالا يحوج العلماء إلى طلب التأويل البعيد

فاعلم أن الحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وعن أصحابه والتابعين لهم تعرض له ثماني علل أولاها فساد الإسناد
والثانية من جهة نقل الحديث على معناه دون لفظه
والثالثة من جهة الجهل بالإعراب
والرابعة من جهة التصحيف
والخامسة من جهة إسقاط شيء من الحديث لا يتم المعنى إلا به
والسادسة أن ينقل المحدث الحديث ويغفل السبب الموجب له أو بساط الأمر الذي جر ذكره
السابع أن يسمع المحدث بعض الحديث ويفوته سماع بعضه
الثامنة نقل الحديث من الصحف دون لقاء الشيوخ
وقد أحببنا أن نقتصر مما ذكر على ما هو أمس بما نحن بصدده
العلة الأولى وهي فساد الإسناد
وهذه العلة هي أشهر العلل عند الناس حتى إن كثيرا منهم يتوهم أنه إذا صح الإسناد صح الحديث وليس كذلك فإنه قد يتفق أن يكون رواة الحديث مشهورين بالعدالة معروفين بصحة الدين والأمانة غير مطعون عليهم ولا مستراب بنقلهم ويعرض مع ذلك لأحاديثهم أعراض على وجوه شتى من غير قصد منهم إلى ذلك
والإسناد يعرض له الفساد من أوجه منها الإرسال وعدم الاتصال ومنها أن يكون بعض رواته صاحب بدعة أو متهما بكذب وقلة ثقة أو مشهورا ببلة وغفلة أو يكون متعصبا لبعض الصحابة منحرفا عن بعضهم فإن من كان مشهورا بالتعصب ثم روى حديثا في تفضيل من يتعصب له ولم يرد من غير طريقه لزم أن يستراب به
وذلك أن إفراط عصبية الإنسان لمن يتعصب له وشدة محبته يحمله على افتعال الحديث وإن لم يفتعله بدله وغير بعض حروفه
ومما يبعث على الاسترابة بنقل الناقل أن يعلم منه حرص على الدنيا وتهافت على الاتصال بالملوك ونيل المكانة والحظوة عندهم فإن من كان بهذه الصفة لم يؤمن عليه التغيير والتبديل والافتعال للحديث والكذب حرصا على مكسب يحصل عليه ألا ترى قول القائل
( ولست وإن قربت يوما ببائع ... خلاقي ولا ديني ابتغاء التحبب )

( ويعتده قوم كثير تجارة ... ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي )
وقد روي أن قوما من الفرس واليهود وغيرهم لما رأوا الإسلام قد ظهر وعم ودوخ وأذل جميع الأمم ورأوا أنه لا سبيل إلى مناصبته رجعوا إلى الحيلة والمكيدة فأظهروا الإسلام من غير رغبة فيه وأخذوا أنفسهم بالتعبد والتقشف فلما حمد الناس طريقتهم ولدوا الأحاديث والمقالات وفرقوا الناس فرقا
وإذا كان عمر بن الخطاب يتشدد في الحديث ويتوعد عليه والزمان زمان والصحابة متوافرون والبدع لم تظهر والناس في القرن الذي أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فما ظنك بالحال في الأزمنة التي ذمها وقد كثرت البدع وقلت الأمانة
وللبخاري أبي عبد الله في هذا الكتاب عناء مشكور وسعي مبرور
وكذلك لمسلم وابن معين فإنهم انتقدوا الحديث وحرروه ونبهوا على ضعفاء المحدثين والمتهمين بالكذب حتى ضج من ذلك من كان في عصرهم وكان ذلك أحد الأسباب التي أوغرت صدور الفقهاء على البخاري فلم يزالوا يرصدون له المكاره حتى أمكنتهم فيه فرصة بكلمة قالها فكفروه بها وامتحنوه وطردوه من موضع إلى موضع

العلة الثانية وهي نقل الحديث على المعنى دون اللفظ بعينه
وهذا باب يعظم الغلط فيه جدا وقد نشأت منه بين الناس شغوب شنيعة وذاك أن أكثر المحدثين لا يراعون ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم -

التي نطق بها وإنما ينقلون إلى من بعدهم معنى ما أراده بألفاظ أخرى ولذلك
نجد الحديث الواحد في المعنى الواحد يرد بألفاظ شتى ولغات مختلفة يزيد بعض ألفاظها على بعض على أن اختلاف ألفاظ الحديث قد يعرض من أجل تكرير النبي صلى الله عليه وسلم - له في مجالس مختلفة وما كان من الحديث بهذه الصفة فليس كلامنا فيه وإنما كلامنا في اختلاف الألفاظ الذي يعرض من أجل نقل الحديث على المعنى
ووجه الغلط الواقع من هذه الجهة أن الناس يتفاضلون في قرائحهم وأفهامهم كما يتفاضلون في صورهم وألوانهم وغير ذلك من أمورهم وأحوالهم فربما اتفق أن يسمع الراوي الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم -
أو من غيره فيتصور معناه في نفسه على غير الجهة التي أرادها وإن عبر عن
ذلك المعنى الذي

تصور في نفسه بألفاظ أخر كان قد حدث بخلاف ما سمع من يغر قصد منه إلى ذلك
وذلك أن الكلام الواحد قد يحتمل معنيين وثلاثة وقد يكون فيه اللفظة المشتركة التي تقع على الشيء وضده ففي مثل هذا يجوز أن يذهب النبي صلى الله عليه وسلم -

إلى المعنى الواحد ويذهب الراوي عنه إلى المعنى الآخر فإذا أدى معنى ما
سمع دون لفظه بعينه كان قد روى عنه ضد ما أراده غير عامد ولو أدى لفظه بعينه لأوشك أن يفهم منه الآخر ما لم يفهم الأول وقد علم ص - أن هذا سيعرض بعده فقال محذرا من ذلك ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع )
وإن أحببت أن تعرف مقدار ما قد تؤدي إليه الرواية بالمعنى فيكفيك أن تنظر في الحديث الذي انفرد بإخراجه مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه فقال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم -
وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون
بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها
ثم رواه من رواية الوليد عن الأوزاعي أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنسا يذكر ذلك
وروى مالك في الموطأ عن حميد عن أنس قال صليت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
وزاد فيه الوليد بن مسلم عن مالك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وقد أعل بعض المحدثين الحديث المذكور وقالوا إن من رواه باللفظ المذكور قد رواه بالمعنى الذي وقع في نفسه فإنه فهم من قول أنس كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين أنهم كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فرواه على ما فهم وأخطأ لأن مراد أنس بيان أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور

هي الفاتحة وليس مراده بذلك أنهم كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم
فانظر إلى ما أدت إليه الرواية بالمعنى على قول هؤلاء حتى نشأ بذلك من الاختلاف في هذا الأمر المهم ما لا يخفى على ناظره
وقال ابن الصلاح في الأحاديث الواردة في الصحيح المتعلقة بدخول الجنة بمجرد الشهادة مثل حديث من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة
وحديث من شهد أن لا إله إلى الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار
وحديث لا يشهد أحد أنه لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه يجوز أن يكون ذلك اقتصارا من بعض الرواة نشأ من تقصيره في الحفظ والضبط لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بدلالة مجيئه تاما في رواية غيره ويجوز أن يكون اختصارا من رسول الله
فيما خاطب به الكفار عبدة الأوثان الذين كان توحيدهم لله تعالى مصحوبا بسائر ما يتوقف عليه الإسلام ومستلزما له
واعلم أن الرواية بالمعنى قد أحسن بضررها كثير من العلماء وشكوا منها على اختلاف علومهم غير أن معظم ضررها كان في الحديث والفقه لعظم أمرهما وقد نسب لكثير من العلماء الأعلام أقوال بعيدة عن السداد جدا اتخذها كثير من خصومهم ذريعة للطعن فيهم والازدراء بهم ثم تبين بعد البحث الشديد والتتبع أنهم لم يقولوا بها وإنما نشأت نسبتها إليهم من أقوال رواها الراوي عنهم بالمعنى فقصر في التعبير عما قالوه فكان من ذلك ما كان
فينبغي لكل ذي نباهة أن لا يبادر بالاعتراض على المشهورين بالفضل والنبل بمجرد أن يبلغه قول ينبو السمع عنه عن أحد منهم وليتثبت في ذلك وإلا كان جديرا بالملام
هذا وقد تعرض العلامة النحرير نجم الدين أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي للضرر الذي نشأ من الرواية بالمعنى في مذهبه فقال في آخر كتاب صفة المفتي في باب جعله لبيان عيوب التأليف وغير ذلك ليعرف المفتي كيف يتصرف في المنقول

ويقف على مراد القائل ما يقول ليصح نقله للمذهب وعزوه إلى الإمام أو إلى بعض من إليه ينسب
اعلم أن أعظم المحاذير في التأليف النقلي إهمال نقل الألفاظ بأعيانها والاكتفاء بنقل المعاني مع قصور الناقل عن استيفاء مراد المتكلم الأول بلفظه وربما كانت بقية الأسباب مفرعة عنه لأن القطع بحصول مراد المتكلم بكلامه أو الكاتب بكتابه مع ثقة الراوي تتوقف على انتفاء الإضمار والتخصيص والنسخ والتقديم والتأخير والاشتراك والتجوز والتقدير والنقل والمعارض العقلي
فكل نقل لا يؤمن معه حصول بعض الأسباب لا نقطع بانتفائها نحن ولا الناقل ولا نظن عدمها ولا قرينة تنفيها ولا نجزم فيه بمراد المتكلم بل ربما ظنناه أو توهمناه
ولو نقل لفظه بعينه وقرائنه وتاريخه وأسبابه انتفى هذا المحذور أو أكثره
وهذا من حيث الإجمال وإنما يحصل الظن به حينئذ بنقل المتحري فيعذر تارة لدعوى الحاجة إلى التصرف لأسباب ظاهرة ويكفي ذلك في الأمور الظنية وأكثر المسائل الفروعية
وأما التفصيل فهو أنه لما ظهر التظاهر بمذاهب الأئمة والتناصر لها من علماء الأمة وصار لكل مذهب منها أحزاب وأنصار وصار دأب كل فريق نصر قول صاحبهم وقد لا يكون أحدهم اطلع على مأخذ إمامه في ذلك الحكم فتارة يثبته بما أثبته إمامه ولا يعلم بالموافقة وتارة يثبته بغيره ولا يشعر بالمخالفة
ومحذور ذلك ما يستجيزه فاعل هذا من تخريج أقاويل إمامه في مسألة إلى مسألة أخرى والتفريع على ما اعتقده مذهبا له بهذا التعليل وهو لهذا الحكم غير دليل ونسبة القولين إليه بتخريجه وربما حمل كلام الإمام فيما خالف نظيره على ما يوافقه استمرارا لقاعدة تعليله وسعيا في تصحيح تأويله وصار كل منهم ينقل عن الإمام ما سمعه منه أو بلغه عنه من غير ذكر سبب لا تاريخ فإن العلم بذلك قرينة في فهم مراده من ذلك اللفظ كما سبق

فيكثر لذلك الخبط لأن الآتي بعده يجد عن الإمام اختلاف أقوال واختلاف أحوال فيتعذر عليه نسبة أحدهما إليه على أنه مذهب له يجب مصير مقلده إليه دون بقية أقاويله إن كان الناظر مجتهدا وأما إن كان مقلدا فغرضه معرفة مذهب إمامه بالنقل عنه ولا يحصل غرضه من جهة نفسه لأنه لا يحسن الجمع ولا يعلم التاريخ لعدم ذكره ولا الترجيح عند التعارض بينهما لتعذره منه
وهذا المحذور إنما لزم من الإخلال بما ذكرناه فيكون محذورا
ولقد استمر كثير من المصنفين والحاكمين على قولهم مذهب فلان كذا ومذهب فلان كذا
فإن أرادوا بذلك
أنه نقل عنه فقط فلم يفتون به في وقت ما على أنه مذهب الإمام وإن أرادوا أنه المعول عليه عنده ويمتنع المصير إلى غيره للمقلد فلا يخلو حينئذ إما أن يكون التاريخ معلوما أو مجهولا فإن كان معلوما فلا يخلو أن يكون مذهب إمامه أن القول الأخير ينسخ إذا كان مناقضا كالأخبار أو ليس مذهبه كذلك بل يرى عدم نسخ الأول بالثاني
أو لم ينقل عنه شيء من ذلك فإن كان مذهبه اعتقاد النسخ فالأخير مذهبه فلا يجوز الفتوى بالأول للمقلد ولا التخريج منه ولا النقض به وإن كان مذهبه أنه لا ينسخ الأول بالثاني عند التنافي فإما أن يكون الإمام يرى جواز الأخذ بأيهما شاء المقلد إذا أفتاه المفتي أو يكون مذهبه الوقف أو شيئا آخر فإن كان مذهبه القول بالتخيير كان الحكم واحدا وإلا تعدد ما هو خلاف الغرض وإن كان ممن يرى الوقف تعطل الحكم حينئذ ولا يكون له فيها قول يعمل عليه سوى الامتناع من العمل بشيء من أقواله
وإن لم ينقل عن إمامه شيء من ذلك فهو لا يعرف حكم إمامه فيها فيكون شبيها بالقول بالوقف في أنه يمتنع من العمل بشيء منها
هذا كله إن علم التاريخ وأما إن جهل فإما أن يمكن الجمع بين القولين باختلاف حالين أو محلين أو ليس يمكن

فإن أمكن فإما أن يكون مذهب إمامه جواز الجمع حينئذ كما في الآثار أو وجوبه أو التخير أو الوقف أو لم ينقل عنه شيء من ذلك
فإن كان الأول أو الثاني فليس له حينئذ إلا قول واحد وهو ما اجتمع منهما فلا يحل حينئذ الفتيا بأحدهما على ظاهره على وجه لا يمكن الجمع
وإن كان الثالث فمذهبه أحدهما بلا ترجيح وهو بعيد سيما مع تعذر تعادل الأمارات
وإن كان الرابع والخامس فلا عمل إذا
وأما إن لم يمكن الجمع مع الجهل بالتاريخ فإما أن يعتقد نسخ الأول بالثاني أولا فإن كان يعتقد ذلك وجب الامتناع عن الأخذ بأحدهما لأنا لا نعلم أيهما هو المنسوخ عنده وإن لم يعتقد النسخ فإما التخيير وإما الوقف أو غيرهما فالحكم في الكل سبق
ومع هذا كله فإنه يحتاج إلى استحضار ما اطلع عليه من نصوص إمامه عند حكاية بعضها مذهبا له
ثم لا يخلو إما أن يكون إمامه يعتقد وجو تجديد الاجتهاد في ذلك أولا فإن اعتقده وجب عليه تجديده في كل حين أراد حكاية مذهبه وهذا يتعذر في مقدرة البشر إلا أني شاء الله تعالى لأن ذلك يستدعي الإحاطة بما نقل عن الإمام في تلك المسألة على جهته في كل وقت يسأل
ومن لم يصنف كتبا في المذهب بل أخذ أكثر مذهبه من قوله وفتاويه كيف يمكن حصر ذلك عنه هذا بعيد عادة
وإن لم يكن مذهب إمامه وجوب تجديد الاجتهاد عند نسبة بعضها إليه مذهبا له ينظر فإن قيل ربما لا يكون مذهب أحد القول بشيء من ذلك فضلا عن الإمام قلنا نحن لم نجزم بحكم فيها بل رددنا نقل هذه الأشياء عن الإمام
وقلنا إن كان كذا لزم منه كذا ويكفي في إيقاف إقدام هؤلاء تكليفهم نقل هذه الأشياء عن الإمام ومع ذلك فكثير من هذه الأقسام قد ذهب إليه كثير من الأئمة وليس هذا موضع بيانه فلينظر من أماكنه
وإنما يقابلون هذا التحقيق بكثرة نقل الروايات والأوجه والاحتمالات

والتهجم على التخريج والتفريع حتى لقد صار هذا عادة وفضيلة فمن لم يأت بذلك لم يكن عندهم بمنزلة فالتزموا للحمية نقل ما لا يجوز نقله لما علمته آنفا
ثم قد عم أكثرهم بل كلهم نقل أقاويل يجب الإعراض عنها في نظرهم بناء على كونها قولا ثالثا وهو باطل عندهم أو لأنها مرسلة في سندها عن قائها وخرجوا ما يكون بمنزلة قول ثالث بناء على ما يظهر لهم من الدليل فما هؤلاء بمقلدين حينئذ
وقد يحكي أحدهم في كتابه أشياء يتوهم المسترشد أنها إما مأخوذة من نصوص الإمام أو مما اتفق الأصحاب على نسبتها إلى الإمام مذهبا له ولا يذكر الحاكي له ما يدل على ذلك ولا أنه اختيار له ولعله يكون قد استنبطه أو رآه وجها لبعض الأصحاب أو احتمال فهذا أشبه بالتدليس فإن قصده فشبه المين وإن وقع سهوا أو جهلا فهو أعلى مراتب البلادة والشين كما قيل
( فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم )
وقد يحكون في كتبهم ما لا يعتقدون صحته ولا يجوز عندهم العمل به ويدفعهم إلى ذلك تكثير الأقاويل لأن من يحكي عن الإمام أقوالا متناقضة أو يخرج خلاف المنقول عن الإمام فإنه لا يعتقد الجمع بينهما على وجه الجمع بل إما التخيير أو الوقف أو البدل أو الجمع بينها على وجه يلزم عنها قول واحد باعتبار حالين أو محلين وكل واحد من هذه الأقسام حكمه خلاف حكم هذه الحكاية عند تعريها عن قرينة مفيدة لذلك والغرض كذلك
وقد يشرح أحدهم كتابا ويجعل ما يقوله صاحب الكتاب المشروح رواية أو وجها أو اختيارا لصاحب الكتاب ولم يكن ذكره عن نفسه أو أنه ظاهر المذهب من غير أن يبين سبب شيء من ذلك وهذا إجمال وإهمال
وقد يقول أحدهم الصحيح من المذهب أو ظاهر المذهب كذا ولا يقول وعندي ويقول غيره خلاف ذلك فليس يقلد العامي إذا فإن كلا منهم يعمل بما يرى فالتقليد إذا ليس للإمام بل للأصحاب في أن هذا مذهب الإمام

ثم إن أكثر المصنفين والحاكمين قد يفهمون معنى ويعبرون عنه بلفظ يتوهمون أنه واف بالغرض وليس كذلك فإذا نظر أحد فيه وفي قول من أتى بلفظ واف بالغرض ربما يتوهم أنها مسألة خلاف لأن بعضهم قد يفهم من عبارة من يثق به معنى قد يكون على وفق مراد المصنف وقد لا يكون فيحصر ذلك المعنى في لفظ وجيز فبالضرورة يصير مفهوم كل واحد من اللفظين من جهة التنبيه وغيره وغير مفهوم الآخر
وقد يذكر أحدهم في مسألة إجماعا بناء على عدم علمه بقول يخالف ما يعلمه
ومن تتبع حكاية الإجماعات ممن يحكيها وطالبه بمستنداتها علم صحة ما ادعيناه
وربما أتى بعض الناس بلفظ يشبه قول من قبله ولم يكن أخذه منه فيظن أنه قد أخذه منه فيحمل كلامه على محمل كلام من قبله فإن رؤي مغايرا له نسب إلى السهو أو الجهل أو تعمد الكذب أو يكون قد أخذ منه وأتى بلفظ يغاير مدلول كلام من أخذ منه فيظن أنه لم يأخذ منه فيحمل كلامه على غير محمل كلام من أخذ منه فيجعل الخلاف فيما لا خلاف فيه أو الوفاق فيما فيه خلاف
وقد يقصد أحدهم حكاية معنى ألفاظ الغير وربما كانوا ممن لا يرى جواز نقل المعنى دون اللفظ
وقد يكون فاعل ذلك ممن يعلل المنع في صورة الغرض بما يفضي إليه من التحريف غالبا
وهذا المعنى موجود في أكثر ألفاظ الأئمة
ومن عرف حقيقة هذه الأسباب ربما رأى ترك التصنيف أولى إن لم يحترز عنها لما يلزم من هذه المحاذير وغيرها غالبا
فإن قيل يرد هذا فعل القدماء وإلى الآن من غير نكير وهو دليل الجواز وإلا امتنع على الأمة ترك الإنكار إذا لقوله تعالى ( وينهون عن المنكر ) ونحوه من الكتاب والسنة
قلنا الأولون لم يفعلوا شيئا مما عبناه فإن الصحابة لم ينقل عن أحد منهم تأليف فضلا عن أن يكون على هذه الصفة وفعلهم غير ملزم لمن لا يعتقده حجة

بل لا يكون ملزما لبعض العوام عند من لا يرى أن العامي ملزم بالتزام مذهب إمام معين
فإن قيل إنما فعلوا ذلك ليحفظوا الشريعة من الإغفال والإهمال
قلنا قد كان أحسن من هذا في حفظها أن يدونوا الوقائع والألفاظ النبوية وفتاوى الصحابة ومن بعدهم على جهاتها مع ذكر أسبابها كما ذكرنا سابقا حتى يسهل على المجتهد معرفة مراد كل إنسان بحسبه فيقلده على بيان وإيضاح
وإنما عبنا ما وقع في التأليف من هذه المحاذير لا مطلق التأليف وكيف يعاب مطلقا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم -

قيدوا العلم بالكتابة
فلما لم يميزوا في الغالب ما نقلوه مما خرجوه ولا ما عللوه مما أهملوه وغير ذلك مما سبق بان الفرق بين ما عبناه وبين ما صنفناه
وأكثر هذه الأمور المذكورة يمكن أن أذكرها من كتب المذهب مسألة مسألة لكن يطول هنا
وإذا علمت عذر اعتذارنا وخيرة اختيارنا فنقول الأحكام المستفادة في مذهبنا وغيره من اللفظ أقسام كثيرة
منها أن يكون لفظ الإمام بعينه أو إيمائه أو تعليله أو سياق كلامه
ومنها أن يكون مستنبطا من لفظه إما اجتهادا من الأصحاب أو بعضهم
ومنها ما قيل إنه الصحيح من المذهب
ومنها ما قيل إنه ظاهر المذهب
ومنها ما قيل إنه المشهور من المذهب
ومنها ما قيل فيه نص عليه يعني الإمام أحمد ولم يتعين لفظه
ومنها ما قيل إنه ظاهر كلام الإمام ولم يعين قائله لفظ الإمام
ومنها ما قيل ويحتمل كذا ولم يذكر أنه يريد بذلك كلام الإمام أو غيره

ومنها ما ذكر من الأحكام سردا ولم يوصف بشيء أصلا فيظن سامعه أنه مذهب الإمام وربما كان بعض الأقسام المذكورة آنفا
ومنها ما قيل إنه مشكوك فيه
ومنها ما قيل إنه توقف فيه الإمام ولم يذكر لفظه فيه
ومنها ما قال فيه بعضهم اختياري ولم يذكر له أصلا من كلام أحمد أو غيره
ومنها ما قيل إنه خرج على رواية كذا أو على قول كذا ولم يذكر لفظ الإمام فيه ولا تعليله له
ومنها أن يكون مذهبا لغير الإمام ولم يعين ربه
ومنها أن يكون لم يعمل به أحد لكن القول به لا يكون خرقا لإجماعهم
ومنها أن يكون بحيث يصح تخرجه على وفق مذاهبهم لكنه لم يتعرضوا له بنفي ولا إثبات
ثم قال ثم الرواية قد تكون نصا أو إيماء أو تخريجا من الأصحاب
واختلاف الأصحاب في ذلك ونحوه كثير لا طائل فيه إذ اعتماد المفتي على الدليل ما لم يخرج عن أقوال الإمام وصحبه وما قال بها أو ناسيها إلا أن يكون مجتهدا مطلقا أو في مذهب إمامه ويروي في مسألة خلاف قول إمامه وأصحابه لدليل ظهر له وقوي عنده وهو أهل لذلك
انتهى ما ذكره العلامة ابن حمدان
ومما يناسب ما نحن فيه ما ذكره بعض العلماء الأعلام وهو ينبغي لمن شرح الله صدره إذا بلغته مقالة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلد بها بل يسكت عن ذكرها إن تيقن صحتها وإلا توقف في قبولها فما أكثر ما يحكى عن الأئمة مما لا حقيقة له وكثير من المسائل يخرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعة مع أن ذلك الإمام لو رأى أنها تفضي لما تفضي إليه لما التزمها والشاهد يرى ما لا يرى الغائب

ومن الغريب أن بعض الناس ينسب إلى بعض الأئمة قواعد لم يذكرها وإنما استخرجها من بعض الفروع المنقولة عنه ثم يبني عليها ما رآه مناسبا لها من المسائل ولذا قال بعض العلماء في الرد على من نسب إلى بعض الأئمة أنهم يقولون إن الخاص لا يلحقه البيان وإن العام قطعي كالخاص وإنه لا ترجيح بكثرة الرواة وإنه لا عبرة بمفهوم الشرط والوصف ونحو ذلك أصلا إن هذه أصول مخرجة على كلامهم ولا تصح بها رواية عنهم وليست المحافظة عليها والتكلف في الجواب عما يرد عليها بأحق من المحافظة على من يخالفها والجواب عما يرد عليه
وقد اختلف المخرجون في كثير من التخريجات ورد بعضهم على بعض فينبغي التفريق بين الأقوال التي هي أقوالهم في الحقيقة وبين الأقوال التي هي مخرجة على أقوالهم كما يفعله المحققون من العلماء وبذلك ينحل كثير من الشبة التي تعرض في كثير من المواضع والله الموفق

فوائد شتى الفائدة الأولى
قد ذكر الحافظ ابن الصلاح طريق نقل الحديث من الكتب المعتمدة التي صحت نسبتها إلى مصنفيها فقال في آخر النوع الأول إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به لذي مذهب أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة أو غيره بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول والله أعلم
وقال بعضهم ومن أراد أخذ الحديث من كتاب من الكتب المعتمدة للعمل

به أو الاحتجاج به إن كان أهلا لذلك والأهلية في كل شيء بحسبه فسبيله كما قال ابن الصلاح أن يأخذه من نسخة معتمدة قد قابلها هو أو ثقة أو غيره بأصول صحيحة معتمدة مروية بروايات متنوعة يعني فيما تكثر الروايات فيه كالفربري والنسفي وحماد بن شاكر بالنسبة إلى صحيح البخاري أو أصول متعددة فيما مداره على رواية واحدة كأكثر الكتب
وقد فهم جماعة من عبارته اشتراط التعدد
وقال بعضهم ليس في عبارته ما يقتضي ذلك فينبغي حمل كلامه هنا على كون التعدد مستحبا لا واجبا ليكون موافقا لما ذكره بعد في مبحث الحسن حيث قال وتختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله هذا حديث حسن أو هذا حديث حسن صحيح ونحو ذلك فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه
فقوله هنا فينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك وأنه إنما هو مستحب وهو كذلك إلا أن يقال إن ما ذكر هنا إنما هو في مقابلة المروي وما ذكر سابقا إنما هو في مقابلة ما يراد أخذه للعمل به أو الاحتجاج به وهو مما ينبغي زيادة الاحتياط فيه
وقال النووي في شرح مسلم قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح اعلم أن الرواية بالأسانيد المتصلة ليس المقصود منها في عصرنا وكثير من الأعصار قبله إثبات ما يروى إذ لا يخلو إسناد منها عن شيخ لا يدري ما يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطا يصلح لأن يعتمد عليه في ثبوته وإنما المقصود بها بقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله كرامة
وإذا كان ذلك فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من صحيح مسلم وأشباهه أن ينقله من أصل مقابل على يدي ثقتين بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحص له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد

بالتحريف والتبديل الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول فقد تكثر تلك الأصول المقابل بها كثرة تتنزل منزلة التواتر ومنزلة الاستفاضة
هذا كلام الشيخ
وهذا الذي قاله محمول على الاستحباب والاستظهار وإلا فلا يشترط تعدد الأصول والروايات فإن الأصل الصحيح المعتمد يكفي وتكفي المقابلة به والله أعلم
ثم هل يشترط في نقل الحديث للعمل به أو للاحتجاج به أن تكون له به رواية فالظاهر مما تقدم عدم اشتراط ذلك
وذكر العراقي أن بعض الأئمة حكى الإجماع على أنه لا يحل الجزم بنقل الحديث إلا لمن له به رواية وهو الحافظ أبو بكر بن خير الأموي بفتح الهمزة الإشبيلي وهو خال أبي القاسم السهيلي فقال في برنامجه المشهور وقد اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات لقول رسول
الله ص - ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )
وفي بعض الروايات من كذب علي مطلقا دون تقييد
قال في تدريب الراوي وقد تعقب الزركشي في جزء له فقال فيما قرأته بخطه نقل الإجماع عجيب وإ ما حكي ذلك عن بعض المحدثين ثم هو معارض بنقل ابن برهان إجماع الفقهاء على الجواز فقال في الأوسط ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه بل إذا صح عنده النسخة جاز له العمل بها وإن لم يسمع
وحكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها وذلك شامل لكتب الحديث

والفقه وقال إلكيا الطبري في تعليقه من وجد حديثا في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به
وقال قوم من أصحاب الحديث لا يجوز له أن يرويه لأنه لم يسمعه وهذا غلط وكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان عن بعض المحدثين وقال هم عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول يعني المقتصرين على السماع لا أئمة الحديث
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال كتبه إليه أبو محمد بن عبد الحميد وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد عليها والاستناد إليها لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالروايات ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم لحصول الثقة بها وبعد التدليس
ومن اعتقد أن الناس قد اتفقوا على الخطأ في ذلك فهو أولى بالخطأ منهم ولولا جواز الاعتماد على ذلك لتعطل كثير من المصالح المتعلقة بها وقد رجع الشارع إلى قول الأطباء في صور وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلى عن قوم كفار ولكن لما بعد التدليس فيها اعتمد عليها كما اعتمد في اللغة على أشعار العرب وأكثرهم كفار لبعد التدليس
قال وكتب الحديث أولى بذلك من كتب الفقه وغيرها لاعتنائهم بضبط النسخ وتحريرها فمن قال إن شرط التخريج من كتاب يتوقف على اتصال السند إليه فقد خرق الإجماع وغاية المخرج أن ينقل الحديث من أصل موثوق بصحته وينسبه إلى من رواه ويتكلم على علته وغريبه وفقهه
قال وليس الناقل للإجماع مشهورا بالعلم مثل اشتهار هؤلاء الأئمة قال بل نص الشافعي في الرسالة على أنه يجوز أن يحدث بالخبر وإن لم يعلم أنه سمعه فليت شعري أي إجماع بعد ذلك

قال واستدلاله على المنع بالحديث المذكور أعجب وأعجب إذ ليس في الحديث اشتراط ذلك وإنما هو تحريم القول بنسبة الحديث إليه حتى يتحقق أنه قاله
وهذا لا يتوقف على روايته بل يكفي في ذلك علمه بوجوده في كتب من خرج الصحيح أو كونه نص على صحته إمام وعلى ذلك عمل الناس
وعبارة البرهان في هذه المسألة هي وإذا وجد الناظر حديثا مسندا في كتاب صحيح ولم يسترب في ثبوته واستبان انتفاء اللبس والريب عنه ولم يسمع الكتاب من شيخ فهذا رجل لا يروي ما رآه والذي أراه أنه يتعين عليه العمل به
ولا يتوقف وجوب العمل على المجتهدين بموجبات الأخبار على أن تنتظم لهم الأسانيد في جميعها والمعتمد في ذلك إن روجعنا فيه الثقة
والشاهد له أن الذين كانوا يرد عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -

على أيدي نقلة ثقات كان يتعين عليهم الانتهاء إليه والعمل بموجبه ومن
بلغه ذلك الكتاب ولم يكن مخاطبا بمضمونه ولم يسمعه من مسمع كان الذين قصدوا بمضمون الكتاب ومقصود الخطاب
ولو قال هذا الرجل رأيته في صحيح محمد بن إسماعيل البخاري وقد وثقت باشتمال الكتاب عليه فعلى الذي سمعه يذكر ذلك أن يثق به ويلحقه بما يلقاه بنفسه ورآه أو رواه من الشيخ المسمع
ولو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه فإن فيه سقوط منصب الرواية عند ظهور الثقة وصحة الرواية وهم عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول
وإذا نظر الناظر في تفاصيل هذه المسائل وجدها جارية في الرد والقبول على ظهور الثقة وانخرامها
وهذا هو المعتمد الأصولي فإذا صادفناه لزمناه وتركنا وراءنا المحدثين ينقطعون في وضع ألقاب وترتيب أبواب

وقال بعض الفقهاء وإذا أراد المفتي المقلد أن ينقل عن المجتهد فله في ذلك طريقان أحدهما أن يكون له إمامه في ذلك سند صحيح يعتمد عليه
الثاني أن يأخذه عن كتاب معروف قد تداولته الأيدي لا سيما إن كان من الكتب التي ثبتت بالتواتر أو الشهرة نسبتها إلى مصنفيها الذين يعتمد عليهم في النقل
فإن لم يجد إلا في كتاب لم يشتهر في عصره أو اشتهر فيه ولكن لم يشتهر في دياره لم يسغ له النقل عنه إلا أن يكون ما يريد نقله عنه قد نقله عنه كتاب مشهور فيكون التعويل في النقل عليه لا على الكتاب الآخر الذي لم يشتهر
وقال بعضهم ما يوجد من كلام رجل أو مذهبه في كتاب مشهور معتمد عليه يجوز للناظر فيه أن يقول قال فلان كذا وإن لم يسمعه من أحد لأن وجود ذلك على هذه الصفة بمنزلة الخبر المتواتر أو المستفيض فلا يحتاج في مثله إلى إسناد
وقد بحث جماعة في عبارة ابن خير المذكورة فقال بعضهم إنه لو لم يورد الحديث الدال على تحريم نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم -

حتى يتحقق أنه قال لكان مقتضى كلامه منع إيراد ما يكون في الصحيحين أو
أحدهما حيث لا رواية له به وجواز نقل ما له به رواية ولو كان ضعيفا
وأما ما ادعاه من الإجماع فيمكن حمله على إجماع مخصوص وهو إجماع المحدثين وإن قال كثير من العلماء إنه لم يقل به إلا بعض المحدثين
وقال بعضهم إن كلامه ليس على ظاهره وإنه إنما قصد به ردع العامة ومن لا علم له بالحديث عن الإقدام على الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم -
بغير سند وأما جلة العلماء الذين يمكنهم مراجعة الكتب والنقل منها فلم
يقصد منعهم من ذلك ويكون مستندهم في ذلك الوجادة وهي إحدى وجوه الروايات وإن كانت من أدناها
وإنما قال حتى يكون ذلك القول عنده مرويا ولم يقل حتى يكون مرويا له لأن العبارة الثانية تشعر بأن يكون له به رواية بخلاف الأولى ف'نه لا تدل على

ذلك بل تدل على أنه قد ثبت عنده أ ه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

وإن لم يتصل السند إليه بأن يرويه غيره ويتحقق هو ذلك
الفائدة الثانية
الوجادة بالكسر هي قسم من أقسام أخذ الحديث ونقله وهي ثمانية
السماع من الشيخ
والقراءة على الشيخ
والإجازة
والمناولة
والمكاتبة
وإعلام الشيخ
والوصية الكتاب
والوجادة
وذكر ابن الصلاح الوجادة فقال الثامن الوجادة وهي مصدر لوجد يجد مولد غير مسموع من العرب روينا عن المعافى بن زكريا النهرواني العلامة في العلوم أن المولدين فرعوا قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة
يعني قولهم وجد ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا وفي الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجدا
ومثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها فله أن يقول وجدت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه أخبرنا فلان بن فلان ويذكر شيخه ويسوق سائر الإسناد والمتن أو يقول وجدت أو قرأت بخط فلان عن فلان ويذكر الذي حدثه ومن فوقه
وهو الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع والمرسل غير أنه أخذ شوبا من الاتصال لقوله وجدت بخط فلان
وربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد خطه وقال فيه عن فلان أو قال فلان
وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه على ما سبق في نوع التدليس
وجازف بعضهم فأطلق فيه حدثنا وأخبرنا
وانتقد ذلك على فاعله

وإذا وجد حديثا في تأليف شخص وليس بخطه فله أن يقول ذكر فلان أو قال فلان أخبرنا فلان أو ذكر فلان عن فلان
وهذا منقطع لم يأخذ شوبا من الاتصال
وهذا كله إذا وثق بأنه خط المذكور أو كتابه
فإن لم يكن كذلك فليقل بلغني عن فلان أو وجدت عن فلان أو نحو ذلك من العبارات
أو ليفصح بالمستند فيه بأن يقول كما قاله بعض من تقدم قرأت في كتاب فلان وأخبرني فلان أنه بخطه أو يقول وجدت في كتاب ظننت أنه بخط فلان أو في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان أو في كتاب قيل إنه بخط فلان
وإذا أراد أن ينقل عن كتاب منسوب إلى مصنف فلا يقل قال فلان كذا وكذا إلا إذا وثق بصحة النسخة بأن قابلها هو أو ثقة غيره بأصول متعددة كما نبهنا عليه في آخر النوع الأول
وإذا لم يوجد ذلك ونحوه فليقل بلغني عن فلان أنه ذكر كذا وكذا
ووجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبه هذا من العبارات
وقد تسامح أكثر الناس في هذه الأزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر وتثبت فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا قال فلان كذا وكذا أو ذكر فلان كذا وكذا
والصواب ما قدمناه
فإن كان المطالع عالما فطنا بحيث لا يخفى عليه في الغالب مواضع الإسقاط والسقط وما أحيل من جهته إلى غيرها رجونا أن يجوز له إطلاق اللفظ الجازم فيما يحكيه من ذلك
وإلى هذا فيما أحسب استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب الناس والعلم عند الله تعالى
هذا كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة
وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها فقد روينا عن بعض المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين وغيرهم لا يرون العمل بذلك
وحكي عن الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل بذلك

قلت قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به وقال لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه
وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول والله أعلم
قال بعض العلماء قد ذكر ابن الصلاح حكم الوجادة المجردة وهي ما لا يكون فيها للواجد إجازة ممن وجد ذلك بخطه ولم يتعرض لحكم الوجادة مع الإجازة وقد استعمل ذلك غير واحد من أهل الحديث كقول بعضهم وجدت بخط فلان وأجازه لي وقد لا يصرح بالإجازة كقول عبد الله بن أحمد وجدت بخط أبي حدثنا فلان
وهذا ليس فيه شيء
والمروي بالوجادة المجردة في حكم المنقطع والمرسل
وقال بعضهم الأولى جعله في حكم المعلق
وأجاز جماعة من المتقدمين الرواية بالوجادة مما ليس لهم به سماع ولا إجازة ويروى عن ابن عمر أنه قال إنه وجد في قائم سيف أبيه صحيفة فيها كذا
وعن يحيى ين سعيد القطان أنه قال رأيت في كتاب عندي عتيق لسفيان الثوري حدثني عبد الله بن ذكوان وذكر حديثا
وعن يزيد بن أبي حبيب أنه قال أودعني فلان كتابا أو كلمة تشبه هذه فوجدت فيه عن الأعرج
وكان يحدث بأشياء مما في الكتاب ولا يقول أخبرنا ولا حدثنا
والظاهر أنهم اقتصروا في ذلك على من سمعوا منه في الجملة وعرفوا حديثه مع إيرادهم له بوجدت أو رأيت ونحوها
وقد كره الرواية عن الصحف غير المسموعة غير واحد من السلف ومنعوا النقل والرواية بالوجادة المجردة ولذا قال بعضهم إن ما وقع من ذلك ليس من

باب الرواية وإنما هو من باب الحكاية عما وجده
وقال بعضهم قول القائل وجدت بخط فلان إذا وثق بأنه خط أقوى من قوله قال فلان
وذلك لأن القول يقبل الزيادة والنقص والتغيير لا سيما عند من يجيز النقل بالمعنى بخلاف الخط
وقد استدل بعضهم للعمل بالوجادة بحديث أي الخلق أعجب إيمانا قالوا الملائكة قال كيف لا يؤمنون وهم عند ربهم قالوا الأنبياء قال كيف لا يؤمنون وهم يأتيهم الوحي قالوا نحن قال كيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم قالوا فمن يا رسول الله قال قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها
روى هذا الحديث الحسن بن عرفة في جزئه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
وله طرق كثيرة وفي بعضها بل قوم من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا
أخرجه أحمد والدارمي والحاكم
وفي هذا الاستدلال نظر لأن تلك الصحف لم يأخذوا بها لمجرد الوجدان بل لوصولها إليهم على وجه يوجب الإيقان

الفائدة الثالثة
قد ذكرنا سابقا أن سبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بالحديث أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة
وقد تعرض أهل الفن لأمر المقابلة في مبحث كتابه الحديث وضبطه وقد أحببنا ذكر ذلك فنقول
ذكروا أن على الطالب مقابلة كتابه بكتاب شيخه الذي يرويه عنه سماعا أو إجازة أو بأصل أصل شيخه المقابل به أصل شيخه أو بفرع مقابل بأصل السماع المقابل بالشروط أو بفرع مقابل بفرع قوبل كذلك
والغرض أن يكون كتاب الطالب مطابقا لكتاب شيخه الذي رواه عنه

وإنما قيدوا أصل الأصل بكونه قد قوبل عليه الأصل لأنه قد يكون لشيخه عدة أصول قد قوبل أصل شيخه بأحدها فإنها لا تكفي المقابلة بغيره لاحتمال أن تكون فيه زيادة أو نقص فيكون قد أتى بشيء لم يروه شيخه له أو حذف شيئا مما رواه شيخه له
ويقال للمقابلة المعارضة تقول قابلت الكتاب بالكتاب مقابلة إذا جعلته قبالة الآخر وصيرت فيه مثل ما في الآخر
وعارضت الكتاب بالكتاب معارضة إذا عرضته على الآخر وصيرت ما فيه مثل ما في الآخر
وقد تسمى المعارضة عرضا
والمقابلة متعينة لا بد منها
قال هشام بن عروة قال لي أبي أكتبت قلت نعم قال عارضت قلت لا قال لم تكتب
وقال أفلح بن بسام كنت عند القعنبي فقال لي كتبت قلت نعم قال عارضت قلت لا قال لم تصنع شيئا
وقال الأخفش إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ منه ولم يعارض خرج أعجميا
وقال بعضهم من كتب ولم يقابل فهو كمن غزا ولم يقاتل
وأفضل المعارضة أن يعارض الطالب كتابه بنفسه مع شيخه بكتابه في حال تحديثه به فإنه يحصل في ذلك غالبا من وجوه الاحتياط من الجانبين ما لا يحصل في غيره
هذا إذا كان كل منهما أهلا لهذا الأمر وذا عناية به فإن لم تجتمع هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها
وقيد ابن دقيق العيد الأفضلية بتمكن الطالب مع ذلك من التثبت في القراءة والسماع وإلا فتقديم المقابلة حينئذ أولى بل قال إنه يقول إنه أولى مطلقا لأنه إذا قوبل أولا كان في حال السماع أيسر وأيضا فإنه إذا وقع إشكال كشف عنه وضبط فقرئ على الصحة فكم من جزء قرئ بغتة فوقع فيه أغاليط وتصحيفات لم يتبين صوابها إلا بعد الفراغ فأصلحت
وربما كان ذلك على خلاف ما وقعت القراءة عليه فكان كذبا إن قال قرأت لأنه لم يقرأ على ذلك الوجه
وقال الحافظ أبو الفضل الجارودي أصدق المعارضة مع نفسك
وقال

بعضهم لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه ولا يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة بل يقابل نسخته بالأصل حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له
قال ابن الصلاح وهذا مذهب متروك وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا ولا يخفى أن الفكر يتشعب بالنظر في النسختين بخلاف الأول
وقال ابن دقيق العيد هذا يختلف باختلاف الناس فمن عادته عدم السهو عند النظر فيهما فهذا مقابلته بنفسه أولى ومن عادته السهو فهذا مقابلته مع غيره أولى
ويستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه نسخة لا سيما إن أراد النقل منها وقد روي عن يحيى بن معين أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ هل يجوز أن يحدث بذلك عنه فقال أنا عندي فلا يجوز ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم
وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية والصحيح أن ذلك لا يشترط وأنه يصح السماع وإن لم ينظر أصلا في الكتاب حالة القراءة وأنه لا يشترط أن يقابله بنفسه بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل الراوي وإن لم يكن ذلك حالة القراءة وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه
وأما من لم يعارض كتابه بالأصل ونحوه أصلا فقد اختلف في جواز روايته منه فمنع من ذلك بعضهم وقال لا يحل لمسلم التقي الرواية مما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخة تحقق ووثق بمقابلتها بالأصل وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون على ما ينظر فيه فإذا وقع مشكل نظر معه حتى يتبين ذلك
وقد نحا قريا من منحاه من قال لا يجوز للراوي أن يروي عن شيخه شيئا سمعه عليه من كتاب لا يعلم هل هو كل الذي سمعه أو بضعه وهل هو على وجهه أم لا

وأجاز ذلك الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وجماعة منهم أبو بكر الخطيب غير أن الخطيب ذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي هل للرجل أن يحدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله فقال نعم ولكن لا بد أن يبن أنه لم يعارض
قال وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاني فإنه روى لنا أحاديث كثيرة قال فيها أخبرنا فلان ولم أعارض بالأصل
قال ابن الصلاح ولا بد من شرط ثالث وهو أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط
ثم إنه ينبغي أن يراعي في كتاب شيخه بالنسبة إلى من فوقه مثل ما ذكرنا أنه يراعيه في كتابه ولا يكونن كطائفة من الطلبة إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرؤوه عليه من أي نسخة اتفقت

الفائدة الرابعة
قد ذكر أهل الفن في مبحث كتابة الحديث وضبطه أمورا مهمة لا يسع الطالب جهلها
الأمر الأول ينبغي لكاتب الحديث أن يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما وتميز أحدهما عن الآخر
والدارة حلقة منفرجة أو منطبقة وممن جاء عنه الفصل بين الحديثين بالدارة أو الزناد وأحمد بن حنبل وإبراهيم بن إسحاق الحربي ومحمد بن جرير الطبري ومن المحدثين من لا يقتصر عليها بل يترك بقية السطر خاليا عن الكتابة مبالغة في الفصل والتمييز وكذا يفعل في التراجم ورؤوس المسائل وما أشبه ذلك
واستحب الخطيب أن تكون الدارات غفلا فإذا عارض فكل حديث يفرغ من عرضه ينقط في الدارة التي تليه نقطة أو يخط في وسطها خطا قال وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك أو في معناه
الأمر الثاني ينبغي للكاتب أن يحافظ على كتابة الثناء على الله تعالى عند ذكر

اسمه نحو عز و جل وتبارك وتعالى وكذلك كتابة الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم -

عند ذكره ولا يسأم من تكرر ذلك فأجره عظيم فإن كان الثناء والصلاة
والتسليم ثابتا في أصل سماعه أو أصل الشيخ فالأمر واضح وإن لم يكن في الأصل فلا يتقيد به وليكتبه وليتلفظ به عند القراءة لأنه ثناء ودعاء يثبته لا كلام يرويه
قال ابن الصلاح وما وجد في خط أبي عبد الله أحمد بن حنبل من إغفال ذلك عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم -
فلعل سببه أنه كان يرى التقيد في ذلك بالرواية وعز عليه اتصالها في ذلك
في جميع من فوقه من الرواة
قال الخطيب أبو بكر وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم -
نطقا لا خطأ قال وقد خالفه غيره من الأئمة المتقدمين في ذلك ورواه عن علي
بن المديني وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا ما تركنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - في كل حديث سمعناه وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى يرجع إليه
قال بعضهم يريدان أنهما لم يتركا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم -
في كل حديث سمعاه سواء وقعت الصلاة في الرواية أم لا وإذا دعاهما
الاستعجال إلى ترك كتابتها بيضا لها في الكتاب ليتيسر لهما كتابتها فيما بعد
ويحتمل أن يكون إغفال أحمد بن حنبل له للاستعجال إما لكونه في حال الرحلة أو لنحو ذلك
والظاهر ما أشار إليه ابن الصلاح من أنه كان يرى التقيد بما في الرواية ويؤيد ذلك ما ذكره في مبحث صفة الرواية حيث قال ثبت عن عبد الله به أحمد بن حنبل أنه رأى أباه إذا كان في الكتاب عن النبي فقال المحدث عن رسول الله ضرب وكتب عن رسول الله
وقال الخطيب أبو بكر هذا غير لازم وإنما استحب أحمد اتباع المحدث في لفظه وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك ثم ذكر بإسناده عن صالح بن أحمد بن

حنبل قال قلت لأبي يكون في الحديث قال رسول الله فيجعله الإنسان قال النبي فقال أرجو أن لا يكون به بأس
وذكر الخطيب بسنده عن حماد بن سلمة أنه كان يحدث وبين يديه عفان وبهز فجعلا يغيران النبي إلى رسول الله فقال لهما حماد أما أنتما فلا تفقهان أبدا
ومال ابن دقيق العيد إلى ما جرى عليه أحمد فإنه قال في الاقتراح والذي نميل إليه أن تتبع الأصول والروايات فإن العمدة في هذا الباب هو أن يكون الإخبار مطابقا لما في الواقع فإذا دل اللفظ على أن الرواية هكذا ولم يكن الأمر كذلك لم تكن الرواية مطابقة لما في الواقع ولهذا أقول إذا ذكرت الصلاة لفظا من غير أن تكون في الأصل فينبغي أن تصحبها قرينة تدل على ذلك مثل كونه يرفع رأسه عن النظر في الكتاب بعد أن كان يقرأ فيه وينوي بقلبه أنه هو المصلي لا حاكيا عن غيره
وعلى هذا فمن كتبها ولم تكن في الرواية فينبغي له أن ينبه على ذلك وعليه جرى الإمام الحافظ شرف الدين أبو الحسين علي بن محمد اليونيني في نسخة صحيح البخاري التي جمع فيها بين الروايات فإنه يشير بالرمز إليها إثباتا ونفيا
وينبغي أن يجتنب في أمر الصلاة والتسليم شيئين
أحدهما أن يجعلهما منقوصين في الخط بأن يرمز إليهما بحرفين أو أكثر نحو ص ل كما يفعله الكسائي من النساخ قال بعضهم وقد وجد بخط الذهبي وبعض الحفاظ كتابتهما هكذا صلى الله علم
والأولى خلافه
وقد وجدتهما بخطه كما ذكر ولم يكتبهما على أصلهما في موضع وسبب ذلك فيما يظهر هو الاستعجال والحرص على إكمال ما هو بصدده
ويؤيد ذلك أنه لم يكتب عند ذكر أحد من الصحابة رضي الله عنهم رضي الله

عنه مع أنه من المعروفين بالحرص على ذلك
ولا يخفى أن مثل هذا يمكن تداركه فيما بعد بواسطة الناسخ بأن يقال له اكتب عليه وسلم على أصلهما واكتب رضي الله عنه عند ذكر اسم كل صحابي فإن كان ذلك من جهة المؤلف لم يكن من قبيل التصرف في الأصل أصلا
والثاني أن يجعلهما منقوصين في اللفظ بأن يقتصر على أحدهما كأن يقول صلى الله عليه أو عليه السلام فإن الأمر قد ورد بالأمر بالصلاة والتسليم معا قال الله سبحانه وتعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
وقال بعض العلماء إنما تظهر الكراهة فيما إذا اقتصر المرء على أحدهما دائما وأما من كان يأتي بالصلاة تارة وبالتسليم تارة من غير إخلال بواحد منهما فلا تظهر الكراهة فيما أتى به ولكنه خلاف الأولى إذ لا يزاع في كون الجمع بينهما مستحبا
ويؤيد ذلك وقوع الصلاة مفردة في رسالة الإمام الشافعي وصحيح مسلم والتنبيه لأبي إسحاق الشيرازي وغير ذلك من كتب العلماء الأعلام
الأمر الثالث ينبغي لطالب العلم ضبط كتابه بالنقط والشكل ليؤديه كما سمعه فقد قيل إعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع من إشكاله
والإعجام هو النقط تقول أعجمت الحرف إذا أزلت عجمته وميزته عن غيره بالنقط
والاستعجام الاستغلاق يقال استعجم عليه الكلام واستعلق واستبهم إذا أريج عليه فلم يقدر أن يتكلم
والشكل هو إعلام الحرف بالحركة تقول شكلت الكتاب شكلا إذا أعلمته بعلامات الإعراب
والإشكال الالتباس تقول أشكل الأمر إذا التبس

وقد اتفق العلماء على استحسان الضبط إلا أنهم اختلفوا في أنه هل ينبغي أن يقتصر على ضبط المشكل أو ينبغي أن يضبط هو وغيره
فقال بعضهم إنما يشكل ما يشكل ولا حاجة إلى الشكل مع عدم الإشكال قال علي بن إبراهيم البغدادي في كتاب سمات الخط ورقومه إن أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في الملتبس
وقال بعضهم ينبغي أن يشكل ما يشكل وما لا يشكل وذلك لأن المبتدئ وغير المتبحر في العلم لا يميز ما يشكل مما لا يشكل على أنه قد يظن أن الشيء غير مشكل لوضوحه في بادئ الرأي وهو عند التأمل وإمعان النظر يكون مشكلا وكثيرا ما يتهاون الطالب الواثق بمعرفته فيترك الضبط في بعض المواضع لاعتقاده أنها واضحة ثم يبدو له بعد حين إشكال فيها فيندم على تفريطه
والتهاون وخيم العاقبة والإنسان معرض للنسيان وأول ناس أول الناس فالاحتياط إنما هو في شكل ما يشكل وما لا يشكل وفي ذلك عموم النفع لجميع الطبقات
وينبغي للطالب أن لا يغفل عن ضبط الأسماء فقد قال أبو إسحاق إبراهيم النجيرمي أولى الأشياء بالضبط أسماء الرجال لأنها لا يدخلها القياس ولا قبلها ولا بعدها شيء يدل عليها
وذكر أبو علي الغساني أن عبد الله بن إدريس قال لما حدثني شعبة بحديث أبي الحوراء السعدي عن الحسن بن علي كتبت تحته ( حور عين ) لئلا أغلط يعني فيقرأه أبا الجوزاء بالجيم والزاي

ويستحب في الألفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها بأن يضبطها في متن الكتاب ثم يكتبها قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة فإن ذلك أبلغ في الحاشية مفردة مضبوطة فإن ذلك أبلغ في إبانتها وأبعد من التباسها لأن المضبوط في أثناء الأسطر ربما داخله نقط غيره وشكله مما فوقه أو تحته لا سيما عند ضيقها ودقة الخط وأوضح من ذلك أن يقطع حروف الكلمة المشكلة في الهامش لأنه يظهر شكل الحرف بكتابته مفردا وذلك في بعض الحروف كالباء والياء بخلاف ما إذا كتبت الكلمة مجتمعة والحرف المذكور في أولها أو وسطها
قال ابن دقيق العيد في الاقتراح ومن عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفا حرفا فلا يبقى بعده إشكال
وينبغي التنبه لما يقع من الضبط نقطا أو شكلا في خط العلماء الأعلام من جهة غيرهم فإنه قد يخفى حتى على الحذاق ومن القبيح ما يفعله بعضهم من ذلك قصدا لرفع نسبة الخطأ إليه فيما وقع منه من قبل وأقبح من ذلك من يفعله قصدا لنسبة الخطأ إليهم
الأمر الرابع وكما ينبغي أن تضبط الحروف المعجمة بالنقط ينبغي أن نضبط الحروف المهملة بعلامة تدل على عدم إعجامها
وسبيل الناس في ذلك مختلف فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط التي فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من المهملات
وقد اختلفوا في كيفية نقط السين المهملة فقال بعضهم ينبغي أن تكون النقط التي تحت السين المهملة مبسوطة صفا والتي فوق الشين المعجمة كالأثافي هكذا وقال بعضهم ينبغي أن تكون النقط التي توضع تحت السين على صورة النقط التي توضع فوق الشين والأولى أن تكون مقلوبة هكذا ويستثنى من هذا

الأمر الحاء فإنها لو نقطت من تحت لالتبست بالجيم
ومن الناس من يجعل علامة الإهمال فوق الحروف المهملة كقلامة ظفر مضجعة على قفاها لتكون فرجتها إلى فوق
ومنهم من يجعل علامة الإهمال أن يكتب تحت الحرف المهمل مثله مفردا فيجعل تحت الحاء المهملة حاء مهملة صغيرة وتحت الصاد صادا مهملة صغيرة وكذا تحت سائر الحروف المهملة الملتبسة مثل ذلك فهذه العلامات الثلاثة شائعة معروفة
وهناك من العلامات ما هو موجود في كثير من الكتب القديمة ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغيرا
قال الحافظ العراقي سمعت بعض أهل الحديث يفتح الراء من رضوان فقلت له في ذلك فقال ليس لهم رضوان بالكسر فقلت إنما سمي بالمصدر وهو بالكسر فقال وجدته بخط فلان بالفتح وسمي من لا يحضرني ذكره الآن
ثم إني وجدت بعد ذلك في الكتب القديمة هذا الاسم وفوقه فتحة فتأملت الكتاب فإذا هو يخط فوق الحرف المهمل خطا صغيرا فعلمت أنه علامة الإهمال وأن الذي قاله بالفتح من ها هنا أتي

ومن العلامات التي لم تشع علامة من يجعل تحت الحرف المهمل مثل النبرة والنبرة هي كما ذكر الجوهري وابن سيده الهمزة ومنهم من يجعل ذلك فوق الحرف المهمل
ومن الناس وهم الأكثر من يقتصر في بيان الحروف المهملة على ما هو الأصل فيها وهو إخلاؤها عن العلامة
ولا يخفى أن مخلفة ما هو الأصل لا تنبغي إلا إذا دعا إلى ذلك داع وهو الخوف من وقوع الاشتباه في موضع لا يستبعد فيه ذلك فوضع علامة الإهمال على مثل الراء من رضوان من قبيل وضع الشيء في غير محله
ولم يتعرض أهل هذا الفن للكاف واللام وذكرهما المصنفون في الخط فقالوا إ الكاف إذا لم تكتب مبسوطة يجعل في وسطها كاف صغيرة وقد يختصرها بعضهم حتى تكون كالهمزة واللام يجعل في وسطها لام أي هذه الكلمة بتمامها لا صورة ل
والهاء إذا وقعت في آخر الكلمة وخيف اشتباهها بهاء التأنيث جعل فوقها هاء مشقوقة
الأمر الخامس قال ابن الصلاح من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب والتمريض
أما التصحيح فهو كتابة صح على الكلام أو عنده ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى غير أنه عرضة للشك أو للخلاف فيكتب عليه صح ليعرف أنه لم يغفل عنه وأنه قد ضبط وصح على ذلك الوجه
وأما التضبيب ويسمى أيضا التمريض فيجعل على ما صح ورده كذلك من جهة النقل غير أنه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص مثل أن يكون غير جائز من جهة العربية أو يكون شاذا عند أهلها يأباه أكثرهم أو مصحفا أو ينقص 

===========================================ج5.   

 ج4.وج5. كتاب : توجيه النظر إلى أصول الأثر

المؤلف : طاهر الجزائري الدمشقي 

==========================ج5.

كتاب : توجيه النظر إلى أصول الأثر
المؤلف : طاهر الجزائري الدمشقي

من جملة الكلام كلمة أو أكثر وما أشبه ذلك
فيمد على مثل هذا خط أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها كيلا يظن ضربا وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها كتبت كذلك ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة الرواية وغيرها وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح وكتب حرف ناقص على حرف ناقص إشعارا بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته وتنبيها بذلك لمن ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه ولعل غيره قد يخرج له وجها صحيحا أو يظهر له بعد ذلك في صحته ما لم يظهر له الآن
ولو غير ذلك وأصلحه على ما عنده لكان متعرضا لما وقع فيه غير واحد من المتجاسرين الذين غيروا ثم ظهر الصواب فيما أنكروه والفساد فيما أصلحوه
وأما تسمية ذلك ضبة فقد بلغنا عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد اللغوي المعروف بابن الإفليلي أن ذلك لكون الحرف مقفلا بها لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها
قال المؤلف ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها ومثل ذلك غير مستنكر في باب الاستعارات
ومن مواضع التضبيب أن يقع في الإسناد إرسال أو انقطاع فمن عادتهم تضبيب موضع الإرسال والانقطاع وذلك من قبيل ما سبق ذكره من التضبيب على الكلام الناقص
ويوجد في بعض أصول الحديث القديمة في الإسناد الذي تجتمع فيه جماعة معطوفة أسماؤهم بعضها على بعض علامة تشبه الضبة فيما بين أسمائهم فيتوهم

من لا خبرة له أنها ضبة وليست بضبة وكأنها علامة وصل فيما بينها أثبتت تأكيدا للعطف خوفا أن تجعل عن مكان الواو والعلم عند الله تعالى
ثم إن بعضهم ربما اختصر علامة التصحيح فجاءت صورة تشبه صورة التضبيب والفطنة من خير ما أوتيه الإنسان والله أعلم
وقد اعترض بعضهم على ما ذكره ابن الصلاح من أن الضبة سميت بهذا الاسم لأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها فقال هذا بعيد لأن ضبة القدح جعلت للجبر وهذه ليست جابرة وإنما هي علامة لكون الرواية هكذا ولم يتجه وجهها أي علامة لصحة ورودها لئلا يظن الرائي أنها غلط فيصلحها وقد يأتي من بعد ذلك من يظهر له وجه ذلك وقد غير بعض المتجاسرين ما الصواب إبقاؤه
وأجيب عن ذلك بأن وجه الشبه بينهما كونهما موضوعين على ما فيه خلل وهذا كاف في صحة التشبيه وفي صحة الاستعارة
على أن في الإشارة إلى أن في ذلك الموضع خللا ما نوعا من أنواع الجبر وإن لم يكن خبرا تاما
وقال بعض العلماء التضبيب هو كتابة صورة ضب فوق ما هو ثابت من جهة النقل غير أن فيه خللا ما
وقد أشكل ذلك على بعض الباحثين فقال إن المعروف أن الضبة خط يكون أوله مثل الصاد المهملة وهذا يقتضي أن يكون أوله مثل الضاد المعجمة وعلى هذا يجب أن توضع نقطة فوقه أوله ولم تجر عادتهم بذلك
ويرتفع الإشكال إذا علم أن واضعي العلائم التزموا أن يجردوها ما له نقطة عن نقطته اختصارا من جهة ودفعا للالتباس من جهة أخرى ألا ترى أن النحاة جعلوا علامة السكون الخاء المأخوذة من أول خفيف ولما لم ينقطوها صارت هكذا ( حـ ) وعلامة الحرف المشدد الشين المأخوذة من أول شديد ولما لم ينقطوها صارت

هكذا ( سـ ) وعلامة الكسرة الياء ولما لم ينقطوها صارت هكذا ( ى )
غير أن أكثر العلائم يلحقها فيما بعد تغير حتى إنه ربما بعدت عن أصلها بعدا شديدا
وقد أشار سيبويه إلى شيء من ذلك في باب الوقف حيث قال ولهذا علامات فللإشمام نقطة وللذي أجري مجرى الجزم والإسكان الخاء ولروم الحركة خط بين يدي الحرف وللتضعيف الشين
وقال بعض الكتاب التصحيح هو وضع صح فوق ما صح من جهة الرواية وغيرها وهو عرضة للشك إشارة إلى أنه كان شاكا فيه فبحث عنه إلى أن صح فخشي أن يعاوده الشك فكتبها ليزول عنه الشك فيما بعد
والتضبيب هو وضع الضبة وهي بعض صح تكتب على شيء فيه شك ليبحث عنه فإذا تبين له صحته أتمها بضم الحاء إليها فتصير صح ولو جعل لها علامة غيرها لتكلف الكشط لها
وكتب صح مكانها
وإن وقع في الرواية خطأ محض لا شك فيه فينبغي أن يكتب فوقه كذا بخط دقيق ويبين الصواب في الهامش
الأمر السادس ينبغي الاعتناء بأمر اللحق واللحق في اصطلاح أهل الحديث والكتابة ما سقط من أصل الكتاب فألحق بالحاشية
وهو بفتح اللام والحاء ويجوز بسكون الحاء وهو في اللغة الشيء الرائد وكل شيء لحق شيئا
وقد استعمل اللحق بالمعنى الاصطلاحي بعض الشعراء فقال كأنه بين أسطر لحق
والمختار في تخريج الساقط في الحواشي أن يخط الكاتب من موضع سقوطه من السطر خطا صاعدا إلى فوق ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق ويبدأ في الحاشية بكتبه اللحق مقابلا للخط المنعطف وليكن ذلك في الحاشية ذات اليمين وإن كانت تلي وسط ورقة إن اتسعت له فليكتبه صاعدا إلى أعلى الورقة لا نازلا به إلى أسفل
وإنما اختير كتابة اللحق صاعدا إلى أعلى الورقة لئلا يخرج بعده نقص آخر فلا يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له لو كتب الأول نازلا إلى أسفل وإذا كتب الأول صاعدا فما يجد بعد ذلك من نقص يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له

وهذا إن لم يزد اللحق على سطر فإن كان اللحق سطرين أو سطورا فلا يبتدئ بسطوره من أسفل إلى أعلى بل يبتدئ بها من أعلى إلى أسفل بحيث يكون منتهاها إلى جهة باطن الورقة إذا كان التخريج في جهة اليمين وإذا كان في جهة الشمال وقع منتهاها إلى جهة طرف الورقة
وإنما اختير تخرج اللحق في جهة اليمين لأنه لو خرجه إلى جهة الشمال فربما ظهر بعده في السطر نفسه نقص آخر فإن خرجه قدامه إلى جهة الشمال أيضا وقع بين التخريجين إشكال حيث يشتبه موضع هذا السقط بموضع ذاك السقط وإن خرج الثاني إلى جهة اليمين تقابلت عطفة التخريج إلى جهة الشمال وعطفة التخريج إلى جهة اليمين وربما تلاقتا فأشبه ذلك الضرب على ما بينهما بخلاف ما إذا خرج الأول إلى جهة اليمين فإنه حينئذ يخرج الثاني إلى جهة الشمال فلا يلتقيان
ولا يلزم إشكال إلا أن يتأخر النقص إلى آخر السطر فلا وجه حينئذ إلا تخريجه إلى جهة الشمال لقرب التخريج من اللحق وسرعة لحاق الناظر به وللأمن من نقص يحدث بعده
نعم إن ضاق ما بعد آخر السطر لقرب الكتابة من طرف الورق لضيقه أو لضيقه بالتجليد بأن يكون السقط في الصحيفة اليمنى فلا بأس حينئذ بالتخريج إلى جهة اليمين وقد وقع ذلك في خط غير واحد من أهل العلم
وينبغي أن يكتب عند انتهاء اللحق صح ومنهم من يكتب مع صح رجع ومنهم من يكتب انتهى اللحق
ومنهم من يكتب في آخر اللحق الكلمة المتصلة به داخل الكتاب في موضع التخريج ليؤذن باتصال الكلام
وهذا اختيار بعض أهل الصنعة من أهل المغرب واختيار القاضي أبي محمد بن خلاد صاحب كتاب الفاصل بين الراوي والواعي من أهل المشرق مع طائفة وليس ذلك بمرضى إذ قد يقع في الكلام ما هو مكرر مرتين فأكثر لمعنى صحيح فإذا كررت الكلمة لم يؤمن أن توافق ما يتكرر حقيقة أو يشكل

أمرها فيحصل بذلك ارتياب وزيادة إشكال فالأولى الاقتصار على كتابة صح
وذكر بعض أرباب النكت أن كلمة صح قد ينتظم بها الكلام بعدها فيظن أنها من أصل الكتاب
وأجيب بأن هذا نادر بالنسبة لما قبله على أن الحذاق من الكتبة يكتبونها صغيرة وبعضهم يكتبها بمداد أحمر وبعضهم لا يتم كتابة الحاء منها
وقال بعضهم الأحسن الرمز لذلك بشيء لا يقرأ ويحصل ذلك بطمس صاد صح وعدم تعريف حائها
واختار ابن خلاد أيضا في عطفه خط التخريج أن تمد حتى تلحق بأول اللحق في الحاشية
وهذا غير مرضي لأن فيه تسويدا للكتاب لا سيما عند كثرة الإلحاقات مع عدم الاضطرار لذلك فإن العطفة اليسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق كافية في رفع اللبس وإن كان فيما ذهب إليه من مدها إلى أول اللحق زيادة في رفعه
قال العراقي فإن لم يكن اللحق قبالة موضع السقوط بأن لا يكون ما يقابله خاليا وكتب اللحق بموضع آخر فيتعين حينئذ جر الخط إلى أول اللحق أو يكتب قبالته يتلوه كذا وكذا في الموضع الفلاني ونحو ذلك لزوال اللبس
وقد رأيت في خط غير واحد ممن يعتمد عليه اتصال الخط إذا بعد اللحق عن مقابل موضع النقص وهو حينئذ حسن والأصل في التخريج قول زيد بن ثابت في نزول قوله تعالى ( غير أولي الضرر ) بعد نزول ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) كما في سنن أبي داود فألحقتها والذي نفسي بيده ولكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف
وأما ما يكتب في حاشية الكتاب من غير أصل الكتاب في شرح أو تنبيه

على غلط أو اختلاف رواية أو نسخة أو نحو ذلك فقال بعضهم إنه لا ينبغي أن يخرج له لئلا يدخل اللبس ويحسب من الأصل وإنه لا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل لكن يجعل على ذلك الحرف المقصود علامة كالضبة والتصحيح لتدل عليه
واعترض عليه بأن كلا من الضبة والتصحيح اصطلح به لغير ذلك فخوف اللبس أيضا حاصل بل هو فيه أقرب
وقال بعضهم ينبغي أن يخرج له لكن على نفس الكلمة التي من أجلها كتبت الحاشية لا بين الكلمتين
قال ابن الصلاح التخريج أولى وأدل وفي نفس هذا المخرج ما يمنع الالتباس
ثم هذا التخريج يخالف التخريج لما هو من نفس الأصل في أن خط ذاك الخريج يقع بين الكلمتين بينهما سقط الساقط وخط هذا التخريج يقع على نفس الكلمة التي من أجلها خرج المخرج في الحاشية والله أعلم
وقد جرت عادة كثير من الكتاب أن يشيروا إلى الحاشية بالحاء المهملة مفردة وقد يمدونها وقد يكتبون لفظ حاشية بدون نقط
وإلى النسخة بالخاء المعجمة مفردة ويلتزمون نقطها لئلا تشتبه بالحاشية وقد يكتبون لفظ نسخة والأكثر كتابتها على صورة غير واضحة مع عدم النقط لتكون كالرمز
وينبغي أن يلاحظ في الحواشي عدم كتابتها بين السطور لا سيما إن كانت ضيقة وترك شيء من جوانب الورقة ونحو ذلك وقال بعض الشعراء في الحث على اقتناء الكتب الجيدة الخط والضبط
( خير ما يقتني اللبيب كتاب ... محكم النقل متقن التقييد )
( خطه عارف نبيل وعاناه ... فصح التبييض بالتسويد )
( لم يخفه إتقان نقط وشكل ... لا ولا عابه لحاق المزيد )
( فكأن التخريج في طرتيه ... طرر صففت ببيض الخدود )

القول الثامن قول من أجاز الرواية بالمعنى للصحابة والتابعين فقط ومنع من ذلك غيرهم
قال لأن الحديث إذا قيده الإسناد وجب أن لا يختلف لفظه فيدخله الكذب وذلك لأن الرواية بالمعنى لا سيما إن تعدد الراوون بها توجب رواية الحديث على وجوه شتى مختلفة في اللفظ والاختلاف في اللفظ كثيرا ما يوجب الاختلاف في المعنى وإن كان يسيرا بحيث لا يشعر به إلا قليل من أهل الفضل والنبل والاختلاف في المعنى يدل على أن ذلك الحديث لم يرو كما ينبغي بل وقع خطأ في بعض رواياته أو في جميعها فيكون فيها ما لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم -
وهذا المحذور إنما يظهر بعد تدوين الحديث وتقييده بالإسناد فإذا منع أتباع التابعين فمن بعدهم من الرواية بالمعنى لم يظهر ذلك المحذور هذا فحوى كلامه
هذا وقد كان التابعون فريقين فريق يورد الأحاديث بألفاظها وفريق يوردها بمعانيها روي عن ابن عون أنه قال كان الحسن وإبراهيم والشعبي يأتون بالحديث على المعاني وكان القاسم بن محمد وابن سيرين ورجاء بن حيوة يعيدون الحديث على حروفه
وروي عن سفيان أنه قال كان عمرو بن دينار يحدث الحديث على المعنى وكان إبراهيم بن ميسرة لا يحدث إلا على ما سمع
وهنا تمت الأقوال الثمانية التي قيلت في أمر الرواية بالمعنى
وقد ذكر بعضهم قولا تاسعا وهو قول من قال تجوز الرواية بالمعنى إن كان موجب الحديث علما فإن كان موجبه عملا لم تجز في بعض كحديث أبي داود وغيره مفتاح الصلاة الطهور وتحليلها التسليم
وحديث الصحيحين خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور
وتجوز في بعض وقد أشكل هذا القول على كثير من الباحثين وذلك لأن موجب الحديث كان علما يجب الاحتياط فيه كثيرا لأن الرواية بالمعنى كثيرا ما لا تكون وافية

( فيناجيك شخصه من قريب ... وينايك نصه من بعيد )
( فاصحبنه تجده خير جليس ... واختبره تجده أنس الفريد )
وقال بعضهم في الحث على نسخ الكتب النافعة
( فوائد نسخ الكتب شتى كثيرة ... وكل على نهج السداد يعينه )
( فلو لم يكن منها سوى ترك غيبة ... وصحبة من يردي الفتى ويشينه )
( لكان جديرا باللبيب التزامه ... وإن سئمت في الطرس منه يمينه )
( ومنها اكتساب القوت من وجه حله ... وغنيته عن ذي نوال يمونه )
( ومنها اكتساب العلم وهو أجلها ... وعلم الفتى يسمو به ويزينه )
( ومنها بقاء الذكر بعد وفاته ... إذا نسياه إلفه وقرينه )
( وهذا إذا ما كان في الخير خطه ... وإلا ففي يوم المعاد يخونه )
الأمر السابع إذا وقع في الكتاب ما ليس منه فإنه ينبغي أن ينفى عنه ذلك إما بالضرب عليه والحك له أو المحو والضرب خير من الحك والمحو
قال ابن خلاد قال أصحابنا الحك تهمة وقال غيره كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا يبشر شيء لأن ما يبشر منه ربما يصح في رواية أخرى وقد يسمع الكتاب مرة أخرى على شيخ آخر يكون ما بشر وحك من رواية هذا صحيحا في رواية الآخر فيحتاج إلى إلحاقه بعد أن بشر وحك وهو إذا خط عليه من رواية الأول وصح عند الآخر اكتفى بعلامة الآخر عليه بصحته
وقال بعض العلماء إن تحقق كون غلطا سبق إليه القلم فالكشط أولى لئلا يتوهم بالضرب أن له أصلا وإلا فلا على أن الكشط فيه مزيد تعب مع إضاعة الوقت وربما أفسد الورقة وما تنفذ إليه وكثير من الورق يفسده الكشط

والكشط مأخوذ من قولهم كشط البعير إذا نزع جلده ولا يقال فيه سلخ وإنما يقال ذلك في الشاة تقول سلخ الشاة إذا نزع جلدها
ومرادهم بالكشط هنا الحك والبشر والبشر مأخوذ من قولهم بشرت الأديم إذا قشرت وجهه
والأكثر من الاستعمال لفظ الحك لإشعاره بالرفق بالقرطاس وقد وقع الكشط في قول الشاعر في ذم كاتب
( حذقك في الكشط دليل على ... أنك في الخط كثير الغلط )
وأما المحو فإنه يسود غالبا القرطاس وهو لا يمكن إلا إذا كانت الكتابة في لوح أو رق أو ورق صقيل جدا وكان المكتوب في حال الطراوة
وتتنوع طرق المحو فتارة يكون بالإصبع وتارة يكون بخرقه
ومن أغربها مع أنه أسلمها ما روي عن سحنون بن سعد أحد الأئمة من فقهاء المالكية أنه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه
وهذا يومئ إلى ما روي عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد
وذكر عن أبي إسحاق الشيرازي أن ثيابه كانت كأنما أمطرت مدادا وكان لا يأنف من ذلك
وذكر عن عبيد الله بن سليمان أنه رأى على ثوبه أثر صفرة فأخذ من مداد الدواة وطلاه به ثم قال المداد بنا أحسن من الزعفران وأنشد
( إنما الزعفران عطر العذارى ... ومداد الدوي عطر الرجال )
ويحكى عن بعض الفضلاء أنه كان يأكل طعاما فوقع منه على ثوبه فكساه حبرا وقال هذا أثر علم وذاك أثر شره
وللأديب أبي الحسن الفنجكردي

( مداد الفقيه على ثوبه ... أحب إلينا من الغالية )
( ومن طلب الفقه ثم الحديث ... فإن له همة عالية )
( ولو تشتري الناس هذي العلوم ... بأرواحهم لم تكن غالية )
( رواة الأحاديث في عصرنا ... نجوم وفي الأعصر الخالية )
وأما الضرب فلا محذور فيه وهو علامة بينة في إلغاء المضروب عليه مع السلامة من التهمة لإمكان قراءته بعد الضرب ولذلك قالوا أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه بل يخط من فوقه خطا جيدا بينا يدل على إبطاله ويقرأ من تحته ما خط عليه
وقد اختلفوا في الضرب على خمسة أقوال
القول الأول أن يخط فوق المضروب عليه خطا مختلطا بالكلمات المضروب عليها ويسمى هذا الضرب عند أهل المشرق والشق عند أهل المغرب
ومثال ذلك على هذا القول
القول الثاني أن يخط فوق المضروب عليه خطا لا يكون مختلطا بالكلمات المضروب عليها بل يكون فوقها منفصلا عنها لكنه يعطف طرفي الخط على أول المضروب عليه وآخره بحيث يكون كالباء المقلوبة
ومثال ذلك على هذا القول
القول الثالث أن يكتب في أول الزائد لا وفي آخره إلى
وقد يكتب عوضا من لفظ لا لفظ من أو لفظ زائد وقد يقتصر بعضهم على الزاي منها
قال بعض العلماء ومثل هذا يحسن فيما صح في رواية وسقط في رواية أخرى
وقد يضاف إليه الرمز لمن أثبته أو لمن نفاه من الرواة
وقد يقتصر على الرمز لكن حيث يكون الزائد كلمة أو نحوها

القول الرابع أن يحوق على أول الكلام المضروب عليه بنصف دائرة كالهلال وكذلك على آخره ( ومثال ذلك على هذا القول )
القول الخامس أن تكتب أول الزيادة دائرة صغيرة وكذلك في آخرها وقد سماها واضعها صفرا لخلو ما أشير إليه بها من الصحة كما سماها الحساب بذلك لخلو موضعها من العدد ومثال ذلك على هذا القول ثم إذا أشير إلى الزائد بنصف دائرة أو بصفر فليكن ذلك في كل جانب في أصل الكتاب فإن ضاق المحل فلتجعل في الأعلى مثال ذلك في نصف الدائرة مثال ذلك في الصفر
وإذا كثرت سطور الزائد فلك على هذه القوال الثلاثة الأخيرة أن تكرر علامة الإبطال بأن تضعها في أول كل سطر وآخره لما في ذلك من زيادة البيان ولك أن لا تكررها بأن تكتفي بوضعها في أول الزائد وآخره
وقد اختلفوا في الضرب على الحرف المكرر
فقال بعضهم أولاهما بالإبطال الثاني لأن الأول كتب على الصواب والثاني كتب على الخطأ والخطأ أولى بالإبطال
وقال بعضهم أولاهما بالإبقاء أجودهما صورة وأدلهما على قراءته
وفصل بعضهم تفصيلا حسنا فقال إن تكرر الحرف في أول السطر فينبغي أن يضرب على الثاني صيانة لأول السطر عن التسويد والتشويه وإن تكرر في آخر السطر فينبغي أن يضرب على أولهما صيانة لآخر السطر عن ذلك فإن أوائل السطور وأواخرها أولى بالصيانة عن ذلك فإن اتفق أن يكون أحدهما في آخر السطر والآخر في أول السطر الآخر فينبغي أن يضرب على الذي يكون في آخر السطر فإن أول السطر أولى بالمراعاة
فإن كان التكرر في المضاف أو في المضاف إليه أو في الصفة أو في الموصوف أو نحو ذلك لم يراع حينئذ أول السطر وآخره بل يراعى الاتصال بين المضاف والمضاف إليه ونحوهما في الخط فلا يفصل بالضرب بينهما ويضرب على الحرف المتطرف من المتكرر دون المتوسط
وإذا وقع في الكتاب تقديم وتأخير فينبغي أن

يشار إلى ذلك فمنهم من يكتب أول المتقدم كتابة يؤخر وأول المتأخر يقدم كل ذلك بأصل الكتاب إذا اتسع وإلا فبالهامش ومنهم من يرمز إلى ذلك بصورة م وهذا حسن إن لم يكن المحل قابلا لتوهم أن الميم رمز لكتاب مسلم
الأمر الثامن ينبغي للطالب إذا كان الكتاب مرويا بروايتين أو أكثر ووقع في بعضها اختلاف وأراد الإشارة إلى ذلك أن يحترز مما يوقع في اللبس
قال ابن الصلاح في الأمر الرابع عشر من الأمور المفيدة في كتابة الحديث وضبطه ليكن فيما تختلف فيه الروايات قائما بضبط ما يختلف فيه في كتابه جيد التمييز كيلا تختلط وتشتبه فيفسد عليه أمرها وسبيله أن يجعل أولا متن كتابه على رواية خاصة ثم ما كانت من زيادة لرواية أخرى ألحقها أو من نقص أعلم عليه أو من خلاف كتبه إما في الحاشية وإما في غيرها معينا في كل ذلك من رواه ذاكرا اسمه بتمامه فإن رمز إليه بحرف أو أكثر فعليه ما قدمنا ذكره من أنه يبين المراد بذلك في أول كتابه أو آخره كيلا يطول عهده به فينساه أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في حيرة وعمى
وقد يدفع إلى الاقتصار على الرموز عند كثرة الروايات المختلفة
واكتفى بعضهم في التمييز بأن خص الرواية الملحقة بالحمرة فعل ذلك أبو ذر الهروي من المشارقة وأبو الحسن القابسي من المغاربة مع كثير من المشايخ وأهل التقييد فإذا كان في الرواية الملحقة زيادة على التي في متن الكتاب كتبها بالحمرة وإن كان فيها نقص والزيادة في الرواية التي في متن الكتاب حوق عليها بالحمرة ثم على فاعل ذلك تبين من له الرواية المعلمة بالحمرة في أول الكتاب أو آخره على ما سبق والله أعلم
والذي سبق هو ما ذكره في الأمر الرابع حيث قال لا ينبغي أن يصطلح مع نفسه في كتابه بما لا يفهمه غيره فيوقع غيره في حيرة كفعل من يجمع في كتابه بين

روايات مختلفة ويرمز إلى رواية كل راو بحرف واحد من اسمه أو حرفين وما أشبه ذلك فإن بين في أول كتابه أو آخره مراده بتلك العلامات والرموز فلا بأس ومع ذلك الأولى أن يتجنب الرمز ويكتب عند كل رواية اسم راويها بكماله مختصرا ولا يقتصر على العلامة ببعضها والله أعلم
تنبيه لا يسوغ للكاتب أن يكتب الحواشي في كتاب لا يملكه إلا بإذن مالكه
فإن قيل فهل يسوغ ذلك وجود عبارة في الأصل تخالف معتقده ويخشى إذا لم يكتب حاشية تتضمن الإشارة إليها أو الرد عليها أن تضر بعض المطالعين
يقال لا فإن له مندوحة عن كتابة الحاشية في نفس الكتاب بكتابتها في فرخة توضع هناك على أنه كثيرا ما تصدى لمثل هذا الأمر من ليس له بأهل ممن يظن أنه له أهل حتى ربما كان إفساده أكبر من إصلاحه حتى صح أن يقال كم حاشية أتت بغاشية
وقد وقع في ذلك القديم والحديث
الأمر التاسع ينبغي لكاتب الحديث تحقيق الخط وتجويده دون المشق والتعليق
قال بعض الأئمة شر الكتابة المشق وشر القراءة الهذرمة وأجود الخط أبينه
وقال بعضهم الخط علامة فكلما كان أبين كان أحسن
وقال بعضهم وزن الخط وزن القراءة وأجود القراءة أبينها وأجود الخط أبينه
والمشق سرعة الكتابة قاله الجوهري
وقال بعضهم المشق خفة اليد وإرسالها مع بعثرة الحروف وعدم إقامة الأسنان
والتعليق خلط الحروف التي ينبغي تفرقها وإذهاب أسنان ما ينبغي إقامة أسنانه وطمس ما ينبغي إظهار بياضه فيجتمعان في عدم إقامة الأسنان وينفرد التعليق بخلط الحروف وضمها والمشق ببعثرتها وإيضاحها بدون القانون المألوف وهو مفسد لخط المبتدي ودليل على تهاون غيره
وأهل العلم وإن لم يستقبحوا المشق والتعليق وإغفال النقط والشكل في

المكاتبات إذا كان المكتوب إليه ممن لا يستعجم عليه فإنه يعدون ذلك في كتب العلم مستقبحا
وتحقيق الخط هو أن تميز كل حرف بصورته المميزة له
وتجويد الخط تحسينه
والحسن في أي شي كان مما تميل إليه النفس طبعا وكثيرا ما دعا حسن الخط إلى المطالعة في كتاب لا يميل المطالع إليه
وسأل الصوفي بعض الكتاب عن الخط متى يستحق أن يوصف بالجودة فقال إذا اعتدلت أقسامه وطالت ألفه ولامه واستقامت سطوره وضاهى صعوده حدوره وتفتحت عيونه ولم تشتبه راؤه ونونه وأشرق قرطاسه وأظلمت أنقاسه وأسرع إلى العيون تصوره وإلى القلوب تنوره وقدرت فصوله واندمجت أصوله وتناسب دقيقه وجليله وتساوت أطنابه واستدارت أهدابه وصغرت نواجذه وانفتحت محاجره وخرج عن نمط الوراقين وبعد عن تصنع المحررين وخيل إليك أنه يتحرك وهو ساكن
ولا تحصل جودة الخط إلا بإعطاء كل حرف ما يستحقه من التقوس والانحناء والانبطاح وغير ذلك من الطول أو القصر والرقة أو الغلظة ومراعاة المناسبة بين الحروف بعضها مع بعض وبين الكلمات كذلك إلى غير ذلك مما هو معروف عند أهله
ومن تتمة ذلك مراعاة الفواصل وحسن التدبر في فصل الكلمات
قال علماء الأثر يكره في مثل عبد الله بن فلان أن يكتب عبد في آخر

السطر والباقي في أول السطر الآخر ومثل ذلك ما أشبهه مما يستقبح صورة وإن كان غير مقصود نحو قاتل فلان في النار
فلا يكتب قاتل في آخر سطر وما بعده في أول السطر الآخر
وتشتد الكراهة إن وقع عبد ونحوه في آخر الصحيفة اليسرى وما بعده في أول الصحيفة اليمنى التي تليها فإن الناظر فيها ربما يبتدئ بالقراءة فيها كذلك من غير تأمل وإذا انتبه لذلك احتاج إلى قلب الورقة ليرى ما كتب في الصحيفة اليسرى السابقة
وجعل ذلك ابن دقيق العيد من باب الأدب لا من باب الوجوب
وحسن الخط تتفاوت درجاته تفاوتا شديدا وذلك على حس تفاوت رعاية النسبة المطلوبة فيه وقد أشار إلى ذلك بعضهم في أثناء البحث عن فن تركيب الحروف حيث قال كما أن للحروف حسنا مخصوصا في حال إفرادها كذلك لها حسن مخصوص في حال تركيبها من تناسب الشكل ونحوه
ومبادئ ذلك أمور استحسانية ترجع إلى رعاية النسبة الطبيعية في الأشكال وله استمداد من الهندسة ولذلك قال بعض الحكماء الخط هندسة روحانية وإن ظهرت بآلة جسمانية
والناس كثيرا ما يختلون في ترجيح بعض الخطوط على بعض في الحسن وهو غير مستغرب فإنه نظير اختلافهم في ترجيح بعض الناس على بعض في ذلك
والاستحسان كثيرا ما يختلف باختلاف الإلف والعادة والمزاج إلا أن المرجع في ذلك إلى أرباب الفن ممن عرف بسلامة الطبع ودقة النظر وفرط البراعة فيه
واعلم أن الخط العربي يمكن فيه من السرعة ما لا يمكن في غيره ويحتمل من تكبير الحروف وتصغيرها ما لا يحتمل غيره ويقبل من النوع ما لا يقبله غيره ولذلك كثرت أنواع الخط العربي والمشهور منها عند المتأخرين ستة أنواع وهي الثلث والنسخ والتعليق والريحان والمحقق والرقاع
والمراد بالتعليق هنا خط وضعه بعض الفرس ثم عنوا به عناية شديدة حتى

صار يقال له الخط الفارسي ويقال له أيضا الخط المعلق وهو خط تعصب الإجادة فيه وهو غير قديم العهد فلا ينبغي أن يتوهم من قول المتقدمين بكراهة الخط المعلق أنهم يعنون هذا بل مرادهم به الخط الذي أذهبت أسنانه وخلط فيه بين الحروف التي ينبغي تفرقها وطمس فيه بياض ما ينبغي إظهار بياضه
ويشبه هذا الخط من وجه الخط المسلسل وهو خط متصل الحروف ليس في حروفه شيء منفصل
وأما المتقدمون فقد اشتهر عندهم أنواع كثيرة من أنواع الخط العربي وقد تصدى لذكرها أبو الفرج محمد بن إسحاق البغدادي المعروف بابن النديم في كتاب الفهرست وقد أحببت إيراد شيء مما ذكره على طريق التلخيص قال في المقالة الأولى في وصف لغات الأمم من العرب والعجم ونعوت أقلامها وأنواع خطوطها وأشكال كتاباتها
أول الخطوط العربية الخط المكي وبعده المدني ثم البصري ثم الكوفي فأما المكي والمدني ففي ألفاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلى الأصابع وفي شكله إضجاع يسير
ثم استخرج الأقلام الأربعة واشتق بعضها من بعض قطبة وكان أكتب الناس على الأرض بالعربية وكان في أيام بني أمية
ثم جاء الضحاك بعده فزاد على قطبة وكان أكتب الخلق بعده وكان في أول خلافة بني العباس
ثم ذكر من جاء بعدهما وأتبع ذلك بذكر أربعة وعشرين قلما وذكر أن مخرجها كلها من أربعة أقلام قلم الجليل وقلم الطومار الكبير وقلم النصف الثقيل وقلم الثلث الكبير الثقيل وأن مخرج هذه الأقلام الأربعة من القلم الجليل وهو أبو الأقلام
نقل ذلك من خط أبي العباس بن ثوابة
ثم نقل عن غيره أنه قال ولم يزل الناس يكتبون على مثال الخط القديم الذي ذكرناه إلى أول الدولة العباسية فحين ظهر الهاشميون اختصت المصاحف بهذه

الخطوط وحدث خط يسمى العراقي وهو المحقق الذي يسمى الوراقي ولم يزل يزيد ويحسن حتى انتهى الأمر إلى المأمون فأخذ أصحابه وكتابه بتجويد خطوطهم فتفاخر الناس في ذلك
وظهر رجل يعرف بالأحوال المحرر من صنائع البرامكة عارف بمعاني الخط وأشكاله فتكلم على رسومه وقوانينه وجعله أنواعا وكان هذا الرجل يحرر الكتب النافذة من السلطان إلى ملوك الأطراف في الطوامير وكان في نهاية الحرفة والوسخ وكان مع ذلك سمحا لا يليق على شيء فلما نشأ ذو الرياستين الفضل بن سهل اخترع قلما وهو أحسن الأقلام ويعرف بالرياسي ويتفرع إلى عدة أقلام
وفي أيام المقتدر ظهر إسحاق بن إبراهيم التميمي ويكنى بأبي الحسين وكان يعلم المقتدر وأولاده وله رسالة في الخط سماها تحفة الوامق ولم ير في زمانه أحسن منه خطا ولا أعرف بالكتابة وأخوه أبو الحسن نظيره ويسلك طريقته وابنه إسماعيل بن إسحاق وابنه القاسم بن إسماعيل ومن ولده أبو العباس عبد الله بن أبي إسحاق وهؤلاء كانوا في نهاية حسن الخط والمعرفة بالكتابة
وممن كتب بالمداد من الوزراء الكتاب أبو أحمد العباس بن الحسن وأبو الحسن علي بن عيسى وأبو علي محمد بن علي بن مقلة ولد سنة 272 وتوفي سنة 328

وممن كتب بالحبر أخوه أبو عبد الله الحسن بن علي ولد سنة 278 وتوفي سنة 338
وهذان رجلان لم ير مثلهما في الماضي إلى وقتنا هذا وعلى خط أبيهما مقلة كتبا واسم مقلة علي بن الحسن بن عبد الله ومقلة لقب
وقد كتب في زمانهما جماعة وبعدهما من أ÷لهما وأولادهما فلم يقاربوهما وإنما يندر من الواحد منهم الحرف بعد الحرف والكلمة بعد الكلمة وإنما الكمال كان لأبي علي وأبي عبد الله
وقد رأيت مصحفا بخط مقلة
قال بعض الكتاب يظن كثير من الناس أن الوزير أبا علي هو أول من ابتدع هذا الخط المعروف وليس كذلك فقد وجد من الكتب فيما قبل المئتين ما ليس على صورة الكوفي بل يبعد عنه إلى بعض هذه الأوضاع المتداولة الآن وإن كان هو إلى الكوفي أقرب منها وأميل لقربه من أصله المنقول عنه
نعم إن ابن مقلة قد زاد في التأنق في هندسة الحروف وفي إجادة تحريرها ومنه انتشر الخط
ثم جاء بعده علي بن هلال المعروف بابن البواب فزاد في التأنق

فازداد الخط بهجة وطلاوة ولشهرة خطه بالحسن الباهر
قال أبو العلاء المعري
( ولاح هلال مثل نون أجادها ... يجاري النضار الكاتب بن هلال )
وقد اخترع كثيرا من الأقلام وكانت وفاته سنة 413 ورثاه بعض الشعراء فقال
( استشعر الكتاب فقدك سالفا ... وقضت بصحة ذلك الأيام )
( فلذاك سودت الدوي وجوهها ... أسفا عليك وشقت الأقلام )
ثم جاء بعدهما كثير ممن اتبعهما بإحسان وهم مذكورون في طبقات الخطاطين
وقد تعرض بعض المتأخرين من الكتاب لذكر الأقلام على حسب ما وقف عليه فقال اعلم أن أصل الأقلام اثنان ومنهما تستنبط بقية الأقلام
الأول المحقق وهو أصل بذاته ويقال إنه أول قلم وضع والريحان مستنبط منه ويكتبان بالقلم المحرف وهو ما كان ذا سن مرتفعة من الجهة اليمنى ارتفاعا كثيرا إذا كان مكبوبا وذلك لأن الفركات وهي رقة الزوايا تظهر به أكثر ويرقق المنتصبات كالألف ورأس اللام كما أن المدور يثخنها
والمدور هو ما استوى سناه
وخصا بأن لا يطمس فيهما عين ولا فاء ولا قاف ولا ميم ولا واو وأن يكونا منيرين
والفرق بينهما أ الريحان بقلمه مفتح الأعين والمحقق بغيره
وقال ابن البواب نسبة الريحان إلى المحقق كنسبة الحواشي إلى النسخ
والنسخ مستنبط من الريحان والفرق بينهما أن النسخ إعرابه أقل من الريحان وفيه تعليق وطمس فقرب من الرقاع ويكتب النسخ بالقلم المدور وكذلك التواقيع الصغار والمراسلات
والثاني الثلث هو أصل بذاته وقلم التوقيع مستنبط منه والرقاع مستنبط من التوقيع فحد التوقيع أن لا يحتمل الإعراب وإلا فهو ثلث خفيف ولعدم

استدعائه الإعراب قصرت ألفه فإن قيل لم وفرت شحمته قيل ليزيد مع تدويره في تثخين منتصباته وإخفاء فركاته
والمؤنق وهو قلم الأشعار مستنبط من المحقق والثلث على رأي جماعة فلك إذا أن تكتبه بقطة قلم المحقق وإن شئت بقطة قلم الثلث لتركبه منهما والثلث يكتب بالقلم الذي يكون بين التحريف والتدوير وهو ما كان ذا سن مرتفعة من الجهة اليمنى ارتفاعا يسيرا إذا كان مكبوبا ويكتب بهذا القلم أيضا التواقيع الشبيهة بالثلث
وقال ابن البواب هو أصل بذاته وأنكر على من جعله مركبا منهما فقال المؤنق وهو قلم الأشعار ليس مركبا من المحقق والثلث كما يخيل لبعض المبتدئين وإنما وقع الاشتباه لمشاكلة بعض حروفه حروف المحقق وبعضها حروف الثلث لكن بينهما مباينة يدركها حذاق هذه الصناعة
والمحقق من أحسن الخطوط وأصعبها على الكتاب وقل من يقدر على كتابته بحيث لا يمزج شيئا من حروفه بحروف المؤنق
والثلث مما تقوي المداومة عليه اليد وتعينها على بقية الأقلام
ومما يبين الفرق أن الراء والنون والواو والياء المفردات إذا كانت في المؤنق لم تخل عن قصر وعماقة والمحقق بالعكس في هذه الحروف الأربعة وإذا كانت في الثلث كانت أعمق وأقصر فتبين بما ذكر أن المؤنق ليس مركبا من المحقق والثلث فمن قام في هذه الثلاثة على الصراط وجانب طرفي التفريط والإفراط فهو الكامل في علم الكتابة المشار إليه بالإصابة
واعلم أن لكل قلم من السبعة شيئا يختص به
فالمحقق والريحان بالمصاحف والأدعية والنسخ بالتفسير والحديث ونحوهما والثلث بالتعليم والتوقيع بالتواقيع الكبار التي للأمراء والقضاة والأكابر والرقاع بالتواقيع الصغار والمراسلات والمؤنق بكتابة الشعر
ولنرجع إلى ذكر ما يكره في الخط فنقول قد عرفت أنهم يكرهون فيه التعليق والمشق وكما يكرهون فيه ذلك يكرهون فيه التدقيق لأن الخط الدقيق لا ينتفع به

من في نظره ضعف وربما ضعف نظر كاتبه بعد ذلك فلا ينتفع به قال أحمد بن حنبل لابن عمه حنبل بن إسحاق وقد رآه يكتب خطا دقيقا لا تفعل فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه
وقال أبو حكيمة كنا نكتب المصاحف بالكوفة فيمر بنا علي بن أبي طالب فيقوم علينا فيقول اجل قلمك قال فقططت منه ثم كتبت فقال هكذا نوروا ما نور الله عز و جل
وكان بعض المشايخ إذا رأى خطا دقيقا قال هذا خط لا يوقن بالخلف من الله
يريد أنه لو يعلم أن ما عنده من الورق لو توسع فيه لأتاه الخلف من الله لم يحرص عليه ذلك الحرص فكأن تدقيقه الخط لعدم إيقانه بالخلف من الله تعالى
وقال بعض العلماء إن الذي يكتب الخط الدقيق ربما يكون قصير الأمل لا يؤمل أن يعيش طويلا
وقد يقال إنه قد يكون طويل الأمل غير أنه لا يخطر بباله ضعف البصر في الكبر
وقد كان أناس مولعين بتدقيق الخط حتى بعد تقدمهم في السن منهم الحافظ شمس الدين ابن الجزري
ومنهم من المتقدمين أبو عبد الله الصوري فإنه كتب صحيح البخاري ومسلم في مجلد لطيف وبيع بعشرين دينارا

@ 803 @

@ 804 @

وذكر بعضهم أن في تدقيق الخط رياضة للبصر كما يراض كل عضو بما يخصه وأن من لم يفعل ذلك وأدمن على سواه ربما تصعب عليه معاناته فيما بعد إذا دعاه إلى ذلك داع فيكون كمن ترك الرياضة بالمشي فإنه يحصل له مشقة فيه فيما بعد بخلاف من اعتاده أحيانا
وهذه الكراهة إنما تكون فيما إذا كان ذلك بغير عذر فإن كان ثم عذر كأن لا يكون في الورق سعة أو يكون رحالا يريد حمل كتبه معه لتكون خفيفة المحمل لم يكره ذلك قال محمد بن المسيب الأرغياني كنت أمشي في مصر وفي كمي مئة جزء في كل جزء ألف حديث
وقيل لأبي بكر عبد الله الفارسي وكان يكتب خطا دقيقا لم تفعل هذا فقال لقلة الورق والورق وخفة الحمل على العنق

الأمر العاشر كما وقع التصحيف في غير الحديث وقع التصحيف في الحديث وقد عرفت أن التصحيف المتعلق بالحديث منه ما يتعلق بالمتن ومنه ما يتعلق بالإسناد
وقد ألف كثير من العلماء الأعلام كتبا في ذلك فمنهم من تعرض لبيان التصحيف مطلقا
ومنهم من اقتصر على بيان التصحيف الذي وقع في غير الحديث من كتب الأدب ونحوها
ومنهم من اقتصر على بيان التصحيف الذي وقع في كتب الحديث فقط
وليس مراد من ألف في ذلك الطعن في المصحفين والوضع من قدرهم فإن فيهم من وقع ذلك منه نادرا وهو من أهل التثبت لا سيما إن كان في موضع تعسر فيه السلامة من الخطأ ولذا قال بعض الحفاظ إن كثيرا من التصحيف المنقول عن الأكابر الجلة لهم فيه أعذار لم ينقلها ناقلوه ومن يعرى عن الخطأ والنبيل من عدت غلطاته بل مرادهم بيان الصواب والتنبيه على ما يخشى أن يزل فيه من لم ينتبه له من الطلاب
والتصحيف قسمان تصحيف بصر وهو الأكثر وذلك كتصحيف بشر ببسر وتصحيف سمع كتصحيف عاصم الأحول بواصل الأحدب
قال الدارقطني في حديث لعاصم الأحول رواه بعضهم فقال عن واصل الأحدب هذا من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر يريد أن ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة وإنما أخطأ فيه سمع من رواه
والتصحيف ينشأ غالبا من الأخذ من الصحف من غير تدريب الأساتذة حتى قيل إنه مأخوذ منها فإذا قيل صحف كذا فكأنه قيل أخذه من الصحيفة ويقال له الصحفي
قال بعض اللغويين الصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه وإذا نسب إليها قيل رجل صحفي بفتحتين يريدون أنه يأخذ العلم منها دون المشايخ

والتصحيف تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المراد من الموضع يقال صحفه فتصحف أي غيره فتغير حتى التبس
ونقل عن الحافظ المزي وكان من أبعد الناس عن التصحيف ومن أحسنهم أداء للإسناد والمتن أنه كان يقول إذا أغرب عليه أحد برواية مما يذكره بعض شراح الحديث وكان ذلك على خلاف المشهور عنده هذا من التصحيف الذي لم يقف صاحبه إلا على مجرد الصحف ولم يأخذ إلا منها
وقد ذكر بعض من تعرض لبيان علل الحديث التي تعرض له فتحيل معناه أن من جملة ذلك نقل الحديث من الصحف دون السماع من أئمته وأن كثيرا من الناس يعول على إجازة الشيخ له دون لقائه والتلقي منه ثم يأخذ بعد ذلك علمه من الصحف والكتب التي لا يعلم صحتها من سقمها وربما كانت مخالفة لرواية شيخه فيصحف الحروف ويبدل الألفاظ وينسب جميع ذلك إلى شيخه وهو له ظالم
ومن ثم وجب على النقاد المليين بمعرفة الصحيح من السقيم إذا ورد عليهم حديث يخالف المشهور لا سيما إن كان مما ينبو عنه السمع أن ينظروا أولا في سنده فإن وجدوا في رواته من لا يوثق به لم يعولوا عليه وإن لم يجدوا ذلك رجعوا إلى التأويل فإن أمكن تأويله بغير تعسف قبلوه ولم ينكروه وإلا ردوه وحملوا ما وقع فيه على وهم عرض لبعض الرواة
والتحريف العدول بالشيء من جهته
وحرف الكلام تحريفا عدل به عن جهته وهو قد يكون بالزيادة فيه والنقص منه وقد يكون بتبديل بعض كلماته وقد يكون بحمله على غير المراد منه
فالتحريف أعم من التصحيف
وخص الأدباء التصحيف بتبديل الكلمة بكلمة أخرى تشابهها في الخط وتخالفها في النقط وذلك كتبديل العذل بالعدل والغدر بالعذر والعيب بالعتب
والتحريف بتبديل الكلمة بكلمة أخرى تشابهها في الخط والنقط معا وتخالفها في الحركات كتبديل الخلق بالخلق والفلك بالفلك والقدم بالقدم

وقد كان الخط العربي في أول الأمر خاليا من النقط والشكل فكان لا يؤمن فيه التصحيف والتحريف على كل قارئ ثم وضع بعد ذلك النقط والشكل
أما النقط فللتمييز بين بعض الحروف المشتركة في صورة واحدة فأمن بذلك من التصحيف
وأما الشكل فلبيان الحركات التي للحروف فأمن بذلك من التحريف فصار الخط العربي مع حسن الصورة وافيا بالغرض المطلوب من الخط
وإنما اختاروا جعل الشكل مستقلا لما أشرنا إليه في بعض رسائلنا في الخط حيث قلنا قد اختلفت مناهج أرباب الكتابة في أمر الحركات فمنهم من لم يتخذ لها علائم في الخط كالسامرة
ومنهم من اتخذ لها علائم
وهؤلاء أقسام منهم من اتخذ لها علائم متصلة بالحروف حتى تتغير صورة الحرف بتغير حركته كأهل الحبشة فإن لكل حرف عندهم صورا شتى تختلف باختلاف حركته ومنهم من اتخذ لها علائم لا تتغير صورة الحرف بتغيرها
وهؤلاء قسمان قسم اختاروا أن تكون علائم الحركات في أثناء الكلمة فرسموا حركة كل حرف متحرك بعده في أثناء السطر كاليونانيين واللاتينيين
وكأن هؤلاء جعلوا الحركة جزأ من الكلمة في الكتابة وبذلك سهلت القراءة وصعبت الكتابة وذلك أن الكابت بها يغدو كأنه يكتب الكلمة مرتين
وقسم اختاروا أن تجعل علائم الحركات مستقلة خارجة عن السطر فتوضع علامة الحركة فوق الحرف المحرك بها أو تحته كالعرب والعبرانيين والسريانيين
وهؤلاء قد جعلوا زمام الحركات في أيديهم وبذلك يتيسر لهم أن يجروا على مقتضى الحال من الشكل عند الإشكال وتركه عند عدم الإشكال وتركه أو شدة الاستعجال
وقد بلغ الخط العربي من الكمال ما لا يخفى على من نظر في الكتب التي غفل عنها الزمان فلم يصبها بآفة فبقيت إلى هذا العهد فإن كثيرا منها كتب بخط يروق الطرف مع حسن الضبط ووضع علائم الوقف بحيث يقرأ فيها كل قارئ بدون أدنى توقف

وقد توهم بعض أهل الأدب من أهل الأندلس أن في الخط العربي من الأشياء ما لا يوجد في غيره من الخطوط متلقفا ذلك من أناس لم يقفوا على حقيقة الأمر ثم ظهر بعد أعصر أناس من غير أهل الأدب فزعموا ذلك وقد شعروا بشيء يقال في الخط العربي فبادروا للاعتراض عليه والإزراء به وظنوا أن ذلك يشعر بنباهتهم ويقربهم عند الأمم الأخرى وهم في الأكثر لا يحسنون خطوطهم
وبينما هم ينتظرون الشكر وحسن الذكر عندهم إذا بكثير من أرباب تلك الخطوط والمهيمنين عليها قد ردوا عليهم وسددوا سهام اللوم إليهم وقالوا لهم قفوا مكانكم فما لكم ولأمر لم تخبروه وأبانوا أن شكايتهم ليست من نفس الخط العربي كما فعل أولئك الأغمار بل من بعض أنواع السقيمة الشديدة الاشتباه التي ألفها كثير من الناس وحثوا على الاعتناء بالخط المحقق والتزام الشكل ولو يما يشكل فقط ووضع العلائم الدالة على الوقف ونحوه
ولا يخفى أنه يوجد في بعض أنواع الخط العربي ما تعسر قراءته حتى على كثير من الحذاق كالخط المسلسل وهو الذي تتصل حروفه ولا ينفصل منها شيء وكأن واضعه قصد به أن يجعله من قبيل الإلغاز في الخط فلا ينبغي أن تكتب به وبما شابهه في عسر الحل إلا المذكرات التي يحب صاحبها أن لا يطلع عليها غيره ويسوغ أن تكتب به المراسلات الخاصة إذا كان المرسل إليه من العارفين به لا سيما إن كانا يحبان أن لا يطلع عليها غيرهما والحكيم من وضع كل شيء في موضعه
وليس الاعتراض على الخط واللغة ونحوهما منكرا بل هو مطلوب إذا كان على وجهه فإن بيان النقص في الشيء ربما دعا إلى إزالته فيكون من موجبات الكمال وإنما المنكر التهافت عل الاعتراض من غير معرفة ولا اختبار كما يفعله كثير من الأغمار
وقد وقفت على مقالات فيها بيان حال الخط العربي وما قاله أهل المعرفة فيه وهي صادرة ممن خبر كما خبر غيره من خطوط الأمم المشهورة
وقد أحببت أن أورد هنا ما ذكر فيها بعد الجمع بينها مع الاختصار والتنقيح وها هو ذلك

رأوا أن صور الحروف اللاتينية لا تشتمل على جميع حروفهم فجعلوا لكل حرف من الحروف المختصة بهم صورتين أو أكثر من صور الحروف اللاتينية
انظر إلى الشين مثلا وهي مما لا يوجد في اللاتينية فترى بعضهم يصورها بالسين والهاء وبعضهم بالسين والزاي وبعضهم بالكاف والهاء وبعضهم بالسين والكاف والهاء وبعضهم بغير ذلك وقس عليه سائر الحروف التي توجد في لغتهم ولا توجد في لغة اللاتين وليتهم كانوا سلكوا في ذلك مسلكا واحدا حتى لا يقع المطالع في كثير من المواضع في الحيرة
وقد أظهر العرب فيما استعاروه لهذه الأحرف من الصور حكمة بالغة تظهر مما قرره العارفون باللغات السامية وهو أن اللغة العربية والسريانية والعبرانية قد نشأت من أصل واحد هو لهن بمنزلة الأم وهي اللغة الآرامية نسبة إلى آرام أحد أبناء سام وهذه اللغات الثلاث بمنزلة الأخوات ومما يدل على ذلك كثرة التشابه بينهن
ولما كان الأمر كذلك أحبوا أن يراعوا في أمر تصوير هذه الحروف جانب الأختين إلا أن مراعاتهم لجانب السريانية التي أخذوا هذا الخط من أربابها كان أكثر وذلك أن الألفاظ العربية التي فيها صاد وهي موجودة في السريانية والعبرانية تجعل السريانيون ضادها عينا والعبرانيون صادا نحو أرض وضان وضاق وقبض فإنها في السريانية أرع وعان وعاق وقبع والعبرانية أرص وصان وصاق وقبص فاستعاروا للضاد صورة للصاد مجاراة للعبرانيين الذين يجعلون الضاد صادا ولم يستعيروا لها صورة العين مجاراة للسريانيين الذين يجعلون الضاد عينا لما بين الضاد والعين من البعد في اللفظ
وقد فعلوا عكس ذلك في الظاء فإنهم لم يصوروها بالصاد كما يلفظها العبرانيون ولكن صورها بالطاء كما يلفظها السريانيون وذلك لأن البعد ما بين الظاء والصاد أكثر من البعد ما بين الظاء والطاء ولأن صورة الصاد قد استعيرت لصورة الضاد ولأن مجاراة من أخذوا عنهم الخط أولى

والألفاظ العربية التي فيها ذال وهي موجودة فيهما يجعل السريانيون ذالها دالا والعبرانيون زايا نحو ذكر وذهب وذراع فإنها في السريانية دكر ودهب ودراع وفي العبرانية زكر وزهب وزراع
والألفاظ العربية التي فيها ثاء وهي موجودة فيهما يجعل السريانيون ثاءها تاء والعبرانيون شينا نحو ثلج وثعلب وثقل وثور ووثب واثنان وثلاثة
وقد نشأ من الاستعارة المذكورة أن صار لاثني عشر حرفا ست صور يشترك في كل صورة منها حرفان فحصل بذلك التباس وزاد بجعل الحاء كالجيم والزاي كالراء والشين كالسين والقاف كالفاء مع التشريك بين التاء والباء والياء والنون في صورة واحدة إذا كن في غير آخر الكلمة فصار الالتباس شديدا
وكيف لا والحروف العربية ثمانية وعشرون والصور الدالة عليها في الكتابة سبعة عشر
وبقوا على ذلك حينا من الدهر ثم حزبهم الأمر إلى ربع الالتباس فاخترعوا طريقة النقط فامتاز كل حرف بصورة لا يشاركه فيها غيره إلا أنه بعد اختراع هذه الطريقة قد كتبت كتب كثيرة بدون نقط جريا على الطريقة القديمة إلا أنهم الآن قلما يكتبون شيئا بغير نقط إلا أسماءهم في بعض المواضع كالرسائل ونحوها فإن أحدهم إذا كتب رسالة إلى غيره أو كتبت من طرفه فإنه يضع اسمه في آخرها بغير نقط وكثيرا ما يفعلون ذلك في الشهادات والصكوك ويسمى ذلك عندهم بالإمضاء وهو من الأمور التي تنكر عليهم
وقد جرى العرب في أول الأمر على ما جرى عليه الأمم السامية من عدم وضع علائم للحركات فكانوا يكتبون الحروف فقط ثم بعد حين اخترعوا لها علامات وجعلوها فوق الحروف أو تحتها ولم يدخلوها في صفها كما فعل كثير من الأمم غير السامية إلا أنهم انتبهوا من أول الأمر لأمر المد فجعلوا له علامة تدل عليه واعتنوا به حتى جعلوا العلامة حرفا من الحروف يوضع بعد الحرف الممدود داخلا معه في الصف فإن كان الممدود مفتوحا جعلوا علامة مده الألف وإن كان

مضموما جعلوا علامة مده الواو وإن كان مكسورا جعلوا علامة مده الياء
وقد غفل عن هذا الأمر الذي انتبه له العرب من أول الأمر كثير من الأمم التي لها عناية شديدة بأمر الكتابة حتى إنهم لم يضعوا له علامة أصلا
وقد أصبح الخط العربي بعد وضع علائم الحركات مع النقط وافيا بتمام الغرض بحيث صارت الكلمات العربية يقرؤها الواقف على حروفها وحركاتها من غير توقف
وهذه المزية قلما توجد في خط أمة من الأمم حتى إن بعض الأمم المتقدمة في العلوم والمعارف يحتاج المرء بعد تعلم خطها أن يتعلم قراءة جل الكلمات التي في لغتهم كلمة كلمة حتى يتيسر له بعد ذلك أن يقرأ في كتبهم قراءة خالية من الشوائب إلا أن كتابة مثل اللغة الفارسية بها لا يخلو من إشكال لمخالفة طباع اللغات السامية لطباع غيرها من سائر اللغات
ومما يستغرب أن الأمم الغربية مع اتفاقهم في صور الحروف الهجائية قد اختلفوا في لفظ كثير منها فترى كثيرا من الألفاظ إذا كتبت بحروفهم يقرؤها كل فريق منهم على وجه يخالف غيره
وعلى ذلك فلا تستغرب اختلافهم في أسماء كثير من المدن ونحوها
وقد نشأ من ذلك أن صار أغلب الألفاظ المصورة بحررفهم إذا كان من اللغات الغربية عندهم كالصينية والهندية والفارسية مجهولا لا يعرف كيف يلفظ به عند أهله وذلك أن الذين تلقوا أولا تلك الألفاظ من العارفين بها قد كتبوها على مقتضى اصطلاحهم فإذا قرأها غيرهم من الأمم الأخرى قرأها كل فريق منهم على مقتضى اصطلاحه
فنشأ من ذلك اختلاف في اللفظ وكان الواجب عليهم كما اتفقوا في صور الحروف مع اختلاف لغاتهم أن يتفقوا على ما تدل عليه بحيث إنه إذا كتبت كلمة بحروفهم أن تكون قراءتهم لها على وجه واحد واتفاقهم في هذا الأمر أهم من

اتفاقهم في أمور تتعلق بالأكل والشرب واللباس ونحو ذلك مما لا يتعلق ضرر عظيم باختلافه
وقد نشأ من اختلافهم اختلاف كتبة العرب في هذا العصر في بعض الألفاظ الأعجمية المأخوذة من اللاتينية أو اليونانية فإن كل فريق منهم ينطق بها كما ينطق بها القوم الذين تلقى عنهم ذلك وهو مختلفون فيه
وقد تصدى بعضهم لتغيير بعض الألفاظ المذكورة في الكتب العربية القديمة مع أنها أقرب إلى الأصل فليحذر من ذلك وليترك القديم على حاله ولينتبه إلى غيره حتى لا يبعد عن أصله بعدا شاسعا
ولنذكر لك أمرا ربما تستغربه جدا وهو أن اللغة اللاتينية وهي اللغة العلمية المتفق عليها بينهم لا يتفقون في أمر التلفظ بها حتى إنه قد يتكالم بها اثنان منهم فلا يفهم أحدهما ما يقول له الآخر وهذه عثرة لا تقال
وقد وقع في خط السريانيين شيء من الشوائب توجب الإشكال فيه في كثير من المواضع وهو أنهم كثيرا ما يكتبون من الحروف ما لا يقرأ وذلك أن لغتهم كان قد أصابها مع طول العهد بعض تغير فسقط بعض الحروف من بعض الكلمات غير أن الكتبة لم يحبوا أن يسقطوا تلك الحروف من الكتابة لئلا يخالفوا من كان قبلهم من أسلافهم في كتابتها فأبقوها على حالها غير أنهم يسقطونها حال القراءة ولا يلفظون بها وهذا يدل على أنهم كانوا يكتبون قبل سقوط تلك الحروف فيكون أمر الكتابة عندهم قديم العهد
وأما العبرانيون فإنهم كالعرب لا يكتبون إلا ما يلفظون به وما وقع من العرب على خلاف ذلك فإنه قليل لا يذكر وذلك كواو أولئك وألف مائة
وأما الأمم الأخرى فقد أفرطت في ذلك فكأنها جعلت الأصل في الكتابة تصوير اللفظ بصورته التي كان عليها من قبل فصار من يريد أن يتعلم القراءة في لغتهم يحتاج بعد إتقان مبادئ القراءة والكتابة أن يتعلم قراءة ما لا يحصى من الكلمات كلمة كلمة حتى تتيسر له القراءة على وجه لا شائبة فيه فحاكوا بذلك

أهل الصين
وقد سعت فئة من علمائهم في إصلاح هذا الخلل العظيم فلم يجد سعيهم شيئا
وقد اعترض كثير من علماء الآثار على المتأخرين من كتاب اللغة العربية من ثلاثة أوجه
الأول تصرفهم في الخط القديم الذي كان يكتب به على وجه جعله أدنى مما كان عليه في التناسب والوضوح حتى إن حروف خطهم أمست غير متناسبة في المقدار والشكل وصار كثير منها شديد الاشتباه بغيره بحيث إن القارئ يحتاج إلى إمعان النظر في كثير من الحروف حتى يهتدي إلى قراءتها
الثاني تركهم الشكل إلا قليلا جدا ونشأ من ذلك أن يصير القارئ إن لم يكن بارعا في العربية لا سيما إن لم يكن من أهلها في اضطراب شديد حين القراءة لأنه إما أن يقرأ الكلمات المحتملة لوجوه شتى بأي وجه اتفق له فيكون خطؤه أكثر من صوابه وإما أن يقف وهو حائر حتى يجد من يزيل حيرته إن تيسر ذلك
الثالث تركهم علائم الفصل بين الجمل حتى صار القارئ لا سيما إن كان يقرأ بسرعة لا يدري أن يقف وربما وقف في موضع ليس موضع الوقف فيضطر حينئذ إلى البحث عن موضع الوقف فيما مضى أو فيما يأتي وكثيرا ما يحيل ذلك المعنى وكثيرا ما يضطر المطالع إلى قراءة الصحيفة كلها أو الفصل كله حتى يجد ما يطلبه هناك من المطالب
وقد جرى على آثارهم في هذا الأمر المنكر أرباب المطابع عندهم بل زادوا عليهم في ذلك فإن النساخ في كثير من الأحيان يعلمون بحبر أحمر أو بغيره على ما يرونه جديرا بأن ينتبه إليه أو يوقف عليه
وذكر بعضهم وجها آخر وهو أنهم لم يضعوا لإحدى الحركات وهي الفتحة الممالة إلى الكسرة علامة مع قلة الحركات عندهم بالنسبة إلى ما عند غيرهم

وقد نسب بعضهم النقص إلى لغتهم من هذه الجهة وإن كان هذا النقص ليس بشيء يذكر بالنظر إلى ما لها من المحاسن الوافرة فإنه لا يوجد شيء ولو كان جم المزايا فائقا على غيره في ذلك إلا وفيه نقص من جهة
وذلك أن الحركات عند العرب أربعة الضمة والكسرة والفتحة الخالصة والفتحة المشوبة وهي الممالة إلى الكسرة إلا أن أكثر النحاة يجعلها ثلاثة ويسقط الفتحة الممالة لعدم وجودها عند جميع قبائل العرب ولعدم وقوعها في كلام الفصحاء منهم
والحركات عند العبرانيين والسريانيين والفرس خمسة وهي الأربعة السابقة مع الضمة الممالة إلى الفتحة
وقد تبين من البحث والتتبع أن هذه الحركة كانت في اللغة العربية قديما
ومن الغريب أن الضمة الممالة إلى الفتحة والفتحة الممالة إلى الكسرة قد رجعنا إلى لسان جميع أبناء العرب في أكثر الأقطار بحيث يندر من يخلو كلامه عنهما وسبب ذلك سهولتهما مع تأثير اللغات الأخرى وتأثير اللغات بعضها في بعض مما لا ينكر
والحركات عند غير الساميين قد تبلغ إلى ثمانية
انتهى ما أردنا إيراده من تلك المقالات
وقد وقع فيها ما لا يخلو عن شيء مما لا تخلو عنه مقالة وإن عني صاحبها بأمرها كثيرا
فمن ذلك ما ذكر فيها من أن كتابة الفارسية ونحوها بالخط العربي لا يخلو عن إشكال فإن الاختبار دل على خلاف ذلك
وقد علمنا ذلك علم اليقين لوقوفنا عليها وعلى أحوال كثير ممن يقرأ بها على اختلاف درجاتهم ولفرط استسهالهم القراءة بها ترك أكثرهم الشكل حتى إنه يندر أن يوجد ذلك في كتبهم
وقد استعاروا للحروف التي توجد عندهم ولا توجد في العربية صورة أقرب الحروف إليها مخرجا وجعلوا لها علامة تميزها وهي أربعة

الباء المشوبة بالفاء وتكتب على صورة الباء ويوضع تحتها ثلاث نقط
والجيم المشوبة بالشين وتكتب على صورة الجيم ويوضع تحتها ثلاث نقط
والزاي المشوبة بالصاد وتكتب على صورة الزاي ويوضع فوقها ثلاث نقط
والكاف المتولدة بين الغين والقاف وهي المعروفة بالجيم المصرية وتكتب على صورة الكاف ويوضع فوقها نقطة وإنما لم يكتبوها بصورة الغين لكون الغين منقوطة فيحتاجون للتمييز بينهما إلى زيادة النقط وهي كثيرة الوجود عندهم فيكون في ذلك كلفة
ومنها ما ذكر فيها من نسبة النقص إلى اللغة العربية من جهة قلة الحركات فيها بالنظر إلى غيرها من اللغات فإن مجرد قلة الحركات في لغة لا يوجب نقصا فيها لا سيما إن كانت الحركات الواقعة فيها هي أحسن الحركات بل ربما جعلت كثرة الحركات هي الموجبة للنقص لا سيما إن وقعت فيها حركات ثقيلة منصبة على أن اللغة العربية يوجد فيها جل الحركات المعروفة في اللغات المشهورة وإن كان بعضها خاصا ببعض القبائل إلا أن ذلك أمر خفي لم يقف عليه إلا قليل من أئمة اللغة الذين صرفوا عمرهم في التنقيب عنها والبحث في أسرارها
ولنذكر لك مما يتعلق بالحركات ما يمكن إيراده في مثل هذا الوضع فنقول الكلام هو اللفظ المفيد ويتركب من الكلمات
والكلمات تتركب من الحروف وقد تكون الكلمة على حرف واحدث مثل ق وهذه الحروف التي تتركب منها الكلمات تسمى حروف المباني وحروف الهجاء
ثم إن الحرف لا يخلو من حركة أو سكون
فالحركة هي كيفية عارضة للحرف يمكن معها أن يوجد عقبة حرف من حروف المجد وذلك كما في الميم من من فإنه يمكن مدها فيقال في حال فتحها مان وفي حال ضمها مون وفي حال كسرها مين
وبهذا يظهر أن الحركة ثلاثة أنواع فتحة وضمة وكسرة
فالفتحة هي الحركة التي إذا مدت تولد منها الألف
والضمة هي الحركة التي إذا مدت تولد

منها الواو
والكسرة هي الحركة التي إذا مدت تولد منها الياء
ويقال لهذه الحروف الثلاثة في مثل هذا الموضع حروف المد
والسكون هو كيفية عارضة للحرف يمتنع معها أن يوجد عقبه أحد حروف المد وذلك كما في النون من من فإنه وهو على حاله من السكون لا يمكن أن يحدث بعده حرف من حروف المد
قال بعض الحكماء إن الذي تدل عليه الجيم أو الميم مثلا لا يمكن أن ينطق به مفردا وكذلك ما تدل عليه الضمة أو الفتحة أو الكسرة وإنما يحدث الصوت بمجموعهما وذلك أن الصوت المتميز في السمع يحدث من شيئين أحدهما يتنزل منه منزلة المادة وهو الذي يسمى حرفا غير مصوت والثاني يتنزل منه منزلة الصورة وهو الذي يسمى حرفا مصوتا ويسميه أهل لساننا حركة
والحركة قسمان مفردة وغير مفردة فالمفردة هي ما كانت خالصة غير مشوبة بغيرها وهي ثلاثة الضمة والفتحة والكسرة وغير المفردة هي ما كانت مشوبة بغيرها بأن تكون بين حركتين غير خالصة إلى إحداهما وتسمى بالحركة المشوبة كما تسمى الأولى بالحركة المحضة وهي أيضا ثلاثة
وحيث كان المرجع بالحركات إلى أصوات مخصوصة لم ينبغ القطع بانحصارها مطلقا في عدد وإنما نقول إن الذين بحثوا عن اللغات المشهورة قد استقرؤوا الحركات فوجدوها تبلغ ثمانية وقد أوردناها في رسائلنا في الخط على طريق التفصيل إلا أنه لغموض هذا المبحث ربما لم يهتد لفهم ما هنالك كثير من المطالعين لذكر العبارات المختلفة في الظاهر فأحببنا إيراد ذلك هنا على طريق الإجمال وها هو ذلك
الحركات في اللغة العربية تبلغ ستا
قال العلامة ابن جني إن ما في أيدي الناس في ظاهر الأمر ثلاث وهي الضمة والكسرة والفتحة ومحصولها في الحقيقة

ست وذلك أن بين كل حركتين حركة فالتي بين الفتحة والكسرة هي الفتحة قبل الألف الممالة نحو فتحة عين عالم وكاتب وكما أن الألف التي بعدها بين الألف والياء والتي بين الفتحة والضمة هي التي قبل ألف التفخيم نحو الفتحة التي قبل الألف في الصلاة والزكاة والحياة وكذلك قال وعاد التي بين الكسرة والضمة ككسرة قاف قيل وسين سير هذه الكسرة المشمة ضما ومثلها الضمة المشمة كسرا نحو ضمة قاف في المنقر وضمة عين ابن مذعور وباء ابن بور فهذه ضمة أشربت كسرة كما أنها في قيل وسير كسرة أشربت ضما فهما لذلك كالصوت الواحد لكن ليس في كلامهم ضمة مشربة فتحة ولا كسرة مشربة فتحة
ويدل على أن هذه الحركات معتد بها اعتداد سيبويه بألف الإمالة والتفخيم
وقد عد الكسرة المشمة ضما والضمة المشمة كسرا شيئا واحدا لكونها كالصوت الواحد ولم يذكر فتحة الإمالة الصغرى إلحاقا لها بإحدى الحركتين الواقعة هي بينهما فإذا زدنا ما ذكر كانت الحركات ثمانية
وقد أحببنا ذكرها على طريق التفصيل فنقول
الحركة الأولى الضمة المحضة وهي الحركة التي تحدث عند ضم الضفتين ضما شديدا وهي المعروفة باسم الضمة عند العرب بحيث إذا ذكرت لم يخطر في بالهم غيرها

الحركة الثانية الضمة المشوبة بالفتحة وهي حركة خفيفة شائعة في اللغات المشهورة ولخفتها وشيوعها كثر نطلق العرب بها حتى كادوا ينسون الضمة المحضة التي هي الضمة العربية ومن الغريب أن جل من تؤخذ عنهم العربية ينطقون بها كذلك حين تلقي الناس عنهم فيقولون خذ وكل وقل بضمة مشوبة بالفتحة
غير أن القراء لما وجدوا أن الأمر قد تفاقم شددوا الإنكار في ذلك ففازوا بعد عناء وشدة وصار كثير من الناس يتنبه لذلك ويأتي بالضمة المحضة حين القراءة وهذه الضمة موجودة في بعض لغات العرب
قال العلامة ابن جني في سر الصناعة وأما الفتحة الممالة نحو الضمة فالتي تكون قبل ألف التفخيم وذلك نحو الصلاة والزكاة ودعا وعزا وقام وصاغ وكما أن الحركة هنا قبل الألف ليست فتحة محضة بل هي مشوبة بشيء من الضمة فكذلك الألف التي بعدها ليست ألفا محضة لأنها تابعة لحركة هذه صفتها فجرى عليه حكمها
وقال العلامة السكاكي في المفتاح التفخيم هو أن تكسي الفتحة ضمة فتخرج بين بين إذا كان بعدها ألف منقلبة عن الواو لتميل تلك الألف إلى الأصل كقولك الصلاة والزكاة
وقد سمى سيبويه الألف التي هنا بألف التفخيم كما سمى ألف الإمالة بألف الترخيم
والترخيم تليين الصوت
وهذه الحركة واقعة في كلام الفصحاء ذكر ذلك العلامة عبد القاهر الجرجاني في شرح الإيضاح حيث قال في باب مخارج الحروف اعلم أن هذه الحروف يأخذ بعضها شبه بعض ويكتسي طرفا من مذاقته فيتولد من ذلك فروع وتلك

الفروع أربعة عشر ستة منها مستحسنة يؤخذ بها في التنزيل والشعر والكلام الفصيح
أولها ألف الأمالة نحو عالم وعابد جنحت إلى الياء وتشبهت بها فصارت كأنها حرف آخر
الثاني ألف التفخيم وهي الألف التي يسري فيها شيء من الضمة كقولهم الصلاة والزكاة ولميلها إلى الواو كتبت بالواو كما كتبت ألف الإمالة في نحو فقضيهن بالياء لميلها إليه
وقد وجدت هذه الضمة في لغة الفرس وذلك في نحو بمعنى القوة
وقد أشار إليها سيبويه حيث قال في باب اضطراد الإبدال في الفارسية البدل مضطرد في كل حرف ليس من حروفهم يبدل منه ما قرب منه من حروف الأعجمية ومثل ذلك تغييرهم الحركة في مثل زور وآشوب فيقولون زور وآشوب وهو التخليط لأن هذا ليس من كلامهم
وتسمى هذه الضمة عندهم بالضمة المجهولة والواو التي بعدها بالواو المجهولة وقد يزيدون بعد الواو ألفا إشارة إلى كون الضمة هنا مشوبة بالفتحة وذلك في نحو خواجه وخواب وكأنهم جروا في هذه على منهج من يكتب الربا بواو ويجعل بعدها ألفا
قال بعض الأفاضل وكتابة الألف بعد الواو في الربا جار على مذهب من يكتب زيد يدعو بالألف فإن في كتابتها ثلاثة مذاهب تكتب مطلقا ولا تكتب مطلقا تكتب في الجمع ولا تكتب في الفرد والمذهب الثالث هو المشهور
وكتبت في المصحف بواو بعده ألف على لغتين يقول ربوا وهم أهل الحيرة الذين تعلمت العرب الكتابة منهم وكان أولئك يكتبون هكذا على لغتهم فتبعهم

الصحابة رضي الله عنهم في كتابته كذلك وإن لم يكن ذلك لغتهم ذكره الفراء وحكاه عن النووي في التحرير ويكتب في الرسم الاصطلاحي بالألف
ومن قبيل خواجه لفظ خوارزم في لغة أهلها
قال في معجم البلدان هي محركة الأول بحركة بين الضمة والفتحة والألف مسترقة مختلسة ليست بألف صحيحة هكذا يتلفظون به قال الخطيب الموفق المكي ثم الخوارزمي يتشوق إليها
( أأبكاك لما أن بكى في ربا نجد ... سحاب ضحوك البرق منتحب الرعد )
( له قطات كاللآلئ في الثرى ... ولي عبرات كالعقيق على خدي )
( تلفت منها نحو خوارزم والها ... حزينا ولكن أين خوارزم من نجد )
والأولى في مثل هذا الموضع أن تكتب بدون واو هكذا خارزم وعليه جرى المراعون للقياس وأما من كتبها بواو بعدها ألف فغالبهم ممن يقول خوارزم بواو مفتوحة بعدها ألف فلا يكون فيما فعلوا مخالفة للقياس
الحركة الثالثة الضمة المشوبة بالكسرة وهي الضمة التي قد أشمت شيئا من الكسرة قال في سر الصناعة وأما الضمة المشوبة بالكسرة فنحو قولك في الإمالة مررت بمذعور وهذا ابن بور نحوت بضمة العين والباء نحو كسرة الراء فأشممتها شيئا من الكسرة وكما أن هذه الحركة قبل هذه الواو ليست ضمة محضة ولا كسرة مرسلة فكذلك الواو أيضا بعدها هي مشوبة بروائح الياء
وهذا مذهب سيبويه وهو الصواب لأن هذه الحروف تتبع الحركات قبلها فكما أن الحركة مشوبة غير مخلصة فالحرف اللاحق بها أيضا في حكمها
وأما أبو الحسن فكان يقول مررت بمذعور وهذا ابن بور فيشم الضمة قبل الواو رائحة الكسرة ويخلص الواو واوا محضة البتة وهذا تكلف فيه شدة في

النطق وهو مع ذلك ضعيف في القياس فهذا ونحوه مما لا بد في أدائه وتصحيحه للسمع من مشافهة توضحه وتكشف عن غامض سره
فإن قيل فلم جاز في الفتحة أن ينحى بها نحو الكسرة والضمة وفي الكسرة أن ينحى بها نحو الضمة وفي الضمة أن ينحى بها نحو الكسرة على ما قدمت ومثلت ولم يجز في واحدة من الكسرة والضمة أن ينحى بها نحو الفتحة
فالجواب في ذلك أن الفتحة أول الحركات وأدخلها في الحلق والكسرة بعدها والضمة بعد الكسرة فإذا بدأت بالفتحة وتصعدت تطلب صدر الفم والشفتين اجتازت في مرورها بمخرج الياء والواو فجاز أن تشمها شيئا من الكسرة أو الضمة لتطرقها إياهما ولو تكلفت أن تشم الكسرة أو الضمة رائحة من الفتحة لاحتجت إلى الرجوع إلى أول الحلق فكان في ذلك انتقاض عادة الصوت بتراجعه إلى وراءه وتركه التقدم إلى صدر الفم والنفوذ بين الشفتين فلما كان في إشمام الكسرة أو الضمة رائحة الفتحة هذا الانقلاب والنقض ترك ذلك فلم يتكلف البتة
فإن قلت فقد نراهم نحوا بالضمة نحو الكسرة في مذعور وابن بور ونحوهما والضمة كما تعلم فوق الكسرة فكما جاز لهم التراجع في هذا فهلا جاز أيضا في الكسرة والضمة أن ينحى بهما نحو الفتحة
فالجواب أن بين الضمة الكسرة من القرب والتناسب ما ليس بينهما وبين الفتحة فجاز أن يتكلف نحو ذلك بين الضمة والكسرة لما بينهما من التجانس فيما قد تقدم ذكره في صدر هذا الكتاب وفيما سنذكره أيضا في أماكنه وهو مع ذلك قليل مستكره ألا ترى إلى كثرة قيل وبيع وغيض وقلة نحو مررت بمذعور وابن بور

ولعل أبا الحسن أيضا إلى هذا نظر في امتناعه من إعلال الواو في نحو مذعور وتركها واوا محضة لأن له أن يقول إن الحركة التي قبل الواو لم تتمكن في الإعلال والإشمام تمكن الفتحة في الإشمام في نحو عالم وقام ولا تمكن الكسرة في قيل وبيع فلما كان الإشمام في مذعور ونحوه عنده خلسا خفيا لم يقوا عل إعلال الواو بعده كما أعلت الألف في نحو عالم وقام والكسرة في نحو قيل وغيض فلذلك لم تعتل عنده الواو في مذعور وابن بور وأخلصها واوا محضة فهذا قول من القوة على ما تراه
ثم قال وقد كان يجب على أصحابنا إذ ذكروا فروع الحروف نحو ألف الإمالة وألف التفخيم وهمزة بين بين أن يذكروا أيضا الياء في نحو قيل وبيع والواو في نحو مذعور وابن وبور على أنه قد يمكن الفصل بين الياء والواو وبين الألف بأنها لا بد أن تكون تابعة وأنهما قد لا يتبعان ما قبلهما وما علمت أن أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض ولا أشبعه هذا الإشباع ومن وجد قولا قاله والله يعين على الصواب بقدرته
الحركة الرابعة الكسرة المشوبة بالضمة وهي الكسرة التي قد أشمت شيئا من الضمة
قال في سر الصناعة وأما الكسرة المشوبة بالضمة فنحو قيل وبيع وغيض وسيق وكما أن الحركة قبل هذه الياء مشوبة بالضمة فالياء بعدها مشوبة بروائح الواو على ما تقدم في الألف
قال بعض المحققين تشم الكسرة ضمة في نحو قيل وجيء وسيء في لغة أسد وقيس وعقيل فإنهم يقربون كسرة الأول من الضمة إشارة إلى الأصل والإشمام في مثل هبت يا زيد إذا أريد أنه صار مهيبا أحسن من الإشمام في هيب لفصله بين

الفعل المبني للفاعل من الفعل المبني للمفعول وقد أشمت الكسرة ضمة في مثل تغزين إشارة إلى الأصل فإنه كان تغزوين
وقال بعض القراء حقيقة الإشمام في نحو سيء وسيئت وقيل وغيض وسيق وحيل أن ينحى بكسرة أوائل هذه الأفعال نحو الضمة يسيرا ليدل بذلك على أن الضم الخالص أصلها كما ينحى بالفتحة الممالة نحو الكسرة قليلا ليدل بذلك أيضا على انقلاب الألف عن الياء أو لتقرب بذلك من كسرة قبلها أو بعدها
وقال بعض علماء العربية للعرب في الفعل المجهول من نحو قال وباع ثلاث لغات الأولى قيل وبيع بالكسرة وهي في اللغات أشهر وورودها في الآثار أكثر
الثانية قيل وبيع بالإشمام وهي وإن كانت قليلة فهي فصيحة الثالثة قول وبوع بالضم وهي لغة غير فصيحة
وحقيقة الإشمام هنا هو أن تنحو بالكسرة نحو الضمة فتميل الياء الساكنة بعدها نحو الواو قليلا إذ هي تابعة لحركة ما قبلها هذا هو مراد القراء والنحاة بالإشمام في هذا الموضع
وقال بعضهم الإشمام هنا كالإشمام في حالة الوقف يعنون ضم الشفتين فقط مع بقاء الكسر على حاله غير مشوب بشيء من الضم
وهذا خلاف المشهور عند الفريقين
وقال بعضهم هو أن تأتي بضمة خالصة بعدها ياء ساكنة
وهذا أيضا غير مشهور عندهم لأن الإشمام عندهم هنا هو حركة بين حركتي الضم والكسر بعدها حرف بين الواو والياء
وقال في الجوهر الزاهر قرأن ابن عمر سيق وحيل وسيء وسيئت بإشمام الضم على اللغة الأسدية وروى عنه هشام الإشمام في قيل وجيء وغيض عليها

لاتباع الأثر وروى عنه ابن ذكوان إخلاص الكسر فيها لاتباع الأثر وفي ذلك الجمع بين اللغة القرشية والأسدية
وكيفية التلفظ بالإشمام أن تلفظ فاء الكلمة بحركة تامة مركبة من حركتين إفرازا لا شيوعا بحيث يكون جزء الضمة وهو الأقل مقدما وجزء الكسرة وهو الأكثر تاليا له وتنظير بعضهم له بالإمالة يوهم الشيوع
وقيل يشار بالضم مع الفاء أو قبلها أو بعدها وكل ذلك باطل أما الأول فلأن الكسر يقتضي التسفل والضم يقتضي الانطباق فكيف يجتمعان معا وأما الثاني وهو الإشارة بالضم قبل الفاء فإنه لم يسمع ولا قارئ به وأما الثالث فإن الياء تمنع من ذلك
وقيل الإشمام هنا صريح الضم
وليس بشيء لأنه إن كان مع الواو فلغة لم يقرأ بها وإن كان مع الياء فخروج عن كلام العرب
فإن قيل هل تسمع الإشارة إلى الضم أو ترى وهل يحكم على الحرف الذي أشمت حركته بالضم أو بالكسر
فإن قيل هل تسمع الإشارة إلى الضم أو ترى وهل يحكم على الحرف الذي أشمت حركته بالضم أو بالكسر
يقال إن الإشارة إلى الضم تسمع وترى في نفس الحرف الأول هنا والحرف الأول محكوم عليه بالكسر مع الإشارة إلى الضم
وما ذكر من كون الإشمام هو الإتيان بحركة تامة مركبة من حركتين على طريق الإفراز هو قول بعض المتأخرين
وظاهر كلام الفراء والنحويين أنه الإتيان بحركة تامة ممتزجة من حركتين وهما الكسرة والضمة على طريق الشيوع
وإذا أمعن النظر وجد هذا من قبيل اختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات قال الإمام أبو علي الفارسي في كتاب حجج القراءات حجة من أشم الضم الكسر ومال به نحوه في هذه الأفعال وهي قيل وغيض وسيء وحيل وسيق وجيء أن ذلك أدل على فعل ألا تراهم قالوا كيد زيد يفعل وما زيل زيد يفعل فإذا حركوا الفاء بهذه الحركة أمنوا التباس الفعل المبني للفاعل بالفعل المبني للمفعول وانفصل منه وكان أشد إبانة للمعنى المقصود

ومن الحجة فيه أنهم قد أشموا رد وشد وشبهة من المضعف المبني على فعل مع أن الضمة تلحق فاءه فإذا كانوا قد تركوا الضم الخالص إلى هذه في المواضع الذي يصح فيها الضم فلزومها حيث يلزم الكسر فيه في أكثر اللغات أجدر ودل استعمالهم هذه الحركة في رد ونحوه من المضعف على تمكنها في قيل وشبهه وكونها أمارة للفعل ولولا ذلك لم تترك الضمة الخالصة إليها في رد وشبهه
ومن الحجة في ذلك أنهم قالوا أنت تغزين فأشموا الزاي الضم وزاي تغزين كقاف قيل فكما التزم الإشمام هناك التزم في قيل وكذا في اختير أشمت التاء منه لما كانت كقاف قيل وكما أشم تغزين لينفصل من باب ترمين أشم قيل ونحوه ليمتاز من الفعل المبني للفاعل نحو كيد وزيل وليكون أدل على فعل
ومما يقوي قول من أشم قيل أن هذه الضمة المنحو بها محو الكسرة قد جاءت في قولهم شربت من المنقر وهذا ابن مذعور فأمالوا هذه الضمات نحو الكسرة لتكون أشد مشاكلة لما بعدها وأشبه به وهو كسر الراء فإذا أخذوا بهذا لتشاكل الألفاظ وحيث لا يميز معنى من معنى آخر فأن يلتزموا ذلك حيث يزيل ويخلص معنى من معنى أجدر وأولى الحركة الخامسة الكسرة المحضة وهي الكسرة الخالصة التي لا يشوبها شيء من غيرها وذلك كحركة من وفي وحركة أوائل قيل وبيع وهيب إذا لم تشم
الحركة السادسة الفتحة المحضة وهي الفتحة الخالصة التي لا يشوبها شيء من غيرها كفتحة ما ومن
وقد شاب أكثر الناس الفتحة المحضة إما بالكسرة وذلك في نحو خيل وليل وسيل وميل وإما بالضمة وذلك في نحو يوم وقوم ونوم
كما شابوا الكسرة المحضة بالفتحة وذلك في نحو صل وأحسن وأنعم وأبشر وبشر

من ضمة أو فتحة أو كسرة بغيرها في كثير من المواضع فينبغي الانتباه لذلك
الحركة السابعة الفتحة الممالة وهي حركة بين الفتحة المحضة والكسرة المحضة
والإمالة عندهم هو أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة وذلك مثل فتحة النون في الناس والباء في الكبر عند من أمال ذلك
وليست الإمالة لغة جميع العرب فإن أهل الحجاز لا يميلون ولكن يفخمون إلا أنه قد تقع منهم الإمالة قليلا
وأرباب الإمالة هم تميم ومن جاورهم من سائر أهل نجد كأسد وقيس
ولا يقال إمالة إلا إذا بولغ في إمالة الفتحة نحو الكسرة وما لم يبالغ فيه يقال الترقيق والإمالة بين بين وقد يسمي بعضهم الترقيق إمالة صغرى وما بولغ فيه إمالة كبرى
وهذه الحركة موجودة في اللغة الفارسية وتسمى عند أهلها بالكسرة المجهولة
وإذا مدت ظهر بعدها حرف هو إلى الياء أقرب منه إلى الألف ويسمى بالياء المجهولة ويكتب بالياء وذلك نحو سير بإمالة كسرة السين وهو بمعنى الشبعان والنطق به كالنطق بلفظ سار في العربية إذا أميل إمالة كبرى فإن كان بإخلاص كسرة السين كان بمعنى الثوم لأن الإمالة في العربية طارئة والتفخيم هو الأصل
قالوا ويدل على ذلك أن كل ما يمال لو فخمته لم تكن لاحنا فإنه ما من كلمة تمال إلا وفي العرب من يفخمها فدل اطراد الفتح على أصالته وفرعيتها
ولو أملت كل مفخم كنت لاحنا فإن الإمالة لا تكون إلا بسبب فإن فقد امتنعت الإمالة وتعين الفتح
على أنه يمكن أن يقال إنما كتبوها بالألف رعاية للغة قريش التي هي المقصودة بالأصالة
وكثيرا ما يفرق الفرس بين معنى الكلمة بمثل ذلك نحو شير فإنه بالكسر المحض بمعنى اللبن وبالكسر الممال إلى الفتح بمعنى الأسد
ونظير ذلك روي فإنه بالضم المحض بمعنى الوجه وبالضم المشوب بالفتح بمعنى الصفر وهو نوع من

النحاس
وإنما لم تكتب ألفه الإمالة في العربية بالياء مع أنها إلى الياء أقرب منها إلى الألف
ومما جاء بالإمالة في لغة قريش لا في إمالا قال في النهاية جاء في حديث بيع الثمر إمالا فلا تبايعوا حتى يبدو صلاح الثمرة
هذه الكلمة ترد في المحاورات كثيرا وقد جاءت في غير موضع من الحديث وأصلها إن وما ولا فأدغمت النون في الميم وما زائدة في اللفظ لا حكم لها وقد أمالت العرب لا إمالة خفيفة والعوام يشبعون إمالتها فتصير ألفها ياء وهو خطأ ومعناها إن لم تفعلوا هذا فليكن هذا
وأما الفتحة المشوبة بالضمة فهي الفتحة التي تكون قبل ألف التفخيم وذلك نحو فتحة اللام في الصلاة والكافي في الزكاة عند من يشوبها بشيء من الضمة وقد سبق ذكرها فإنها عين الحركة الثانية المسماة بالضمة المشوبة بالفتحة
والمشهور عند الجمهور تسميتها بالفتحة المشوبة بالضمة وذلك أنهم لاحظوا أن الأصل فيها أن تكون فتحة بدليل أنها في أكثر لغات العرب هي كذلك فيكون شوبها بالضمة أمرا طارئا عليها ولم يلتفتوا إلى أن الضم صار فيها أظهر من الفتح ولا إلى أن الشائبين لها بالضم قد كتبوا بعدها الواو دون الألف فينبغي الانتباه لمثل ذلك فقد وقع في مبحث الحركات مع شدة غموضه من اختلاف العبارات إما لاختلاف الاعتبارات أو لغير ذلك ما ربما يوقع النبيه في حيرة شديدة
هذا وقد ذكر سيبويه ألف التفخيم والألف التي تمال إمالة شديدة في الحروف الفرعية التي تستحسن
الحركة الثامنة الفتحة المرققة وهي المتوسطة بين الفتحة المحضة والفتحة الممالة
قال بعض القراء الإمالة قسمان شديدة ومتوسطة والمتوسطة هي التي

تكون بين الفتح المتوسط والإمالة الشديدة
وينبغي أن يجتنب في الشديدة القلب الخالص والإشباع المبالغ فيه وكلا الإمالتين جائز في القراءة غير أني أختار الإمالة الوسطى التي هي بين بين لأن الغرض من الإمالة حاصل بها
وقال بعض علماء الرسم الإمالة هي أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة وبالألف إن كانت بعدها نحو الياء فإن كان جزء الكسرة أكثر سميت محضة وربما عبر عنها بالكسر وإن كان جزء الكسرة أقل سميت تقليلا وإن تساويا سميت بين بين
وهذا يدل على أن بين الفتحة والكسرة ثلاثة حركات وما سبق يدل على أن بينهما حركتين وإذا أمعنت النظر تبين لك أن هذا من قبيل اختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات
والمراد بالفتحة المحضة الفتحة التي تنشأ عن فتح الفم بلا تكلف
قال بعض القراء الفتح ويقال له التفخيم ينقسم إلى قسمين فتح شديد وفتح متوسط
فالفتح الشديد هو نهاية فتح القارئ فمه بلفظ الحرف المفتوح وهو معدوم في لغة العرب والقراء يعدلون عنه وأكثر ما يوجد في ألفاظ أهل خراسان ومن قرب منهم فيما إذا كان بعد الفتح ألف وهو مكروه عند القراء معيب في القراءة غير أن الكراهة في ذلك أخف من الكراهة فيما ليس بعده ألف وذلك مثل ما يفعله بعض الناس في لام عليهم ودال لديهم
والفتح المتوسط هو ما يكون بين الفتح الشديد والإمالة الصغرى وهو الذي يستعمله أهل الفتح من القراء وإنما نبهنا عل هذه لما ذكره بعض الجهابذة من أن بعض من يستعمل الفتح الشديد يزعم أنه الفتح المتوسط وينسب من استعمل الفتح المتوسط إلى الإمالة
وقد حذر بعض أرباب الفن من تفخيم العجم وترقيق العرب والمراد بتفخيم العجم الفتح الشديد الذي اعتاده أهل التفخيم منهم والمراد بترقيق العرب

الإمالة الصغرى التي هي لغة لبعض قبائل العرب فإن من العرب من لا يميل أصلا ومنهم من يميل في بعض المواضع إمالة كبرى ومنهم من يستعمل في موضعها الإمالة الصغرى
وأما الحركة المختلسة فهي حركة غير متميزة في الحس وتسمى الحركة المجهولة وبها قرأ أبو عمرو ( فتوبوا إلى بارئكم )
قال ابن جني وأما الحركة الضعيفة المختلسة كحركة همزة بين بين وغيرها من الحروف التي يراد اختلاس حركاتها تخفيفا فليست حركة مشمة شيئا من غيرها من الحركتين وإنما أضعف اعتمادها فأخفيت لضرب من التخفيف وهي بزنتها إذا وفت ولم تختلس
وقد تقدمت الدلالة على أن همزة بين بين كغيرها من سائر المتحركات في ميزان العروض الذي هو حاكم وعيار على الساكن والمتحرك وكذلك غير هذه الهمزة من الحروف المخفاة الحركات نحو قوله عز اسمه ( ما لك لا تأمننا ) وغير ذلك كله محرك وإن كان مختلسا
ويدل على حركته قوله تعالى ( شهر رمضان ) فيمن أخفى فلو كانت الراء الأولى ساكنة والهاء قبلها ساكنة لاجتمع ساكنان في الأصل ليس الأول منهما حرف لين والثاني مدغما نحو دابة وشابة
وقال أبو علي حركة البناء والإعراب يستعمل في الضمة والكسرة منهما وجهان الإشباع والاختلاس وليس في الفتحة إلا الإشباع والاختلاس وإن كان صوته أضعف من الإشباع وأخفى فالحرف المختلس حركته بزنة المتحرك فمن روى الإسكان عن أبي عمرو في ( بارئكم ) فلعله سمعه يختلس فطنة لضعف الصوت والحركة أنه سكن وعلى هذا يأمركم ويشعركم ونحوه كله على الاختلاس مستقيم حسن وقد جاء إسكان مثل هذا في الشعر
وقال بعض القراء إذا كانت القراءة بشيء مما شاع وذاع وقد تلقته الأئمة بالإسناد الصحيح الذي هو الركن الأعظم في ذلك لم يضر خلاف مخالف فكم من

قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم كإسكان بارئكم ويأمركم وأئمة القراء لا تجري على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الرواية

الفائدة الخامسة
رأى كثيرون من أهل النبل المولعين بالعربية وما يتعلق بها من خط ونحوه أنه ينبغي أن يوضع في هذا العصر علائم للحركات المشوبة ليكون الخط العربي وافيا بالغرض فيه فإنا كثيرا ما نحتاج إلى كتابة كلمات فيها شيء من تلك الحركات فإن كتبناها بما يقرب منها من الحركات المحضة كان تحريفا لها وربما كان مغيرا لمعناها مع أن الأمر في ذلك سهل إذ ليس فيه تغيير لشيء من الخط وإن الحاجة ماسة إليه جدا فنكون قد أجبنا داعي الزمان
على أنه ينبغي لنا أن نراعي شأن سائر الأمم التي كتبت لغاتها بالخط العربي كالفرس ومن نحا نحوهم فإنهم كثيرا ما يحتاجون إلى العلائم الأخرى فإذا وضعت كان الخط العربي وافيا بحاجتهم وفاء تاما ولا ينبغي أن يلتفت إلى قول من يقول إن هذا نقص لا يذكر بالنسبة إلى ما وقع في الخطوط الأخرى فإن هذا قول من يرض بالنقص مع إمكان الكمال ولقد أحسن من قال
( ولم أر في عيوب الناس عيبا ... كنقص القادرين على التمام )
ولو دعا الداعي إلى ذلك في عصر الخليل لبادر هو أو أحد ممن ينتمي إليه إلى إجابة الداعي وأما عدم وضعهم قديما علامة للحركات المشوبة كالإمامة والإشمام مع وجود ذلك في لغة العرب فيمكن أن يكون سببه كون ذلك ليس في لغة قريش التي هي المقصود الأول وعليها عند اختلاف اللغات المعول ويضم إلى هذا ما كان لهم من شدة العناية بالرواية والتلقي من الأفواه
هذا لباب ما يقال في هذه القضية على كثرته وتشعبه
ولا يخفى أن هذا كلام صادر عن أخلاء لا يشوب صفاءهم كدر فينبغي أن يصفى إليه ويقبل عليه ولا يحسب لغوا كما يفهم من لحن كلام بعض اللغاة

وقيل الخوض في غمار هذا البحث نذكر هنا شيئا وهو أن ما ظن من عدم وضع القوم علامة للإمالة والإشمام ليس كذلك فقد تبين من البحث والتتبع أنهم وضعوا لهما علامة بل زادوا فوضعوا علامة لاختلاس الحركة ولزيادة الحرف وحذفه وغير ذلك مما ربما لا تمس الحاجة إليه كثيرا كالروم والإشمام والنقل في حال الوقف
قال بعض النحاة في الوقف على المتحرك خمسة أوجه الإسكان والروم والإشمام والتضعيف والنقل ولكل منها علامة وقد ذكر سيبويه هذه العلائم في كتابه وهو تلميذ الخليل بن أحمد مخترع هذا الشكل المزيل للإشكال وله في ذلك كتاب
ومن أراد البحث عن العلائم المذكورة فعليه بكتاب المحكم في نقط المصاحف وكيفية ضبطها على مذهب القراء وسنن النحويين لأبي عمرو الداني
وقد كان لأهل المغرب عناية شديدة بذلك وهو أم يتوقف إتقانه والبراعة فيه على علم وعمل وقد أدركنا أناسا لهم في ذلك يد بيضاء منهم العلامة الوالد غير أه قد كاد هذا الأمر أن ينسى وعسى أن يتنبه بعض نبهائهم لدرسه وإحيائه قبل أن يدرس والكمال يدعو بعضه بعضا كما أن النقص كذلك
وقد اعترض بعض من ألف في علم الخط على المؤلفين في أصول الحديث لذكرهم مسائل كثيرة تتعلق بعلم الخط في فنهم وإن كان لها فيه مناسبة وجعل الأول بهم أن يكتفوا بذكرها في الكتب الموضوعة في علم الخط فإنها به أجدر
ويمكن أن يقال إن كتب الخط لما كانت في الغالب لا تقرأ اضطروا إلى ذكرها على أن الخط أمر ذو بال والتساهل فيه ربما أوقع خللا عظيما في الحديث والحديث ذو شجون وأكثر المسائل إذا لم تذكر أطرافها لا يكون فيها كبير طائل
وهذا ليس شيئا بالنظر لما فعله كثير ممن ألف في أصول الفقه فإنهم ذكروا فيه مسائل كثيرة من فنون شتى حتى وصل الحال ببعضهم إلى أن ذكر فيه فن المنطق وفي مقدمتهم الغزالي

قال في مقدمة المستصفى نذكر في هذه المقدمة مدارك العقول وانحصارها في الحد والبرهان ونذكر شرط الحد الحقيقي وشرط البرهان الحقيقي وأقسامهما على منهاج أوجز مما ذكرناه في كتاب محك النظر وكتاب معيار العلم وليست هذه المقدمة من جملة علم الأصول ولا من مقدماته الخاصة به بل هي مقدمة العلوم كلها وكل من لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلا فمن شاء أن لا يكتب هذه المقدمة فليبدأ بالكتاب من القطب الأول فإن ذلك أول أصول الفقه
وحاجة جميع العلوم النظرية إلى هذه المقدمة كحاجة أصول الفقه إليها
ولنرجع إلى المقصود فنقول حيث لم يكن بد من وضع علائم للحركات الفرعية ينبغي أن تكون سهلة قريبة من أصلها في الصورة ولذا استحسن بعضهم جعل علامة الفتحة الممالة الفتحة بعينها إلا أنه قلبها فجعل طرفها متجها إلى الجهة اليمنى هكذا - قال بعض شراح الصحيحين في حديث إمالا فاصبروا وحديث وإمالا فلا تبايعوا إنه بإمالة لام لا إلى الكسر ولا يكتب بياء بل يوضع فوق اللام شكلة منحرفة علامة على الإمالة
وإنما جعل هؤلاء هذه العلامة فوق الحرف نظرا إلى أن الأصل في اللغة العربية عدم الإمالة فإذا لم ينتبه القارئ وظنها فتحة لم يعد بذلك لاحنا بخلاف ما لو جعلت تحت الحرف فإن القارئ إذا لم ينتبه وظنها كسرة وأتى بالحرف مكسورا عد لاحنا
وقوى هذا الظن في مثل موسى وعيسى وذكرى وبشرى
وقد جعل بعضهم هذه العلامة مشتركة بين الإمالة الصغرى والكبرى إلا أنه فرق بينهما فجعلها في الإمالة الكبرى تحت الحرف وربما زاد بعضهم على ذلك فوضع فوق الألف نقطتين هكذا وجعلها في الإمالة الصغرى فوق الحرف وقد التزم هؤلاء أن يكتبوا ذلك بالمداد الأحمر

وأما الفرس ونحوهم فإن الأولى لهم أن يضعوا علامة الإمالة تحت الحرف وذلك لأمرين أحدهما أن الإمالة ليست من الأمور الطارئة في لغتهم ولذا كتبوا حرف المد الذي بعدها بصورة الياء الثاني أنهم وإن عدوا أن من كسر نحو سير وشير مما أمالوه لاحنا فإنهم يعدون أن من فتحة أشد لحنا
والظاهر أنه ينبغي لمن أراد أن يكتب نحو قيس وزن وكل بالإمالة كما ينطبق به العامة وهو في الأصل مكسور أن يجعل علامة الإمالة تحت الحرف رعاية لما ذكر
وقد التزم بعض الكتاب أن يجعل الفتحة إذا تلاها مد قائمة وبعضهم لم يلتزم ذلك إلا في بعض المواضع نحو يرقى ويروى ويهوى والمرتقى والمنتقى ونحو راس وياس واستأذن إذا خففت فيه الهمزة بخلاف مثل كاتب وكتابة حتى إن بالمواضع التي حذف فيها حرف المد نحو هذا وهؤلاء وههنا وإلاله والرحمن والسموات ولكن نحو ذلك
وكما التزم بعضهم أن يجعل الفتحة إذا تلاها مد قائمة التزم بعضهم ذلك في الكسرة فجعلها قائمة إذا تلاها مد سواء كان ذلك في مواضع لا يخشى فيه الاشتباه نحو كريم وحليم وكبير وجليل أو كان في مواضع يخشى فيه الاشتباه نحو أدنى وأقصى وأعطى وأولي وأبدي وأخفي فإنها أفعال مضارعة للمتكلم وهي إذا فتحت ياؤها صارت أفعالا ماضية للغائب إلا أن الداعي هنا أضعف من الداعي فيما قبله والأولى للكاتب أن لا يلتزم خشية أن لا يقوم بحقه
هذا وقد يظن أن الفتحة والكسرة قد وضعتا من أول الأمر على صورة واحدة غير أنه فرق بينهما بجعل الفتحة من فوق والكسرة من تحت وليس الأمر كذلك فإن الخليل لما وضع العلائم جعل علامة الضمة واوا صغيرة توضع فوق الحرف وعلامة الفتحة ألفا صغيرة فوق الحرف إلا أنه جعلها مضجعة وعلامة الكسرة ياء توضع تحت الحرق واختار لذلك الياء المردودة وهي التي يرجع بها إلى

الجهة اليمنى هكذا ( ) إلا أنها تغيرت فيما بعد حتى صارت كالفتحة
وقد اختار بعض العجم وضعها فوق الحرف علامة على الإمالة إلا أنه اختصر فيها حتى صارت هكذا ( ) ومناسبة الياء للإمالة لا تخفي ولو وضعت تحت الحرف لم يكن في ذلك بأس لتميزها بصورتها ويمكن التصرف فيها على أوجه شتى مختلفة الوضع هكذا ( ) وينبغي لمن أراد ذلك اختيار أسهلها عليه
أما الضمة المشوبة بالفتحة فالأولى أن تجعل علامتها نفس الضمة المشهورة بدون زيادة شيء عليها إلا أنها تجعل مقلوبة بأن يكون طرفها متجها إلى الأعلى هكذا ( ) وذلك مثل الصلوة والزكوة والحيوة في العربية عند من يكتبها بالواو ويجعل حركة ما قبلها ضمة مشوبة بالفتحة ومثل زور وآشوب في الفارسية وينبغي تسمية هذه الحركة بالضمة المشوبة
وبزيادة هاتين العلامتين يتيسر كتابة الفارسية بدون إخلال بشيء من حركاتها وذلك أن الفرس وكثيرا من الأمم لا يوجد في لغتهم إلا خمس حركات وهي الضمة والفتحة والكسرة والفتحة الممالة إلى الكسرة والضمة المشوبة بالفتحة
وأما الضمة المشوبة بالكسرة فالأولى أن تجعل علامتها نفس الضمة المشهورة بزيادة خط تحتها متصل بها هكذا ( - ) وهذه الصورة مناسبة لما وضعت له لأن وضع شبه الكسرة تحت الضمة يشعر بأن هنا حركة ممتزجة من حركتين هما الضمة والكسرة وأن الضمة متقدمة على الكسرة وعالية عليها وإن كان التقدم هنا والسبق على طريق المجاز ومثال ذلك مررت بمذعور وابن بور
وهذه الحركة وإن كانت قليلة في العربية فهي كثيرة في بعض اللغات المشهورة وينبغي تسميتها بالضمة الممالة لأن في لفظ الإمالة بحسب العرف إشعارا بوجود الميل إلى الكسرة ومما يحرك لهذا الحركة رد نحوه من المضاعف المبني لما لم يسم فاعله وقد أشار إلى ذلك سيبويه حيث قال أما ما كان من بنات الياء فتمال ألفه

لأنها في موضع ياء وبدل منها ففنحوا نحوها كما أن بعضهم يقول قد رد وقال الفرزدق
( وما حل من جهل حبى حلمائنا ... ولا قائل المعروف فينا يعنف )
فيشم كأنه ينحو نحو فعل فكذا نحو الياء
وأما الكسرة المشوبة بالضمة فالأولى أن يجعل علامتها نفس علامة مقابلتها وهي الضمة المشوبة بالكسرة لكونها أشبه الحركات بها إلا أنها توضع مقلوبة هكذا ومثال ذلك قيل وجيء وخيف وهيب وانقيد واختير وخفت وهبت وينبغي أن يكتب مثل قيل وجيء على هذه اللغة الياء دون الواو وذلك لن الحرف الذي ينشأ عن هذه الحركة هو إلى الياء أقرب منه إلى الواو وقد ذهب بعض الناس إلى كتابته في غير العربية بصورة الواو وذلك لكونه مشوبا به وجعل الحركة التي نشأ عنها نوعا من أنواع الضمة لكونها مشوبة بها وهو مخالف للظاهر فإن الظاهر كون هذه الحركة نوعا من أنواع الكسرة لكون الكسر أغلب عليها وكتابة الحرف نشأ بصورة الياء لكونه أشبه بها
وما في اللغة العربية فيتعين كتابته بالياء لثلاثة أمور أحدهما ما ذكر وهو كونه أشبه بها الثاني أن أشهر اللغات فيه هي لغة من يلفظ به بالياء الثالث رعاية الاحتياط فإنه إذا كتب على هذه اللغة بالواو ولم ينتبه القارئ للإشمام وأتى بالضم الخالص يكون قد ترك اللغة الفصيحة وهي لغة من يشم الكسرة ضمة إلى لغة غير فصيحة وهي لغة من يقول فيه قول وجوء بالضم الخالص وأما إذا كتب بالياء فإنه إذا لم ينتبه للإشمام وأتى بالكسرة الخالص يكون قد ترك اللغة الفصيحة وهي لغة من يشم الكسرة ضمة إلى اللغة التي هي أفصح منها وهي لغة من يقول قيل وجيء بالكسرة الخالص
وأكثر الناس في أمر العلائم أما مفرط فمن المفرطين في ذلك من

لا يكاد يضع علامة في موضع من المواضع ومن المفرطين فيه من لا يكاد يترك موضعا بغير علامة
وقد رأيت بعض قراء الفرس جعل لـ ( ما ) ونحوها علائم فجعل لـ ( ما ) الشرطية الطاء واللاستفهامية الميم وللموصولة الخاء إشارة إلى أنها خبرية لا إنشائية وللزائدة الصاد إشارة إلى أنها صلة في الكلام وللكافة الكاف وجعل ذلك فوق الميم ما وكتبه بأحرف صغيرة بمداد أحمر وجرى على مثل ذلك في كثر من الأشياء
والأولى في أمر العلائم أن لا توضع إلا حيث يضطر إليها أو يبعث عليها باعث / وهاك جدولا في الحركات وما يتعلق بها أسماء الحركات العلامات مثالها بالعربية مثالها بالفارسية معناها الضمة ou جد بر ملآن الضمة المشوبة o صلوة خود نفسه الضمة الممالة u رد الكسرة I صل أي شيء الكسرة المشمة eu هبت جه الفتحة صلى الله عليه و سلم هب رأس الفتحة الممالة e درجة سه ثلاثة
وهذا المبحث واسط الأطراف جدا وفيما ذكرنا كفاية للطالب المنتهية والله الموفق

وقد عرفت أنه قد انتقد على أكثر كتاب العربية عدم وضعهم علائم للوقف في أكثر الإحيان حتى صار القارىء لا سيما إن كان يقرأ بسرعة لا يدري أين يقف وإذا وقف فربما وقف في موضع ليس من مواضع الوقف فيضطر حينئذ إلى البحث معرفة مواضع الوقف ومراعاتها في حال القراءة والكتابة
وأعظم الناس اعتناء بأمر الوقف كتاب الكتاب العزيز والتالون له حق تلاوته وذلك لما ورد عن السلف من الأمر بمعرفته ومراعاته روي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن قوله تعالى ( ورتل القرآن ترتيلا ) فقال الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقف
وقال بعض القراء باب الوقف جليل القدر عظيم الخطر لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل وقال بعضهم لما لم يمكن القارئ أن يقرأ السورة في نفس واحد وجب اختيار موضع يسوغ الوقوف عليه والابتداء بما بعده ويتحتم أن يكون موضعا لا يحيل الوقوف عليه المعنى ولا يخل بالفهم وبذلك يحصل القصد وتظهر دلائل الإعجاز
وقد حث كثير من السلف عليه واشترط كثير من الخلف على المجيز أن لا يجيز أحدا إلا بعد معرفته بالوقف والابتداء فإذا عرف ذلك ساغ له أن يصل في مواضع الوقف عند امتداد النفس فإن التالي كالضارب في الأرض / ومواضع الوقف بين يديه كالمنازل فالعارف لا يتعدى منزلا إلا إذا أيقن أنه يصل إلى المنزل الذي بين يديه والنهار قائم والجاهل بالمنازل يعرس حيث أجنه الليل وقد يكون في موضع يلحقه فيه ضرر من تلف نفس أو مال أو غير ذلك
فالقارئ العارف بالمقاطع يقف حيث لا يلحقه لوم والجاهل يقف عند انتهاء نفسه فقد يقف في موضع يضر الوقوف به لإحالته المعنى أو إخلاله بالفهم وقد

حذر العلماء من الوقف على المواضع التي لم يتم فيها الكلام وحثوا على تجنبها
وقد قسم بعضهم الوقف إلى قسمين تام وقبيح قالوا ولو قال جائز وقبيح أو حسن وقبيح لكان أقرب إلى التقابل بين القسمين وكأن صاحب هذا التقسيم جعل ما يقابل القبيح قسما واحدا وهو قول غريب
وقسمه بعضهم إلى قسمين تام وحسن فالتام عنده هو الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده والحسن هو الذي يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده
والمشهور تقسيم الوقف إلى ثلاثة أقسام تام وكاف وحسن ووجه الحصر في ذلك أم يقال إن القارئ إذا وقف على كلام تام فإن انقطع عما بعده لفظا ومعنى فهو التام وإن تعلق بما بعده فإن كان من جهة المعنى دون اللفظ فهو الكافي وإن كان التعلق من جهة اللفظ فهو الحسن
فالوقف التام هو الذي لا يتعلق به ما بعده لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى وأكثر ما يكون عند انتهاء القصص وعند رؤوس الآي نحو الوقف على ( مالك يوم الدين ) فإنه يليه ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ونحو الوقف على نستعين فإنه يليه ( أهدنا الصراط المستقيم ) ونحو ( وأولئك هم المفلحون ) فإنه يليه ( إن الذين كفروا )
والكافي هو الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده 'لا أن ما بعده له تعلق به من جهة المعنى ولذلك كان دون التام ويكون الكافي في رؤوس الآي وفي غيرها وقد يكون بعضه أكفى من بعض وذلك في نحو قوله تعالى ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يموت الحكمة فقد أوتي خيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب ) فالوقف على ( من يشاء ) كاف والوقف على ( كثيرا ) أكفى منه
والحسن هو الذي يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده لتعلقه به من جهة اللفظ ويسمى أيضا الصالح لصلوح الوقف عليه وذلك نحو ( الحمد لله )

فإن الوقف عليه الحسن لأن المراد معقول غير أنه لا يحسن الابتداء بما بعده فلا بد من أن يعيد ما قبله ليتسق بذلك الكلام ونحو الوقف على ( رب العالمين ) فإنه يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده إلا عند أناس قالوا إذا كان رأس آية كما هنا جاز ذلك بل قال بعضهم إن الأفضل الوقف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه و سلم
استدلوا على ذلك بما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت إن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا قرأ قطع آية آية يقول ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ثم يقف ثم يقول ( الحمد لله رب العالمين ) ثم يقف ثم يقول ( الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) رواه أبو داود ساكتا عليه والترمذي وأحمد وغيرهم وهو حديث حسن وسنده صحيح
والذي مال إليه أكثر الباحثين في الوقف أن كل موضع يتعلق به ما بعده من جهة اللفظ لا يسوغ إن وقف عليه أن يبتدأ بما بعده ولو كان رأس آية
قال العماني الناس مختلفون في الوقف فمنهم من قال هو على الأنفاس فإذا انقطع النفس في التلاوة فعنده الوقف فكأنهم جعلوا الوقف تابعا لمقطع الأنفاس / وجعلوها الأصل والوقوف مبنيه عليها
وقال آخرون الفواصل كلها مقاطع فكل رأس هو وقف واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقطع قراءته آية آية وبما روي عن أبي عمرو وعامة الأئمة أن الوقف على رأس الآية تام وكاف وحسن
ثم قال وأعدل الأقوال عندنا أن الوقف قد يكون في أوساط الآي وقد يكون في أواخرها والأغلب في رؤوس الآي أنها وقف عندها وأكثرها في السور ذوات الآي القصار كسورة مريم وطه والشعراء والصافات ونحوها ألا ترى أن

قوله تعالى في سورة والصفات ( ألا إنهم من إفكهم ليقولون ) هو رأس آية ومع ذلك لا يجوز الوقف عليه لأن الابتداء بما بعده يؤدي إلى قبح فاحش
وكذلك قوله في الزخرف ( أبوابا وسرورا عليها يتكؤون ) هو رأس آية وليس بوقف لأن قوله ( وزخرفا ) معطوف على ما قبله ولم تكثر المعطوفات ها هنا فيجوز لطول الكلام فإن وقف على قوله ( وزخرفا ) تم الكلام وحسن الوقف عليه ومن هذا في القرآن كثير ذكرت نبذا منه ليقاس عليه
قال أبو حاتم أكثر أواخر الآي من أول القرآن إلى أخره تام أو كاف أو صالح أو مفهوم إلا الشيء بعد الشيء
وهذا الذي استثناه هو ما ذكرته لك ولذلك قلت كتب الوقف فلم تكثر كثرة كتب القراءة لأنهم اقتصروا علىغير الفواصل التي اعتقدوا فيها أنها مقاطع فكل من عمل من المتقدمين كتابا في الوقف فإنما أورد فيه الوقوف التي في أواسط الآي ولم يتعرضوا لغيرها من الفواصل إلا اليسير أرادوا أن يرخصوا للقارئ الوقف في أواسط الآي كما جاز له الوقف على أواخرها لأن الآية ربما طالت فلم يبلغ النفس آخرها ولئلا يتوهم أن انقطاع الأنفاس إنما يكون عند أواخر الآيات دون أواسطها فيضيق الأمر به عند القارئ 1هـ
وممن جرى على هذا القول العلامة السجاوندي ولذا كتب فوق كثير من الفواصل لا قال العلامة ابن الجزري في النشر قول أئمة الوقف لا يوقف على كذا معناه أنه لا يبتدأ بما بعده إذ كل ما أجازوا الوقف عليه أجازوا الابتداء بما بعده وقد أكثر السجاوندي من هذا القسم وبالغ في كتابة لا والمعنى عنده لا تقف وكثير منه يجوز الابتداء بما بعده وأكثر يجوز الوقف عليه
وقد توهم من لا معرفة له من مقلدي السجاوندي أن منهعه من الوقف على ذلك يقتضي أن الوقف عليه قبيح ي لا يحسن الوقف عليه ولا الابتداء بما بعده وليس كذلك بل هو من الحسن يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده

فصاروا إذا اضطرهم ضيق النفس يتركون الوقف على الحسن الجائز ويتعمدون الوقف على القبيح الممنوع
فتراهم يقولون ( صراط الذين أنعمت عليهم غير ) ثم يقولون ( غير المغضوب عليهم ) ويقولون ( هدى للمتقين الذين ) ثم يبتدئون فيقولون ( الذين يؤمنون بالغيب ) ويتركون الوقف على ( عليهم ) وعلى المتقين الجائزين قطعا ويقفون على غير والذين اللذين تعمد الوقف عليهما قبيح بالإجماع لأن الأول مضاف والثاني موصول وكلاهما ممنوع من تعمد الوقف عليه
وحجتهم في ذلك قول السجاوندي لا قلت ليت شعري إذ منع من الوقف عليه هل أجاز الوقف على غير أو الذين ؟ فيعلم أن مراد السجاوندي بقوله لا أي لا يوقف عليه على أن يبدأ بما بعده كغيره من الأوقاف
ثم ذكر بعض / وقوف انتقدها عليه ثم قال ومثل ذلك كثير في وقوف السجاوندي فلا يتغير بكل ما فيه بل يتبع فيه الأصوب ويختار منه الأقرب
وهذا وقد قسم بعضهم حيث قال والوقوف على خمس درجات فأعلاها رتبة التام ثم الحسن ثم الكافي ثم الصالح ثم المفهوم وهذه العبارات قد استعملها أبو حاتم في كتابه وهي وإن كانت كثيرة فهي متقاربة فالحسن والكافي يتقاربان والتام فوقهما والحسن يقارب التام والصالح والمفهوم يتقاربان أيضا والجائز دونهما في الرتبة
والمستحب للقارئ أن يقف على التام فإن لم يجد إليه سبيلا فالحسن فإن لم يمكن فالكافي وكذلك الصالح
والمفهوم أنه ما دام يقدر على الوقف في المواضع المنصوص عليها لا يعدل عنها إلى الجائز ولا يعدل عن الجائز إلى المواضع التي يكره قطع النفس عندها
والحسن المذكور هنا أعلى درجة من الحسن المذكور سابقا فإنه هنا يقارب

التام وكأنه أحد نوعين ولكنه أدناهما قال بعضهم قد يتفاوت التام في التمام وذلك نحو ( لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ) فإن الوقف عليه تام ولكن الوقف على بعده وهو ( وكان الشيطان للإنسان خزولا ) أتم لتعلقه به تعلقا خفيا ولأنه آخر الآية وقد سمى بعضهم هذا النوع الشبيه بالتمام
وينبغي لمن أراد المراجعة في كتاب من كتب هذا الفن أن يعرف أولا حد كل قسم من الأقسام عند مؤلف ذلك الكتاب ليكون على بصيرة في أمره وقد وضعوا علائم لهذه الأقسام فجعلوا التاء أو الميم للتام والحاء للحسن والكاف للكافي والصاد للصالح والجيم للجائز وقد التزموا كتابة هذه العلائم بالأحمر ووضعها فوق موضع الوقف
وقد توضع في بعض المواضع علامتان إما للإشارة بأنه من المواضع المحتملة لوجهين وإما للإشارة إلى أن ثم قولين لأرباب الفن لم يظهر للواضع رجحان أحدهما على الآخر إلا أن هنا أمرا يجب الانتباه له وهو أنه كثيرا ما يرى الناظر في عباراتهم اختلافا مبينا على الآخر إلا أن هنا أمر يجب الانتباه له وهو أنه كثيرا ما يرى الناظر في الحقيقة فيحكم به مع أنه ربما لم يكن هناك اختلاف وكما يقع هذا بسبب الاختلاف في الاصطلاح قد يقع عكسه وهو أن يظن بسبب اتفاق عباراتهم في الظاهر أن لا خلاف هناك مع أنه قد يكون هناك خلاف
وأما السجاوندي فإنه قسم الوقف إلى خمسة أقسام لكل قسم منها علامة توضع فوق محل الوقف وتكون بالمداد الأحمر والأقسام الخمسة هي اللازم والمطلق والجائز والمحجوز لوجه والمرخص للضرورة وقد تبع أثره في ذلك جل كتاب الكتاب العزيز من بعده ولذلك انتشرت طريقته في البلاد
وقد أحببنا بيان ما اصطلح عليه ليكون التالي في المصاحف التي جرى كتابها على طريقته على بصيرة في الوقف والابتداء فنقول
فالوقف اللازم عنده هو ما قد يوهم غير المراد إذا وصل بما بعده نحو قوله

تعالى في صفة المنافقين ( وما هم بمؤمنين ) فالوقف هنا عنده لازم إذ لو وصل بقوله ( يخادعون الله ) لتوهم قبل التدبر أن الجملة صفة لقوله ( بمؤمنين ) فينتفي بذلك الخداع عنهم ويتقرر الإيمان خالصا عن الخداع خالصا عن الخداع كما يكون ذلك في قولك ما هؤلاء بمؤمنين مخادعين مع أن المقصود هو نفي الإيمان عنهم وإثبات الخداع لهم
ونحو قوله تعالى ( ولا يحزنك قولهم إن العزة لله ) ونحو قوله تعالى ( ولا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ) فالوقف عند قولهم لازم فإنه لو وصل لتوهم أن ما بعده هو المقول وليس كذلك بل هو جملة مستأنفة وردت للنبي صلى الله عليه و سلم وتهديدا لهم
وعلامة الوقف اللازم الميم
والوقف المطلق هو ما يكون ما بعده مما يحسن الابتداء به وذلك كالاسم المبتدأ به نحو ( الله يجتبي ) والفعل المستأنف نحو ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) والشرط نحو ( إن أحسنتم لأنفسكم ) والاستفهام نحو ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) والنفي نحو ( ما كان لهم الخيرة ) ( إن يريدون إلا فرارا ) ونحو ذلك حيث لم يكن ذلك مقولا لقول سابق وعلامة الوقف المطلق الطاء
والوقف الجائز ما يجوز فيه الوصل والفصل لتجاذب الموجبين نحو ( وما أنزل من قبلك ) فإن واو العطف في الجملة التالية لها وهي ( وبالآخرة هم يوقنون ) يرجح الوصل وتقديم المفعول على الفعل ووجود الضمير يرجح الوقف فتساويا وإن كان الوصل هنا أرجح من جهة ومثل ذلك ( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) فالوقف على جزاء وإن كان جائزا إلا أن الوصل هنا أحسن رعاية للفواصل وعلامة الوقف الجائز الجيم

والوقف المحجوز لوجه هو ما يكون للوقف فيه وجه إلا أن الوصل فيه يكون أولى نحو ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) فإن مجيء ما بعده وهو ( فلا يخفف عنهم العذاب ) فالفاء المشعرة بالسبب يقتضي الوصل ومجيء هذه الجملة على هذه الهيءة يجعل للفصل وجها وعلامة الوقف المجوز الزاي
والوقف المرخص فيه للضرورة هو الذي لا يرخص فيه في حال الاختيار الاضطرار وذلك ما بعده لا يستغني عما قبله وإن كان مفهوما في الجملة ويرخص فيه في حال الاضطرار وذلك إما لانقطاع النفس أو لطول الكلام غير أنه إذا وقف عليه ابتدأ بما بعده من غير أن يعود وذلك نحو قوله تعالى ( والسماء بناء ) فإن ما بعده وهو ( وأنزل من السماء ماء ) وإن كان غير مستقل لوجود ضمير فيه يعود على ما قبله إلا أنه جملة مفهومة ونحو كل من فواصل ( قد أفلح المؤمنون ) إلى قوله ( هم فيها خالدون ) وعلامة الوقف المرخص فيه الصاد
وأما الوقف القبيح فهو الوقف في موضع لم يتم فيه الكلام وذلك كالوقف على الشرط دون جزائه والمبتدأ دون خبره وعلى ذي الحال دون الحال وعلى المستثنى منه دون المستثنى وعلى أحد مفعولي باب ظننت دون الآخر وعلى الموصوف دون الصفة وعلى المؤكد دون المؤكد وعلى المبدل منه دون البدل وعلى ذلك بسبب عطاس أو انقطاع نفس لزمه أن يعود إلى ما قبله ويبتدىء منه حتى يتسق الكلام
والقبيح تتفاوت درجاته في القبح فبعضه أقبح من بعض ففي قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) يقبح الوقوف على سكارى وأقبح منه الوقوف هنا على الصلاة
وأما الابتداء فلا يكون إلا اختياريا إذ ليس كالوقف قد تدعو إليه ضرورة فلا يجوز إلا بمستقبل بالمعنى واف بالمقصود وهو ما ينقسم إليه الوقف وتتفاوت درجاته في التمام والكفاية والحسن والقبح كما تتفاوت درجات الوقف

وقد يكون الوقف قبيحا والابتداء حسنا نحو ( من بعثنا من مرقدنا هذا ) الوقف علىهذا قبيح للفصل فيه بين المبتدأ وخبره ولأنه يوهم أن الإشارة إلى المرقد والابتداء بها كاف أو تام لاستئنافه وأما الابتداء بما بعده فهو قبيح شديد القبح
وعلامة الوقف القبيح لا فإذا وضعت فوق موضع علم أنه لا وقف هناك وأنه ينبغي للقارىء الوصل إلا أن يكون تحته علامة رؤوس الآيات فله أن يقف هناك من غير إعادة بناء على قول من أجاز الوقوف على رؤوس الآي مطلقا كأبي عمرو فإنه روي عنه أنه كان يتعمد رؤوس الآي وهو أحب إلي
إلا أن كل ذي طبع سليم يحكم بأن إجازتهم لذلك مشروطة بعدم وقوع مانع خاص وذلك كما في قوله تعالى في سورة والصافات ( ألا أنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وأنهم لكاذبون ) فإنه لا يتصور أن يجيز أحد الوقف على ليقولون على أن يبتدأ بما بعده قال بعض المفسرين كل ما في القرآن من القول لا يجوز الوقف عليه لأن ما بعده حكايته
وها هنا علائم أخرى قد يضعها بعض الكتاب
فمن ذلك القاف وهي علامة الوقف الذي قال به بعض العلماء ولم يقل به أكثرهم ومن ذلك قف وهي علامة على أن الوقف هنالك يؤمر به القارئ على طريق الاستحباب بحيث إنه إذا لم يقف ووصل لم يكن عليه شي ومن ذلك السين وهي علامة على السكتة وهي وقفة من غير تنفس
قال بعض أهل الفن الوقف والقطع والسكت عبارات يطلقها المتقدمون مريدين بها في الغالب الوقف وقد فرق المتأخرون بينها فقالوا
القطع عبارة عن ترك القراءة فيكون القارئ كالمعرض عنها والمتنقل إلى حالة أخرى غيرها وهو مشعر بالانتهاء ولذا يطلب منه الاستعاذة للقراءة المستأنفة وينبغي أن يكون القطع عند رأس آية قال سعيد بن منصور في سننه

حدثنا أبو الأحوص عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل أنه كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويدعوا بعضها وهذا إسناد صحيح وابن الهذيل تابعي كبير وقوله كانوا يريد به الصحابة
الوقف عبارة عن قطع الصوت على الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية تنفس وقد سكت حمزة على الساكن قبل الهمزة سكتة يسيرة
وقد اختلفت ألفاظ أهل الفن في التعبير عنها فقيل هي سكتة قصيرة وقيل هي سكتة مختلسة من غير إشباع وقيل هي وقفة يسيرة وقيل هي وقفة خفيفة وقيل هي سكتة لطيفة من غير قطع وقيل هي وقيفة
قال أبو علي الفارسي في حجيج القراءة يسكت حمزة على ياء شيء قبل الهمزة سكتة خفيفة ثم يهمز وكذلك يسكت على لام المعرفة في الأرض وفي الأسماء والآخرة ونحوها وكأنه راد بهذه الوقيفة التي وقفها تحقيق الهمزة وتبيينها فجعل الهمزة بهذه الوقيفة قبلها في حال لا يجوز معها إلا التحقيق لأن الهمزة قد صارت مضارعة للمبتدأ بها والمبتدأ بها لا تخفف ألا ترى أن أهل التخفيف لا يخففونها مبتدأة فهذه الوقيفة آذنت بتحقيقها إذ صيرتها في حال ما لا يخفف من الهمز
ومما يقوي ذلك مدهم الألف إذا كانت الهمزة بعدها نحو السماء وماء إلا ترى أن مد الألف إذ كانت الهمزة بعدها أطول منه فيها إذا لك يكن بعدها همزة نحو ( وما بكم من نعمة فمن الله ) ليكون ذلك أبين للهمزة فكذلك وقف حمزة هذه الوقيفة لتكون أبين للهمزة اهـ
واختلف في السكت فقيل يجوز في رؤوس الآيات مطلقا في حالة الوصل لقصد البيان وحمل بعضهم الحديث الوارد على ذلك والمشهور أنه مقيد بالسماع

والنقل وأنه لا يسوغ إلا فيما صحت به الرواية لمعنى مقصود بذاته وقد رووا عن حفص أنه كان يسكت في الكهف على عوجا وفي يس على مرقدنا وفي القيامة على النون من من راق وفي المطففين على اللام من بل ران
وقال بعض علماء العربية بعد أن ذكر أنهم نقلوا عن حمزة أنه قرأ ومكر السيء بإسكان الهمزة لعلة اختلس فظن سكونا أو وقف وقفة خفيفة ثم المبتدأ
وقد أوضح بعض المفسرين هذه المسألة فقال عند ذكر قوله تعالى ( فلما جاءهم نذير إلا بأهله ) قرأ الجمهور استكبار في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ) قرأ الجمهور ومكر السيء بكسر الهمزة والأعمش وحمزة بإسكانها إما إجراء للوصل مجرى الوقف وإما إسكانا لتوالي الحركات وإجراء للمنفصل مجرى المتصل كإبل
وزعم المبرد أن هذا لا يجوز في كلام منثور ولا شعر لأن الحركات الإعراب دخلا للفرق بين المعاني وقد اعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش يقرأ بهذا وقال إنما وقف والدليل على هذا أنه تمام الكلام وأن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعربه والحركة في الثاني أثقل منها في الأول لأنها ضمة بين كسرتين
وقال الزجاج قراءة حمزة موقوفا عند الحذاق بيائين لحن لا يجوز وإنما يجوز في الشعر للاضطرار
وقال أبو علي إن قراءة حمزة بإسكان الهمزة في الوصل مبني على إجرائها في الوصل مجرى الوقف ويحتمل وجها آخر وهو أن يجعل ( ئ ولا ) من قوله ( مكر السيء ولا ) بمنزلة إبل فأسكن الحرف الثاني كما يسكن من إبل فيقال إبل لتوالي الكسرتين لا سيما والكسرة الأولى هنا في ياء فخفف بإسكان لاجتماع الياآت والكسرات كما خففت العرب مثل ذلك بالحذف وبالقلب ونزلت حركة الإعراب في هذا بمنزلة حركة غير الإعراب ولا تختل بذلك دلالة الإعراب لأن الحكم بمواضعها معلوم كما كان معلوما في المعتل والإسكان للوقف فإذا ساغ في

قراءته ما ذكر من التأويل لم يسغ لقائل أن يقول إنه لحن وقال الزمخشري لعله اختلس فظن سكونا أو وقف وقفة خفيفة ثم ابتدأ

تنبيهات
التنبيه الأول يغتفر في طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة ونحو ذلك ما لا يغتفر في غيرها فربما أجيز الوقف والابتداء لشيء مما ذكر ولولاه لم يجز وهذا الذي يسميه السجاوندي المرخص فيه للضرورة وذلك نحو الوقف على المغرب في قوله تعالى ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ) وعلى ( النبيين ) وعلى ( عاهدوا ) ونحو كل من فواصل ( قد أفلح المؤمنون ) إلى قوله ( هم فيها خالجون )
وقد ذكر النحويون أنه يكره الوقف الناقص في التنزيل مع إمكان التام فإن لم يمكن بأن طال الكلام ولم يوجد في أثنائه وقف تام حسن الأخذ بالوقف الناقص وقد يحسن الوقف هنا يشعر بأن ( قيما ) / نفصل عنه ومنها أن يكون الكلام مبنيا على الوقف نحو ( يا ليتني ام أوت كتابيه ولم ادر ما حسابيه )
وأما ما قصر من الجمل فإنهم لم يسوغوا فيها ما سوغوا في غيرها وإن لم يكن هناك تعلق لفظي ولذا لم يذكروا الوقف على ( وآتينا عيسى بن مريم البينات ) لقرب الوقف على ( القدس ) ولم يجز كثير منهم الوقف على ( وتعز من تشاء ) لقربه من ( وتذل من تشاء ) لوجود الازدواج بين الجملتين وهو وحده كاف في توكيد الوصل فقد ذكروا أنه ينبغي في الوقف مراعاة أمر الازدواج فيوصل ما يوقف على نظيره مما يوجد التمام عليه من أجل الازدواج نحو ( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) ونحو ( من عمل صالحا ومن أساء فعليها )
التنبيه الثاني قد يختلف الوقف باختلاف الإعراب أو القراءة
مثال اختلاف الوقف الإعراب نحو قوله تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله )

فإنه تام عند من جعل ما بعده مستأنفا وهو الراجح وغير تام عند من جعله معطوفا فيكون الوقف التام عند ( الراسخون في العلم ) وبين الوقفين ها مراقبة ونحو قوله تعالى ( هدى للمتقين ) فإن الوقف فيه حسن إن جعلته ( الذين ) في ( الذين يؤمنون بالغيب ) مجرورا على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هم وتام إن جعلته مرفوعا على أنه مبتدأ وخبره ( أولئك على هدى من ربهم )
مثال اختلاف الوقف باختلاف القراءة نحو قوله تعالى ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) فإن الوقف فيه تام على قراءة من كسر الخاء من ( واتخذوا ) وغير تام بل كاف على قراءة من فتحها ونحو قوله تعالى ( يحاسبكم به الله ) فإنه كاف على قراءة من رفع ( فيغفر ) ( ويعذب ) وحسن على قراءة من جزم
وقد يختلف الوقف باختلاف المذهب نحو قوله تعالى ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) فإن الوقف هنا لازم عند من ذهب إلى أن شهادة القاذفين لا تقبل وإن تابوا غير لازم عند من ذهب إلى أن شهادتهم تقبل إذا تابوا
وقد سبق ذكر المراقبة ومرادهم بها أن يكون في الآية وقفان لا يسوغ للقارىء أن يجمع بينهما لتنافيهما وإنما يسوغ له أن يأتي بأحدهما دون الآخر
وقد جعل بعض الكتاب علامة المراقبة بين الوقفين واوين مقلوبين متقابلتين وجعل من أمثله ذلك قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموت طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )
التنبيه الثالث لا يقوم بأمر الوقف حق القيام إلا نحوي بارع في علم التفسير واقف على أسرار البلاغة وقد تصدى لهذا الأمر العظيم أناس ممن لا يحسنونه فخبطوا فيه خبط عشواء في ليلة ظلماء فلا ينبغي أن يعتمد على كل قول يذكر فيه كقول من أجاز أن يقف القارئ على قوله تعالى ( فانتقمنا من

الذين أجرموا وكان حقا ) ثم يبتدئ ويقول ( علينا نصر المؤمنين ) وقج حذر المحققون من مثل ذلك
قال ابن الجزري ليس كل ما يتعسفه بعض المعربين أو يتكلفه بعض القراءة أو يتأوله بعض أهل الأهواء مما يقتضي وقفا وقفا أو ابتداء ينبغي أن يتعمد الوقوف عليه بل ينبغي تحري المعنى الأتم والوقف الأوجه ومن ثم لم يسغ أن يقف على ( وارحمنا أنت ) ثم يبتدئ فيقول ( بالله إن الشرك لظلم عظيم ) على معنى القسم ولا على ( وما تشاؤون إلا أن يشاء ) ثم يبتدىء فيقول ( الله رب العالمين ) فإن هذا وما أشبهه تعسف وتمحل وتحريف للكلم عن مواضعه
وقال بعض العلماء ينبغي لمن عرف العربية ونظر في كتب التفسير وكان من أولي الفهم أن ينظر في المواضع التي اختلف العلماء في أمر الوقف فيها فإن ترجح عنده شيء أخذ به وإلا فلا يقف هنالك وليتجاوزه إلى غيره من المواضع التي يحسن الوقوف عليها والابتداء بما بعدها بلا خلاف بين المحققين فهو أسلم
التنبيه الرابع قد عرفت أن المحدثين يجعلون بين الحديثين دارة للفصل بينهما وأن بعضهم كان يخلي بقية السطر من الكتابة ليكون البياض الذي فيه مؤكد ا للفصل فإن البياض في جميع المواضع واحدا والحذاق منهم يجعلونه مختلفا باختلاف المواضع مراعين فيه ما يقتضيه الموضع
وقد أشار إلى ذلك ابن السيد حيث قال والفصل إنما يكون بعد تمام الكلام الذي ابتدىء به واستئناف كلام غيره وسعة الفصول وضيقها على مقدار تناسب الكلام فإن كان القول المستأنف مشاكلا للقول الأول بمعنى منه جعل الفص صغيرا وإن كان مباينا له

بالكلية جعل الفصل أكبر من ذلك فأما الفصل قبل تمام القول فهو أعيب العيوب على الكاتب والوراق جميعا وترك الفصول عند تمام الكلام عيب أيضا إلا أنه دون الأول
وقد أورد صاحب الصناعتين كثيرا مما قيل في الوصل والفصل وقد أحببت أن أورد من ذلك شيئا ليعلم المعرضون عن مراعاتها ما كان لهما قديما من حسن الرعاية
قال قيل للفارسي ما البلاغة فقال معرفة الفصل من الوصل وقال المأمون لبعضهم من أبلغ الناس فقال من قرب الأمر البعيد المتناول الصعب الدرك بالألفاظ اليسيرة فقال ما عدل سهمك عن الغرض ولكن البليغ من كان كلامه في مقدار حاجته ولا يجيل الفكر في اجتلاب الغريب الوحشي ولا الساقط السوقي وإن البلاغة إذا اعتزلتها المعرفة بمواضع الفصل والوصل كانت كاللآلئ بلا نظام
وقال المأمون ما أعجب بكلام أحد كإعجابي بكتاب القاسم بن عيسى فإنه يوجز في غير عجز ويصيب مفاصل الكلام ولا تدعوه المقدرة إلى الإطناب ولا تميل به الغزارة إلى الإسهاب ويجلي عن مراده في كتبه ويصيب المغزي في ألفاظه
وكان أكثم بن صيفي إذا كاتب ملوك الجاهلية يقول لكتابه افصلوا بين منقضي كل معنى وصولا إذا كان الكلام معجونا بعضه ببعض وكان الحارث بن شمر الغساني يقول لكاتبه المرقش إذا نزع بك الكلام إلى الابتداء بمعنى غير ما أنت فيه فافصل بينه وبين تبيعته من الألفاظ فإنك إن مذقت ألفاظك بغير ما يحسن أن يمذق نفرت القلوب عو وعيها وملته الأسماع واستثقلته الرواة

وكان صالح بن عبد الرحمن التميمي الكاتب يفصل بين الآيات كلها وبين تبيعتها من الكتاب كيف وقعت وكان يقول ما استؤنف إن إلا وقع الفصل وكان جبل يفصل بين الفاءات كلها وقد كره بعض الكتبة ذلك وأحبه يأمر كتابه بالفصل بين بل وبلى وليس وقال المأمون ما أتفحص من رجل شيئا كتفحصي عن الوصل والفضل في كتابه
وأمر الفصل في الخط أمر ذو بال وقد أشار إليه بعض الجهابذة في مقالة له في البسملة حيث قال والقول الفصل فيها من القرآن حيث كتبت في المصحف بالقلم الذي كتب به سائر القرآن وأنها ليست من السور حيث كتبت وحدها في سطر مفصولة عن السور
ويؤيد ذلك أن الصحابة ق بالغوا في تجريد القرآن فلم يكتبوا في المصحف شيئا مما ليس منه ولذلك لم يكتبوا أسماء السور ونحو ذلك ولا آمين في آخر الفاتحة ولذا كره كثير من العلماء كتابة أسماء السور ونحو ذلك لمخالفته لما جرى عليه الصحابة رضي الله عنهم
روي عن النخعي أنه أتي بمصحف مكتوب فيه سورة كذا وهي كذا آية فقال آمح هذا فإن ابن مسعود كان يكرهه وروي عن ابن سيرين أنه كره النقط والفواتح والخواتم وروي عنه وعن الحسن أنهما قالا لا بأس بنقط المصاحف وروي عن أبي العالية أنه كان يكره الجمل في المصحف وفاتحة سورة كذا وخاتمة سورة كذا وكان يقول جردوا القرآن

وروي عن يحيى بن أبي كثير أنه قال ما كانوا يعرفون شيئا مما أحدث في المصاحف إلا النقط الثلاث على رؤوس الآي وقال غيره أول ما أحدثوا النقط عند آخر الآي ثم الفواتح والخواتم وقال قتادة بدؤوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا وأخرج أبو عبيد وغيره عن ابن مسعود أنه قال جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء
قال الإمام الحليمي تكر كتابة الأعشار والأخماس وأسماء السور وعدد الآيات فيه لقوله جردوا القرآن وأما النقط فيجوز لأنه ليس له صورة فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لمن يحتاج إليها
وقال بعض العلماء ينبغي أن لا يخلط بالقرآن ما ليس منه كعدد الآيات والسجدات والعشرات والوقوف واختلاف القراءات ومعاني الآيات
وقال بعض المقرئين لا أستجيز النقط بالسواد لما فيه من التغيير لصورة الرسم ولا أستجيز جمع قراءآت شتى في مصحف واحد بألوان مختلفة لأنه من أعظم التخليط والتغيير للمرسوم وأرى أن تكون الحركات والتنوين والتشديد والسكون والمد بالحمرة والهمزات بالصفرة
والمراد بالنقط المذكور في كلام بعض التابعين هو النقط الذي أحدث في عصرهم للدلالة على الحركات قال بعض العلماء كان الشكل في الصدر الأول

بطري النقط وأول من فعل ذلك الإمام الأجل أبو الأسود الدؤلي وذلك أنه كان أراد أن يعمل كتابا في النحو يفقوم الناس به ما فسد من لسانهم فقال أرى أن ابتدئ بإعراب القرآن أولا فأحضر من يمسك المصحف وأحضر صبغا يخالف لون المداد وقال للذي يمسك المصحف إذا فتحت شفتي فاجعل نقطة فوق الحرف وإذا كسرتهما فاجعل النقطة تحت الحرف وإذا ضممتهما فاجعل فعل ذلك حتى أتى على ىخر المصحف
ويقال إن أول من فعل ذلك هو نصر بن عاصم الليثي ويقال يحيى بن يعسر وهؤلاء الثلاثة من أجله تابعي البصرة والمعروف عند أكثر العلماء أن أول من فعل ذلك هو أبو الأسود
وأما الشكل المتداول الآن فهو من وضع الخليل بن أحمد وهو أوضح فالفتحة عنده ألف صغيرة توضع فوق الحرف والضمة واو صغيرة توضع فوق الحرف والكسرة ياء صغيرة مردودة توضع تحته والتنوين زيادة مثلها فإن كان مظهرا وذلك قبل حرف الحلق ركبت فوقها وإلا أتبعت بها
وتكتب الألف المحذوفة والمبدل منها في محلها حمراء والهمزة المحذوفة تكتب همزة بلا حرف وهي حمراء أيضا ويوضع على النون قبل الباء ميم حمراء علامة على القلب وقبل الحلق سكون وتعرى عند الإدغام والإخفاء ويسكن كل مسكن ويعرى المدغم ويشدد ما بعده إلا الطاء قبل التاء فيكتب عليها السكون نحو فرطت ومدة الممدود لا تجاوزه
وكان أبو الأسود قد اقتصر على وضع علائم للحركات الثلاث والتنوين فوضع الخليل لذلك علائم على طريقته وزاد على ذلك فوضع لكل من الهمز والتشديد والروم والإشمام والسكون علامة رضي الله عنهم وعمن سعى سعيهم قاصدا نفع الناس غير مريد بذلك منهم أجرا إلا المودة في العلم

الفائدة السابعة
ينبغي أن يتخذ لأجل الوقف أربع علائم وهي كافية بالنظر إلى أكثر الكتب
العلامة الأولى علامة السكت وهي خط كالفتحة يوضع بين يدي الحرف المسكون عليه هكذا ( ـ ) وهذه العلامة كان الخليل جعلها علامة الروم والروم عندهم هو الإتيان بحركة آخر الكلمة في حال الوقف خفية حرصا على بيان حركتها التي تحرك بها حال الوصل
قال بعض العلماء للعرب في الوقف على أواخر الكلم أوجه متعددة والمستعمل منها عند أئمة القراءة تسعة وهي السكون والروم والإشمام والإبدال والنقل والإدغام والحذف والإثبات والإلحاق
والروم عندهم هو النطق ببعض الحركة وسمي روما تروم الحركة وتريدها حيث لم تسقطها بالكلية ويدرك ذلك القوي السمع إذا كان منتهبا لأن في آخر الكلمة صوتيا خفيفا
ويشارك الروم الاختلاس في كون كل منهما غير تامة إلا أن بينهما فرقا وهو أن الروم لا يكون في الفتح والنصب ويكون في الوقف دون الوصل والثابت فيه من الحركة أقل من الذاهب والاختلاس يدخل في الحركات الثلاث كما في ( لا يهدي ) و ( نعما ) ( يأمركم ) عند من استعمل الاختلاس فيها ولا يختص بمحل الوقف وهو الآخر والثابت فيه من الحركة أكثر من الذاهب فإن المأتي به من الحركة في الاختلاس نحو الثلثين
ولما ترك الناس البحث عن الروم وما أشبهه لم تبق لهم حاجة في علامتها فنسيت أو كادت تنسى ولما كنا الآن محتاجين للسكت أكثر من احتياجنا للروم رأينا جعلها علامة عليه ولا يخفي أن بين ما وضعت له في الأصل وما نقلت إليه الآن شيئا من المناسبة
وكان بعض كتاب الأندلس يضعها في آخر السطر إذا بقيت لا تتسع

لكتابة الكلمة المروم كتابتها وهذا من الواضع التي حيرت الكتاب حتى اختلفوا فيها فإن بعضهم يرى أن يكتب بعضها في آخر السطر وبقيتها في أول السطر الآخر ولا يرى بتجزئة الكلمة بأسا للضرورة وخص بعضهم ذلك بالكلمات القابلة للفصل في الكتابة مثل الإرسال والمراسلة والتراسل والاسترسال وهذا معيب عند أهل الصناعة لا يختلفون في ذلك
وبعضهم يرى أن يكتب بعضها في آخر السطر ثم يبعد عنه قليلا ويكتب بقيتها وهؤلاء يرون أولى لأنه بذلك يمكن للقارىء أن يقرأ الكلمة بتمامها من غير انتقال إلى سطر آخر وغاية ما فيه أنه يجد بين الكلمة وتتمتها فاصلا ألجأ إليه مراعاة التناسب بين أواخر الأسطر
وبعضهم يرى ما رأى الكاتب الأندلسي وهو أن تكتب الكلمة بتمامها في أول السطر الآخر وبذلك يخلص من تجزئة الكلمة الواحدة غير أن البياض الذي يبقى في آخر السطر لما كان موهما لأنه قد ترك علامة للفصل اقتضى رفعه بوضع هذه العلامة دفعا لهذا الوهم فكأن هذه العلامة تقول لناظرها صل ولا تقف
وقد رأيت بعضهم يضع هذه العلامة في أثناء السطر ذا وقع فيه بياض بطريق السهو لئلا يظن الناظر أن ذلك البياض قد ترك بطريق القصد لكتابة شيء فيه وهو مما يقع كثيرا
وعلامة السكت إنما توضع في المواضع التي يكون ما بعدها متصلا بما قبلها اتصالا شديدا غير أنه لا يبلغ في الشدة درجة الاتصال الذي بين الفعل وفاعله والمبتدأ وخبره والموصول وصلته ونحو ذلك فإن الاتصال إذا بلغ مثل هذه الدرجة لم يسغ وضع علامة السكت فإذا رأى القارئ علامة السكت ساغ له أن يقف هناك وقفة خفيفة لا يكاد السامع يشعر بها
فمما فيه يسوغ السكت عليه قول بعض أرباب الحكم المأثورة على العاقل أن لا يكون راغبا إلا في إحدى ثلاث خصال تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة

في غير محرم وقوله ثلاث خصال من أفضل أعمال البر - الصدق في الغضب والجود في العسرة والعفو عند المقدرة وقوله ثلاث خصال ليس معهن غربة - كف الأذى وحسن الأدب ومجانبة الريب وقوله السكوت في موضعه من صفات صفوة الرجال - كما أن النطق في موضعه من أشرف الخلال
وقوله مما يدل على علم العالم معرفته بما يدرك من الأمور - وإمساكه عما لا يدرك - وتزيينه نفسه بالمكارم وظهور علمه للناس من غير أن يظهر منه فخر لا عجب - ومعرفته بزمانه الذي هو فيه - وبصره بالناس وأخذه بالقسط - وإرشاده المسترشد - وحسن مخالقته خلطاءه - وتسويته بين قلبه ولسانه - وتحريه العدل في كل أمر - ورحب ذرعه فيما نابه - واحتجاجه بالحجج فيما عمل - وحسن تبصره
وقوله حبب إلى نفسك العلم حتى تألفه وتلزمه - ويكون هو لهوك ولذتك وسلوتك وبلغتك وقوله إن استطعت أن لا تخبر بشيء إلا وأنت به مصدق - وألا يكون تصديقك إلا ببرهان فافعل وقوله لا يصلح العلم بغير حلم - ولا الحفظ بغير فهم - ولا الحسب بغير أدب - ولا الغنى بغير كرم - ولا الجد بغير جد
ولا بأس بوضع هذه العلامة في آخر السطر إذا بقي فيه بياض لا يتسع لكتابة الكلمة المروم كتابتها على ما جرى عليه بعض كتاب الأندلس
ويسوغ وضعها في مثل قول بعض علماء الأصول في الكلام على اللغات وأنها هل هي توقيفية أم اصطلاحية والجواب عن التمسك بقوله تعالى ( وعلم آدم الأسماء كلها ) أن يقول لم لا يجوز أن يكون المراد من التعليم أنه ألهمه الاحتياج إلى هذه الألفاظ وأعطاه ما لأجله قدر على الوضع
مع أن هذا الموضع ليس من مواضع الفصل أصلا لكن توضع العلامة لمجرد التمييز بين الكلامين
ومثل قوله والأثارة في قوله تعالى ( أو اثارة من علم ) هو ما يروى

ويستغنى عن وضع هذه العلامة بوجود علامة أخرى لحصول المقصود وذلك في مثل قول بعض أرباب / التجويد قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى - ( ورتل القرآن ترتيلا ) الترتيل هو أن تأتي بالقراءة على ترسل وتؤدة بتبيين الحروف والحركات
وقد كان الكتاب قديما يكتبون الآيات في مثل هذه المواضع إما بمداد يخالف في اللون ما يكتب به غيرها أو بقلم أدق منه أو بخط مخالف في النوع له فكان المقصود حاصلا بذلك
وهنا أمر ينبغي الانتباه له وهو أن السكت كالوقف له درجات متفاوتة في المقدار حتى إنه في بعض المواضع لا يكاد يشعر به لشدة خفائه وذلك في مثل قولك جاد لنا فلان فإنه إذا كان من الجود تجد نفسك مسوغة إلى السكت على الدال سكتة خفيفة خفية بخلاف ما إذا كان من الجدال
ونحو قولك ما سعى أحد في فساد فساد فإن الفاء الثانية لا بد فيها من سكتة خفية ونحو قولك ما لك لا تجعل مالك دون مالك وأنت تعلم أنه سيكون له دونك مالك وانظر إلى لفظ قد رشاني في قول بعض القضاة مفتخرا بالعدل
( فما خفض الأعادي قدر شاني ... ولا قالوا فلان قد رشاني )
فإنك لا تشك أنه لابد من سكت فيه في الموضعين أما في الأول فعلى الراء وأما في الثاني فعلى الدال وقد أشار إلى وقوع السكت في الشعر السيد المرتضى فإنه قال عند ذكر قول الكميت
( وما أنا ممن يزجر الطير همه ... أصاح غراب أم تعرض ثعلب )
يجب الوقوف على الطير ثم يبدأ بهمه ليفهم الغرض ولا يخفى أن المراد بالوقف هنا السكتة الخفيفة لا الوقف بالمعنى المشهور فإنه يوجب إسكان الراء فيختل الوزن على أن هنا أمرا آخر وهو أن الوقف فيه يوجب التقاء الساكنين وقد تقرر أنه لا يقع الساكنين في الشعر إلا في الآخر وأما في غيره فلا يقع نعم

أجاز بعضهم وقوع ذلك في المتقارب واستشهد على ذلك بقول الشاعر
( فذاك القصاص وكان التقاص ... فرضا وحتما على المسلمينا )
أجاز ذلك في عروض هذا الضرب من الشعر ولم يجزه في غيرها
وهذه المسألة وما شاكلها من متعلقات علم قوانين القراءة وهو علم يعرف عنه العلامات المميزة بين الحروف المشتركة في الصور والعلامات الدالة على الإدغام والمد والقصر والفصل والوصل والمقاطع وأحوال هذه العلامات وأحكامها ونحو ذلك وهذا العلم وعلم قوانين الكتابة متلازمان لغاية واحدة وهو معرفة دلالة الخط على اللفظ وذكر بعضهم أن شدة الاحتياج إلى هذين الفنين وفرط عناية النفوس الإنسانية بمعرفتهما وتعلمهما أغنت عن التصنيف فيهما
العلامة الثانية الوقف الحسن اعلم أن القوم قرروا أن معرفة مواضع الوقف متوقفة على معرفة المعنى وهو أمر بين بنفسه والتجربة تعضده فإنك إذا راقبت من يقرأه وهو عارف بمعنى ما يقرأه تجده لا يقف إلا في المواضع التي يسوغ الوقف عليها مع إعطاء كل موضع ما يستحقه من المقدار ويقف
فتارة تراه يقف وقفة قصيرة جدا بحيث تقارب الوقفة المسماة بالسكتة وذلك حيث يكون ما بعد ذلك الكلام متصلا بما قبله اتصالا فيه قوة غير أن ذلك الكلام مفهوم في الجملة وهذا الموضع هو الموضع الذي يسمى الوقف عليه بالوقف الحسن
وتارة تراه يقف وقفة أطول منها وذلك حيث يكون ما بعد ذلك الكلام / متصلا بما قبله اتصالا أدنى في القوة من الاتصال المذكور وهذا الموضع هو الذي يسمى الوقف التام عليه بالوقف الكافي
وتارة تراه يقف وقفة طويلة تكاد توهم السامع أنه يريد قطع القراءة وذلك حيث يكون ذلك الموضع قد تم فيه الكلام وهذا الموضع هو الموضع الذي يسمى الوقف عليه بالوقف التام

ومواضع الوقف التام ظاهرة بينة في الغالب ولذلك يندر الاختلاف فيها وقد تكون متعينة وذلك إذا وقعت في آخر الكلام وذلك كما في الحكم الآتية قال عبدالله المأمون خير الكلام ما شكل الزمان وقال أحمد بن أبي دؤاد الاستصلاح خير من الاجتياح وقال بعض الحكماء لا تكن تلميذا لمن يبادر إلى الأجوبة قبل أن يتدبرها ويتفكر فيما يتفرغ عنها
وأما مواضع الوقف الحسن أو الكافي فقد تكون غير بينة ولذا لم يندر وقوع الاختلاف فيها فكثير ما يحكم بعض الناظرين على وقف بأنه حسن ويحكم غيره بأنه كاف وذلك لاختلاف نظرهم في درجة التعلق بين الكلام الموقوف عليه وبين ما بعده وكثيرا ما يكون المختلف فيه في الدرجة الوسطى بين النوعين فيكون الاختلاف هناك غير مستغرب
والظاهر أن المواضع التي يختلف في كون الوقف فيها حسنا أو كافيا ينبغي أن يجعل الوقف فيها من قبيل الحسن احتياطا ونهاية ما في ذلك أن يجعل الوقف فيها أقصر وهو لو لم يقف أصلا لم يكن عليه شيء بل ربما كان أحسن لم يؤد ذلك إلى الاضطرار إلى الوقوف في موقف غير مستحسن
وقد عرفت أنهم ذكروا أن الناظر في كتب القوم إذا وجدهم قد اختلفوا في الوقف في موضع فقال بعضهم يحسن الوقف فيه وقال بعضهم بخلافه ولم يترجح عنده أحد الوجهين أن الأولى أن لا يقف في غير مواضع الوقف كان ملوما
ومن أحكم ما ذكرناه في هذا البحث اكتفى به في أكثر المواضع ومن أراد الزيادة فعليه بمطالعة كتاب من الكتب المبسوطة فيه المذكور فيها الأسباب والعلل
وقد نظرت في كثير من الكتب فوجدت مناهج الكتاب فيها مختلفة من جهة الوقف وذلك أن
منهم من اقتصر على قسم واحد منه وهو الوقف التام الذي هو أحسن

الأوقاف وجعل له علامة وأغفل ما عداه إلا أن في هذا نوع تقصير لأنه يتعب القارىء لا سيما عند طول الكلام فيضطر إلى الوقوف قبل الوصول إليه فإذا لم يجد موقفا قريبا منه وقف كيف ما كان
وكثير ما يكون الوقوف هناك غير حسن فنشأ من ذلك أن صار في كثير من المواضع لا يصل إلى الأحسن مع انقطاعه عن الحسن
ومنهم من اقتصر من ذلك على قسمين وهما الوقف التام والوقف الكاف ي الشبيه بالتام وجعلوا لكل واحد منها علامة وهؤلاء لا يلحقهم ملام لحصول المقصود بذلك في جل الكتب
ومنهم من أتى بالأقسام الثلاثة إلا أنهم اقتصروا على علامتين إحداهما للوقف التام والأخرى للوقف الكافي والحسن وجعلوا العلامة مشتركة بينهما
ويمكن أن يقال إن هؤلاء كالذين قبلهم قد اعتبروا الوقف قسمين تاما وكافيا غير أنهم قد ألحقوا بالكافي قسما من الحسن وهو ما لا ريب في حسنه ولذلك اقتصروا على علامة واحدة
وهؤلاء منهم من يجعل علامة الكافي والحسن كتابة الكلمة الأولى أو الحرف الأول منها لا سيما إن كان الواو بالحبر الأحمر أو يجعل فوقها خطا / كذلك إشارة إلى أن تلك الكلمة مما يسوغ الابتداء بها وأن ما قبلها يسوغ الوقف عليه ومنهم من يجعل العلامة نقطة صغيرة ومنهم من يجعل العلامة واوا مقلوبة هكذا
وهذا الذي اخترناه لأمرين أحدهما أن هذه العلامة هي أكثر شيوعا عندهم الثاني أنها لما كانت في صورة الواو كانت مذكرة بالوقف غير أنا رأينا ان تبقى هذه الواو المقلوبة على حالها عند قصد الدلالة بها على الوقف الحسن وأن يزاد فيها شيء كنقطة أو خط عند قصد الدلالة بها على الوقف الكافي الذي هو أطول مما قبله في المدة وأهم منه
ومما فيه ما يحسن الوقوف عليه قول بعض أرباب الحكم المأثورة العلم زين

لصاحبه في الرخاء ومنجاة له في الشدة وقوله حق العاقل أن يتخذ مرآتين ينظر من إحداهما في مساوي نفسه فيتصاغر بها وينظر من الأخرى في محاسن الناس فيحليهم بها ويأخذ ما استطاع منها
وقوله لا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان ولا إلى البخل أسرع منك إلى الجود وقوله سوسوا أحرار الناس بمحض المودة والعامة بالرغبة والرهبة والأسافل بالمخافة وقوله لا تعد الغنم غنما إذا ساق غرما ولا الغرم غرما إذا ساق غنما
العلامة الثالثة علامة الوقف الكافي وهي الواو المقلوبة غير أنه يزاد فيها شيء كنقطة أو خط تمييزا بينها وبين علامة الوقف الحسن
ومما فيه ما يكون الوقوف عليه كافيا قول بعض أرباب الحكم المأثورة لا تقدم على أمر حتى تنظر في عاقبته ولا ترد حتى ترى وجه المصدر وقوله من ورع الرجل أن لا يقوم ما لا يعلم ومن أربه أن يتثبت فيما يعلم وقوله كن في جميع الأمور في أوسطها ؛ فإن خير الأمور أوساطها
وقوله العاقل لا يعادي ما وجد إلى المحبة سبيلا ولا يعادي من ليس له منه بد وقوله من أحسن ذوي العقول عقلا من أحسن تقدير أمر معاشه ومعاده تقديرا لا يفسد عليه واحد منهما الآخر فإن أعياه ذلك رفض الأدنى وآثر عليه الأعظم وقوله تحفظ في مجلسك وكلامك من التطاول على الأصحاب وطب نفسا عن كثير مما يعرض لك فيه صواب القول والرأي مداراة لئلا يظن أصحابك أن ما بك التطاول عليهم
العلامة الرابعة علامة الوقف التام اعلم أن الكتاب قد اختلفت مناهجهم في ذلك
فمنهم من كان يضع نقطة إلا أن بعضهم كان يجعلها كبيرة لئلا تشتبه بالنقطة التي كان يضعها للوقف الذي ليس بتام ومنهم من كان يضع ثلاث نقط على

هيئة الأثافي كما في نقط الشين ومنهم من كان يضع واوا مقلوبة ومنهم من كان يجعلها ثلاثا على الهيئة المذكورة ومنهم من كان يضع دارة إما مطبقة أو منفرجة ومنهم من كان يضع هاء لها عينان وهي ذات طرف مردود إلى الجانب الأيمن هكذا ه وكأنها رمز إلى لفظ انتهى
ومن الكتاب من لم يقتصر على واحدة مما ذكر فربما وضع في وضع دارة وفي موضع آخر نقطا ونحو ذلك ولما كان الوقف التام متفاوت الدرجات في التمام ينبغي لمن جعل له علامات أن يخص كل واحدة منها بنوع منه غير أن الدارة لا ينبغي أن توضع إلا لأتم أنواعه كأن يكون الموضع آخر قصة ونحو ذلك
وفي هذا المبحث شيء وهو أن يقال قد ذكرتم أن بعض المواضع قد يتجاذبه أمران أحدهما يقتضي الوصل والآخر يقتضي الفصل وهو ثلاثة أقسام فهل يمكن أن يجعل لكل قسم منها / علامة يعرف بها ؟ فيقال نعم وذلك بالجمع بين الخط الذي هو علامة الوصل والنقطة التي هي علامة الفصل فإذا كان الموضع مما يرجح فيه جانب الوصل على الفصل وضع فيه خط بعده نقطة هكذا - وإذا كان الموضع مما يرجح فيه جانب الفصل على الوصل وضعت فيه نقطة بعدها خط هكذا - وإذا كان الموضع مما لم يرجح فيه أحدهما على الآخر وضع الخط بين نقطتين هكذا -
هذا وما يذكر من العلائم المختلفة التي تدل كل واحدة منها على قسم من أقسامه إنما يحتاج إليه في الكلام المنثور الذي لم يقيد بسجع وأما الكلام المنثور المقيد بالسجع فيكفي فيه علامتان توضع إحداهما في آخر الفقرة الأولى للدلالة على موضع الوقف وعلى أن السجعة لم تتم بعد والأخرى في آخر الفقرة الثانية للدلالة على الوقف وعلى أن السجعة قد تمت إلا أنه ينبغي أن تكون أقوى في الدلالة على الوقف من التي قبلها
وعلى ذلك يسوغ أن تكون الأولى علامة الوصل والثانية نقطة أو الأولى

نقطة صغيرة والثانية نقطة كبيرة أو الأولى واوا مقلوبة والثانية واوا مقلوبة متميزة بزيادة فيها
ومن أمثلة السجع قول بعض أرباب البلاغة إياكم ومقابلة النعمة بالكفران - واذكروا هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وأبرزوها في معرض من حسن الذكر - وقابلوها بما يليق بها من الشكر وقوله بلغني أن فلانا ناظر فلما توجهت عليه الحجة كابر وقد كنت أحسب أنه أعرف بالحق من أن يعقه وأهيب لحجاب العدل والإنصاف من أن يشقه أو لم يعلم أن الكابرة تشعر بضعف الحس ومهانة النفس
وقوله اعتذر الأستاذ من صغر الكتاب واختصاره وقد أغناه الله عما تكلفه من اعتذاره وإنما الصغير ما صغر قدره لا ما صغر حجمه فأما ما أفاد وجاوز المراد ؛ فليس بصغير بل هو أكبر من كل كبير
وقد يعرض في السجع في بعض المواضع أمور توجب الإشكال في وضع العلائم فمن المواضع المشكلة أن تكون السجعة مركبة من ثلاث فقر وينبغي هنا أن توضع العلامة المشعرة بانتهاء السجعة عند الفقرة الثالثة ويوضع عند الثانية علامة مثل العلامة التي توضع عند الأولى
مثل ذلك قوله جزى الله الأستاذ عن الجود خيرا فقد أقام له سوقا كانت كاسدة واهب منه ريحا كانت راكدة وأحيا منه أرضا كانت هامدة وعمر للمعروف دارا طالما تيه في قفارها لا ندراس آثارها وانهدام منارها
وقوله يعز علينا أن يكثر بين تلاقينا عدد الأيام وتعبر عن ضمائرنا ألسن الأقلام ونتناجى في الكتب بصور الكلام
وكثيرا ما يعرض في بعض المواضع هنا ما يجعل وضع علامة الوصل إما في الأولى أو في الثانية أولى من غيرها وإن كانت العلامة المتخذة في الأصل غيرها فعلامة الوصل يحتاج إليها في كثير من المواضع التي جعل غيرها علامة فيه ومثال

ذلك قوله الظنون - أمر لا يعول عليه المتقون ولا يخلطون ما كان بما لعله لا يكون
ومن المواضع المشكلة أن توجد فقرة ليس لها أخت وينبغي هنا أن تعطى حكمها في حد ذاتها نحو قوله إن للعقول مغارس كمغارس الأشجار فإذا طابت بقاع الأرض للشجر زكا ثمرها وإذا كرمت النفوس للعقول حسن نظرها
ومن المواضع المشكلة المواضع التي يكون فيها سجع في سجع وينبغي هنا أن توضع علامة الوصل في السجع الذي يكون في السجع ومثال ذلك قول بعضهم / في علم البيان وهو فن قد نضب ماؤه فلم يظهر له ثمر وذهب رواؤه فلم يؤثر فيه غير الأثر ؛ وقول بعضهم هذا كتاب قد أودع من جواهر الكلم - ما يفوق قلائد العقيان - وعقود الدرر ومن زواهر الحكم - ما يروق الجنان - ويجلو البصر
وقد اختلف العلماء في أنه هل يجوز أن يقال إن في القرآن سجعا أم لا ؟ فقال قوم إنه لا يجوز ووافقهم على ذلك الرماني وقد أشار إلى ذلك في " إعجاز القرآن " حيث قال إن السجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحال المعنى عليه والفواصل هي التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها ولذلك كانت الفواصل بلاغة والسجع عيبا
وقال قوم إنه يجوز ذلك قال بعضهم ليس كل السجع يقصد في نفسه ثم يحال المعنى عليه بل منه ما يتبع المعنى وهو غير مقصود في نفسه وهذا مما لا يعاب بل مما يستحسن
والظاهر أن الذي دعا قوما إلى تسمية جميع ما في القرآن فواصل مع الامتناع عن تسمية ما تماثلت حروفه منه سجعا رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم لا كون السجع في نفسه معيبا فإن السجع في نفسه يرجع إلى تماثل الحروف أو تقاربها في مقاطع الفواصل
وإنما لم يجىء في القرآن كله ولا أكثره سجع لأنه نزل بلغة العرب وعلى

عرفهم وعادتهم وكان البليغ منهم لا يكون في كلامه كله ولا أكثره سجع لما فيه من أمارات التكلف لا سيما مع طول الكلام ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام لا سيما اقتضاه المقام
قال حازم ( 1 ) من الناس من يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف متقاربة في الطول والقصر ( 2 ) لما فيه من التكلف ومنهم من يرى أن التناسب الواقع بإفراغ الكلام في قالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدا ومنهم - وهو الوسط - من يرى أن السجع وإن كان زينة للكلام فقد يدعو إلى التكلف فرأيي أن لا يستعمل في جملة الكلام ( 3 ) وأن لا يخلى الكلام منه جملة وأنه يقبل منه ما اجتلبه الخاطر عفوا بلا تكلف
قال وكيف يعاب السجع على الإطلاق ! وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلامهم وإنما لم يجىء على أسلوب واحد لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرا على نمط واحد لما فيه من التكلف ولما في الطبع من الملل ولأن الارفتنان في ضروب

الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد فلهذا وردت بعض الآي متماثلة المقاطع وبعضها غير متماثلة
تنبيهات مهمة تتعلق بالسجع أوردها صاحب " الإتقان " ( 1 )
الأول قال أهل البديع أحسن السجع ونحوه ما تساوت قرائنه نحو ( في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود ) ويليه ما طالت قرينته الثانية نحو ( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى ) أو الثالثة نحو ( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) وقال ابن الأثير الأحسن في الثانية المساواة وإلا فأطول قليلا وفي الثالثة أن تكون أطول وقال الخفاجي لا يجوز أن تكون الثانية أقصر من الأولى
الثاني قالوا أحسن السجع ما كان قصيرا لدلالته على قوة المنشىء وأقله كلمتان نحو ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) الآيات ( والمرسلات عرفا ) الآيات ( والذاريات ذروا ) الآيات ( والعاديات ضبحا ) والآيات والطويل ما زاد عن العشر وما / بينها متوسط كآيات سورة القمر
الثالث قال الزمخشري في " كشافة القديم " لا تحسن المحافظة على الفواصل لمجردها إلا مع بقاء المعاني على سردها على المنهج الذي يقتضيه حسن النظم والتئامه فأما أن تهمل المعاني ويهتم بتحسين اللفظ وحده غير منظور فيه إلى مورده فليس من قبيل البلاغة وبنى على ذلك أن التقديم في ( وبالآخرة هم يوقنون ) ليس لمجرد الفاصلة بل لرعاية الاختصاص
الرابع مبنى الفواصل على الوقف ولهذا ساغ مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس
كقوله ( إنا خلقناهم من طين لازب ) مع قوله ( عذاب واصب وشهاب ثاقب )

وقوله ( بماء منهمر ) مع قوله ( قد قدر ) و ( سحر مستمر )
وقوله ( وما لهم من دونه من وال ) مع قوله ( وينشىء السحاب الثقال )
الخامس كثر في القرآن ختم الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون وحكمته وجود التمكن من التطريب بذلك كما قال سيبويه إنهم إذا تمنوا يلحقون الألف والياء والواو والنون لأنهم أرادوا مد الصوت ويتركون ذلك إذا لم يترنموا وجاء القرآن على أسهل موقف وأعذب مقطع
السادس حروف الفواصل إما متماثلة وإما متقاربة فالأولى مثل ( والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور ) والثاني مثل ( الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) ( ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب ) قال الإمام فخر الدين وغيره وفواصل القرآن لا تخرج عن هذين القسمين بل تنحصر في المتماثلة والمتقاربة ورعاية التشابه في الفواصل لازمة
السابع كثر في الفواصل التضمين والإيطاء لأنهما ليسا معيبين في النثر إن كانا معيبين في النظم فالتضمين أن يكون ما بعد الفاصلة متعلقا بها كقوله تعالى ( وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل ) والأيطاء تكرر الفاصلة بلفظها كقوله تعالى في ( الإسراء ) ( هل كنت إلا بشرا رسولا ) وختم بذلك الآيتين بعدها اهـ
فإن قيل هل يسوغ وضع علامة تشعر بالتضمين ؟ يقال أما في السجع فإن ذلك يسوغ فيه بل يستحب ومثال ذلك ما كتبه بعض البلغاء موقعا به على كتاب ورد بمدح رجل وذم آخر إذا كان للمحسن من الجزاء ما يقنعه وللمسيء من النكال ما يقمعه بذل المحسن ما يجب عليه رغبة وانقاد المسيء لما يكلفه رهبة
وأما في الشعر فلا يسوغ وذلك لأنه يوجب عدم التناسب في أواخر السطور

وهو مهم عندهم مع قلته في نفسه وقلة الاحتياج إليه نعم لو قيل إنه يسوغ وضعها إذا بعد عن آخر السطر قليلا مع حفظ التناسب بينها إذا تكررت لم يستبعد
قال في " العمدة " في باب أحكام القوافي في الخط ( 1 ) إذا صارت الواو الأصلية وصلا للقافية سقطت في الخط كما تسقط واو الوصل وياؤه وذلك مثل واو يغزو للواحد ولم يغزوا للجماعة إذا كانت القافية على الزاي ومثل واو يغزو ياء يقضي للغائب وتقضي للمؤنثة الغائبة والمذكر المخاطب وكذلك ياء القاضي والغازي إذا كانا معرفين بالألف واللام هذا هو الوجه
فإن كتب بإثبات الواو والياء فعلى باب المسامحة والأجود أن تكون الواو والياء خارجا في الغرض وكذلك ياء الضمير نحو غلامي إذا كنت القافية الميم فالوجه سقوط الياء فإن كتبت المسامحة ففي الغرض كما قدمت ق ( 2 ) ومن العرب من يقول هذا الغاز ومررت بالقاض بغير ياء وهذا تقوية لمذهب من حذفها في الخط إذا كانت وصلا للقافية
وإن كان في قوافي القصيدة ما يكتب بالياء وما يكتب بالألف كتبا / جميعا بالألف لتستوي القوافي وتشتبه صورتها في الخط اهـ
ولفرط عناية الكتاب برعاية التناسب بين أوائل السطور بعضها مع بعض وكذلك أواخرها قال بعض الأدباء في وصف المسطرة عن لسانها
( أنا للكاتب اللبيب إمام ... ولما تبتغي يداه قوام )
( فإذاما حددت للكتب حدا ... وقفت عند حدي الأقلام )
فإذا قيل هل يسوغ أن يوضع في أثناء أبيات الشعر علائم لوقف القارىء على مواضع الوقف لا ليقف عندها بل لئلا يقع له في بعض المواضع وهم يحجبه عن

الفهم فقد ذكرتم ( 1 ) أن السيد المرتضى قال في بيت الكميت المذكور آنفا إنه يجب الوقوف على الطير ثم يبدأ بهمه
يقال إنا لم نصادف فيما رأينا من الدواوين وضع علائم لذلك ومن أهمه هذا الأمر يتيسر له أن يشير إلى ذلك في الحاشية ويخشى من فتح هذا الباب أن يدخل في هذا الأمر الدقيق من ليس له أهلا فيضع العلائم في غير مواضعها فيكون الضرر أكبر من النفع لكن لو قام به من يحسن لم يكن في ذلك شيء وعلى ذلك يكتب البيت هكذا
( وما أنا ممن يزجر الطير همه ... أصاح غراب أم تعرض ثعلب )
فإن قيل هل يسوغ وضع علامة في آخر الشطر الأول إذا وجد فيه ما يقتضي ذلك لا سيما إن وضعت بعيدا عنه قليلا بحيث لا تخل بالتناسب بين أواخر الشطر الأول ولا أوائل الشطر الثاني
يقال إنه لا يظهر ملجىء إلى ذلك إلا إذا وقع في البيت إدماج ونشأ منه التباس والإدماج هو أن يأتي الشاعر بكلمة يكون بعضها جزءا من الشطر الأول وبعضها جزءا من الشطر الثاني وقد قصر بعض شراح " الحماسة " في تعريفه حيث قال عند ذكر قول الشاعر
( وما غمرات الموت إلا نزالك الكمي على لحم الكمي المقطر ... )
في هذا البيت إدماج والإدماج أن تكون علامة التعريف في النصف الأول من البيت والمعرف في النصف الثاني وهو يقل في الأوزان الطوال ويكثر في القصار كقول الأعشى
( استأثر الله بالمكارم والعـ ... دل وولى الملامة الرجلا )
( والشعر قلدته سلامة ذا الـ ... إفضال والشيء حيثما جعلا )

فإذا وقع في البيت إدماج اضطر الكاتب في الغالب إلى تجزئة الكلمة إلى جزئين ووضع كل واحد منهما في موضعه فإذا نشأ من ذلك إشكال تعينت إزالته فإذا كانت العلامة وافية بالغرض لم يكن بد منها
والكلمات من جهة التجزئة أقسام فمنها ما تسهل فيه التجزئة ومنها ما تعسر فيه ومنها ما تكاد تتعذر فيه
ولبعض الكتاب مهارة في أمر التجزئة حتى إن بعضهم لا يكاد يقع اشتباه فيما جزأه وقد أحببنا أن نورد من هذا النوع أمثلة كثيرة لشدة الحاجة إليه وتركنا تمييز كل قسم منه من غيره للمطالعين فمما وقع فيه الإدماج قول بعض الشعراء في وصف القلم
( ناحل الجسم ليس يعرف مذكا ... ن نعيما وليس يعرف ضرا ) / وقول بعضهم
( إن حشو الكلام من لكنة المر00 ... 00ء وإيجازه من التقويم )
وقول بعضهم - وكان بعض الأئمة العظام يكثر إنشاده وقد ينسب إليه -
( فلا تفش سرك إلا إليك ... فإن لكل نصيح نصيحا )
( وإني رأيت غواة الرجا00 ... 00 ل لا يتركون أديما صحيحا )
ومما وقع فيه الإدماج قول بعضهم الإمام الزكي والفارس المع00 ... 00 تحت العجاج غير الكهام ( 1 ) )
( راعيا كان مسجحا ( 29 ففقدنا ... ه وفقد المسيم فقد المسام ( 3 ) )

وقول بعضهم
( إن شرخ الشباب والشعر الأس00 ... 00 ـود مالم يعاص كان جنونا )
وقول بعضهم
( وأزجر الكاشح العدو إذا اغـ 00 ... 00 ـتابك عندي زجرا على أضم )
ومما وقع فيه الإدماج قول بعضهم
( أحل وامرر وضر وانفع ولم وأخـ 00 ... 00شن ورش وابن وانتدب للمعالي )
وقول بعضهم
( فوحق البيان يعضده البر00 ... 00 هان في مأقط ( 2 ) ألد الخصام )
( ما رأينا سوى السماحة شيئا ... جمع الحسن كله في نظام )
( هي تجري مجرى الإ صابة في الرأ00 ... 00ي ومجرى الأرواح في الأجسام )
ومما وقع فيه الإدماج قول بعضهم
( الألمعي الذي يظن بك الظـ00 ... 00ـن كأن قد رأى وقد سمعا )
وقول بعضهم
( خير إخوانك المشارك في الضر00 ... 00 وأين الشريك في الضر أينا ؟
وقول بعضهم
( قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال )
( لا بجير أغنى فتيلا ولا رهـ00 ... 00ـط كليب تزاجروا عن ضلال )
( لم أكن من جناتها علم اللـ ... ـه وإني بحرها اليوم صالي )
وقول بعضهم
( احذر مودة ماذق ... مزج المرارة بالحلاوة )

/ يحصي الذنوب عليك أيام الصداقة للعداوة
وينبغي الانتباه هنا لأمرين
أحدهما أن بعضا من المواضع قد يظن فهيا إدماج فيجزىء الكاتب الكلمة مع أنه لا إدماج هنالك وذلك مثل قول بعضهم
( بنى عليك بتقوى الإله ... فإن العواقب للمتقي )
( وإنك ما تأت من وجهه ... تجد بابه غير مستغلق )
( عدوك ذو العقل أبقى عليك ... من الصاحب الجاهل الأخرق )
وقد يعرض الوهم للكاتب الشاعر في بعض المواضع ولا يزول عنه ذلك إلا إذا وزن البيت بميزانه
الثاني أن بعض الكتبة قد يقع لهم بسبب الذهول أو عدم المعرفة أن يجزئوا الكلمة في الأبيات التي وقع فيها إدماج تجزئة غير صحيحة فينبغي الانتباه إلى ذلك وانظر إلى لفظ ( الناس ) مثلا فإنه قد يكون آخر جزئها الأول هي النون الأولى وهي النون الساكنة المنقلبة عن لام التعريف وأول جزئها الثاني هي النون المتحركة وهي النون الأصلية وقد يكون آخر جزئها الأول هي الألف وأول جزئها الثاني هي السين فمن الأول قول بعضهم
( أيها الفارغ المريد لعيب الـ ... ـناس مهلا عن المغيبة مهلا ) ( إن في نفسك التي بين جنبيـ ... ـك عن الناس لو تفكرت شغلا )
ومن الثاني قول بعضهم
( تركتني صحبة النا ... س ومالي من رفيق )
( لم أجد إشفاق ندما ... ني كإشفاق الصديق )
ومما يعد من علائم الوقف الألف والهاء فقد جرت عادة كثير من المتأخرين أنهم إذا نقلوا عبارة عن أحد أن يكتبوا في آخرها ألفا ورأس هاء إشارة إلى لفظ

انتهى وكان حقهم أن يكتفوا برأس الهاء فقط لأن قاعدة أرباب العلائم أنهم يكتفون بأقل ما يحصل به المقصود ولا يسوغون الزيادة عليه فلو كان رأس الهاء قد جعل علامة على شيء آخر واضطروا إليها ساع لهم أن يزيدوا الألف للتمييز بينهما ولم يقع ذلك ولذا ذهب أناس الآن إلى الرجوع إلى مقتضى القاعدة فاقتصروا على رأس الهاء وربما وضع بعضهم قبلها نقطة
وأما المتقدمون فقد كانوا يصرحون بما يدل على الانتهاء فيقولون انتهى ما ذكره فلان أو هذا آخر كلام فلان أو نحو ذلك ولا يكتفون بقولهم انتهى ما ذكره من غير تصريح بالاسم
والظاهر أن الداعي لهم إلى ذلك أنه قد يكون في العبارة المنقولة عبارة أخرى نقلها المنقول عنه عن غيره فلو اكتفوا بذلك من غير تصريح بالاسم حصل اشتباه في كثير من المواضع ولم يدر المطالع لمن يرجع الضمير فالتزموا التصريح دفعا لذلك ولذلك قد يتركونه في مواضع لا يقع فيها اشتباه بل قد يتركون الإشارة إلى انتهاء العبارة في مثل ذلك
والاختصار ومنه الإضمار إنما يستجيزه البلغاء في المواضع التي لا يقع فيها اشتباه ولا إخلال بالفهم إلا إذا كان المقام يقتضي ذلك لنكتة مهمة
واعلم أنه قد جرت عادة النقلة أنهم إذا نقلوا عبارة من العبارات غير أنه دعاهم الحال إلى حذف شيء منها مما وقع في أثنائها لعدم تعلق الغرض به أن يشيروا إلى ذلك بقولهم ثم قال ثم يأتوا بتتمة العبارة المروم نقلها مما تعلق به غرضهم وبذلك يعلم المطالع أنه قد طوي شيء فيما بين ما قبل ثم قال وبين ما بعده وقد يحذفون ثم ويقتصرون على قال
وهذا أمر يلام من أخل به عندهم إلا أن يصرح بأنه قد تصرف في العبارة

والظاهر أن تصريحه بذلك لا يرفع عنه اللوم في كثير من المواضع مع إمكان الإشارة إلى مواضع الحذف
وأرى أن المختصرين الذين يحبون أن يحافظوا على الألفاظ الواقعة في الأصل ولم يبدلونها بألفاظ من عندهم غير أنهم يرون حذف بعض العبارات التي لا يتعلق بها غرضهم أن يضعوا في مواضع الحذف رأس القاف إشارة إلى ذلك وهي مذكرة بلفظ قال التي جرت عادتهم باستعمالها في مثل هذا الموضع وكنت قديما أضع رأس الفاء إشارة للفظ الحذف على أنه لو لم توضع نقطة أصلا لم يكن بأس لامتياز هذه الصورة بنفسها وهذه العلامة مهمة فإنه قد يعرض في بعض المواضع إشكال للمطالع فلا يدري هل هو ناشيء من حذف شيء هناك لو بقي لم يكن ثم إشكال أو ناشيء من الأصل والغالب أنه ينسبه للمختصر فيترك السعي في حله لتصوره أن ذلك نشأ من إخلال المختصر مع أن ذلك الموضع ربما كان من المواضع التي لم يحذف فيها شيء بل قد يعرض الإشكال للمختصر في وقت لا يتيسر له فيه الرجوع إلى الأصل فيندم على تقصيره حيث لا ينفعه ندمه فإذا وضعت هذه العلامة كان الخطب أسهل وهاك مثال ذلك قال أوحد عصره أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في أول البيان والتبيين
اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن كما نعوذ بك من العجببما نحسن ونعوذ بك من السلاطة والهذر كما نعوذ بك من العي والحصر وقديما تعوذوا بالله من شرهما وتضرعوا إلى الله في السلامة منهما قال النمر بن تولب
( أعذني رب من حصر وعي ... ومن نفس أعالجها علاجا )
وقد ذكر الله جميل بلائه في تعليم البيان وعظيم نعمته في تقويم اللسان فقال ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) وقال ( هذا بيان

للناس ) ومدح القرآن بالبيان والإفصاح وبحسن التفصيل والإيضاح وبجودة الإفهام وحكمة الإبلاغ وسماه فرقانا وقال ( عربي مبين ) وقال ( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا ) وقال ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) وقال ( وكل شيء فصلناه تفصيلا )
ومدار الأمر على البيان والتبيين وعلى الإفهام والتفهيم وكلما كان اللسان أبين كان أحمد كما أنه كلما كان القلب أشد استبانة كان أحمد ومن أجل الحاجة إلى حسن البيان وإعطاء الحروف حقوقها من الفصاحة رام أبو حذيفة واصل بن عطاء وكان ألثغ إسقاط الراء من كلامه وإخراجها من حروف منطقه فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه حتى صار لغرابته مثلا ولظرافته معلما
إرشاد لا ينبغي أن توضع علامة من العلائم في موضع من المواضع إلا بعد أن يدعو إليها داع مهم ويتحقق أن ذلك الموضع من مواضعها وقد جرت عادة بعض الكتاب أن يضعوا كثيرا من العلائم مع عدم الداعي إليها فكأنهم يظنون أن فيه وأما الذين يضعونها في غير مواضعها فهم مسيئون جدا لإيقاعهم القاريء في شرك الوهم المبعد له عن الفهم وكأن هؤلاء يظنون أن العلائم من قبيل الزينة في الخط
وقد وقع هذا الظن لكثير ممن عني بالخط من المتأخرين من غير بحث عما يتعلق به فكانوا يرون في كثير من الخطوط علائم وضعت لأمر خاص فظنوها من قبيل الزينة فصاروا يضعونها كيف ما اتفق وإذا سئلوا عن ذلك قالوا إن هذا من

تتمة الصناعة وقد رأينا أساتذتنا يفعلونه ولا يسعنا إلا اتباعهم فكل خير في اتباع من سلف
فإن قلت إنهم كثيرا ما يضعون علامة للاستفهام وعلامة للتعجب فهل يحسن ذلك يقال يحسن ذلك إذا كان في العبارة احتمال لغيرهما أما في الاستفهام ففي نحو ما يكتب زيد وأما في التعجب ففي نحو ما أحسن هذا الفتى
غير أن كثيرا منهم يضعون علامة الاستفهام في مثل أأسيء إليه وقد أحسن إلي مع أنه لا استفهام هنا في الحقيقة ويضعون علامة التعجب في مواضع لا يجد الناظر فيها شيئا يتعجب منه غير وضع تلك العلامة
وأما وضع علامة قبل مقول القول للدلالة عليه فإنما يحسن في بعض المواضع بسبب داع يدعو إليه كأن يفصل بين القول والمقول شيء ربما ينشأ عنه التباس
ومبحث العلامات وما يتعلق بها مبحث واسع الأطراف جدير بأن يفرد بالتأليف وقد دللناك على الطريق فاسلك فيه أن شئت حتى تصل إلى الغاية

الفائدة الثامنة
قلما يخلو كتاب ألف في فن من الفنون من ذكر مسائل ليست من على سبيل الاستطراد وقد اختلفت أحوال المؤلفين فيه فمنهم من كان يؤثر الإقلال منه ومنهم من كان يرى الإكثار منه ومن المقلين منه المؤلفون في أصول الأثر لما أن لهم فيه عما سواه شغلا شاغلا
وأما ترك بعض مباحث من الفن اعتمادا على أنها قد ذكرت في فن آخر فهو قليل وقد وقع ذلك لهم فإن أكثرهم لم يذكر مبحث الترجيح ومن ذكره منهم اكتفى ببيانه على طريق الإيجاز بحيث لا يتجاوز ما كتب فيه ورقتين مع أن مبحث الترجيح مهم جدا لأنه الذي يفزع إليه عند اختلاف الروايات مع عدم إمكان الجمع بينها
ووجوه الترجيح كثيرة يصعب حصرها وقد قسمها بعضهم بعضهم إلى سبعة أقسام القسم الأول الترجيح بحال الراوي كأن يكون أحدهما أكثر ضبطا أو اشد ورعا من الآخر فإنه يرجح عليه
القسم الثاني الترجيح بالتحمل كأن يكون أحدهما تحمل جميع ما يرويه بعد البلوغ فإنه يرجح على الآخر الذي تحمل بعض ما يرويه قبل البلوغ وبعضه بعده
القسم الثالث الترجيح بكيفية الرواية كأن يكون أحدهما ممن لا يروي فيرجح المدني لدلالته على التأخير
القسم الخامس الترجيح بلفظ الخبر كأن يكون أحد الخبرين فصيحا دون الآخر فيقدم عليه لأن الفصيح أقرب إلى أن يكون هو الصحيح وكأن يكون أحد الخبرين قد ورد بلغة قريش دون الآخر فإن ما ورد بلغة قريش أشبه بأن يكون

لفظ النبي صلى الله عليه و سلم وكأن يكون حكم أحد الخبرين معقول المعنى دون الآخر
القسم السادس الترجيح بالحكم كترجيح الناقل عن البراءة الأصلية على المقرر لها وقيل الأمر بالعكس وكترجيح الدال على الخطر على الدال على الإباحة وقيل لا ترجيح في ذلك لأن الحظر والإباحة حكمان شرعيان وصدق الراوي فيهما وتيرة واحدة
القسم السابع الترجيح بأمر خارجي كأن يكون أحد الخبرين يشهد له القرآن أو الحديث المشهور أو الإجماع أو دليل العقل دون الآخر فيرجح عليه لمعاضدة الدليل له
والذي حملهم على ترك هذا المبحث أو عدم التوسع فيه أنهم رأوا أن وجوه الترجيح كثيرة وقد أبلغها بعضهم إلى أكثر من مئة وجه فإذا ذكروا ذلك مستوفى موضحا بالأمثلة لم يكف فيه نحو مئة ورقة فإن ذكروا مسائلة خالية عن المثال كانت شبيهة بالمسائل التي لا تخرج عن دائرة الخيال
على أن كثيرا من وجوه الترجيح قد اختلف فيه حتى صار بعضهم يرجح وجها ويرجح الآخر مقابلة الآخر مقابلة وربما نفى بعضهم رجحان أحد المتقابلين فإذا حاول المؤلف بيان دليل كل فريق ثم بيان الراجح منهما بمقتضى ما تبين له بالدليل طال الأمر جدا فتركوا هذا المبحث المهم لعلماء أصول الفقه لما بين الفنين من التناسب مع ما بين أهلها من التقارب
وما ذكر هنا لا يستغرب أصلا بالنظر إلى ما ذكره العلامة السكاكي في حال علم المعاني والبيان قبل أن يكتب فيه ما كتب فإنه قال بعد أن أبان فضل ذلك وأنه لا علم بعد علم الأصول المشهورة بعلم الكلام أعون على معرفة

المشتبهات من الكتاب العزيز ولا أنفع في در لطائف نكته وأسراره منه وأن كثيرا من الآيات قد تصدى لها من ليسوا من أهل هذا العلم فأخذوا بها من مآخذ مردودة وحملوها على محامل غير مقصودة وهم لا يدرون ! ولا يدرون أنهم لا يدرون -
ثم مع ما لهذا العلم من الشرف الظاهر والفضل الباهر لا ترى علما من الضيم ما لقي ولا مني من سوم الخسف بما مني أين الذي مهد له قواعد ورتب له شواهد وبين له حدودا يرجع إليها وعين له رسوما يعرج عليها ووضع له أصولا وقوانين وجمع له حججا وبراهين وشمر لضبط متفرقاته ذيله واستنهض في استخلاصها من الأيدي رجله وخيله
( علم تراه أيادي سب ... )
( فجزء حوته الدبور ... وجزء حوته الصبا )
انظر باب التحديد فإنه جزء منه في أيدي من هو انظر باب الاستدلال فإنه جزء منه في أيدي من هو بل تصفح معظم أبواب أصول الفقه من أي علم هي ومن يتولاها ؟ وتأمل في مودعات من مباني الإيمان ما ترى من تمناها سوى الذي تمناها وعد وعد ــ ولكن الله جلت حكمته إذ وفق لتحريك القلم فيه عسى ان يعطى القوس باريها بحول منه عز سلطانه وقوته فما الحول والقوة إلا به
وقد تدارك ما ربما يوهمه هذا الكلام من نسبة التقصير الشديد إلى من تقدمه من أهل هذا العلم الذين عنوا بشأنه فيكون من قبيل الإساءة إلى المحسنين كما يفعله كثير من الأغمار الذين يظنون أن في إنكار فضل غيرهم دلالة قوية على فضلهم فقال من قبل ذلك دفعا لهذا الوهم هذا ما أمكن من تقرير كلام

السلف رحمهم الله في هذين الأصلين ومن ترتيب الأنواع فيهما وتذييلها بما كان يليق بها وتطبق البعض منها بالبعض وتوفيه كل من ذلك حقه على موجب مقتضى الصناعة ن وسيحمد ما أوردت ذوو البصائر
وإني أوصيهم / إن أورثهم كلامي نوع استماله أو فضلا لي عليهم فغير مستبدع في أي ما نوع فرض أن يزل عن أصحابه ما هو أشبه بذلك النوع في بعض الأصول أو الفروع أو التطبيق للبعض بالبعض متى كانوا المخترعين له وإنما يستبدع ذلك ممن زجى عمره راتعا في مائدتهم تلك ثم لم يقوا أن يتنبه !
وعلماء هذا الفن وقليل ما هم كانوا - في اختراعه واستخراج أصوله وتمهيد قواعدها وإحكام أبوابها وفصولها والنظر في تفاريعها واستقراء أمثلتها اللائقة بها وتلقطها من حيث يجب تلقطها وإتعاب الخاطر في التفتيش والتنقير عن ملاقطها وكذا النفس والروح في ركوب المسالك المتوعرة إلى الظفر بها مع تشعب هذا النوع إلى شعب بعضها أدق من البعض وتفننها أفانين بعضها أغمض من بعض - كما عسى أن يقرع سمعك طرف من ذاك فعلوا ما وفت به القوة البشرية إذ ذاك ثم وقع فتورها منهم ما هو لازم الفتور

الفائدة التاسعة
قد أشكل على بعض الباحثين قول بعض أرباب هذا الفن يشترط في راوي الصحيح أن يكون تام الضبط مع قوله بتفاوت درجات الصحيح بسبب تفاوت درجات العدالة والضبط في رواته وقال إن تمام الضبط لا يتصور فيه تفاوت

فكيف يصح أن يقال إن رواة الصحيح تتفاوت درجاتهم في العدالة والضبط بحيث يكون بعضهم أدنى من بعض ف ذلك
وقد توهم أنه إذا قيل هذا الراوي أدنى من ذاك الراوي في الضبط لم يسغ أن يقال عنه إنه تام الضبط بل يقال عنه حينئذ سيء الحفظ أو ضعيفه وسيء الحفظ أو ضعيفه لا يعد من رواة الصحيح
وطلب تصوير هذه المسألة من القائلين بها
وقد رأينا من الحكمة الإجابة إلى ما طلب لإزالة ما نشأ من كلامه من الشبهة التي علقت بأذهان كثير من الناظرين فيه مع أن هذه المسألة من أهم مسائل الفن وهي مما لا رب فيه عند أربابه وعند من أمعن النظر فيها كثيرا من غيرهم
ولما في ذلك من زيادة البيان - وهي مطلوبة في مثل ذلك - فنقول لنفرض ان جماعة من الراغبين في معرفة أشعار من يستشهد بكلامهم من الشعراء قصدوا أحد أئمة أهل الأدب البارعين في ذلك للأخذ عنه فأجابهم إلى ما طلبوا منه واعتنى بأمرهم وصار في كل يوم يروي لهم شيئا مما عنده ليحفظوه ثم يختبرهم في كل مدة ولم يزل الأمر كذلك حتى أخذوا عنه نحو ألف بيت فأحب أن يختبرهم اختبارا تاما يعرف به درجاتهم في الحفظ والإتقان ليجعلهم أقساما يلقى على كل قسم منهم مقدار ما يقتضيه استعداده رعاية للحكمة وكانوا ستين
فنظر أولا في ضعيفي الحفظ فرأى في أربعة وعشرين منهم ضعفا شديدا في الحفظ بحيث إنهم كانوا يخلون في كل مئة بيت بنحو ثلاثين بيتا إلى نحو خمسين بيتا فجعل هؤلاء قسما واحدا ووسمهم في نفسه بسوء الحفظ وقلة الإتقان ولم يهمه أمر تقسيمهم إلى أقسام بل أهمه أمر العناية بهم بسوء الحفظ وقلة الإتقان ولم يهمه أمر تقسيمهم إلى أقسام بل أهمه أمر العناية بهم إشفاقا عليهم فإن قوة العناة كثير ما تجعل مثلهم من أهل الدراية
ثم نظر في بقيتهم وهم ستة وثلاثون فرآهم ثلاثة أقسام كل قسم منهم يبلغ اثني عشر وهم متقاربون في أمرهم فأمعن النظر في أعرهم وهو القسم الأول

فوجده يخل في كل مئة بيت بما دون العشر إلا أن أفراده مختلفة في ذلك فمنهم من يخل منها بنحو / الثلاثة أو الأربعة فقط ومنهم من يخل منها بنحو الخمسة والستة ومنهم من يخل منها بالسبعة إلى التسعة فتبين أن هذا القسم وهو الدرجة العليا في الحفظ والإتقان ينقسم إلى ثلاث درجات عليا وهي التي لا تخل بأكثر من نحو أربعة أبيات في المئة و وسطى وهي التي لا تخل بأكثر من نحو ستة فيها و دنيا وهي التي تخل بنحو السبعة والثمانية والتسعة
وبهذا تعلم أن من لا يخل في المئة بأكثر من نحو أربعة أبيات يعد من أهل الدرجة العليا من الدرجة العليا في الحفظ والإتقان وبينما اللبيب يكبر شأن أناس من العلماء الأعلام يكاد الواحد منهم لا يخطئ في كل ألف مسألة إلا بنحو عشر عشرها وربما كان مدرك الخطأ فيها خفيا ويعجب مما أوتوا من فرط النباهة والذكاء إذا بالغبي يزري بهم ويستعظم ذلك الخطأ إن كان منهم وذلك لعدم معرفته بلزوم ملاحظة النسبة وأن الإنسان لا يخلو من الخطأ والسهو والنسيان
ثم أمعن النظر في أوسطهم وهو القسم الثاني فوجده يخل في كل مئة بيت بما دون العشرين ولا ينقص عن العشر ثم أمعن النظر في أدناهم وهو القسم الثالث فوجده يخل في كل مئة بيت بما دون الثلاثين ولا ينقص عن العشرين ثم فعل في هذين القسمين مثل ما فعل في القسم الأول وقد أوردنا هذا المثال على طريق التقريب ومن فهم هذا المثال انحل عنه الإشكال في هذا الموضع وفي غيره مما يشاكله
قال بعض المحققين اعلم أن مدار الرواية على عدالة الراوي وضبطه فإن كان مبرزا فيهما فحديثه صحيح وإن كان دون المبرز فيهما أو في أحدهما لكنه عدل ضابط بالجملة فحديثه حسن
ثم العدالة والضبط إما أن يوجدا في الراوي أو ينتفيا أو يوجد أحدهما دون الآخر فإن وجدا في الراوي قبل حديثه وإن انتفيا فيه لم يقبل حديثه

وإن وجدت فيه العدالة دون الضبط لم يرد حديثه لعدالته ولم يقبل لعدم ضبطه بل يتوقف فيه إلا أن يظهر ما يوجب رجحان جانب الرد فيرد أو رجحان جانب القبول فيقبل ومنن ذلك أن يوقف له على شاهد يحصل به جبر الضعف الذي في راوية من جهة الضبط
وإن وجد فيه الضبط دون العدالة لم يقبل حديثه لأن العدالة هي الركن الأكبر في الرواية ثم كل واحد من العدالة والضبط له مراتب عليا ووسطى ودنيا ويحصل من تركيب بعضها مع بعض مراتب للحديث مختلفة في القوة والضعف
وهنا أمر مهم يعد عند العارفين من أهل هذا الفن من قبيل المضنون به على غير أهله وهو أنه لا ينبغي ترك الرواية عن الموسومين بسوء الحفظ وقلة الإتقان كما يتوهمه غير العارف بل في الرواية عنهم فائدة عظيمة عند الجهابذة النقاد ولذلك كانوا حريصين على ذلك وتتبين لك الفائدة فيما نحن فيه من أوجه أحدها أن نفرض أن اثنين من القسم الأول وهي الدرجة العليا في الحفظ والإتقان اختلفا في بيت فرواه أحدهما على وجه والآخر على وجه آخر فإنه يعترينا حيرة في الأمر فإذا رأينا بعد ذلك أحدا ممن شاركهما في الأخذ عن ذلك الإمام - وإن كان موسوما بسوء الحفظ والإتقان - قد رواه على الوجه الذي رواه احدهما فإنها تترجح روايته على رواية الآخر في الغالب وينسب المنفرد بالرواية الأخرى للوهم في هذا الموضع فقد أفادت رواية هذا الضعيف تقوية أحد القوتين على الآخر
بل لو فرضنا أن أحد الراويين من القسم الأول وهي الدرجة العليا والآخر من القسم الثالث وهي الدرجة الدنيا ورأينا هذا / الراوي الضعيف قد وافقت روايته نرجحها في الغالب على الرواية التي انفرد بها من كان في الدرجة العليا فيكون من قبيل قولهم وضعيفان يغلبان قويا
وإنما قلنا في الغالب لأنه قد تقع موانع من ذلك ولا يدركها إلا الجهابذة

وقليل ما هم فينبغي لغيرهم أن لا يزاحموهم في هذا الموضع فإنه من مزال الأقدام
الوجه الثاني ان نفرض أن واحدا من أحد الأقسام الثلاثة الموصوفة بالضبط - وإن كان مختلفة الدرجات فيه - قد روى قصيدة خالية من بيت يرويه فيها اثنان من الموصوفين بعدم الضبط على وجه واحد وهو مما يشاكل تلك القصيدة وليس في الأبيات التي تعزى لغيرها من القصائد فإن اتفاق اثنين منهما إذا كان من غير تواطؤ يقوى صحة روايتهما على ما فيهما من الضعف ويكون هذا مما حفظه الضعيفان ونسيه القوي ولو كان من الدرجة الأولى في الضبط
ومبنى هذا على أن ليس كل ما يرويه الحافظ المتقن صوابا لاحتمال ان يكون قد زل في بعض المواضع وإن كان ذلك منه قليلا وليس كل ما يرويه غير الحافظ المتقن خطأ لإصابته في كثير من المواضع والعاقل اللبيب هو الذي يسعى لمعرفة صواب كل فريق ليأخذ به
وقد بلغت البراعة ببعض الجهابذة إلى أن كانوا يعرفون صدق الراوي من كذبه ولهذا كان بعضهم يروي عن بعض من يتهم بالكذب وكان ينهى الناس عن الرواية عنه ولما استغرب ذلك منه وقيل له أنت تروي عنه ؟ ! قال أنا اعرف صدقه من كذبه اهـ إلا أن هذا أمر لا يخلو عن غرر وربما كان فيه خطر
الوجه الثالث أن يروي كثير من غير أرباب الضبط بيتا على وجه واحد لا يختلفون فيه ويرويه واحد من الضابطين على غير ذلك الوجه فالظاهر ترجيح رواية الكثير لأن عروض الوهم للواحد أكثر من عروضه للعدد الكثير لا سيما إن كان ما رووه أرجح في الظاهر عند العارفين بذلك

الفائدة العاشرة
قد ذكرنا فيما مضى حكم الرواية عمن وسم بسمة الدبعة إلا أنه ليس كافيا في مثل هذه المسألة المهمة فاقتضى الحال زيادة البيان فنقول قال الحافظ

ابن حجر في " شرح نخبة الفكر " البدعة إما أن تكون بمكفر كأن يعتقد ما يستلزم الكفر أو مفسق
فالأول لا يقبل صاحبها الجمهور وقيل يقبل مطلقا وقيل إن كان لا يعتقد حل الكذب لنصرة مقالته قبل والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفيها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله
والثاني هو من لا تقتضي بدعته التكفير أصلا وقد اختلف في قبوله ورده فقيل يرد مطلقا وهو بعيد وأكثر ما علل به أن في الرواية عنه ترويحا لأمره وتنويها بذكره وعلى هذا ينبغي أن لا يروي عن مبتدع شيء يشاركه فيه غير مبتدع وقيل يقبل مطلقا إلا ان اعتقد حل الكذب كما تقدم وقيل يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته لأن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه وهذا في الأصح
وأغرب ابن حبان فادعى الاتفاق على قبول غير الداعية من غير / تفصيل إلا أن روى ما يقوى بدعته فيرد على المذهب المختار وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي في كتابه " معرفة الرجال " فقال في وصف الرواة ومنهم زائغ عن الحق أي عن السنة صادق اللهجة فليس فيه حيلة إلا ن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكرا إذا لم يقو به بدعته 1هـ وما قاله متجه لأن العلة التي لها رد حديث الداعية وارده فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية والله اعلم 1هـ

وظاهر هذه العبارة يدل على قبول رواية المبتدع إذا كان عدلا ضابطا سواء كان داعية أو غير داعية إلا فيما يتعلق ببدعته وقال بعض العلماء لا تقبل رواية المبتدع الذي يكفر ببدعته وأما الذي لا يكفر بها فقد اختلف العلماء في روايته فمنهم من ردها مطلقا ومنهم من قبلها مطلقا إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعية إلى بدعته أو غير داعية ومنهم من قال تقبل إذا لم يكن داعية إلى بدعته ولا تقبل إذا كان داعية إليها وهذا مذهب كثيرين من العلماء أو أكثرهم
والقول برد روايتهم مطلقا ضعيف جدا ففي " الصحيحين " وغيرهما من كتب أئمة الحديث الاحتجاج بكثير من المبتدعة غير الدعاة ولم يزل السلف والخلف على قبول الرواية منهم والاحتجاج بها والسماع منهم وإسماعهم من غير إنكار منهم قال الحافظ العراقي وقد احتج الشيخان بالدعاة أيضا وقد وقع لأناس ممن يفرقون بين الداعية وغيره حيرة في ذلك
وقد أشار إلى هذه المسألة الحافظ ابن حزم في مبحث الإجماع في فصل أفرده لحكم أهل الأهواء وقد أحببنا إيراد نبذ منه هنا قال
فصل في أهل الأهواء هل يدخلون في الإجماع أم لا ؟ قال قوم لا يدخلون في جملة من يعتد بقوله وقالت طائفة هم داخلون في جملتهم قال أبو محمد والذين قالوا لا يدخلون في جملتهم قد تناقضوا فأدخلوا في مسائل الخلاف قول قتادة وهو قدري مشهور وأدخلوا الحسن بن علي وهو رأس من رؤوس الزيدية وأدخلوا

عكرمة وهو صفري وأدخلوا جابر بن زيد وهو إباضي قـ
والذي نقول به والله تعالى التوفيق إن إجماع الأمة كلها بلا خلاف منها على الاعتداء بمن ذكرنا في الخلاف والإجماع برهان ضروري كاف في فساد قول من قال لا يدخلون في الإجماع وبيان لتناقضهم
قال أبو محمد وقد فرق جماهير أسلافنا من أصحاب الحديث بين الداعية من أهل الأهواء وغير الداعية فقالوا إن الداعية مطرح وغير الداعية مقبول
وهذا قول في غاية الفساد لأنه تحكم بغير دليل قـ ولأن الداعية أولى بالخير وحسن الظن لأنه ينصر ما يعتقد أنه حق عنده وغير الداعية كاتم للذي يعتقد أنه حق وهذا لا يجوز لأنه مقدم على كتمان الحق أو يكون معتقدا لشيء لم يتيقن أنه حق فذلك أسوأ وأقبح قـ فسقط الفرق المذكور وصح أن الداعية وغير الداعية سواء قـ
وكل من لم يكن مرتكبا لشيء مما أوجع على تحريمه ولم يكن مع ذلك مقدما على ما يعتقده حراما وإن كان مما اختلف فيه وكان معنيا بأحكام القرآن والحديث والإجماع والاختلاف فهو ممن يعتد بقوله في الخلاف ما لم يفارق ما قد صح فيه الإجماع وسواء كان مرجئا أو قدريا أو شيعيا أو إباضيا أو صفريا أو سنيا صاحب / رأي أو قياس أو صاحب حديث
وكل من كان فاسقا سواء كان منا أو من مخالفينا لا يلتفت إليه وإن كان عالما وكان قد نفر ليتفقه لأنه من الفساق الذين أمرنا أن نتثبت في خبرهم

وكل من كان فاضلا مسلما سواء كان منا أو من غيرنا من الفرق إلا أنه لم ينفر ليتفقه في الدين وليس عالما بالكتاب والحديث والإجماع والاختلاف لكنه مشتغل إما بعبادة أو بعلم من العلوم المحمودة كالكلام في أصول الاعتقادات أو القراآت أو النحو أو اللغة أو رواية الحديث فقط دون تفقه في أحكامه أو التواريخ أو الأخيار أو الشعر أو النسب أو الطب أو الحساب أو الهندسة أو الفلسفة أو علم الهيئة أو كان مشغولا بما أبيج له من أمور دنياه ومكاسبه
فليس يعتد به في اختلاف العلماء في الشريعة لأنه ليس ممن أمرنا بقبول نذارته في الأحكام والعبادات لكنه محسن فيما عني به من العلوم المذكورة ويلزم أن يرجع إلى نقله في ذلك العلم الذي عني به أو العلوم التي عني بها إن كان جامعا لعلوم شتى فيحتج بنقله فيما اعترض في خلال أحكام الفقه من لغة أو نحو أو حكم في عيب أو جناية أو حساب دخول شهر أو ما يتعلق بالأحكام من الاعتقادات وفي القسمة للمواريث والغنائم وبين الشركاء وفي تعديل الرواة وتخريجهم وفي أزمان الرواة ولقاء بعضهم بعضا والرق بين أسمائهم وأنسابهم المفرقة بين أشخاصهم
وإذا أقام الدليل من أصول علمه على صحة قوله قبل ولا فرق في كل ذلك بين كل من كان من أهل نحلتنا وبين من كان مخالفا لنا ما لم يخرج من قبة الإسلام وعن حظيرة الإيمان ولم يستحق عند جميع علمائنا الكفر وقد بينا من يكفر ومن لا يكفر في كتابنا الموسوم بكتاب " الفصل " لأنه أملك بهذا المعنى ولله الحمد
ولعلماء الأصول من المتكلمين هنا قول مستغرب عند غيرهم ق ذكره الإمام الغزالي في " المستصفى " حيث قال المبتدع إذا خالف لم ينعقد الإجماع دونه إذا لم يكفر بل هو كمجتهد فاسق وخلاف المجتهد الفاسق معتبر

فإن قيل لعله يكذب في إظهار الخلاف وهو لا يعتقده قلنا لعله يصدق ولا بد من موافقته كيف وقد نعلم اعتقاد الفاسق بقرائن أحواله في مناظراته واستدلالاته والمبتدع ثقة يقبل قوله فإنه ليس يدري أنه فاسق أما إذا كفر ببدعته فعند ذلك لا يعتبر خلافه وإن كان يصلي إلى القبلة ويعتقد نفسه مسلما لأن الأمة ليست عبارة عن المصلين إلى القبلة بل عن المؤمنين وهو كافر وإن كان لا يدري أنه كافر نعم لو قال بالتشبيه والتجسيم وكفرناه فلا يستدل على بطلان مذهبه بإجماع مخالفيه على بطلان التجسيم مصيرا إلى أنهم كل الأمة دونه لأن كونهم كل الأمة موقوف على إخراج هذا من الأمة والإخراج من الأمة موقوف على دليل التكفير فلا يجوز أن يكون دليل تكفيره ما هو موقوف على تكفيره فيؤدي إلى إثبات الشيء بنفسه
نعم بعد أن كفرناه بدليل عقلي لو خالف في مسألة أخرى لم يلتفت إليه فلو تاب وهو مصر على المخالفة في تلك المسألة التي أجمعوا عليها في حال كفره فلا يلتفت إلى خلافه بعد الإسم لأنه مسبوق بإجماع كل الأمة وكان المجمعون في ذلك الوقت كل الأمة دونه فصار كما لو خالف كافر كافة الأمة ثم أسلم وهو مصر على ذلك الخلاف فإن ذلك لا يلتفت إليه / إلا على قول من يشترط انقراض العصر في الإجماع
فإن قيل لو ترك بعض الفقهاء الإجماع بخلاف المبتدع المكفر إذا لم يعلم أن بدعته توجل الكفر وظن أن الإجماع لا ينعقد دونه فهل يعذر من حيث أن الفقهاء لا يطلعون على معرفة ما يكفر به من التأويلات
قلنا للمسألة صورتان
إحداهما أن يقول الفقهاء نحن لا ندري أن بدعته توجب الكفر أم لا ففي هذه الصورة لا يعذرون فيه إذ يلزمهم مراجعة علماء الأصول ويجب على العلماء تعريفهم فإذا أفتوا بكفره فعليهم التقليد فإن لم يقنعهم التقليد فعليهم السؤال عن الدليل حتى إذا ذكر لهم دليله قاطع فإن لم يدركه فلا

يكون معذورا كمن لا يدرك دليل صدق الرسول صلى الله عليه و سلم فإنه لا عذر مع نصب الله تعالى الأدلة القاطعة
الصورة الثانية أن لا يكون قد بلغته بدعته وعقيدته فترك الإجماع لمخالفته فهو معذور في خطئه وغير مؤاخذ به وكأن الإجماع لم ينتهض في حقه كما إذا لم يبلغه الدليل الناسخ لأنه غير منسوب إلى تقصير بخلاف الصورة الأولى فإنه قادر على المراجعة والبحث فلا عذر له في تركه
ثم ذكر أن للمرء طريقا لمعرفة ما يكفر به غير أن الخطب في ذلك طويل وأنه قد أشار إلى شيء منه في كتابه " فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة "

الفائدة الحادية عشرة
القرآن هو الإمام المبين الذي لا تنزل بأحد في الدين نازلة إلا وفيه الدليل على سبيل الهدى فيه قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وقال تعالى ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون )
قال بعض الأئمة جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه و سلم فهو مما فهمه من القرآن وقال بعض علماء الأصول ما قال النبي صلى الله عليه و سلم من شيء فهو في القرآن أو فيه أصله قرب أو بعد فهمه من فهمه وعمه عنه من عمه وكذا كل ما حكم به أو قضي به وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ومقدار فهمه وقال سعيد بن جبير ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم على وجهه إلا وجدت مصداقة في كتاب الله

وقد اتفقت الفرق المتتمية إلى الإسلام على وجوب الأخذ بالكتاب والسنة ونقل عن الخوارج أنهم لا يأخذون من السنة بما يكون مخالفا ما لظاهر القرآن كأن يكون فيها تخصيص لما فيه من العموم ونحو ذلك وإنما يأخذون منها بما كان فيه بيان لما أجمل في القرآن وذلك كأوقات الصلاة وعدد ركعاتها ونحو ذلك
وقد توقف بعض المحققين في هذا النقل حيث أن الموردين له لم يذكروا أنهم نقلوه من كتبهم على أن الفرق كلها قلما يطمأن لما ينقله بعضهم عن بعض لأن كثيرا منهم قد يغلب عليه التعصب فلا ينقل مذهب المخالفين له على وجهه بل ربما كان جل قصده إظهار الفرق بين الفرق ولو كان بأمر مختلف ولذا قل الاطمئنان لى كثير مما يذكر في كتب الملل والنحل حتى إن بعض من ألفوا فيها مع كونهم في أنفسهم ثقات لما اعتمدوا في بعض المواضع على ما نقله غيرهم ممن كان من أهل التعصب ولم يشعروا بحالهم وقع في كلامهم هناك زلل فينبغي الانتباه لمثل هذا الأمر
وكيف يتوقف عن الأخذ بسنة النبي صلى الله عليه و سلم مطلقا من يأخذ بالكتاب / المنزل عليه وهو يتلو ما فيه من الآيات الدالة على وجوب اتباعه قال الله تعالى ( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وقال تعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وقال تعالى ( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ) وقال عز و جل ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) والآيات في هذا المعنى كثيرة وهي صريحة ظاهرة الدلالة
ومن ثم ترى كل فرقة تدعي أنها آخذة بالكتاب والسنة وأشد الفرق ادعاء

لذلك الظاهرون غير أنهم لم يقتصروا على ذلك بل نسبوا غيرهم من الفرق إلى الإعراض عن السنة ! حتى لم ينج منهم كثير ممن يرجع إليه في علم الحديث وأكثروا من التشنيع ! وأعظم الأسباب قول مخالفيهم بالقياس وهم ينكرونه إنكارا شديدا وأشد القوم إفراطا في ذم المخالفين لهم ابن حزم فإن له فيهم أقوالا تستك منها المسامع !
وقد امتعض من ذلك من ذلك مخالفوهم فوصفوهم بالجمود وجعلوهم في باب الإجماع بمنزلة العوام الذين لا يعتد بخرفهم حتى إن بعضهم لم يستثن من ذلك من ينسب إليه هذا المذهب وهو الإمام المشهور أبو سليمان داود بن علي الأصفهاني المعروف بالظاهري قال بعض علماء الأصول لا يعتد بخلاف من أنكر القياس لأن من أنكره لا يعرف طرق الاجتهاد وإنما هو ممتسك بالظواهر فهو كالعامي الذي لا معرفة له وهو مذهب الجمهور
وقال بعض الفقهاء إن مخالفة داود لا تقدح في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون وقال صاحب " المفهم " قال جل الفقهاء والأصوليين إنه لا يعتد بخلافهم بل هم جملة العوام وإن من اعتد بهم فإنما ذلك لأن مذهبه يعتبر خلاف العوام في انعقاد الإجماع والحق خلافه
وقد استنكر بعض أهل الأصول القول بعدم الاعتداد بقول داود في الإجماع مع أنه كان في الدرجة العليا في سعة العلم وسداد النظر ومعرفة أقوال الصحابة والتابعين والقدرة على الاستنباط مع الزهد والورع وقد دونت كتبه وكثرت أتباعه وقد بلغ ما ألفه ثمانية عشر ألف ورقة وكان مولده بالكوفة ومنشأه ببغداد وبها توفي سنة 270
وقد تصدى ابن حزم لبيان من يعذر في الخطأ في هذا الموضع ومن لا يعذر وقد أحببنا أن نورد نبذا مما ذكره ليطلع عليه من يريد الوقف على رأيه في هذه المسألة المهعمة وها هو ذلك

قال في الباب الموفي أربعين من كتاب " الإحكام لأصول الأحكام " وهو آخر الكتاب إن أحكام الشريعة كلها قد بينها الله تعالى بلا خلاف فهي كلها مضمونة الوجود لعامة العلماء وإن تعذر وجود بعضها على بعض الناس فمحال أن يتعذر وجوده على كلهم لأن الله لا يكلفنا ما ليس في وسعنا قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وقال تعالى ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) وتكليف إصابة ما لا سبيل إلى وجود حرج
وقد اتفق العلماء على أن القرآن والسنن مواضع لوجود أحكام النوازل ثم اختلفوا فقالت طائفة لا موضع آلبته لطلب حكم النوازل من الشريعة ولا لوجوده غير ذلك وقال آخرون بل ها هنا مواضع أخر يطلب فيها حكم النازلة وهي دليل الخطاب والقياس وقول أكثر / العلماء وعمل أهل المدينة وغير ذلك مما شرحناه وبينا حكمه فيما سلف من كتابنا هذا
وقد كانت في ذلك أقوال لقوم من أهل الكلام قد درست مثل قول بعضهم الواجب أن يقال بأول ما يقع في النفس في أول الفكر وقول بعضهم الواجب أن يقال بالأثقل لأنه خلاف الهوى وقول بعضهم الواجب أن يقال بالأخف لقوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )
وهذه أقوال فاسدة يعارض بعضها بعضا وكل ما ألزمنا الله فهو يسر وإن ثقل علينا وكل شريعة نكلف بها فهي خلاف الهوى لأن تركها كان موافقا للهوى وما يقع في أوائل الفكر قد يكون من قبيل الوسواس فلا لازم لنا إلا ما ألزمنا الله تعالى سواء وقع في النفس أو لم يقع وساء كان أخف أو أثقل
وقد أوضحنا فيما سلف البراهين الضرورية على ان الحق لا يكون في قولين مختلفين في حكم واحد في وقت واحد في إنسان واحد في وجه واحد ونتوقف

فيما لم يقم على حكمه عندنا دليل وما كان بهذه الصفة فلا تحل الفتيا فيه لمن لم يلح له وجهه ولا شك أن عند غيرنا بيان ما جهلناه كما ان عندنا بيان كثير مما جهله غيرنا ولم يعر بشر من نقص أو نسيان أو غفلة
وإذا قام البرهان عند المرء على صحة قول ما قياما صحيحا فحقه التدين به والفتيا به والعمل به والدعاء إليه والقطع بأنه الحق عند الله عز و جل وليس من هذا الحكم بشهادة العدلين وهما قد يكونان في باطن أمرهما عند الله كاذبين أو مغفلين إذ لم يكلفنا الله تعالى معرفة باطن ما سهدا به لكن كلفنا الحكم بشهادتهما
وقد علمنا أنه لا يمكن أن يخفى الحق في الدين على جميع المسلمين بل لا بد أن يقع طائفة من العلماء على صحة حكمه بيقين لما قدمنا من أن الدين مضمون بيانه ورفع الإشكال عنه بقول الله تعالى ( تبيانا لكل شيء ) وبقوله تعالى ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) ولكن قد قال الله تعالى ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) فصح بالنص أن الخطأ مرفوع عنا
فمن حكم بقول ولم يعرف أنه خطأ وهو عند الله تعالى خطأ فقد أخطأ ولم يتعمد الحكم بما يدري أنه خطأ فهذا لا جناح عليه في ذلك عند الله تعالى ( تبيانا لكل شيء ) وبقوله تعالى [ لتبين للناس ما نزل إليهم ) ولكن قد قال الله تعالى ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) فصح بالنص أن الخطأ مرفوع عنا
فمن حكم بقول ولم يعرف أنه خطأ وهو عند الله تعالى خطأ فقد أخطأ ولم يتعمد الحكم بما يدري أنه خطأ فهذا لا جناح عليه في ذلك عند الله تعالى وهذه الآية عموم دخل فيه المفتون والحكام والعاملون والمعتقدون فارتفع الجناح عن هؤلاء بنص القرآن فيما قالوه أو علموا به مما هم مخطئون فيه وصح أن الجناح إنما هو على من تعمد بقلبه الفتيا أو التدين أو الحكم أو العمل بما يدري أنه ليس حقا أو بما لم يقدره إليه دليل أصلا
ومن جاءه من ربه الهدى وهو البرهان الحق فلا يحل له تركه واتباع ما هويت نفسه وظن أنه الحق وسواء في هذا المقام عليه البرهان في فتياه أو في معتقده في

اعتزاله أو تشيعه أو إرجائه أو شرايته ومن جوز الشك في البرهان وتمادى على مخالفته وقطع بظنه في أنه لعل هنا برهانا آخر يبطل هذا البرهان الذي أقيم عليه فهذا مبطل للحقائق كلها وقوله يقود إلى ان لا يحقق شيئا من الشرائع إلا بالظن فقط
وأما من اعتقد قولا اتباعا لمن نشأ بينهم فهو مذموم صادف الحق أو لم يصادفه لأنه لم يقصده من حيث أمر من اتباع النصوص ومن قال إن هذه الآية أو الخبر قد نسخهما الله عز و جل أو خصهما أو خص منهما أو لم يلزمنا أو أراد بهما غير ما يفهم منهما ولم يأت على دعواه بنص صحيح فقد قال على الله ما لم يعلم
وليس هو كمن تعلق بنص لم يبلغه ناسخة ولا ما خصه ولا ما زيد / به عليه لأن هذا قد أحسن ولزم ما بلغه وليس عليه غير ذلك حتى يبلغه خلافه من نص آخر فمن لم يتعلق بشيء أصلا بل تحكم في الدين فهو على خطر عظيم جدا ومن قال بهذا ممن نشاهده وهلا ساهيا غير عارف بما اقتحم فيه من الدعوى فهو معذور بجهله ما لم ينبه على خطئه فإن نبه عليه فثبت على خلاف ما بلغه عامدا فهذا غير معذور لأنه خالف الحق بعد بلوغه إليه
وأما من روي عنه شيء من ذلك ممن سلف ممن كان أن يظن به أنه سمع في ذلك نصا له فيه وهو ممن يظن به أحسن الظن فهو معذور ولا يقين عندنا أنه تحكم في الدين بلا شبهة دخلت عليه
وأما من شاهدناه أو لم نشاهده ممن صح عندنا يقين حاله فنحن على يقين أنه ليس عنده في ذلك أكثر من الدعوى والقول على الله تعالى بما لا يعلم ومن ادعى في حديث صحيح قد أقر بصحته أو بصحة مثله في إسناده نسخا أو تخصيصا أو تخصيصا منه أو ندبا فكما قلنا في مدعي ذلك في الآيات ولا فرق
ومن تعلق بقول لم يجد فيه مخالفا ولم يقطع بأنه إجماعـ فهذا إن ترك لذلك

عموم نص صحيح أو خصوص نص صحيح فمعذور مأجور مرة وإن خطأ ما لم يوقف على ذلك النص فإن وقف عليه فتمادى على خلافه فهو ممن تمادى على مخالفة أمر الله تعالى
ومن تعلق بدليل الحطاب أو القياس فهو مخطيء يقينا إلا انه معذور مأجور مرة ما لم تقم الحجة عليه في بطلانهما ومن تعلق بالرأي فظن أنه مصيب في ذلك فهو معذور مأجور مرة إلا أن تقوم عليه الحجة ببطلانه فإن قامت عليه الحجة ببطلانه فثبت على القول به فهو ممن يحكم في الدين بما لم يأذن به الله تعالى
والحكم بالرأي أضعف من كل ما تقدم وقد تعلق القائلون به بالحديث المنسوب إلى معاذ وهو حديث واه ساقط
وأما الوجوه التي لا نقطع فيها بخطأ مخالفنا بل نقول نحن على الحق عند أنفسنا ومخالفنا عندنا مخطيء مأجور فثلاثة
الوجه الأول وهو أدق ذلك وأغمضه ان ترد آيتان عامتان أو حديثان صحيحان عامان أو آية عامة وحديث صحيح عام وفي كل واحدة من الآيتين أو في كل واحد من الحديثين أو في كل واحد من الآية والحديث تخصيص لبعض ما في عموم النص الآخر منهما وذلك كقول رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " مع قوله وقد ذكر الإمام " وإذا قرأ فأنصتوا "
الوجه الثاني أن يرد حديثان صحيحان متعارضان أو آيتان متعارضتان أو آية معارضة لحديث صحيح تعارضا متقاوما في أحد النصين منع وفي الثاني إيجاب في ذلك الشيء بعينه لا زيادة في أحد النصين منع وفي الثاني إيجاب في ذلك الشيء بعينه لا زيادة في أحد النصين على الآخر ولا بيان في أيهما

الناسخ من المنسوخ كالنص الوارد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم " شرب قائما " والنص الوارد أنه عليه الصلاة و السلام " نهى عن الشرب قائما "
فإن من ترك الخبرين معا ورجع إلى الأصل الذي كان يجب لو لم يرد ذلك الخبران أو رجح أحد الخبرين على المعارض له بكثرة رواته أو بأنه رواه من هو أعدل ممن روى الآخر وأحفظ وما أشبه هذا من وجوه الترجيحات التي أوردناها في باب الكلام في الأخبار / من ديواننا هذا وبيان وجوه الصواب منها من الخطأ فإن هذا أيضا مكان يخفى بيان الخطأ فيه جدا
وأما نحن فنقول بالأخذ بالزائد شرعا إلا أننا نقول وبالله التوفيق إن من مال إلى أحد هذه الوجوه في مكان م تركه في مثل ذلك المكان واخذ بالوجه الآخر مقلدا أو مستحسنا فما دام لم يوقف على تناقضه وفساد حكمه فمعذور مأجور حتى إذا وقف على ذلك فتمادى فهو متبع لهواه
الوجه الثالث ان يتعلق بحديث ضعيف لم يتبين له ضعفه أو بحديث مرسل أو ادعى تجريحا في راوي حديث صحيح إما بتدليس أو نحوه أو ادعى أن الناقل أخطأ فيه فمن اعتقد صحة ما ذكر من ذلك فهو معذور مأجور
فإذا ترك في مكان آخر مثل ذلك الحديث أو رد مرسلا آخر إرساله فقط وأخذ بحديث آخر فيه من التعليل كما في الذي قد رده في مكان آخر ووقف على ذلك - فتمادى - فهو متبع لهواه لإقدامه على الحكم في الدين بما قد سهد لسانه ببطلانه وإن لم نقطع بأنه مخطيء لإمكان أن يكون قد صادف الحق
فإن قال قائل كيف تقولون فيمن بلغه نص قرآن أو سنة صحيحة بخبر ليس من باب الأمر إلا أنه قد جاء ذلك الخبر في نص آخر باستثناء منه أو زيادة عليه ولم يبلغه النص الثاني ؟
فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن هذا بخلاف الأمر لأن الأوامر قد ترد ناسخا

بعضها بعضا فيلزمه ما بلغه حتى بلغه ما نسخه وليس الخبر كذلك بل يلزمنا تصديق ما بلغنا من ذلك لأن الله تعالى لا يقول إلا الحق وكذلك رسوله صلى الله عليه و سلم وعليه أن يعتقد مع ذلك أن ما كان في ذلك الخبر من تخصيص لم يبلغه أو زيادة لم تبلغه فهي حق
ولا نقطع بتكذيب ما ليس في ذلك الخبر أصلا وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال " لا تصدقوا أهل الكتاب إذا حدثوكم ولا تكذبوهم فتكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل " أو كلاما هذا معناه فهذا حكم الأخبار الواردة في الوعظ وغيره وما كان من الأخبار لا يحتمل خلاف نصه صدق كما هو ولزم تكذيب كل ظن خالف نص ذلك الخبر وبالله تعالى التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل
والحديث المذكور أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال " كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الآية " قال الشراح يعني إذا كان ما يخبرونهم به محتملا لئلا يكون في نفس الأمر صدقا فيكذبوه أو كذبا فيصدقوه فيقعوا في الحرج

الفائدة الثانية عشرة
قد بينا فيما سبق العلوم الشرعية وأقسامها وحد كل واحد منها وذكرنا فيه

أن علم الحديث ينقسم إلى قسمين قسم يتعلق بروايته وقسم يتعلق بدرايته وأن العلماء قسموا كل واحد منهما إلى أقسام سموا كل واحد منها باسم
وقد أحببنا الزيادة هنا على ما ذكر هناك فنقول قال بعض المحدثين تنقسم علوم الحديث الآن إلا ثلاثة أقسام
الأول حفظ متون الحديث ومعرفة غريبها وفقهها وهذا أشرفها
والثاني حفظ أسانيدها ومعرفة رجالها وتمييز صحيحها من سقيمها وهذا كان مهما وقد كفيه المشتغل بالعلم بما صنف فيه وألف من الكتب فلا فائدة في تحصيل / ما هو حاصل
والثالث جمعه وكتابته وسماعه والبحث عن طرقه وطلب العلو فيه والرحلة إلى البلدان لأجل ذلك والمشتغل بهذا مشتغل عما هو الأهم من العلوم النافعة فضلا عن العمل به الذي هو المطلوب الأصلي إلا أنه لا بأس به لأهل البطالة لما فيه من بقاء سلسلة الإسناد المتصلة بسيد البشر
وقد اعترض عليه بعض العلماء في قوله وهذا قد كفيه المشتغل بالعلم بما صنف فيه وألف من الكتب فقال ويقال عليه إن كان التصنيف في ـ هذا ـ الفن يوجب الاتكال على ذلك وعدم الاشتغال به فالقول كذلك في الفن الأول فإن فقه الحديث وغربيه لا يحصى كم صنف فيه بل لو ادعى مدع أن التصانيف فيه أكثر من التصانيف في تمييز الرجال والصحيح من السقيم لما كان قوله غير صحيح بل ذلك هو الواقع
فإن كان الاشتغال بالأول مهما فالاشتغال بالثاني أهم لأنه المرقاة إلى الأول فمن أخل به خلط السقيم بالصحيح والمجرح بالمعدل وهو لا يشعر

فالحق أن كلا منهما في علم الحديث مهم ولا شك أن من جمعهما حاز القدح المعلى مع قصوره فيه إن أخل بالثالث ومن أخل بهما فلا حظ له في اسم الحافظ ومن أحرز الأول وأخل بالثاني كان بعيدا من اسم المحدث عرفا ومن أحرز الثاني وأخل الأول لم يبعد عنه أسم المحدث لكن فيه نقص بالنسبة إلى الأول
ومن جمع الثلاث كان فقيها محدثا كاملا ومن انفرد باثنين منهما كان دونه إلا أن من اقتصر على الثاني والثالث فهو محدث صرف لاحظ له في اسم الفقيه كما أن من انفرد بالأول فلاحظ له في اسم المحدث ومن انفرد بالأول والثاني فهل يسمى محدثا ؟ فيه بحث اهـ
فإن قيل هل يمكن الجمع بين قول هذا الناقد ومن نحا نحوه وقول من قال العلوم ثلاثة علم نضج وما احترق وهو علم النحو والأصول وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير وعلم نضج واحترق وهو علم الحديث والفقه ؟
يقال نعم يمكن الجمع بينهما بأن يراد بنضج العلم كونه قد بين بيانا كافيا بحيث لا يحتاج طالبه إلى فرط عناء في تحصيل مطلبه وباحتراقه كونه قد استقصي البحث فيه ثم تجوز به الحد فأفضى ذلك إلى ذكر كثير مما لا تمس إليه الحاجة إما لكونه مما يفرض فرضا أو لنحو ذلك حتى يصير الطالب ـ لكثرة المباحث مع عدم معرفته ما يلزم منها مما لا يلزم ـ حائرا في أمره
وهذا المعنى لا يظهر بتمامة في علم الحديث وإنما يظهر في نحو النحو فإن فيه كثيرا مما لا تمس الحاجة إليه لا سيما الحجج التي لا يدل عليها نقل ولا عقل والأولى إخراج علم الحديث من هذا القسم
وهذا العبارة وإن كانت من قبيل الملح التي تستحسن في المحاضرة ولا يستقصى البحث فيها إلا أن فيها إشارة إلى أمر ينبغي الانتباه إليه وهو أن ما نضج واحترق من العلوم ينبغي السعي في تنقيحه ليسهل على الطالب تناوله

والانتفاع به وما لم ينضج منها السعي في إكمال مباحثه لينضج أو يقرب من النضج
ومن أمعن النظر في هذا الأمر تبين له أن فرط النضج في علم من العلوم لا يفضي إلى احتراقه وإنما يفضي في الغالب إلى إفراد بعض مباحثه بالبحث فإذا اتسع الأمر في مبحث منها صار فنا مستقلا بنفسه وإن كان متفرعا عن غيره وكثيرا ما يكون الفن المتفرع من غيره واسع الأطراف جدا قال بعض المحدثين علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة كل نوع منها علم مستقل لو / أنفق الطالب فيه عمره لما أدرك نهايته
ولما كان الاستقصاء في العلوم غير ممكن حث العلماء طلابها على الاقتصار فيها أو الاقتصاد وقد ذكر في أوائل " الإحياء " ما يتعلق بهذا الأمر فأحببنا إيراد ذلك ـ قال وإن تفرعت من نفسك وتطهيرها وقدرت على ترك ظاهر الإثم وباطنه وصار ذلك ديدنا لك وعادة متيسرة فيك وما أبعد ذلك منك ؟ فاشتغل بفروض الكفايات وراع التدريج فيها
فابتدئ بكتاب الله تعالى ثم بسنة رسوله صلى الله عليه و سلم ثم بعلم التفسير وسائر علوم القرآن من علم الناسخ والمنسوخ والمفصول والموصول والمحكم والمتشابه وكذلك في السنة ثم اشتغل بالفروع وهو علم المذهب من علم الفقه دون الخلاف ثم بأصول الفقه وهكذا إلى بقية العلوم على ما يتسع له العمر ويساعد فيه الوقت ولا تستغرق عمرك في فن واحد منها طلبا للاستقصاء فإن العلم كثير والعمر قصير
وهذه العلوم آلات ومقدمات وليست مطلوبة لعينها بل لغيرها وكل ما يطلب لغيره فلا ينبغي أن ينسى فيه المطلوب ويستكثر منه
فاقتصر من شائع علم اللغة على ما تفهم به كلام العرب وتنطق به ومن

غريبه على غريب القرآن وغريب الحديث ودع التعمق فيه واقتصر من علم النحو على ما يتعلق بالمتاب والسنة فملا من علم إلا وله اقتصار واقتصاد واستصقاء ونحن نشير إليها في التفسير والحديث والفقه والكلام لتقيس بها غيرها
فالاقتصار في التفسير ما يبلغ ضعف القرآن كما صنفه الواحدي النيسابوري وهو " الوجيز "
والاقتصاد ما يبلغ ثلاثة أضعاف القرآن كما صنفه من " الوسيط " فيه وما وراء ذلك استصقاء مستغنى عنه فلا مرد له إلى إنتهاء العمر
وأما الحديث فالاقتصار فيه تحصيل ما في " الصحيحين " بتصحيح نسخة على رجل خبير بعلم متن الحديث وأما حفظ أسامي الرجال فقد كفيت فيه بما تحمله عنك من قبلك ولك أن تعول على كتبهم وليس يلزمك حفظ متون الصحيحين ولكن تحصله تحصيلا تقدر منه على طلب ما تحتاج إليه عند الحاجة
وأما الاقتصاد فيه فأن تضيف إليهما ما خرج عنهما مما ورد في المسندات الصحيحة وأما الاستقصاء فما وراء ذلك إلى استيعاب كل ما نقل من الضعيف والقوي والصحيح والسقيم مع معرفة الطرق الكثيرة في النقل ومعرفة أحوال الرجال وأسمائهم واوصافهم
وأما الفقه فالاقتصار فيه على ما يحويه " مختصر المزني " وهو الذي رتبناه في " خلاصة المختصر " والاقتصاد يه ما يبلغ ثلاثة أمثاله وهو القدر الذي أوردناه في " الوسيط من المذهب " والاسقصاء ما أوردناه في " البسيط " إلى ما وراء ذلك من المطولات
وأما الكرم فالمقصود فيه حماية المعتقدات التي نقلها أهل السنة عن السلف الصالح لا غير وما وراء ذلك لكشف حقائق الأمور من غير طريقها ومقصود حفظ السنة تحصل رتبة الاقتصار منه بمعتقد وجيز وهو اقدر الذي أوردناه في كتاب " قواعد العقائد " من جملة هذا الكتاب

والاقتصاد فيه ما يبلغ قدر مئة ورقة وهو الذي أوردناه في كتاب " الاقتصاد في الاعتقاد " ويحتاج إليه لمناظرة مبتدع ومعارضة بدعته بما يفسدها وينزعها عن قلب العامي وذلك لا ينفع إلا مع العوام قبل اشتداد تعصبهم وأما المبتدع بعد ان يعلم من الجدل ولو شاء يسيرا فقلما ينفع معه الكلام 1هـ
ومن فروع علم الحديث علم ناسخ / الحديث ومنسوخه وهو داخل في علم تأويل مختلف الحديث وأفردوه عنه لفرط العناية به فإنهم اتفقوا على أنه من اهم علوم الحديث والمشهور أنه فن وعر المسلك وذهب بعضهم إلى أن الخطب في معرفته سهل وما وقع لكثير ممن ألف فيه إدخال كثير مما ليس منه يه ليس ناشئا من وعورة مسلكه بل لعدم وقوفهم على جميع ما يلزم في معرفته قال بعض المحدثين هذا النوع وإن تعلق بعلم الحديث فهو بأصول الفقه أشبه
ومن فروع علم الحديث معرفة أسباب ورود الحديث وقد صنف فيه بعض العلماء وقد جرت عادة اكثر شراح الحديث التعرض لذلك إذا كان للحديث سبب ووقفوا عليه كما انهم كثيرا ما يتعرضون لغير ذلك مما يهم الطالب معرفته غير أنه ينتقد على كثير منهم أمر وهو أنهم كثيرا ما يدخلون في معنى الحديث مالا يدل عليه الحديث
وقد وقع مثل ذلك لكثير من المفسرين أيضا وقد حذر من ذلك بعض المحققين منهم فقال ينبغي للمفسر أن لا يحمل لفظ الكتاب العزيز ما لا يحتمله لئلا ينسب إلى الله سبحانه أشياء لم يلقها ولا دل لفظ كتابه عليها فالتفسير في الحقيقة إنما هو شرح الفظ المستغلق عند السامع بما هو واضح عنده مما يرادفه أو يقاربه أو له دلالة عليه بإحدى طرق الدلالات
هذا وفيما ذكرناه كفاية لمن أراد الاقتصار والاقتصاد في هذا الفن وقد أحببنا أن نختم هذا الكتاب بمقالة متممة لما نحن فيه الآن ومذكرة بما سلف من قبل وهي للعلامة مجد الدين المبارك بن الأثير وقد أوردها في خطبة كتابه " جامع الأصول

لأحاديث الرسول " فقال
وبعد فإن شرف العلوم يتفاوت بشرف مدلولها وقدرها يعظم بعظم محصولها ولا خلاف عند ذوي البصائر أن أجلها ما كانت الفائدة فيه اعم والنفع به أتم والسعادة باقتنائه أدوم والإنسان بتحصيله ألزم كعلم الشريعة الذي هو طريق السعداء إلى دار البقاء ما سلكه أحد إلا اهتدى ولا استمسك به من خاب ولا تجنبه من رشد فما امنع جناب من احتمى بحماه وأرغد مآب من ازدان بحلاه
وعلوم الشريعة على اختلافها تنقسم إلى فرض ونفل والفرض ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية ولكل واحد منهما أقسام وأنواع بعصها أصول وبعضها فروع وبعضها مقدمات وبعضها متممات وليس هذا موضع تفصيلها إذ ليس لنا بغرض
إلا أن من أصول فروض الكفايات علم أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم وآثار أصحابه رضي الله عنهم التي هي ثاني أدلة الأحكام ومعرفتها أمر شريف وشأن جليل لا يحبط به إلا من هذب نفسه بمتابعة أوامر الشرع ونواهيه وأزاح الزيغ عن قلبه ولسانه
وله أصول وأحكام وقواعد وأوضاع واصطلاحات ذكرها العلماء وشرحها المحدثون والفقهاء يحتاج طالبه إلى معرفتها والوقف عليها بعد تقديم معرفة اللغة والإعراب اللذين هما أصل لمعرفة الحديث وغيره لورود الشريعة المطهرة بلسان العرب
وتبك الأشياء
كالعلم بالرجال وأساميهم وأنسابهم وأعمارهم ووقت وفاتهم
والعلم بصفات الرواة وشرائطهم التي يجوز معها قبول روايتهم

والعلم بمستند الرواة وكيفية أخذهم الحديث وتقسيم طرقه والعلم بلفظ الرواة وإيرادهم ما سمعوه وإيصاله إلى من يأخذه عنهم وذكر مراتبه والعلم بجواز نقل الحديث بالمعنى / ورواية بعضه والزيادة فيه وإضافة ما ليس منه إليه وانفراد الثقة بزيادة فيه
والعلم بالسند وشرائطه والعالي منه والنازل
والعلم بالحرج والتعديل وجوازهما ووقوعهما وبيان طبقات المجروحين
والعلم بأقسام الصحيح من الحديث والكذب وانقسام الخبر إليهما وإلى الغريب والحسن وغيرهما
والعلم بأخبار المتواتر والآحاد والناسخ والمنسوخ وغير لك مما تواضع عليه أئمة الحديث وهو بينهم متعارف
فمن أتقنها أتى دار هذا العلم من بابها وأحاط بها من جميع جهاتها وبقدر ما يفوته منها تنزل عن الغاية درجته وتنحط عن النهاية رتبته إلا أن معرفة المتواتر والآحاد والناسخ والمنسوخ وإن تعلقت بعلم الحديث فإن المحدث لا يفتقر إليها لأن ذلك من وظيفة الفقيه لأنه يستنبط الأحكام من الأحاديث فيحتاج إلى معرفة المتواتر والآحاد والناسخ والمنسوخ
وأما المحدث فوظيفته أن ينقل ويروي ما سمعه من الأحاديث كما سمعه فإن

تصدى لما رواه فزيادة في الفضل وكمال في الاختيار جمعنا الله وإياكم معشر الطالبين على قبول الدلائل وألهمنا وإياكم الاقتداء بالسلف الصالح من الأئمة الأوائل وأحلنا وإياكم من العلم النافع أعلى المنازل ووفقنا إياكم للعمل بالعالي من الحديث والنازل إنه سميع الدعاء حقيق بالإجابة

مما لا شك فيه عند الباحثين في أمر الخطوط وتولد بعضها من بعض أن الخط العربي المعروف بالخط الكوفي قد تولد من الخط السرياني المعروف بالخط السرتجيلي ويدل على ذلك أمور
الأول شدة التشابه بين الخطين بحيث يظن الناظر في أول الأمر أنهما من نوع واحد
الثاني أن الحروف المفصولة عما بعدها في الخط السرياني وهي الألف والدال والراء والزاي والواو والتاء والصاد والهاء هي الحروف المفصولة عما بعدها في الخط العربي ويستثنى من ذلك التاء والصاد والهاء فإن العرب التزمت وصلها
الثالث أن العرب كانوا كالسريانيين يعدون حروف الهجاء على نسق أبجد فيقولون أبجد هوز خطي كلمن سعفص قرشت
ولما رأوا أن في لغتهم ستة أحرف لم توجد فيها زادوا لفظتين وهما ثخذ ضظغ
فاجتمع بذلك شمل الحروف العربية
ولما رأى العرب أن هذه الحروف الستة ليس فيها صور في الخط السرياني لعدم الاحتياج فيه إلى ذلك عمدوا إلى كل حرف منها فنظروا إلى الحرف الذي يناسبه فجعلوه على صورته فنشأ من ذلك أن صارت الثاء مع التاء والخاء مع الحاء والذال مع الدال والضاد مع الصاد والظاء مع الطاء والغين مع العين على صورة واحدة
وقد استحسن ذلك منهم بعض المحققين في اللغات السامية ووصفهم بالبراعة حيث قال إن العرب لما رأوا أن صور الحروف في الخط السرياني اثنتان وعشرون والحروف العربية ثمانية وعشرون لم يخترعوا صورا جديدة للحروف المختصة بهم كما فعل بعض الأمم الغربية الشمالية ولا اتخذوا طريقة وضع صورتين أو أكثر لكل حرف من الحروف المختصة بهم كما فعل اللاتين في الفاء والخاء والثاء والراء اليونانيات وكما فعل من اقتفى من الأمم الغربية حين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق