82. ب نو+المقحمات

** ب نوشيرك 8.

 الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام /الفتن ونهاية العالم /المقحمات ا. /قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة  /الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين الملتاعين. /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها /عياذا بالله الواحد./  لابثين فيها أحقابا /المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر/  /أمَاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما /ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات /العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا /مدونة تخفيف

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

الثلاثاء، 21 أغسطس 2018

7. وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ




وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ عُطِفَ هَذَا الشَّرْطُ الِامْتِنَاعِيُّ عَلَى جُمْلَةِ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ زِيَادَةً فِي التَّشْنِيعِ عَلَى أَهْوَائِهِمْ فَإِنَّهَا مُفْضِيَةٌ إِلَى فَسَادِ الْعَالَمِ وَمَنْ فِيهِ وَكَفَى بِذَلِكَ فَظَاعَةً وَشَنَاعَةً
[ ص: 92 ] وَالْحَقُّ هُنَا هُوَ الْحَقُّ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ : بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُوَافِقُ لِلْوُجُودِ الْوَاقِعِيِّ وَلِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ . وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ : وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ أَنَّ كَرَاهَةَ أَكْثَرِهِمْ لِلْحَقِّ نَاشِئَةٌ عَنْ كَوْنِ الْحَقِّ مُخَالِفًا أَهْوَاءَهُمْ فَسُجِّلَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ هَوًى . وَالْهَوَى شَهْوَةٌ وَمَحَبَّةٌ لِمَا يُلَائِمُ غَرَضَ صَاحِبِهِ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ . وَإِنَّمَا يَجْرِي الْهَوَى عَلَى شَهْوَةِ دَوَاعِي النُّفُوسِ أَعْنِي شَهَوَاتِ الْأَفْعَالِ غَيْرَ الَّتِي تَقْتَضِيهَا الْجِبِلَّةُ ، فَشَهْوَةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا تَدْعُو إِلَيْهِ الْجِبِلَّةُ لَيْسَتْ مِنَ الْهَوَى وَإِنَّمَا الْهَوَى شَهْوَةُ مَا لَا تَقْتَضِيهِ الْفِطْرَةُ كَشَهْوَةِ الظُّلْمِ وَإِهَانَةِ النَّاسِ ، أَوْ شَهْوَةِ مَا تَقْتَضِيهِ الْجِبِلَّةُ لَكِنْ يُشْتَهَى عَلَى كَيْفِيَّةٍ وَحَالَةٍ لَا تَقْتَضِيهَا الْجِبِلَّةُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ فَسَادٍ وَضُرٍّ مِثْلَ شَهْوَةِ الطَّعَامِ الْمَغْصُوبِ وَشَهْوَةِ الزِّنَا ، فَمَرْجِعُ مَعْنَى الْهَوَى إِلَى الْمُشْتَهَى الَّذِي لَا تَقْتَضِيهِ الْجِبِلَّةُ .
وَالِاتِّبَاعُ : مَجَازٌ شَائِعٌ فِي الْمُوَافَقَةِ ، أَيْ : لَوْ وَافَقَ الْحَقُّ مَا يَشْتَهُونَهُ . وَمَعْنَى مُوَافَقَةِ الْحَقِّ الْأَهْوَاءَ أَنْ تَكُونَ مَاهِيَةُ الْحَقِّ مُوَافِقَةً لِأَهْوَاءِ النُّفُوسِ . فَإِنَّ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ لَهَا تَقَرُّرٌ فِي الْخَارِجِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِمَا يَشْتَهِيهِ النَّاسُ أَمْ لَمْ تَكُنْ مُوَافِقَةً لَهُ : فَمِنْهَا الْحَقَائِقُ الْوُجُودِيَّةُ وَهِيَ الْأَصْلُ فَهِيَ مُتَقَرِّرَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِثْلَ كَوْنِ الْإِلَهِ وَاحِدًا ، وَكَوْنِهِ لَا يَلِدُ وَكَوْنِ الْبَعْثِ وَاقِعًا لِلْجَزَاءِ ، فَكَوْنُهَا حَقًّا هُوَ عَيْنُ تَقَرُّرِهَا فِي الْخَارِجِ .
وَمِنْهَا الْحَقَائِقُ الْمَعْنَوِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ فِي الِاعْتِبَارِ فَهِيَ مُتَقَرِّرَةٌ فِي الِاعْتِبَارَاتِ . وَكَوْنُهَا حَقًّا هُوَ كَوْنُهَا جَارِيَةً عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نِظَامُ الْعَالَمِ مِثْلَ كَوْنِ الْوَأْدِ ظُلْمًا ، وَكَوْنِ الْقَتْلِ عُدْوَانًا ، وَكَوْنِ الْقِمَارِ أَخْذَ مَالٍ بِلَا حَقٍّ لِآخِذِهِ فِي أَخْذِهِ ، فَلَوْ فُرِضَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي أَضْدَادِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَفَسَدَ مَنْ فِيهِنَّ ، أَيْ : مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ النَّاسِ .
وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ فَسَادِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفَسَادِ النَّاسِ وَبَيْنَ كَوْنِ الْحَقِّ جَارِيًا عَلَى أَهْوَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَقَائِقِ هُوَ أَنَّ أَهْوَاءَهُمْ شَتَّى; فَمِنْهَا [ ص: 93 ] الْمُتَّفِقُ ، وَأَكْثَرُهَا مُخْتَلِفٌ ، وَأَكْثَرُ اتِّفَاقِ أَهْوَائِهِمْ حَاصِلٌ بِالشِّرْكِ ، فَلَوْ كَانَ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي الْوَاقِعِ مُوَافِقًا لِمَزَاعِمِهِمْ لَاخْتَلَّتْ أُصُولُ انْتِظَامِ الْعَوَالِمِ .
فَإِنَّ مَبْدَأَ الْحَقَائِقِ هُوَ حَقِيقَةُ الْخَالِقِ تَعَالَى ، فَلَوْ كَانَتِ الْحَقِيقَةُ هِيَ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ لَفَسَدَتِ الْعَوَالِمُ بِحُكْمِ قَوْلِهِ تَعَالَى : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ . وَذَلِكَ أَصْلُ الْحَقِّ وَقِوَامُهُ وَانْتِقَاضُهُ انْتِقَاضٌ لِنِظَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ : مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ الْآيَةَ ، فَمِنْ هَوَاهُمُ الْبَاطِلِ أَنْ جَعَلُوا مِنْ كَمَالِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ .
ثُمَّ نَنْتَقِلُ بِالْبَحْثِ إِلَى بَقِيَّةِ حَقَائِقِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَقِّ لَوْ فُرِضَ أَنْ يَكُونَ الثَّابِتُ نَقِيضَ ذَلِكَ لَتَسَرَّبَ الْفَسَادُ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ . فَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ الْبَعْثِ لِلْجَزَاءِ لَكَانَ الثَّابِتُ أَنْ لَا جَزَاءَ عَلَى الْعَمَلِ ; فَلَمْ يَعْمَلْ أَحَدٌ خَيْرًا إِذْ لَا رَجَاءَ فِي ثَوَابٍ . وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدٌ شَرًّا إِذْ لَا خَوْفَ مِنْ عِقَابٍ ، فَيَغْمُرُ الشَّرُّ الْخَيْرَ وَالْبَاطِلُ الْحَقَّ وَذَلِكَ فَسَادٌ لِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَالَ تَعَالَى : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ . وَكَذَا لَوْ كَانَ الْحَقُّ حُسْنَ الِاعْتِدَاءِ ، وَالْبَاطِلُ قُبْحَ الْعَدْلِ لَارْتَمَى النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْإِهْلَاكِ جُهْدَ الْمُسْتَطَاعِ فَهَلَكَ الضَّرْعُ وَالزَّرْعُ قَالَ تَعَالَى : وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَهَكَذَا الْحَالُ فِي أَهْوَائِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ . وَيَزِيدُ أَمْرُهَا فَسَادًا بِأَنْ يَتَّبِعَ الْحَقُّ كُلَّ سَاعَةٍ هَوًى مُخَالِفًا لِلْهَوَى الَّذِي اتَّبَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَسْتَقِرُّ نِظَامٌ وَلَا قَانُونٌ .
وَهَذَا الْمَعْنَى نَاظِرٌ إِلَى مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .
[ ص: 94 ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( مَنْ ) فِي قَوْلِهِ : وَمَنْ فِيهِنَّ صَادِقَةٌ عَلَى الْعُقَلَاءِ مِنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ . فَفَسَادُ الْبَشَرِ عَلَى فَرْضِ أَنْ يَكُونَ جَارِيًا عَلَى أَهْوَاءِ الْمُشْرِكِينَ ظَاهِرٌ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ .
وَأَمَّا فَسَادُ الْمَلَائِكَةِ فَلِأَنَّ مِنْ أَهْوَاءِ الْمُشْرِكِينَ زَعْمَهُمْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ فَلَوْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَلَائِكَةِ بُنُوَّةُ اللَّهِ لَأَفْضَى ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُمْ آلِهَةٌ ; لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ جِنْسٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِمَا تَوَلَّدَ هُوَ مِنْهُ إِذِ الْوَلَدُ نُسْخَةٌ مِنْ أَبِيهِ فَلَزِمَ عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَدُّدِ الْآلِهَةِ . وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فُصُولِ حَقِيقَةِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ مُسَخَّرُونَ لِطَاعَةِ اللَّهِ وَتَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ لَفَسَدَتْ حَقَائِقُهُمْ فَأَفْسَدُوا مَا يَأْمُرُهُمُ اللَّهُ بِإِصْلَاحِهِ وَبِالْعَكْسِ فَتَنْتَقِضُ الْمَصَالِحُ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( مَنْ ) صَادِقًا عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيبِ فِي اسْتِعْمَالِ ( مَنْ ) . وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ يَنْتَظِمُ بِالْأَصَالَةِ مَعَ وَجْهِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ وَبَيْنَ فَسَادِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ يَسْرِي إِلَى اخْتِلَافِ مَوَاهِي الْمَوْجُودَاتِ فَتُصْبِحُ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِمَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ ، فَيَفْسَدُ الْعَالَمُ . وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَرَضَ بَحْثًا فِي إِمْكَانِ فَنَاءِ الْعَالَمِ وَفَرَضَ أَسْبَابًا إِنْ وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي هَذَا الْعَالَمِ ، وَعَدَّ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنْ تَحْدُثَ حَوَادِثُ جَوِّيَّةٌ تُفْسِدُ عُقُولَ الْبَشَرِ كُلِّهِمْ فَيَتَأَلَّبُونَ عَلَى إِهْلَاكِ الْعَالَمِ فَلَوْ أَجْرَى اللَّهُ النِّظَامَ عَلَى مُقْتَضَى الْأَهْوَاءِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْحَقِّ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا يَشْتَهُونَ لَعَادَ ذَلِكَ بِالْفَسَادِ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِ فَكَانُوا مَشْمُولِينَ لِذَلِكَ الْفَسَادِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، فَنَاهِيكَ بِأَفْنِ آرَاءٍ لَا تُمَيِّزُ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّافِعِ لِأَنْفُسِهِمَا . وَكَفَى بِذَلِكَ شَنَاعَةً لِكَرَاهِيَتِهِمُ الْحَقَّ وَإِبْطَالًا لِزَعْمِهِمْ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ تَصَرُّفَاتُ مَجْنُونٍ .
..............
قال السائل:
 لقد ولِدْنَا غير مخيرين للقدوم إلى هذه الحياة، وما علينا إلا أن نكمل الطريق لهذا الامتحان الصعب من أجل الفوز بالجنة أو الفشل والذهاب إلى النار. ماذا لو كنا رافضين أصلا لهذا الامتحان والخوض في الحياة التي تنتهي بأهوال، ونتيجتها جنة أو نار، لما لم نخير؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمسلم يجب عليه أن يعتقد أن الله تعالى يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا يظلم أحداً من خلقه مثقال ذرة، قال تعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الأنبياء:23} وقال جل وعلا: إن الله لا يظلم مثقال ذرة {النساء :40}.‏
وأنه تعالى لم يخلق الكون لعبا، ولا العباد عبثا، ولن يتركهم سدى، فكل أفعاله تعالى منطوية على الحكمة التامة، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {الدخان:39،38} وقال: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ {المؤمنون : 115} وقال: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى {القيامة : 36} وقال تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ {الأنعام : 149}.
ومبنى الدين على الإيمان بالغيب، وإثبات كل أنواع الكمال المطلق لله تعالى، ونفي كل أنواع النقص عنه سبحانه، والعقل الإنساني مهما أوتي من قوة وإدراك فهو محدود للغاية، فهو يجهل كثيرا من أسرار نفسه فضلا عن الخلق والكون من حوله، قال تعالى: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {الإسراء: 85} وقال: والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة: 216}
فكيف يستطيع هذا الإنسان الضعيف الإحاطة بحكمة الله في قضائه وقدره، وخلقه وأمره. ومَن هذه حاله وتلك قدرته وطاقته ، فهل من الحكمة أن يُخيَّر أو يُستَأمر، ولو حصل هذا واتبع الحق أهواء البشر لفسد الكون قطعا، كما قال تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ {المؤمنون : 71}
وعلى أية حال فقد خلق الله تعالى الإنسان ليمتحنه ويختبره، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً {هود: 7}
وقال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{الملك: 2}
وعلى الصابر أن يرضي بالله ربا، وعليه أن يشغل نفسه بما ينفعه ويقربه إلى الله تعالى، وأن يغلق المنافذ التي يدخل الشيطان منها إلى نفسه ليفسد عليه دينه وآخرته، فالخير كل الخير في الرضى بقضاء الله تعالى والاشتغال بطاعته ومراضيه. والله أعلم.
......................
وجاء قَوْلُهُ تَعَالَى : أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ هَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ ، أَيْ : إِنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ فِي هَذَا الْقَوْلِ الْعَذَابَ ، إِذْ لَيْسُوا خَيْرًا مِنْ قَوْمِ تُبَّعٍ وَالْأُمَمِ الْمُهْلَكَةِ ، وَإِذَا أَهْلَكْنَا أُولَئِكَ فَكَذَا هَؤُلَاءِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَهُمْ أَظْهَرُ نِعْمَةً وَأَكْثَرُ أَمْوَالًا أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ . وَقِيلَ : أَهُمْ أَعَزُّ وَأَشَدُّ وَأَمْنَعُ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِتُبَّعٍ رَجُلًا وَاحِدًا بَلِ الْمُرَادُ بِهِ مُلُوكُ الْيَمَنِ ، فَكَانُوا يُسَمُّونَ مُلُوكَهُمُ التَّبَابِعَةَ . فَتُبَّعٌ لَقَبٌ لِلْمَلِكِ مِنْهُمْ كَالْخَلِيفَةِ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَكِسْرَى لِلْفُرْسِ ، وَقَيْصَرَ لِلرُّومِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تُبَّاعًا لِأَنَّهُ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَالتَّبَابِعَةُ مُلُوكُ الْيَمَنِ ، وَاحِدُهُمْ تُبَّعٌ . وَالتُّبَّعُ أَيْضًا الظِّلُّ ، وَقَالَ :
يَرِدُ الْمِيَاهَ حَضِيرَةً وَنَفِيضَةً وِرْدَ الْقَطَاةِ إِذَا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ
وَالتُّبَّعُ أَيْضًا ضَرْبٌ مِنَ الطَّيْرِ . وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ : تُبَّعٌ اسْمٌ لِكُلِّ مَلِكٍ مَلَكَ الْيَمَنَ وَالشِّحْرَ [ ص: 135 ] وَحَضْرَمَوْتَ . وَإِنْ مَلَكَ الْيَمَنَ وَحْدَهَا لَمْ يُقَلْ لَهُ تُبَّعٌ ، قَالَهُ الْمَسْعُودِيُّ . فَمِنَ التَّبَابِعَةِ : الْحَارِثُ الرَّائِشُ وَهُوَ ابْنُ هَمَّالٍ ذِي سُدَدٍ . وَأَبْرَهَةُ ذُو الْمَنَارِ . وَعَمْرٌو ذُو الْأَذْعَارِ . وَشِمْرُ بْنُ مَالِكٍ ، الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ سَمَرْقَنْدُ . وَأَفْرِيقِيسُ بْنُ قَيْسٍ ، الَّذِي سَاقَ الْبَرْبَرَ إِلَى أَفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ ، وَبِهِ سُمِّيَتْ إِفْرِيقِيَّةُ .
وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَاتِ : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَرَادَ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُ بِهَذَا الِاسْمِ أَشَدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ غَيْرِهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : وَلَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ لَعِينٌ أَمْ لَا . ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ ، وَهُوَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَبُو كَرْبٍ الَّذِي كَسَا الْبَيْتَ بَعْدَمَا أَرَادَ غَزْوَهُ ، وَبَعْدَمَا غَزَا الْمَدِينَةَ وَأَرَادَ خَرَابَهَا ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّهَا مُهَاجَرُ نَبِيٍّ اسْمُهُ أَحْمَدُ . وَقَالَ شِعْرًا أَوْدَعَهُ عِنْدَ أَهْلِهَا ، فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ إِلَى أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَدَّوْهُ إِلَيْهِ . وَيُقَالُ : كَانَ الْكِتَابُ وَالشِّعْرُ عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ . وَفِيهِ :
شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ بَارِي النَّسَمْ
فَلَوْ مُدَّ عُمْرِي إِلَى عُمْرِهِ لَكُنْتُ وَزِيرًا لَهُ وَابْنَ عَمْ
وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ حُفِرَ قَبْرٌ لَهُ بِصَنْعَاءَ - وَيُقَالُ بِنَاحِيَةِ حِمْيَرَ - فِي الْإِسْلَامِ ، فَوُجِدَ فِيهِ امْرَأَتَانِ صَحِيحَتَانِ ، وَعِنْدَ رُءُوسِهِمَا لَوْحٌ مِنْ فِضَّةٍ مَكْتُوبٌ فِيهِ بِالذَّهَبِ ( هَذَا قَبْرُ حُبَّى وَلَمِيسَ ) وَيُرْوَى أَيْضًا : ( حُبَّى وَتُمَاضِرَ ) يُرْوَى أَيْضًا : ( هَذَا قَبْرُ رَضْوَى وَقَبْرُ حُبَّى ابْنَتَا تُبَّعٍ ، مَاتَتَا وَهُمَا يَشْهَدَانِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يُشْرِكَانِ بِهِ شَيْئًا ، وَعَلَى ذَلِكَ مَاتَ الصَّالِحُونَ قَبْلَهُمَا ) .
قُلْتُ : وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ : ( أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكَ ، وَأَنَا عَلَى دِينِكَ وَسُنَّتِكَ ، وَآمَنْتُ بِرَبِّكَ وَرَبِّ كُلِّ شَيْءٍ ، وَآمَنْتُ [ ص: 136 ] بِكُلِّ مَا جَاءَ مِنْ رَبِّكَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ أَدْرَكْتُكَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ ، وَإِنْ لَمْ أُدْرِكْكَ فَاشْفَعْ لِي وَلَا تَنْسَنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَإِنِّي مِنْ أُمَّتِكَ الْأَوَّلِينَ وَبَايَعْتُكَ قَبْلَ مَجِيئِكَ ، وَأَنَا عَلَى مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ خَتَمَ الْكِتَابَ وَنَقَشَ عَلَيْهِ : لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَكَتَبَ عَلَى عِنْوَانِهِ ( إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَبِيُّ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَرَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . مِنْ تُبَّعٍ الْأَوَّلِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا بَقِيَّةَ خَبَرِهِ وَأَوَّلُهُ فِي ( اللُّمَعِ اللُّؤْلُئِيَّةِ شَرْحُ الْعَشْرِ بَيِّنَاتٍ النَّبَوِيَّةِ ) لِلْفَارَابِي رَحِمَهُ اللَّهُ . وَكَانَ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ تُبَّعٌ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي بُعِثَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْفَ سَنَةٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ .
وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ نَبِيًّا أَوْ مَلِكًا ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ تُبَّعٌ نَبِيًّا . وَقَالَ كَعْبٌ : كَانَ تُبَّعٌ مَلِكًا مِنَ الْمُلُوكِ ، وَكَانَ قَوْمُهُ كُهَّانًا وَكَانَ مَعَهُمْ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَأَمَرَ الْفَرِيقَيْنِ أَنْ يُقَرِّبَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ قُرْبَانًا فَفَعَلُوا ، فَتُقُبِّلَ قُرْبَانَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَسْلَمَ ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - : لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا . وَحَكَى قَتَادَةُ أَنَّ تُبَّعًا كَانَ رَجُلًا مِنْ حِمْيَرٍ ، سَارَ بِالْجُنُودِ حَتَّى عَبَرَ الْحِيرَةَ وَأَتَى سَمَرْقَنْدَ فَهَدَمَهَا ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ . وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ تُبَّعٌ الْحِمْيَرِيُّ ، وَكَانَ سَارَ بِالْجُنُودِ حَتَّى عَبَرَ الْحِيرَةَ . وَبَنَى سَمَرْقَنْدَ وَقَتَلَ وَهَدَمَ الْبِلَادَ . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : تُبَّعٌ هُوَ أَبُو كَرْبٍ أَسْعَدُ بْنُ مَلِكِ يَكْرِبَ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ تُبَّعًا لِأَنَّهُ تَبِعَ مَنْ قَبْلَهُ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : هُوَ الَّذِي كَسَا الْبَيْتَ الْحِبَرَاتَ . وَقَالَ كَعْبٌ : ذَمَّ اللَّهُ قَوْمَهُ وَلَمْ يَذُمَّهُ ، وَضَرَبَ بِهِمْ لِقُرَيْشٍ مِثْلًا لِقُرْبِهِمْ مِنْ دَارِهِمْ وَعِظَمِهِمْ فِي نُفُوسِهِمْ ، فَلَمَّا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قَبْلَهُمْ - لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ - كَانَ مَنْ أَجْرَمَ مَعَ ضَعْفِ الْيَدِ وَقِلَّةِ الْعَدَدِ أَحْرَى بِالْهَلَاكِ . وَافْتَخَرَ أَهْلُ الْيَمَنِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، إِذْ جَعَلَ اللَّهُ قَوْمَ تُبَّعٍ خَيْرًا مِنْ قُرَيْشٍ . وَقِيلَ : سُمِّيَ أَوَّلُهُمْ تُبَّعًا لِأَنَّهُ اتَّبَعَ قَرْنَ الشَّمْسِ وَسَافَرَ فِي الشَّرْقِ مَعَ الْعَسَاكِرِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمُ الَّذِينَ فِي مَوْضِعِ رَفْعِ عَطْفٍ عَلَى قَوْمُ تُبَّعٍ أَهْلَكْنَاهُمْ صِلَتُهُ . وَيَكُونُ مِنْ قَبْلِهِمْ مُتَعَلِّقًا بِهِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبْلِهِمْ [ ص: 137 ] صِلَةَ الَّذِينَ وَيَكُونُ فِي الظَّرْفِ عَائِدٌ إِلَى الْمَوْصُولِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَهْلَكْنَاهُمْ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يُقَدَّرَ مَعَهُ ( قَدْ ) فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ . أَوْ يُقَدَّرُ حَذْفٌ مَوْصُوفٌ ، كَأَنَّهُ قَالَ : قَوْمٌ أَهْلَكْنَاهُمْ . وَالتَّقْدِيرُ أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ أَنَّا إِذَا قَدَرْنَا عَلَى إِهْلَاكِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ قَدَرْنَا عَلَى إِهْلَاكِ الْمُشْرِكِينَ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمُ ابْتِدَاءٌ خَبَرُهُ أَهْلَكْنَاهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى تُبَّعٍ كَأَنَّهُ قَالَ : قَوْمُ تُبَّعٍ الْمُهْلِكِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ أَهْلَكْنَاهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ أَيْ غَافِلِينَ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَقِيلَ : لَاهِينَ ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ .
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ أَيْ إِلَّا بِالْأَمْرِ الْحَقِّ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَقِيلَ : إِلَّا لِلْحَقِّ ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَالْحَسَنُ . وَقِيلَ : إِلَّا لِإِقَامَةِ الْحَقِّ لِإِظْهَارِهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْتِزَامِ طَاعَتِهِ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي ( الْأَنْبِيَاءِ ) وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَعْنِي أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ
.............
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ .
اسْتِئْنَافٌ وَقَعَ تَذْيِيلًا لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْوَعِيدِ وَالْإِنْذَارِ وَالْاِعْتِبَارِ بِمَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ ، وَهُوَ أَيْضًا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ إِلَخْ .
وَالْمَعْنَى : إِنَّا خَلَقْنَا وَفَعَلْنَا كُلَّ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَفْعَالِ وَأَسْبَابِهَا وَآلَاتِهَا وَسَلَّطْنَاهُ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ لِأَنَّا خَلَقَنَا كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ ، أَيْ فَإِذَا عَلِمْتُمْ هَذَا فَانْتَبَهُوا إِلَى أَنَّ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالْإِصْرَارِ مُمَاثِلٌ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ السَّالِفَةُ وَاقْتِرَانُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ ( إِنَّ ) يُقَالُ فِيهِ مَا قُلْنَاهُ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ؟ .
[ ص: 217 ] وَالْخَلْقُ أَصْلُهُ : إِيجَادُ ذَاتٍ بِشَكْلٍ مَقْصُودٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي إِيجَادِ الذَّوَاتِ ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى إِيجَادِ الْمَعَانِي الَّتِي تُشْبِهُ الذَّوَاتِ فِي التَّمَيُّزِ وَالْوُضُوحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا .
فَإِطْلَاقُهُ فِي قَوْلِهِ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ .
وَ ( شَيْءٍ ) مَعْنَاهُ مَوْجُودٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ ، أَيْ : خَلَقْنَا كُلَّ الْمَوْجُودَاتِ جِوَاهِرُهَا وَأَعْرَاضُهَا بِقَدَرٍ .
وَالْقَدَرُ : بِتَحْرِيكِ الدَّالِ مُرَادِفُ الْقَدْرِ بِسُكُونِهَا وَهُوَ تَحْدِيدُ الْأُمُورِ وَضَبْطُهَا  
وَالْمُرَادُ : أَنَّ خَلْقَ اللَّهِ الْأَشْيَاءَ مُصَاحِبٌ لِقَوَانِينٍ جَارِيَةٍ عَلَى الْحِكْمَةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ وَمِمَّا يَشْمَلُهُ عُمُومُ كُلِّ شَيْءٍ خَلْقُ جَهَنَّمَ لِلْعَذَابِ .
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ وَقَوْلُهُ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ وَقَوْلُهُ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ فَتَرَى هَذِهِ الْآيَاتِ وَأَشْبَاهَهَا تُعَقِّبُ ذِكْرَ كَوْنِ الْخَلْقِ كُلِّهِ لِحِكْمَةٍ بِذِكْرِ السَّاعَةِ وَيَوْمِ الْجَزَاءِ . فَهَذَا وَجْهُ تَعْقِيبِ آيَاتِ الْإِنْذَارِ وَالْعِقَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِالتَّذْيِيلِ بِقَوْلِهِ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ وَسَيَقُولُ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ .
فَالْبَاءُ فِي بِقَدَرٍ لِلْمُلَابَسَةِ ، وَالْمَجْرُورُ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِفِعْلِ خَلَقْنَاهُ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِذَاتِهِ ، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ الْإِعْلَامَ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِعْلَامِ بِهِ بَلْهَ تَأْكِيدَهُ بَلِ الْمَقْصُودُ إِظْهَارُ مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ فِي الْجَزَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرَّعْدِ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ .
[ ص: 218 ] وَمِمَّا يَسْتَلْزِمُهُ مَعْنَى الْقَدَرِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَخْلُوقٍ هُوَ جَارٍ عَلَى وَفْقِ عِلْمِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ لِأَنَّهُ خَالِقُ أُصُولِ الْأَشْيَاءِ وَجَاعِلُ الْقُوَى فِيهَا لِتَنْبَعِثَ عَنْهَا آثَارُهَا وَمُتَوَلِّدَاتُهَا ، فَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ وَمُرِيدٌ لِوُقُوعِهِ . وَهَذَا قَدْ سُمِّيَ بِالْقَدَرِ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرِيعَةِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ الصَّحِيحِ فِي ذِكْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِيمَانُ وَتُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَتْ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ . وَلَمْ يَذْكُرْ رَاوِي الْحَدِيثِ مَعْنَى الْقَدَرِ الَّذِي خَاصَمَ فِيهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ فَبَقِيَ مُجْمَلًا وَيَظْهَرُ أَنَّهُمْ خَاصَمُوا جَدَلًا لِيَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمُ التَّعْنِيفَ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ كَمَا قَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ، أَيْ جَدَلًا لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُوجَبِ مَا يَقُولُهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ كَائِنٍ بِقَدَرِ اللَّهِ جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَعَانِي الْقَدَرِ .
قَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدَرِ هَنَا مُرَادُ اللَّهِ وَمَشِيئَتُهُ وَمَا سِيقَ بِهِ قَدَرُهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ دَلِيلُ مَسَاقِ الْقِصَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِسَبَبِهَا الْآيَةُ اهـ . وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى : يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ مَعَانِي : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الْقَدَرُ هَاهُنَا بِمَعْنَى مُقَدَّرٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ كَمَا قَالَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بِقُدْرَتِهِ ، كَمَا قَالَ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ .
وَالثَّالِثُ : بِقَدَرٍ ، أَيْ نَخْلُقُهُ فِي وَقْتِهِ ، أَيْ نُقَدِّرُ لَهُ وَقْتًا نَخْلُقُهُ فِيهِ اهـ .
قُلْتُ : وَإِذَا كَانَ لَفْظُ قَدَرٍ جِنْسًا ، وَوَقَعَ مُعَلَّقًا بِفِعْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِضَمِيرِ كُلِّ شَيْءٍ الدَّالِّ عَلَى الْعُمُومِ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ عَامًّا لِلْمَعَانِي كُلِّهَا فَكُلُّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ فَخَلَقَهُ بِقَدَرٍ ، وَسَبَبُ النُّزُولِ لَا يُخَصِّصُ الْعُمُومَ ، وَلَا يُنَاكِدُ مَوْقِعَ هَذَا التَّذْيِيلِ ، عَلَى أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يُطْلِقُونَ سَبَبَ النُّزُولِ عَلَى كُلِّ مَا نَزَلَتِ الْآيَةُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتِ الْآيَةُ سَابِقَةٌ عَلَى مَا عَدُّوهُ مِنَ السَّبَبِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ كُلَّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ كَانَ بِضَبْطٍ جَارِيًا عَلَى حِكْمَةٍ ، [ ص: 219 ] وَأَمَّا تَعْيِينٌ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِمَّا لَيْسَ مَخْلُوقًا لَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مَثَلًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْعِبَادِ أَفْعَالَهُمْ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَائِلِينَ بِكَسْبِ الْعَبْدِ كَالْأَشْعَرِيَّةِ ، فَلَا حُجَّةَ بِالْآيَةِ عَلَيْهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَصَبُّ الْإِخْبَارِ هُوَ مَضْمُونُ ( خَلَقْنَاهُ ) أَوْ مَضْمُونُ ( بِقَدَرٍ ) ، وَلِاحْتِمَالِ عُمُومِ كُلِّ شَيْءٍ لِلتَّخْصِيصِ ، وَلِاحْتِمَالِ الْمُرَادِ بِالشَّيْءِ مَا هُوَ ، وَلَيْسَ نَفْيُ حُجِّيَّةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ بَيْنَ النَّاسِ بِمُبْطِلِ ثُبُوتِ الْقَدَرِ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى .
وَحَقِيقَةُ الْقَدَرِ الْاِصْطِلَاحِيِّ خَفِيَّةٌ فَإِنَّ مِقْدَارَ تَأَثُّرِ الْكَائِنَاتِ بِتَصَرُّفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِتَسَبُّبِ أَسْبَابِهَا وَنُهُوضِ مَوَانِعِهَا لَمْ يَبْلُغْ عِلْمُ الْإِنْسَانِ إِلَى كَشْفِ غَوَامِضِهِ وَمَعْرِفَةِ مَا مَكَّنَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ مِنْ تَنْفِيذٍ لِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ ، وَالْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَالْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ سَوَاءٌ فِي التَّأَثُّرِ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ إِذَا تَعَلَّقَتْ بِشَيُءٍ ، فَلَيْسَتْ نِسْبَةُ آثَارِ الْخَيْرِ إِلَى اللَّهِ دُونَ نِسْبَةِ أَثَرِ الشَّرِّ إِلَيْهِ إِلَّا أَدَبًا مَعَ الْخَالِقِ لَقَّنَهُ اللَّهُ عَبِيدَهُ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ فِي التَّأَثُّرِ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَتِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَأَفْعَالِ الشَّرِّ فِي النِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ مُلْحَقَةً بِاعْتِقَادِ الْمَجُوسِ بِأَنَّ لِلْخَيْرِ إِلَهًا وَلِلشَّرِّ إِلَهًا ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِقَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُؤْمِنُوا بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، وَقَوْلِهِ : الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا .
وَانْتَصَبَ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِ خَلَقْنَاهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْاِشْتِغَالِ ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى خَلَقْنَاهُ لِيَتَأَكَّدَ مَدْلُولُهُ بِذِكْرِ اسْمِهِ الظَّاهِرِ ابْتِدَاءً ، وَذِكْرَ ضَمِيرِهِ ثَانِيًا ، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي الْعُدُولَ إِلَى الْاِشْتِغَالِ فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ فَيَحْصُلُ تَوْكِيدٌ لِلْمَفْعُولِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ تَحْقِيقُ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى فَاعِلِهِ بِحَرْفِ ( إِنَّ ) الْمُفِيدِ لِتَوْكِيدِ الْخَبَرِ وَلِيَتَّصِلَ قَوْلُهُ ( بِقَدَرٍ ) بِالْعَامِلِ فِيهِ وَهُوَ خَلَقْنَاهُ ، لِئَلَّا يَلْتَبِسُ بِالنَّعْتِ لِشَيْءٍ لَوْ قِيلَ : إِنَّا خَلَقَنَا كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ ، فَيَظُنَّ أَنَّ الْمُرَادَ : أَنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ فَيَبْقَى السَّامِعُ مُنْتَظِرًا لِخَبَرِ ( إِنَّ )
.............. 

التنجيم والشعوذه جزء من الباطل
في خضمّ المعركة التي أدارتها الشريعة لتحرير العقول من ضلالات الوهم والخرافة، وترّهات الدجل والشعوذة، قامت بإبطال جميع مسالك الجاهليّة ووقفت منها موقفاً حازماً: بياناً وتحذيراً، ونصحاً وتنبيهاً؛ لتبقى بيضة الإسلام على صورتها الفطريّة الأولى بيضاء نقيّةً من غوائل الشرك ومظاهر الوثنيّة، ويأتي في طليعة ذلك موقفها من علم النجوم أو ما يُعرف بالتنجيم.
إنه ذلك الباب الذي ولجه الكثير من المهووسين لمعرفة ما أخفاه الله عن خلقه من الغيب المستور، والمستقبل المحجوب، بمتابعة حركة النجوم في أفلاكها ومراقبة مشارقها ومغاربها، ثم تدرّج الأمر بهم حتى بلغوا في الضلال غايته عندما ادّعوا تأثير تلك الأجرام السماويّة على الأحداث الأرضيّة.
وحين نعود إلى نصوص الكتاب والسنّة ونستقرئها نجد أن الأدلّة التي تبحث هذه المسألة جاءت متنوّعة بالقدر الذي تنوّعت به متعلّقات علم النجوم، مقدّمةً في البدء التصوّر الصحيح لأسباب خلق النجوم والحكمة من ذلك، ثم الردّ على الذين ادّعوا قدرة النجوم على التأثير والتغيير، وبيان مجالات علم الغيب واختصاص الله به، فضلاً عن النصوص الخاصّة بالتنجيم تحديداً، وسوف نطوف بهذه النصوص مستعينين بحول الله وبقوّته.
الحكمة من خلق النجوم
النجوم هي جزءٌ من منظومة الكون الكليّة التي خلقها الله سبحانه وتعالى بالحق، لا عبثاً ولا لعباً ولا باطلاً، وقد أوضح الباري سبحانه ذلك في عددٍ من الآيات الكريمة، منها قوله تعالى: { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون } (الدخان:38-39)، وقوله سبحانه: { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين} (الأنبياء:16-17)، وفي آية أخرى: { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار} (ص:27)، ولا ريب أن في إيجاد الله سبحانه وتعالى لمخلوقاته كمالٌ في قدرته، وهذا الكمال يترتّب عليه ظهور آثار أسمائه الحسنى وصفاته العلا في مخلوقاته.
تلك هي الحكمة العامة، ولخلق النجوم حكمةٌ خاصّةٌ نبّه إليها الإمام البخاري في صحيحه بذكر قول قتادة مُعلّقاً: "خلق هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها"، وآيات القرآن الكريم تقرّر هذه الأمور الثلاث، فالنجوم زينةٌ للسماء كما في قوله تعالى: {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين} (الحجر:16)، وقوله سبحانه: {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج} (ق:6)، وقوله: {إنا زيّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب }(الصافات:6)، وهي بوصلةٌ للمسافرين يستدلّون بها على الجهات أثناء أسفارهم كما قال تعالى في كتابه العزيز: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} (الأنعام:97)، وقال سبحانه: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} (النحل:16) ،وكذلك فهي أداةٌ من أدوات حفظ السماء من مردة الشياطين {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب* وحفظا من كل شيطان مارد* لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب* دحورا ولهم عذاب واصب* إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} (الصافات:6-10) مع ضرورة استحضار الفوارق بين معاني المفردات الشرعيّة لهذه الأجرام وإطلاقاتها في علم الفلك المعاصر.
النصوص الدالة على تفرّد الله بعلم الغيب
التنجيم بالأساس قائمٌ على ادعاء معرفة الغيب، وقد جاءت الكثير من الآيات لتدحض هذا الادّعاء وتؤكد على أن الغيب من اختصاص الله سبحانه وتعالى استأثر به وتفرّد بعلمه، وحجب أسراره عن الخلائق سوى قدرٍ يسير أطلعه بعضاً من خلقه، وهذا ما تقرّره الكثير من الآيات كمثل قوله تعالى: {له غيب السماوات والأرض}(الكهف:26) في صيغةٍ تفيد الحصر، ومثلها قوله تعالى: {ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله...}(هود: 23)، وقوله تعالى: { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله }(النمل: 65)، والغيب بابٌ مفاتحه بيده الله عزّ وجل وحده: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو }(الأنعام:59).
وتؤّكد الآيات القرآنية انتفاء علم الخلائق للغيب بصورةٍ حاسمة لا مجال فيها للتأويل، فالأنبياء عليهم السلام لا يعلمون الغيب وينفون ذلك عن أنفسهم بصريح العبارة: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب} (المائدة:109)، وتقرير هذه العقيدة جاء على ألسنة الأنبياء والمرسلين بدءاً بنوح عليه السلام القائل: {ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب }(هود:31)، وانتهاءً بمحمد -صلى الله عليه وسلم- الذي خاطب البشريّة قائلاً: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب} (الأنعام: 50)، وفي سورة الأعراف: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } (الأعراف:188)، ويردّ عليه الصلاة والسلام على المناوئين لدعوته بقوله: {قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي} (الأحقاف:9).
وبالمثل: فإن الملائكة لا يعلمون الغيب، ولذلك قالوا: {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} (البقرة:32)، والجنّ الذين ينسب إليهم السحرة والكهنة علم الغيب ليسوا باستثناءٍ من هذه القاعدة، الأمر الذي جعلهم يعملون تحت إمرة سليمان عليه السلام بعد موته زمناً طويلاً وهم لا يعلمون بموته، قال تعالى: {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} (سبأ:14).
فيتبيّن مما سبق: أن علم الغيب ليس متاحاً لأحد أياً كان، لا لملك مقرّب أو نبيٍّ مرسل، ولا سبيل لمعرفته أو الاطلاع عليه إلا بالقدر الذي يريده الله سبحانه وتعالى لمن شاء من خلقه، قال سبحانه: { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول }(الجن: 26-27).
النصوص الدالة على تفرّد الله في تدبير الأمور والتصرّف في الكون
ينسب بعض المنجّمين وجود نوعِ تأثير لحركة النجوم على الحوادث الأرضيّة، وهذا التأثير هو نوعٌ من التدبير والتصرّف في الكون، ومعلومٌ انتفاء ذلك عما سوى الله عزّ وجل لانفراده به، قال تعالى: { والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} (الأعراف: 54)، وقال سبحانه: { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون} (يونس: 31)، وهذا الكون بجميع تفاصيله مفتقرٌ إلى ذي الجلال والإكرام، الذي جعل تسخير الأمور دليلاً على كمال عنايته بخلقه وكمال علمه: { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} (البقرة:164).
وجريان الأمور وتغيّر الأحداث مرتبطٌ بالقدرة الإلهيّة والمشيئة النافذة على جميع الخلق: { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} (القصص:68)، أما الخلائق فهم لا يملكون لأنفسهم حولاً ولا طولاً فكيف يملكونه لغيرهم، وبأيّ شيءٍ يؤثّرون على من سواهم؟؟، قال تعالى: {واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا} (الفرقان:3).
النصوص الخاصّة في حكم التنجيم
وردت بعض النصوص الشرعيّة الخاصّة بعلم النجوم تبيّن أحكامه ومتعلّقاته، فباعتبار دخوله في الكهانة وعوالم السحر والشعوذة أخذ حكمه في التحريم واتصافه بوصف الكبيرة، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد) رواه أبو داود وابن ماجة بإسناد صحيح، فإذا كان علم النجوم فرعٌ من فروع السحر فإنه يدخل كذلك في الوعيد الثابت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بقوله: ( ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدِّق بالسحر)رواه أحمد في مسنده.
والتعلّق المذموم بالنجوم هو من رواسب الجاهليّة التي بقيتْ آثارها واستمرّت على مرّ الأزمنة، الأمر الذي كان يخشاه النبي –صلى الله عليه وسلم- على أمّته ويُحذّر من خطره، فقد ثبت عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهنّ: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة)، وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم، وتكذيب بالقدر، وحيف السلطان) رواه الطبراني.
ومن ادعاءات العرب: نسبة الأمطار –خاصّةً- إلى الحراك الكوني للأفلاك، وهو ما يُعرف بـ"الاستسقاء بالأنواء"، والمقصود به: طلب السقيا من النجوم على نحوٍ مباشرٍ أو غير مباشر، وتختلف صور الاستسقاء ليختلف الحكم تبعاً لذلك: فمن دعا الأنواء وطلب منها السقيا دون الله عزّ وجل فقد أشرك في الألوهيّة؛ لأنه صرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله عزّ وجل، وهذا شركٌ أكبر تدلّ عليه النصوص الشرعية المتظافرة كمثل قوله تعالى: { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس:106)، وقوله تعالى: {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون} (المؤمنون: 117)، ومن نسب حصول الأمطار بفعل النجوم فذلك شركٌ أكبر في الربوبيّة لأنه ينافي تفرّد الله سبحانه وتعالى في الخلق والملك والتدبير.
وفيما عدا ذلك فإنه شركٌ أصغر غير مخرجٍ من الملّة، وصورته: أن ينسب لتلك النجوم نزول المطر لا نسبةَ إيجاد، ولكن نسبة سبب، ووجه كونها شركاً أصغر: أنها ليست بسببٍ للمطر لا شرعاً ولا كوناً، وقد جاء تسميتها "كفراً" في بعض الأحاديث من باب كفران النعمة كما سيأتي معنا لاحقاً.
وجملة النصوص الشرعيّة الواردة في المسألة وردت وفق هذا التقسيم، ومن ذلك ما رواه زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: " صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماءٍ أي مطرٍ-كانت من الليلة، فلما انصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم، ( قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر!، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمن بالكوكب) " متفق عليه، وما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( ما أنزل الله من السماء من بركةٍ إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين!!، ينزل الله الغيث فيقولون: الكوكب كذا وكذا).
ومن أسباب نزول قوله تعالى: { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} (الواقعة:82) نسبة بعض الصحابة للمطر إلى النجوم حيث قالوا: " لقد صدق نوء كذا وكذا" رواه مسلم، فنزلت هذه الآية لتُبيّن أن من كفران النعمة وعدم شكرها أن تُنسب إلى غير الله، فضلاً عن كونها إخباراً للأمر بخلاف الواقع ولذلك عُبّر عنها في الآية الكريمة بلفظة: : { أنكم تكذبون}، يقول حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما في تأويلها: "تجعلون شكركم التكذيب".
كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا عدوى، ولا هامة، ولا نوء، ولا صفر)، أخرجه مسلم، يقول الإمام السيوطي في تفسير الحديث: " أي لا تقولوا مطرنا بنوء كذا".
إذن فهذه النسبة للمطر إلى النجوم منهيٌّ عنها في الشرع؛ لأنها من شعارات أهل الجاهليّة ومن أفعالهم، ولما تحتويه من إسنادٍ للنعمة إلى غير المنعم بها، ولأنها كلمةٌ تحتمل الشرك الأكبر -إن كان صاحبها يعني نسبة إيجاد النعم إلى غير الله- والشرك الأصغر –إن كان يجعل الأنواء سبباً في حين أنّه لم تثبت فاعليته شرعاً ولا قدراً- فكان النهي سدّاً لباب الشرك وحمايةً لجناب التوحيد.
وقد استثنى العلماء مما سبقَ صورةً تجوز فيها نسبة الأمطار إلى النجوم، عبّروا عنها بـ"نسبة الوقت" ويقصدون بها الربط بين أوقات نزول الأمطار في العادة بمواقع النجوم وجعلها علامةً عليها، فيجيزون للمتحدّث أن يقول: "مُطرنا في نوء كذا" لأن مقصوده بيان وقت نزول المطر لا كون النجوم سببٌ في ذلك، ويستشهدون بما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قام يستسقي بالناس عام الرمادة، فقال للعباس بن عبد المطلب: "يا عباس، كم بقي من نوء الثريا؟" فقال له العباس رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين إن أهل العلم بها يزعمون أنها تعترض بالأفق بعد وقوعها سبعاً، فما مضت تلك السبع حتى أغيث الناس، رواه البيهقي، ويوضّح ذلك الإمام الشافعي رحمه الله فيقول: "إنما أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: كم بقي من وقت الثريا، ليعرّفهم بأن الله عز وجل قدّر الأمطار في أوقات فيما جرّبوا، كما علموا أنه قدر الحر والبرد بما جرّبوا في أوقات".
ونختم هذا المبحث بإشارةٍ لطيفة ذكرها العلماء في معرض الرّد على المعتقدين بالتنجيم، وضربوا مثلاً يدل على إبطال دعواهم، فقالوا : "ما يقول المنجم في سفينة ركب فيها ألف إنسان على اختلاف أحوالهم، وتباين رتبهم، فيهم الملك والسوقة، والعالم والجاهل، والغني والفقير، والكبير والصغير، مع اختلاف طوالعهم، وتباين مواليدهم، ودرجات نجومهم، فعمهم حكم الغرق في ساعة واحد؟ فإن قال المنجم قبّحه الله : إنما أغرقهم الطالع الذي ركبوا فيه، فيكون مقتضى هذا أن ذلك الطالع أبطل أحكام الطوالع كلها على اختلافها، فلا فائدة أبداً في عمل المواليد، ولا دلالة فيها على شقي ولا سعيد، وإن قال ليس لطالع من طوالعهم أثر في إغراقهم فقد أبطل ما ادعاه من علم النجوم"
...............
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضْعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ .
اطَّرَدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أُسْلُوبُ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ مَا يُشْبِهُ الضِّدَّيْنِ بَعْدَ مُقَابَلَةِ ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِذِكْرِ النَّجْمِ وَالشَّجَرِ ، فَجِيءَ بِذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاءِ وَخَلْقِ الْأَرْضِ .
وَعَادَ الكَّلَامُ إِلَى طَرِيقَةِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ .
وَرَفْعُ السَّمَاءِ يَقْتَضِي خَلْقَهَا . وَذُكِرَ رَفْعُهَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِبْرَةِ بِالْخَلْقِ الْعَجِيبِ . وَمَعْنَى رَفَعَهَا : خَلَقَهَا مَرْفُوعَةً بِغَيْرِ أَعْمِدَةٍ كَمَا يُقَالُ لِلْخَيَّاطِ : وَسِّعْ جَيْبَ الْقَمِيصِ ، أَيْ خِطْهُ وَاسِعًا عَلَى أَنَّ فِي مُجَرَّدِ الرَّفْعِ إِيذَانًا بِسِمُوِّ الْمَنْزِلَةِ وَشَرَفِهَا لِأَنَّ فِيهَا مَنْشَأَ أَحْكَامِ اللَّهِ وَمَصْدَرَ قَضَائِهِ ، وَلِأَنَّهَا مَكَانُ الْمُلَائِكَةِ ، وَهَذَا مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ .
وَتَقْدِيمُ السَّمَاءِ عَلَى الْفِعْلِ النَّاصِبِ لَهُ زِيَادَةٌ فِي الْاِهْتِمَامِ بِالْاِعْتِبَارِ بِخَلْقِهَا .
وَالْمِيزَانُ : أَصْلُهُ اسْمُ آلَةِ الْوَزْنِ ، وَالْوَزْنُ تَقْدِيرُ تَعَادُلِ الْأَشْيَاءِ وَضَبْطُ مَقَادِيرِ ثِقَلِهَا وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنَ الْوَزْنِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ، وَشَاعَ إِطْلَاقُ الْمِيزَانِ عَلَى الْعَدْلِ بِاسْتِعَارَةِ لَفْظِ الْمِيزَانِ لِلْعَدْلِ عَلَى وَجْهِ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ .
[ ص: 238 ] وَالْمِيزَانُ هَنَا مُرَادٌ بِهِ الْعَدْلَ ، مِثْلَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِأَنَّهُ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ ، أَيْ عَيَّنَهُ لِإِقَامَةِ نِظَامِ الْخَلْقِ ، فَالْوَضْعُ هُنَا مُسْتَعَارٌ بِالْجَعْلِ فَهُوَ كَالْإِنْزَالِ فِي قَوْلِهِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ . وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بِئْرُ حَاءٍ وَأَنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ أَيِ اجْعَلْهَا وَعَيِّنْهَا لِمَا يَدُلُّكَ اللَّهُ عَلَيْهِ .
فَإِطْلَاقُ الْوَضْعِ فِي الْآيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ رَفْعِ السَّمَاءِ مُشَاكَلَةٌ ضِدِّيَّةٌ ، وَإِيهَامُ طِبَاقٍ مَعَ قَوْلِهِ ( رَفَعَهَا ) فَفِيهِ مُحْسِنَانِ بَدِيعِيَّانِ .
وَقَرَنَ ذَلِكَ مَعَ رَفْعِ السَّمَاءِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الْعَدْلِ بِأَنْ نُسِبَ إِلَى الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَهُوَ عَالَمُ الْحَقِّ وَالْفَضَائِلِ ، وَأَنَّهُ نُزُلٌ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ أَيْ هُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْعَدْلِ مَعَ ذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ فِي سُورَةِ يُونُسَ ، وَقَوْلُهُ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ ، وَقَوْلُهُ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ . وَهَذَا يُصَدِّقُ الْقَوْلَ الْمَأْثُورَ : بِالْعَدْلِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ . وَإِذْ قَدْ كَانَ الْأَمْرُ بِإِقَامَةِ الْعَدْلِ مِنْ أَهَمِّ مَا أَوْصَى اللَّهُ بِهِ إِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرِنَ ذِكْرُ جَعْلِهِ بِذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاءِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَوُضِعَ فِيهَا الْمِيزَانُ .
وَ أَنْ فِي قَوْلِهِ أَنْ لَا تَطْغَوْا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَفْسِيرِيَّةً لِأَنَّ فِعْلَ وَضَعَ الْمِيزَانَ فِيهِ مَعْنَى أَمْرِ النَّاسِ بِالْعَدْلِ . وَفِي الْأَمْرِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ فَهُوَ حَقِيقٌ بِأَنْ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ بِحَرْفِ أَنِ التَّفْسِيرِيَّةِ . فَكَانَ النَّهْيُ عَنْ إِضَاعَةِ الْعَدْلِ فِي أَكْثَرِ الْمُعَامَلَاتِ تَفْسِيرًا لِذَلِكَ . فَتَكُونُ لَا نَاهِيَةً .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْ مَصْدَرِيَّةً بِتَقْدِيرِ لَامِ الْجَرِّ مَحْذُوفَةٍ قَبْلَهَا . وَالتَّقْدِيرُ : لِئَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ، وَعَلَى كِلَا الْاِحْتِمَالَيْنِ يُرَادُ بِالْمِيزَانِ مَا يَشْمَلُ الْعَدْلَ وَيَشْمَلُ مَا بِهِ تَقْدِيرُ الْأَشْيَاءِ الْمَوْزُونَةِ وَنَحْوِهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، أَيْ مِنْ فَوَائِدِ تَنْزِيلِ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ أَنْ تَجْتَنِبُوا الطُّغْيَانَ فِي إِقَامَةِ الْوَزْنِ فِي الْمُعَامَلَةِ . وَتَكُونُ لَا نَافِيَةً ، وَفِعْلُ تَطْغَوْا مَنْصُوبًا بِ أَنَّ الْمَصْدَرِيَّةِ .
[ ص: 239 ] وَلَفْظُ الْمِيزَانِ يَسْمَحُ بِإِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى طَرِيقَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ . وَفِي لَفْظِ الْمِيزَانِ وَمَا قَارَنَهُ مِنْ فِعْلِ ( وَضَعَ ) وَفِعْلَيْ ( لَا تَطْغَوْا ) و ( أَقِيمُوا ) وَحَرْفُ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ بِالْقِسْطِ وَحَرْفُ فِي مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمِيزَانِ وَلَفْظُ الْقِسْطِ ، كُلُّ هَذِهِ تَظَاهَرَتْ عَلَى إِفَادَةِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَهَذَا مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ .
وَالطُّغْيَانُ : دَحْضُ الْحَقِّ عَمْدًا وَاحْتِقَارًا لِأَصْحَابِهِ ، فَمَعْنَى الطُّغْيَانِ فِي الْعَدْلِ الْاِسْتِخْفَافُ بِإِضَاعَتِهِ وَضَعْفُ الْوَازِعِ عَنِ الظُّلْمِ . وَمَعْنَى الطُّغْيَانِ فِي وَزْنِ الْمُقَدَّرَاتِ تَطْفِيفُهُ .
وَ ( فِي ) مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمِيزَانِ ظَرْفِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ تُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ أَقَلِّ طُغْيَانٍ عَلَى الْمِيزَانِ ، أَيْ لَيْسَ النَّهْيُ عَنْ إِضَاعَةِ الْمِيزَانِ كُلِّهِ بَلِ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ طُغْيَانٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى نَحْوِ الظَّرْفِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ ، أَيِ ارْزُقُوهُمْ مِنْ بَعْضِهَا وَقَوْلُ سَبْرَةَ بْنِ عَمْرٍو الْفَقْعَسِيِّ :
سَبْرَةَ بْنِ عَمْرٍو الْفَقْعَسِيِّ وَنَشْرَبُ فِي أَثْمَانِهَا وَنُقَامِرُ إِذْ أَرَادَ أَنَّهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ بِبَعْضِ أَثْمَانِ إِبِلِهِمْ وَيُقَامِرُونَ ، أَيْ أَنَّ لَهُمْ فِيهَا مَنَافِعَ أُخْرَى وَهِيَ الْعَطَاءُ وَالْأَكْلُ مِنْهَا لِقَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْبَيْتِ :
نُحَابِي بِهَا أَكْفَاءَنَا وَنُهِينُهَا وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا تَفْسِيرِيَّةً .
وَعَلَى جُمْلَةِ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ عَلَى احْتِمَالِ قَوْلِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا تَعْلِيلًا .
وَالْإِقَامَةُ : جَعْلُ الشَّيْءِ قَائِمًا ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلْإِتْيَانِ بِهِ عَلَى أَكْمَلِ مَا يُرِيدُ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَالْوَزْنُ حَقِيقَتُهُ : تَحْقِيقُ تَعَادُلِ الْأَجْسَامِ فِي الثِّقَلِ ، وَهُوَ هَنَا مُرَادٌ بِهِ مَا يَشْمَلُ تَقْدِيرُ الْكَمِّيَّاتِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْمِقْيَاسُ .
[ ص: 240 ] وَالْقِسْطُ : الْعَدْلُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ مِنَ الرُّومِيَّةِ وَأَصْلُهُ قِسْطَاسٌ ثُمَّ اخْتُصِرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَقَالُوا مَرَّةً : قِسْطَاسٌ ، وَمَرَّةً : قِسْطٌ ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ .
وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ .
وَالْمَعْنَى : اجْعَلُوا الْعَدْلَ مُلَازِمًا لِمَا تَقُوِّمُونَهُ مِنْ أُمُورِكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَكَمَا قَالَ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِالْقِسْطِ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَوِ الْبَاءِ لِلسَّبَبِيَّةِ ، أَيْ رَاعُوا فِي إِقَامَةِ التَّمْحِيصِ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَدْلُ ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِالْقِسْطِ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا ، وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْهَدُونَ إِلَى التَّطْفِيفِ فِي الْوَزْنِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . فَلَمَّا كَانَ التَّطْفِيفُ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْمُشْرِكِينَ تَصَدَّتِ الْآيَةُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ ، وَيَجِيءُ عَلَى الْاِعْتِبَارَيْنِ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ فَإِنْ حُمِلَ الْمِيزَانُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى الْعَدْلِ كَانَ الْمَعْنَى النَّهْيَ عَنِ التَّهَاوُنِ بِالْعَدْلِ لِغَفْلَةٍ أَوْ تَسَامُحٍ بَعْدَ أَنْ نَهَى عَنِ الطُّغْيَانِ فِيهِ ، وَيَكُونُ إِظْهَارُ لَفْظِ الْمِيزَانِ فِي مَقَامِ ضَمِيرِهِ تَنْبِيهًا عَلَى شِدَّةِ عِنَايَةِ اللَّهِ بِالْعَدْلِ ، وَإِنْ حُمِلَ فِيهِ عَلَى آلَةِ الْوَزْنِ كَانَ الْمَعْنَى النَّهْيَ عَنْ غَبْنِ النَّاسِ فِي الْوَزْنِ لَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ .
وَالْإِخْسَارُ : جَعْلُ الْغَيْرِ خَاسِرًا وَالْخَسَارَةُ النَّقْصُ .
فَعَلَى حَمْلِ الْمِيزَانِ عَلَى مَعْنَى الْعَدْلِ يَكُونُ الْإِخْسَارُ جَعْلَ صَاحِبِ الْحَقِّ خَاسِرًا مَغْبُونًا; وَيَكُونُ الْمِيزَانُ مَنْصُوبًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ ، وَعَلَى حَمْلِ الْمِيزَانِ عَلَى مَعْنَى آلَةِ الْوَزْنِ يَكُونُ الْإِخْسَارُ بِمَعْنَى النَّقْصِ ، أَيْ لَا تَجْعَلُوا الْمِيزَانَ نَاقِصًا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، وَقَدْ عَلِمْتَ هَذَا النَّظْمَ الْبَدِيعَ فِي الْآيَةِ الصَّالِحَ لِهَذِهِ الْمَحَامِلِ
.....................................
سورة الأنبياء » قوله تعالى وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين
إظهار التشكيل | إخفاء التشكيل
مسألة: التحليل الموضوعي
( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون )
: ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ) اعلم أن فيه مسائل :
المسألة الأولى : في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان : الأول : أنه تعالى لما بين إهلاك أهل القرية لأجل تكذيبهم أتبعه بما يدل على أنه فعل ذلك عدلا منه ومجازاة على ما فعلوا فقال : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ) أي وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من العجائب والغرائب كما تسوي الجبابرة سقوفهم وفرشهم للهو واللعب ، وإنما سويناهم لفوائد دينية ودنيوية ؛ أما الدينية فليتفكر المتفكرون فيها على ما قال تعالى : ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) [آل عمران : 191] ، وأما الدنيوية فلما يتعلق بها من المنافع التي لا تعد ولا تحصى وهذا كقوله : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ) [ص : 27] وقوله : ( ما خلقناهما إلا بالحق ) [الدخان : 39] . والثاني : أن الغرض منه تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والرد على منكريه لأنه أظهر المعجزة عليه ، فإن كان محمد كاذبا كان إظهار المعجزة عليه من باب اللعب وذلك منفي عنه ، وإن كان صادقا فهو المطلوب ، وحينئذ يفسد كل ما ذكروه من المطاعن .
المسألة الثانية : قال القاضي عبد الجبار : دلت الآية على أن اللعب ليس من قبله تعالى ، إذ لو كان كذلك لكان لاعبا ، فإن اللاعب في اللغة اسم لفاعل اللعب ، فنفي الاسم الموضوع للفعل يقتضي نفي الفعل . والجواب : يبطل ذلك بمسألة الداعي على ما مر غير مرة ، أما قوله : ( لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ) فاعلم أن قوله : ( لاتخذناه من لدنا ) معناه من جهة قدرتنا ، وقيل : اللهو الولد بلغة اليمن وقيل : المرأة وقيل : من لدنا أي من الملائكة لا من الإنس ردا لمن قال بولادة المسيح وعزير ، فأما قوله تعالى : ( بل نقذف بالحق على الباطل ) فاعلم أن قوله : ( بل ) إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب وتنزيه منه لذاته كأنه قال : سبحاننا [ ص: 128 ] أن نتخذ اللهو واللعب بل من عادتنا وموجب حكمتنا أن نغلب اللعب بالجد وندحض الباطل بالحق ، واستعار لذلك القذف والدمغ تصويرا لإبطاله فجعله كأنه جرم صلب كالصخرة مثلا قذف به على جرم رخو فدمغه ، فأما قوله تعالى : ( ولكم الويل مما تصفون ) يعني من تمسك بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم ونسب القرآن إلى أنه سحر وأضغاث أحلام إلى غير ذلك من الأباطيل ، وهو الذي عناه بقوله : ( مما تصفون )
................
من تفسير السعدي
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)
{ 38-42 } { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * } .
يخبر تعالى عن كمال قدرته وتمام حكمته وأنه ما خلق السماوات والأرض لعبا ولا لهوا أو سدى من غير فائدة وأنه ما خلقهما إلا بالحق أي: نفس خلقهما بالحق وخلقهما مشتمل على الحق، وأنه أوجدهما ليعبدوه وحده لا شريك له وليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم. { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } فلذلك لم يتفكروا في خلق السماوات والأرض.
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)
{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } .
{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ } وهو يوم القيامة الذي يفصل الله به بين الأولين والآخرين وبين كل مختلفين { مِيقَاتُهُمْ } أي: الخلائق { أَجْمَعِينَ }
كلهم سيجمعهم الله فيه ويحضرهم ويحضر أعمالهم ويكون الجزاء عليها ولا ينفع مولى عن مولى شيئا لا قريب عن قريبه ولا صديق عن صديقه، { وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي: يمنعون من عذاب الله عز وجل لأن أحدا من الخلق لا يملك من الأمر شيئا.
{ إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } فإنه هو الذي ينتفع ويرتفع برحمة الله تعالى التي تسبب إليها وسعى لها سعيها في الدنيا. ثم قال تعالى:
(1/774)
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)
{ 43-50 } { إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } .
لما ذكر يوم القيامة وأنه يفصل بين عباده فيه ذكر افتراقهم إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير وهم: الآثمون بعمل الكفر والمعاصي وأن طعامهم { شَجَرَةَ الزَّقُّومِ } شر الأشجار وأفظعها وأن طعمها { كَالْمُهْلِ } أي: كالصديد المنتن خبيث الريح والطعم شديد الحرارة يغلي في بطونهم { كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } ويقال للمعذب: { ذُقْ } هذا العذاب الأليم والعقاب الوخيم { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } أي: بزعمك أنك عزيز ستمتنع من عذاب الله وأنك كريم على الله لا يصيبك بعذاب، فاليوم تبين لك أنك أنت الذليل المهان الخسيس. { إِنَّ هَذَا } العذاب العظيم { مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } أي: تشكون فالآن صار عندكم حق اليقين.
(1/774)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
{ 51-59 } { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ } .
هذا جزاء المتقين لله الذين اتقوا سخطه وعذابه بتركهم المعاصي وفعلهم الطاعات، فلما انتفى السخط عنهم والعذاب ثبت لهم الرضا من الله والثواب العظيم في ظل ظليل من كثرة الأشجار والفواكه وعيون سارحة تجري من تحتهم الأنهار يفجرونها تفجيرا في جنات النعيم.
فأضاف الجنات إلى النعيم لأن كل ما اشتملت عليه كله نعيم وسرور، كامل من كل وجه ما فيه منغص ولا مكدر بوجه من الوجوه.
ولباسهم من الحرير الأخضر من السندس والإستبرق أي: غليظ الحرير ورقيقه مما تشتهيه أنفسهم. { مُتَقَابِلِينَ } في قلوبهم ووجوههم في كمال الراحة والطمأنينة والمحبة والعشرة الحسنة والآداب المستحسنة.
{ كَذَلِكَ } النعيم التام والسرور الكامل { وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عين } أي: نساء جميلات من جمالهن وحسنهن أنه [ ص 775 ] يحار الطرف في حسنهن وينبهر العقل بجمالهن وينخلب اللب لكمالهن { عينٍ } أي: ضخام الأعين حسانها.
{ يَدْعُونَ فِيهَا } أي: الجنة { بِكُلِّ فَاكِهَةٍ } مما له اسم في الدنيا ومما لا يوجد له اسم ولا نظير في الدنيا، فمهما طلبوه من أنواع الفاكهة وأجناسها أحضر لهم في الحال من غير تعب ولا كلفة، { آمِنِينَ } من انقطاع ذلك وآمنين من مضرته وآمنين من كل مكدر، وآمنين من الخروج منها والموت ولهذا قال: { لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى } أي: ليس فيها موت بالكلية، ولو كان فيها موت يستثنى لم يستثن الموتة الأولى التي هي الموتة في الدنيا فتم لهم كل محبوب مطلوب، { وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلا مِنْ رَبِّكَ } أي: حصول النعيم واندفاع العذاب عنهم من فضل الله عليهم وكرمه فإنه تعالى هو الذي وفقهم للأعمال الصالحة التي بها نالوا خير الآخرة وأعطاهم أيضا ما لم تبلغه أعمالهم، { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وأي فوز أعظم من نيل رضوان الله وجنته والسلامة من عذابه وسخطه؟
{ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ } أي: القرآن { بِلِسَانِكَ } أي: سهلناه بلسانك الذي هو أفصح الألسنة على الإطلاق وأجلها فتيسر به لفظه وتيسر معناه. { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ما فيه نفعهم فيفعلونه وما فيه ضررهم فيتركونه.
{ فَارْتَقِبْ } أي: انتظر ما وعدك ربك من الخير والنصر { إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ } ما يحل بهم من العذاب وفرق بين الارتقابين: رسول الله وأتباعه يرتقبون الخير في الدينا والآخرة، وضدهم يرتقبون الشر في الدنيا والآخرة.
تم تفسير سورة الدخان، ولله الحمد والمنة
--------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق