82. ب نو+المقحمات

** ب نوشيرك 8.

 الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام /الفتن ونهاية العالم /المقحمات ا. /قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة  /الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين الملتاعين. /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها /عياذا بالله الواحد./  لابثين فيها أحقابا /المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر/  /أمَاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما /ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات /العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا /مدونة تخفيف

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

الثلاثاء، 21 أغسطس 2018

6 لماذ خلق الله بني البشر لعبادته وماذا يستفيد من عبادتنا له ؟

 لماذ خلق الله بني البشر لعبادته وماذا يستفيد من عبادتنا له ؟
إن من كمال الله تعالى أنه ما خلق شيئاً عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما يخلق لحكم بالغة، ومصالح راجحة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها.
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) [الأنبياء:16].
ويقول سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الدخان: 38-39].
ويقول سبحانه وتعالى: (حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [الأحقاف: 1-2-3].
والإنسان من جملة ذلك الخلق، ولولا أنه خلقه لتلك الغاية السامية التي هي عبادته، لكان خلقه له عبثاً وسدى، تعالى الله عن ذلك، وقد نزه الله نفسه عن ذلك، فقال: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:115-116].
كما أنه لو خلق الإنسان لغير العبادة، لكان مثل البهائم يعيش هملا يأكل ويشرب ويتكاثر، ولا يخفى ما في ذلك من الإهانة للإنسان نفسه، والمنافاة لحكمة العليم الحكيم.
فالحاصل أن الله تعالى ما خلق الإنسان عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما خلقه لعبادته والتقرب إليه سبحانه.
وفي خلقه له لذلك الغرض، وتلك الغاية السامية حكم أخرى كثيرة، منها: ابتلاء أخبارهم، وإظهار أبرارهم من أشرارهم، فمن عمل لما خلق له فهو من الأبرار، وصار أهلاً لدخول جنات تجري من تحتها الأنهار، ومن أعرض عما خلق له، فهو من الأشرار الفجار الذين استحقوا الخلود في النار.
ومنها إظهار أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، فمن عمل لما خلق له جازاه الله بالحسنى، وتفضل عليه، وغفر له زلاته، وعفا عن هفواته، وأسكنه فسيح جناته بعد مماته، فيظهر بذلك أثر كرم الله تعالى وتفضله وإحسانه وعفوه ومغفرته سبحانه وتعالى.
ومن أعرض عما خلق له استحق عقاب الله تعالى، وانتقامه منه، لتنكره لخالقه ورازقه، والمنعم عليه، ولإعراضه عما خلقه له، فإذا انتقم منه لذلك وعاقبه، ظهر أنه الجبار المنتقم شديد العقاب.
ومنها: تشريف الإنسان وتكريمه بإظهار كمال عبوديته لله تعالى، فلا شيء أشرف للإنسان من أن يكون عبدا محضاً لله تعالى وحده، يأتمر بأمره، وينتهي بنهيه، ويتوجه بتوجيهاته، ويسير على صراطه المستقيم، لا نصيب لغير الله تعالى فيه.
قال الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر:29].
إلى غير ذلك من الحكم الكثيرة التي يطلع أولوا الألباب على كثير منها، ويخفى عليهم الكثير.
وعلى كل حالٍ، فالواجب على المرء أن يعلم أن الخالق المتفرد بالخلق وحده، له أن يخلق ما يشاء لما يشاء، لا يسأل عما يفعل سبحانه وتعالى، ومن اعترض أو تعقب فهو الظالم المبين.

والله أعلم.
....................................
ومن التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب » سورة الأنعام » قوله تعالى وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق :
( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَسَادَ طَرِيقَةِ عَبْدَةِ الْأَصْنَامِ ، ذَكَرَ هَهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا [ ص: 27 ] مَعْبُودَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ وَهُوَ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ الدَّلَائِلِ :

أَوَّلُهَا : قَوْلُهُ ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) أَمَّا كَوْنُهُ خَالِقًا لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، فَقَدْ شَرَحْنَاهُ فِي قَوْلِهِ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) [الْأَنْعَامِ : 1] وَأَمَّا أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَهُمَا بِالْحَقِّ فَهُوَ نَظِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا ) [ آلِ عِمْرَانَ : 191 ] وَقَوْلِهِ : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 16 ] ( مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ) [ الدُّخَانِ : 39 ] وَفِيهِ قَوْلَانِ :

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ تَعَالَى مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْمُحْدَثَاتِ مَالِكٌ لِكُلِّ الْكَائِنَاتِ ، وَتَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي مُلْكِهِ حَسَنٌ وَصَوَابٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَكَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ حَسَنًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحَقًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ حَقًّا أَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى وَفْقِ مَصَالِحِ الْمُكَلَّفِينَ مُطَابِقٌ لِمَنَافِعِهِمْ . قَالَ الْقَاضِي : وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ خَلَقَ الْمُكَلَّفَ أَوَّلًا حَتَّى يُمْكِنَهُ الِانْتِفَاعُ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَلِحُكَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّهُ يُقَالُ : أَوْدَعَ فِي هَذِهِ الْأَجْرَامِ الْعَظِيمَةِ قُوًى وَخَوَاصَّ يَصْدُرُ بِسَبَبِهَا عَنْهَا آثَارٌ وَحَرَكَاتٌ مُطَابَقَةٌ لِمَصَالِحِ هَذَا الْعَالَمِ وَمَنَافِعِهِ .

وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ : ( وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ) فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : التَّقْدِيرُ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلَقَ يَوْمَ يَقُولُ : كُنْ فَيَكُونُ ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِلدُّنْيَا وَلِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الْأَفْلَاكِ وَالطَّبَائِعِ وَالْعَنَاصِرِ وَالْخَالِقِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ وَلِرَدِّ الْأَرْوَاحِ إِلَى الْأَجْسَادِ عَلَى سَبِيلِ كُنْ فَيَكُونُ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : فِي التَّأْوِيلِ أَنْ نَقُولَ قَوْلُهُ : ( الْحَقُّ ) مُبْتَدَأٌ وَ ( وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ) ظَرْفٌ دَالٌّ عَلَى الْخَبَرِ ، وَالتَّقْدِيرُ : قَوْلُهُ : ( الْحَقُّ ) وَاقِعٌ ( وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ) كَقَوْلِكَ : يَوْمَ الْجُمْعَةِ الْقِتَالُ ، وَمَعْنَاهُ الْقِتَالُ وَاقِعٌ يَوْمَ الْجُمْعَةِ . وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ قَوْلِهِ حَقًّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَقْضِي إِلَّا بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ ؛ لِأَنَّ أَقْضِيَتَهُ مُنَزَّهَةٌ عَنِ الْجَوْرِ وَالْعَبَثِ .

وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : ( وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) فَقَوْلُهُ : ( وَلَهُ الْمُلْكُ ) يُفِيدُ الْحَصْرَ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ لَا مَلِكَ فِي يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ إِلَّا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، فَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ الثَّانِي تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الْحَقِّ الْمُبَرَّأِ عَنِ الْعَبَثِ وَالْبَاطِلِ ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ تَقْرِيرُ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ الْكَامِلَةِ الَّتِي لَا دَافِعَ لَهَا وَلَا مُعَارِضَ .

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَوْلُ اللَّهِ حَقٌّ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَقُدْرَتُهُ كَامِلَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِ هَذَا الْيَوْمِ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ ؟

قُلْنَا : لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي لَا يَظْهَرُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ نَفْعٌ وَلَا ضُرٌّ ، فَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : ( وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) [الِانْفِطَارِ : 19] فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ هَذَا التَّخْصِيصُ .

وَرَابِعُهَا : قَوْلُهُ : ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) تَقْدِيرُهُ ، وَهُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ .

وَاعْلَمْ أَنَّا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ الْكَامِلِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَا ذَكَرَ أَحْوَالَ الْبَعْثِ فِي الْقِيَامَةِ إِلَّا وَقَرَّرَ فِيهِ أَصْلَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ .

وَالثَّانِي : كَوْنُهُ عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ ؛ لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْبَعْثِ وَالْحَشْرِ وَرَدِّ الْأَرْوَاحِ إِلَى الْأَجْسَادِ ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمُطِيعُ بِالْعَاصِي ، وَالْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ ، وَالصِّدِّيقُ بِالزِّنْدِيقِ ، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ . أَمَّا إِذَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ حُصُولُ هَاتَيْنِ [ ص: 28 ] الصِّفَتَيْنِ كَمُلَ الْغَرَضُ وَالْمَقْصُودُ ، فَقَوْلُهُ : ( وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ ، وَقَوْلُهُ : ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْعِلْمِ فَلَا جَرَمَ لَزِمَ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ حَقًّا ، وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ صِدْقًا ، وَأَنْ تَكُونَ قَضَايَاهُ مُبَرَّأَةً عَنِ الْجَوْرِ وَالْعَبَثِ وَالْبَاطِلِ .




سورة الأنعام » قوله تعالى وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق





إظهار التشكيل | إخفاء التشكيل


مسألة: التحليل الموضوعي

ثُمَّ قَالَ : ( وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ حَكِيمًا أَنْ يَكُونَ مُصِيبًا فِي أَفْعَالِهِ ، وَمَنْ كَوْنِهِ خَبِيرًا ، كَوْنُهُ عَالِمًا بِحَقَائِقِهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِبَاهٍ وَمِنْ غَيْرِ الْتِبَاسٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَدْ ذَكَرْنَا فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : ( كُنْ فَيَكُونُ ) خِطَابًا وَأَمْرًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ إِنْ كَانَ لِلْمَعْدُومِ فَهُوَ مُحَالٌ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْجُودِ فَهُوَ أَمْرٌ بِأَنْ يَصِيرَ الْمَوْجُودُ مَوْجُودًا وَهُوَ مُحَالٌ ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى نَفَاذِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فِي تَكْوِينِ الْكَائِنَاتِ وَإِيجَادِ الْمَوْجُودَاتِ .

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ يَوْمَ الْحَشْرِ ، وَلَا شُبْهَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ قَرْنًا يَنْفُخُ فِيهِ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَذَلِكَ الْقَرْنُ يُسَمَّى بِالصُّورِ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ الْكَرِيمِ ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالصُّورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ :

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَرْنُ الَّذِي يُنْفَخُ فِيهِ وَصِفَتُهُ مَذْكُورَةٌ فِي سَائِرِ السُّوَرِ .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : إِنَّ الصُّورَ جَمْعُ صُورَةٍ وَالنَّفْخُ فِي الصُّورِ عِبَارَةٌ عَنِ النَّفْخِ فِي صُوَرِ الْمَوْتَى ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : الصُّورُ جَمْعُ صُورَةٍ مِثْلُ صُوفٍ وَصُوفَةٍ . قَالَ الْوَاحِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَضْلِ الْعَرُوضِيُّ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ عَنِ الْمُنْذِرِيِّ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ : أَنَّهُ قَالَ : ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ الصُّورَ جَمْعُ الصُّورَةِ كَمَا أَنَّ الصُّوفَ جَمْعُ الصُّوفَةِ وَالثُّومَ جَمْعُ الثُّومَةِ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ : وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) [ غَافِرٍ : 64 ] وَقَالَ : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) [ الْكَهْفِ : 99 ] فَمَنْ قَرَأَ (وَنُفِخَ فِي الصُّوَرِ) ، وَقَرَأَ (فَأَحْسَنَ صُورَكُمْ) فَقَدِ افْتَرَى الْكَذِبَ ، وَبَدَّلَ كِتَابَ اللَّهِ ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ صَاحِبَ أَخْبَارٍ وَغَرَائِبَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالنَّحْوِ ، قَالَ الْفَرَّاءُ : كُلُّ جَمْعٍ عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ سَبَقَ جَمْعُهُ وَاحِدَهُ ، فَوَاحِدُهُ بِزِيَادَةِ هَاءٍ فِيهِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ الصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَالْقُطْنِ وَالْعُشْبِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ اسْمٌ لِجَمِيعِ جِنْسِهِ ، وَإِذَا أُفْرِدَتْ وَاحِدَتُهُ زِيدَتْ فِيهَا هَاءٌ ؛ لِأَنَّ جَمْعَ هَذَا الْبَابِ سَبَقَ وَاحِدَهُ ، وَلَوْ أَنَّ الصُّوفَةَ كَانَتْ سَابِقَةً لِلصُّوفِ لَقَالُوا صُوفَةٌ وَصُوَفٌ وَبُسْرَةٌ وَبُسَرٌ كَمَا قَالُوا غُرْفَةٌ وَغُرَفٌ ، وَزُلْفَةٌ وَزُلَفٌ ، وَأَمَّا الصُّورُ الْقَرْنُ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَاحِدَتُهُ صُورَةٌ وَإِنَّمَا تُجْمَعُ صُورَةُ الْإِنْسَانِ صُوَرًا ؛ لِأَنَّ وَاحِدَتَهُ سَبَقَتْ جَمْعَهُ ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : قَدْ أَحْسَنَ أَبُو الْهَيْثَمِ فِي هَذَا الْكَلَامِ ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي غَيْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ، وَأَقُولُ : وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْخَ الرُّوحِ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ لَأَضَافَ تَعَالَى ذَلِكَ النَّفْخَ إِلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ نَفْخَ الْأَرْوَاحِ فِي الصُّوَرِ يُضِيفُهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ ، كَمَا قَالَ : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) [ الْحِجْرِ : 29 ] وَقَالَ : ( فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) [الْأَنْبِيَاءِ : 91] وَقَالَ : ( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ) [الْمُؤْمِنُونَ : 14] وَأَمَّا نَفْحُ الصُّورِ بِمَعْنَى النَّفْخِ فِي الْقَرْنِ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يُضِيفُهُ لَا إِلَى نَفْسِهِ كَمَا قَالَ : ( فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ) [ الْمُدَّثِّرِ : 8 ] وَقَالَ : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) [ الزُّمَرِ : 68 ] فَهَذَا تَمَامُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْبَحْثِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .




.........................................


وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ

(85 ) أَيْ: مَا خَلَقْنَاهُمَا عَبَثًا بَاطِلًا كَمَا يَظُنُّ ذَلِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ، بَلْ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ الَّذِي مِنْهُ أَنْ يَكُونَا بِمَا فِيهِمَا دَالَّتَيْنِ عَلَى كَمَالِ خَالِقِهِمَا، وَاقْتِدَارِهِ، وَسَعَةِ رَحِمَتِهِ، وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ الْمُحِيطِ، وَأَنَّهُ الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا . لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ. فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ وَهُوَ الصَّفْحُ الَّذِي لَا أَذِيَّةَ فِيهِ، بَلْ يُقَابِلُ [ ص: 869 ] إِسَاءَةَ الْمُسِيءِ بِالْإِحْسَانِ، وَذَنْبَهُ بِالْغُفْرَانِ، لِتَنَالَ مِنْ رَبِّكَ جَزِيلَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ فَهُوَ قَرِيبٌ.

وَقَدْ ظَهَرَ لِي مَعْنًى أَحْسَنُ مِمَّا ذَكَرْتُ هُنَا، وَهُوَ: أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ الصَّفْحُ الْجَمِيلُ أَيِ: الْحَسَنُ الَّذِي قَدْ سَلِمَ مِنَ الْحِقْدِ وَالْأَذِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، دُونَ الصَّفْحِ الَّذِي لَيْسَ بِجَمِيلٍ، وَهُوَ الصَّفْحُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَلَا يُصْفَحُ حَيْثُ اقْتَضَى الْمَقَامُ الْعُقُوبَةَ، كَعُقُوبَةِ الْمُعْتَدِينَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ لَا يَنْفَعُ فِيهِمْ إِلَّا الْعُقُوبَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى.

(86 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ الْعَلِيمُ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَلَا يُعْجِزُهُ أَحَدٌ مِنْ جَمِيعِ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ خَلْقُهُ، وَذَلِكَ سَائِرُ الْمَوْجُودَاتِ





...........................................

» سورة الجاثية » قوله تعالى وخلق الله السماوات والأرض بالحق




وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَبَيْنَ مَا فُرِّعَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ هُوَ كَالدَّلِيلِ عَلَى انْتِفَاءِ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ الَّذِينَ هُمْ فِي بُحْبُوحَةِ عَيْشٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ أَنْ يَكُونُوا فِي نَعِيمٍ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ كَالَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ فَكَانَ جَزَاؤُهُمُ النَّعِيمَ بَعْدَ [ ص: 356 ] مَمَاتِهِمْ ، أَيْ بَعْدَ حَيَاتِهِمُ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالْعَدْلِ يَسْتَدْعِي التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْمُسِيءِ وَالْمُحْسِنِ ، وَالِانْتِصَافَ لِلْمُعْتَدَى عَلَيْهِ مِنَ الْمُعْتَدِي .

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ تُبَيِّنُ كَوْنَهُ فِي تَمَامِ الْإِتْقَانِ وَالنِّظَامِ بِحَيْثُ إِنَّ دَلَائِلَ إِرَادَةِ الْعَدْلِ فِي تَصَارِيفِهَا قَائِمَةٌ ، وَمَا أَوْدَعَهُ الْخَالِقُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْقُوَى مُنَاسِبٌ لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ النِّظَامِ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُهُمْ فَإِذَا اسْتَعْمَلُوهَا فِي الْإِفْسَادِ وَالْإِسَاءَةِ كَانَ مِنْ إِتْمَامِ إِقَامَةِ النِّظَامِ أَنْ يُعَاقَبُوا عَلَى تِلْكَ الْإِسَاءَةِ ، وَالْمُشَاهَدُ أَنَّ الْمُسِيءَ كَثِيرٌ مَا عَكَفَ عَلَى إِسَاءَتِهِ حَتَّى الْمَمَاتِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْجَزَاءُ بَعْدَ الْمَوْتِ حَصَلَ اخْتِلَالٌ فِي نِظَامِ خَلْقِ الْمَخْلُوقَاتِ وَخَلْقِ الْقُوَى الصَّادِرِ عَنْهَا الْإِحْسَانُ وَالْإِسَاءَةُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى تَكَرَّرَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَكُلَّمَا ذُكِرَ شَيْءٌ مِنْهُ أُتْبِعَ بِذِكْرِ الْجَزَاءِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ قَوْلُهُ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ .

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْحَقِّ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ ، أَيْ خَلْقًا لِلسَّبَبِ الْحَقِّ أَوْ مُلَابِسًا لِلْحَقِّ لَا يَتَخَلَّفُ الْحَقُّ عَنْ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ .

وَالْحَقُّ : اسْمٌ جَامِعٌ لِمَا شَأْنُهُ أَنْ يُحَقَّ وَيُثْبَتَ ، وَمِنْ شَأْنِ الْحِكْمَةِ وَالْحَكِيمِ أَنْ يُقِيمَهُ ، وَلِذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ " وَخَلَقَ اللَّهُ " فَإِنَّ اسْمَ الْجَلَالَةِ جَامِعٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَتَصَرُّفَاتِ الْحِكْمَةِ .

وَعُطِفُ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ عَلَى " بِالْحَقِّ " لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ الْمَجْرُورَ بِالْيَاءِ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ بَعْدَ إِجْمَالٍ فَإِنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْفِعْلِ بِمَا يُنَاسِبُهُ هُوَ مِنَ الْحَقِّ ، وَلِأَنَّ تَعْلِيلَ الْخَلْقِ بِعِلَّةِ الْجَزَاءِ مِنْ تَفْصِيلِ مَعْنَى الْحَقِّ وَآثَارِ كَوْنِ الْحَقِّ سَبَبًا لِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَوْ مُلَابِسًا لِأَحْوَالِ خَلْقِهِمَا ، فَظَهَرَتِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْبَاءِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَاللَّامِ فِي الْمَعْطُوفِ .

وَالْبَاءُ فِي بِمَا كَسَبَتْ لِلتَّعْوِيضِ . وَمَا كَسَبَتْهُ النَّفْسُ لَا تُجْزَى بِهِ بَلْ تُجَازَى بِمِثْلِهِ وَمَا يُنَاسِبُهُ ، فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ بِمِثْلِ مَا كَسَبَتْهُ . وَهَذِهِ الْمُمَاثَلَةُ [ ص: 357 ] مُمَاثَلَةٌ فِي النَّوْعِ ، وَأَمَّا تَقْدِيرُ تِلْكَ الْمُمَاثَلَةِ فَذَلِكَ مَوْكُولٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمُرَاعًى فِيهِ عَظَمَةُ عَالَمِ الْجَزَاءِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَمِقْدَارُ تَمَرُّدِ الْمُسِيءِ وَامْتِثَالِ الْمُحْسِنِ ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ فَإِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمَا يُنَاسِبُ عَالَمَ الدُّنْيَا مِنَ الضَّعْفِ .

وَلِهَذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ : " وَلَا هُمْ يُظْلَمُونَ " فَضَمِيرُ " هُمْ " عَائِدٌ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْجَزَاءَ مِمَّا اقْتَضَاهُ الْعَدْلُ الَّذِي جُعِلَ سَبَبًا أَوْ مُلَابِسًا لِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا ، فَهُوَ عَدْلٌ ، فَلَيْسَ مِنَ الظُّلْمِ فِي شَيْءٍ فَالْمُجَازَى غَيْرُ مَظْلُومٍ ، وَبِالْجَزَاءِ أَيْضًا يَنْتَفِي أَثَرُ ظُلْمِ الظَّالِمِ عَنِ الْمَظْلُومِ إِذْ لَوْ تُرِكَ الْجَزَاءُ لَاسْتَمَرَّ الْمَظْلُومُ مَظْلُومًا .
.........................




وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ لَمَّا جَرَى فِي خِطَابِ دَاوُدَ ذِكْرُ نِسْيَانِ يَوْمِ الْحِسَابِ ، وَكَانَ أَقْصَى آيَاتِ ذَلِكَ النِّسْيَانِ جُحُودُ وُقُوعِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى عَدَمِ مُرَاعَاتِهِ وَمُرَاقَبَتِهِ أَبَدًا ، اعْتُرِضَ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ بِثَلَاثِ آيَاتٍ لِبَيَانِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَعْلِ الْجَزَاءِ وَيَوْمِهِ احْتِجَاجًا عَلَى مُنْكِرِيهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .

وَالْبَاطِلُ : ضِدُّ الْحَقِّ ، فَكُلُّ مَا كَانَ غَيْرَ حَقٍّ فَهُوَ الْبَاطِلُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ .

وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْمَأْخُوذِ مِنْ نَفْيِ الْبَاطِلِ هُنَا ، هُوَ أَنَّ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ خُلِقَتْ عَلَى حَالَةٍ لَا تَخْرُجُ عَنِ الْحَقِّ ؛ إِمَّا حَالًا كَخَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ وَالصَّالِحِينَ ، وَإِمَّا فِي الْمَآلِ كَخَلْقِ الشَّيَاطِينِ وَالْمُفْسِدِينَ لِأَنَّ إِقَامَةَ الْجَزَاءِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِ اسْتِدْرَاكٍ لِمُقْتَضَى الْحَقِّ .

وَقَدْ بُنِيَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَحْوَالِ الْمُشَاهَدَاتِ وَهِيَ أَحْوَالُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَالْمُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، فَأُقِيمُ الدَّلِيلُ عَلَى أَسَاسِ مُقَدِّمَةٍ لَا نِزَاعَ فِيهَا ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ إِذَا تَأَمَّلُوا أَدْنَى تَأَمُّلٍ وَجَدُوا مِنْ نِظَامِ هَذِهِ الْعَوَالِمِ دَلَالَةً تَحْصُلُ بِأَدْنَى [ ص: 247 ] نَظَرٍ عَلَى أَنَّهُ نِظَامٌ عَلَى غَايَةِ الْإِحْكَامِ إِحْكَامًا مُطَّرِدًا ، وَهُوَ مَا نَبَّهَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا .

وَمَصَبُّ النَّفْيِ الْحَالُ وَهُوَ قَوْلُهُ " بَاطِلًا " فَهُوَ عَامٌّ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، وَبُعْدُ النَّظَرِ يُعْلِمُ النَّاظِرَ أَنَّ خَالِقَهَا حَكِيمٌ عَادِلٌ وَأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْفَاعِلِ يُسْتَدَلُّ بِالظَّاهِرِ مِنْهَا عَلَى الْخَفِيِّ ، فَكَانَ حَقٌّ عَلَى الَّذِينَ اعْتَادُوا بِتَحْكِيمِ الْمُشَاهَدَاتِ وَعَدَمِ تَجَاوُزِهَا أَنْ يَنْظُرُوا بِقِيَاسِ مَا خَفِيَ عَنْهُمْ عَلَى مَا هُوَ مُشَاهَدٌ لَهُمْ ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَنَّ نِظَامَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا كَانَ جَارِيًا عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ وَكَامِلِ النِّظَامِ ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَتَدَبَّرُوا فِيمَا خَفِيَ عَنْهُمْ مِنْ وُقُوعِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ جَارٍ عَلَى نِظَامٍ بَدِيعٍ إِلَّا أَعْمَالَ الْإِنْسَانِ ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَنَّ مِنَ النَّاسِ صَالِحِينَ نَافِعِينَ ، وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ إِلَى صِنْفِ الْمُجْرِمِينَ الْمُفْسِدِينَ ، وَأَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ كَثِيرًا لَمْ يَنَالُوا مِنْ حُظُوظِ الْخَيْرَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ شَيْئًا أَوْ إِلَّا شَيْئًا قَلِيلًا هُوَ أَقَلُّ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ صَلَاحُهُ وَمَا جَاهَدَهُ مِنَ الِارْتِقَاءِ بِنَفْسِهِ إِلَى مَعَارِجِ الْكَمَالِ . وَمِنَ الْمُفْسِدِينَ مَنْ هُمْ بِعَكْسِ ذَلِكَ .

وَالْفَسَادُ : اخْتِلَالٌ اجْتَلَبَهُ الْإِنْسَانُ إِلَى نَفْسِهِ بِاتِّبَاعِهِ شَهَوَاتِهِ بِاخْتِيَارِهِ الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِيهِ ، وَبِقُوَاهُ الْبَاطِنِيَّةِ ، قَالَ تَعَالَى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، وَفِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ يَدْنُو النَّاسُ دُنُوًّا مُتَدَرِّجًا إِلَى مَرَاتِبِ الْمَلَائِكَةِ أَوْ دُنُوًّا مُتَدَلِّيًا إِلَى أَحْضِيَةِ الشَّيَاطِينِ ، فَكَانَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ تَقْتَضِي أَنْ يَلْتَحِقَ كُلُّ فَرِيقٍ بِأَشْبَاهِهِ فِي النَّعِيمِ الْأَبَدِيِّ أَوِ الْجَحِيمِ السَّرْمَدِيِّ .

وَلَوْلَا أَنَّ حِكْمَةَ نِظَامِ خَلْقِ الْعَوَالِمِ اقْتَضَتْ أَنْ يُحَالَ بَيْنَ الْعَوَالِمِ الزَّائِلَةِ وَالْعَوَالِمِ السَّرْمَدِيَّةِ فِي الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ لِبَقَاءِ هَذِهِ الْأَخِيرَةِ لَأَطَارَ اللَّهُ الصَّالِحِينَ إِلَى أَوْجِ النَّعِيمِ الْخَالِدِ ، وَلَدَسَّ الْمُجْرِمِينَ فِي دَرَكَاتِ السَّعِيرِ الْمُؤَبَّدِ ، لِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ جُمَاعُهَا رَعْيَ الْإِبْقَاءِ عَلَى خَصَائِصِ الْمَخْلُوقَاتِ حَتَّى تُؤَدِّيَ وَظَائِفَهَا الَّتِي خُلِقَتْ لَهَا ، وَهِيَ خَصَائِصُ قَدْ تَتَعَارَضُ فَلَوْ أُوثِرَ بَعْضُهَا عَلَى غَيْرِهِ بِالْإِبْقَاءِ لَأَفْضَى إِلَى زَوَالِ الْآخَرِ ، فَمَكَّنَ اللَّهُ كُلَّ نَوْعٍ وَكُلَّ صِنْفٍ مِنَ الْكَدَحِ لِنَوَالِ مُلَائِمِهِ وَأَرْشَدَ الْجَمِيعَ إِلَى الْخَيْرِ وَأَمَرَ وَنَهَى وَبَيَّنَ وَحَدَّدَ .

[ ص: 248 ] وَجَعَلَ لَهُمْ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْعَالَمِ الزَّائِلِ عَالَمًا خَالِدًا يَكُونُ فِيهِ وُجُودُ الْأَصْنَافِ مَحُوطًا بِمَا تَسْتَحِقُّهُ كَمَالَاتُهَا وَأَضْدَادُهَا مِنْ حُسْنٍ أَوْ سُوءٍ ، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ الْعَالَمَ الْأَبَدِيَّ لَذَهَبَ صَلَاحُ الصَّالِحِينَ بَاطِلًا أَجْهَدُوا فِيهِ أَنْفُسَهُمْ وَأَضَاعُوا فِي تَحْصِيلِهِ جَمًّا غَفِيرًا مِنْ لَذَائِذِهِمُ الزَّائِلَةِ دُونَ مُقَابِلٍ ، وَلَعَادَ فَسَادُ الْمُفْسِدِينَ غُنْمًا أَرْضَوْا بِهِ أَهْوَاءَهُمْ وَنَالُوا بِهِ مُشْتَهَاهُمْ فَذَهَبَ مَا جَرُّوهُ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَرْزَاءٍ بَاطِلًا ، فَلَا جَرَمَ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْجَزَاءُ الْأَبَدِيُّ لَعَادَ خَلْقُ الْأَرْضِ بَاطِلًا وَلَفَازَ الْغَوِيُّ بِغَوَايَتِهِ .

فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ تُعُيِّنَ أَنَّ إِنْكَارَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ مُنْكِرُهُ قَائِلًا بِأَنَّ خَلْقَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَقَدْ دَلَّتِ الدَّلَائِلُ الْأُخْرَى أَنْ لَا يَكُونَ فِي خَلْقِ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْبَاطِلِ بِقِيَاسِ الْخَفِيِّ عَلَى الظَّاهِرِ ، فَبَطَلَ مَا يُفْضِي إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ فِي خَلْقِ بَعْضِ مَا ذُكِرَ شَيْئًا مِنَ الْبَاطِلِ .

وَالْمُشْرِكُونَ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَلَا اعْتَقَدُوهُ لَكِنَّهُمْ آيِلُونَ إِلَى لُزُومِهِ لَهُمْ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ فَقَدْ تَقَلَّدَ أَنَّ مَا هُوَ جَارٍ فِي أَحْوَالِ النَّاسِ بَاطِلٌ ، وَالنَّاسُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَبَاطِلُهُمْ إِذَا لَمْ يُؤَاخِذْهُمْ خَالِقُهُمْ عَلَيْهِ يَكُونُ مِمَّا أَقَرَّهُ خَالِقُهُمْ ، فَيَكُونُ فِي خَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنَ الْبَاطِلِ ، فَتَنْتَقِضُ كُلِّيَّةُ قَوْلِهِ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ، وَهُوَ مَا أَلْزَمَهُمْ إِيَّاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْقَضِيَّةِ الْمَنْفِيَّةِ لَا إِلَى نَفْيِهَا ، أَيْ خَلْقُ الْمَذْكُورَاتِ بَاطِلًا هُوَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ، أَيِ اعْتِقَادُهُمْ . وَأُطْلِقَ الظَّنُّ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّ ظَنَّهُمْ عِلْمٌ مُخَالِفٌ لِلْوَاقِعِ فَهُوَ بَاسْمِ الظَّنِّ أَجْدَرُ لِأَنَّ إِطْلَاقَ الظَّنِّ يَقَعُ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ الْمُشْبِهِ وَالْبَاطِلِ .

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَازِمَ الْقَوْلِ يُعْتَبَرُ قَوْلًا ، وَأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ وَهُوَ الَّذِي نَحَاهُ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فِي مُوجِبَاتِ الرِّدَّةِ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ .

وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَعَدَمِ جَرْيِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مُقْتَضَاهُ قَوْلَهُ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَيْ نَارِ جَهَنَّمَ . وَعُبِّرَ عَنْهُمْ بِالْمَوْصُولِ لِمَا تُشِيرُ إِلَيْهِ الصِّلَةُ مِنْ أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الْعِقَابَ عَلَى سُوءِ اعْتِقَادِهِمْ وَسُوءِ أَعْمَالِهِمْ ، وَأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ آثَارِ انْتِفَاءِ الْبَاطِلِ عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى بَاطِلٍ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِنِظَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَفِي ارْتِكَابِهِمْ مَفَاسِدَ عَوَائِدِ [ ص: 249 ] الشِّرْكِ وَمَلَّتِهِ ، وَقَدْ تَمَتَّعُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِمَّا تَمَتَّعَ بِهَا الصَّالِحُونَ فَلَا جَرَمَ اسْتَحَقُّوا جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ .

وَلَفْظُ " وَيْلٌ " يَدُلُّ عَلَى أَشَدِّ السُّوءِ . وَكَلِمَةُ : وَيْلٌ لَهُ ، تُقَالُ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ شِدَّةِ سُوءِ حَالَةِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ ، وَهِيَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ عَذَابِهِمْ فِي النَّارِ . وَ ( مِنَ ) ابْتِدَائِيَّةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ، وَقَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ شَرِبَ دَمَ حِجَامَتِهِ : " وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ وَوَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ "

..............................

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فسؤالي باختصار عن إمكانية وجود حياة قبل سيدنا آدم عليه السلام ( حياة أناس مثلنا) أو إمكانية الحياة بعد يوم القيامة ودخول الناس إما إلى الجنة أو إلى النار، وذلك لأنه دار حوار مع أحد الأصدقاء عن أن حياتنا كلها (الكون والسماء والأرض و ...) عبارة عن أمنية لإنسان دخل الجنة وتمنى أن تكون كل هذه الحياة، فأرجو أن تنصحوني ماذا أستطيع أن أرد على مثل هذا الكلام؟
وطلبي الأخير أن تزودوني ببعض الكتب والمواقع المتعلقة بمثل هذه المواضيع، واقبلوا مني فائق المودة والاحترام؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الإجابــة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالله تعالى على كل شيء قدير، يخلق ما شاء متى شاء وكيف شاء، قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].
وسواء في ذلك الخلق قبل خلق السماوات والأرض والخلق بعد يوم القيامة، هذا ما يجب علينا الإيمان به؛ لأن الله تعالى سمَّى نفسه الخالق، والخلق صفة له
والحاصل أن قدرة الله على الخلق أزلية دائمة، لكننا لا نستطيع القول بوجود أناس مثلنا قبل خلق آدم، كما لا نستطيع كذلك أن نزعم وجود حياة أخرى على الأرض بعد يوم القيامة؛ لأن ذلك من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ومما ورد الوحي بإثباته أن الله تعالى خلق الجن قبل الإنس، 
وجاء في الحديث الصحيح: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض. رواه البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
وهذا الحديث يوضح ترتيب خلق هذه المخلوقات على النحو المذكور فيه،
أما عن قول صاحبك: إن الأصل في خلق هذا الكون هو تحقيق أمنية لإنسان دخل الجنة وتمنى أن تكون هذه الحياة، فقولٌ باطل لا دليل عليه، وقائله داخل تحت قول الله تعالى: )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36]. بل أثبت الله تعالى أنه خلق الخلق لحكمة، بل لحكمٍ كثيرة، منها ما ذكره الله تعالى في قوله: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2].
وقوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
وقوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:38-39].
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الصريحة في حكمة الخلق. والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق